كان نقاش هويتنا من جهة انتماء السودان إلى العرب او الأفارقة (علاوة على زيف الأطروحة أصلاً التي افترضت انتماء واحداً أحداً للسودان) معرضاً لأقوال مغرضة من المتأفرقة الجدد. وهي أقوال لم يطرأ لهم أن يقيموا بها الحجة على تنصل السودان عن ولائه الأفريقي جرياً وراء ولاء عربي صمد. فلا يُسأل هؤلاء الأفارقة المحدثين على ما قالوا برهانا في حديث الشاعر العربي.

وكنت أمر بالأمس على أرشيف لصحيفة المورننق نيوز، التي صدرت عن دار الأيام في الخمسينات، ووجدتها نقلت عن الرأي العام (15 سبتمبر 1964) خبراً مفاده أن شرطة الخرطوم القت القبض على تاجر بالمدينة بتهمة المتاجرة مع دولة البرتغال.

وسبب التهمة للتاجر أنه خرق حظر الحكومة التجارة مع البرتغال التي كان يكتوي باستعمارها الأفارقة في موزمبيق وأنقولا وغينيا بيساو. بل كانوا نهضوا في كفاح مسلح لإزاحة حكم البرتغال عنهم صوره المؤرخ البريطاني الناشط بازل ديفدسون في كتب غراء عن دار بنغوين البريطانية للنشر اطلع عليها جيلنا فأشراب متضامناً معهم. وتمت تلك المطاردة لتاجر المدينة من حكومة عسكرية كان لنا نقاط خلاف قوي معها في سياساتها العربية والأفريقية والعالمية جميعاً. فيكفي مثلاً أنها فرقت مظاهرة لنا عصر أحد الأيام لنصرة الجزائر ونحن في بداية عهدنا بجامعة الخرطوم في عام 1960. وأطحنا بها بثورة مايو بعد شهر واحد من تاريخ القبض على التاجر المتبرغل. ولم يمنع انحياز حكومة عبود المعروف للغرب من الدخول في مقاطعة البرتغال تقرباً من الأماني الشعبية وامتثالاً لقرارات منظمة الوحدة الأفريقية (1963) السابقة للاتحاد الأفريقي. ووقع تاجر بالخرطوم تحت طائلة القانون نتيجة لذلك.

وأعادني نبأ جريدة المورننق نيوز إلى الهرج بالهوية الذي فلقنا به المتأفرقة الطارئون طوال عقدين من الزمان. فمتى نظرت في علم هوية البرجوازية الصغيرة المتأفرقة وجدته يدور حول تميمتين. أولها أنه كان بوسعنا أن نكون أحسن الأفارقة فصرنا، بتهافتنا على العرب، أسوأ العرب. أما الرقية الثانية فقولهم إن الذي يفرقنا هو المصموت منه من علائق الجنوب والشمال التاريخية.

أتعرض هنا لتميمة أحسن الأفارقة وأسوأ العرب من جهة قولهم إننا انجررنا منذ استقلالنا وراء العرب دون الأفارقة. وسأهمل المغازي العنصرية السفلى للعبارة نفسها. وقد سدرت هذه الصفوة في القول بتنكبنا الطرق الأفريقية لا يسندها دليل ولا يلجمها دليل مضاد. وظلت على هذه العقيدة الفاسدة حتى بعد صدور كتاب الدبلوماسي الأديب المرحوم عبد الهادي الصديق “السودان والأفريقانية” في التسعينات الذي استقصى المسألة في مظانها ولم يجدنا تدابرنا أفريقيا. فدولتنا ظلت، على تعاقب النظم، تلتزم بأفريقيا بصورة ما فصّله عبد الهادي. وكانت لها كبوات حين وجدت نفسها في حلف استعماري في الكنغو في 1960 أزهق حياة باتريس لوممبا، رئيس وزراء الكنغو الذي خذله نظام عبود، مما حكاه العقيد محمد محجوب حضرة في كتاب جيد. وقد احتج الشعب على لؤم الحكومة في الكنغو في مظاهرات مشهودة في 1960. وخرجت مظاهراتنا دعماً للومببا من جامعة الخرطوم وغيرها تهتف “يا للعار خذلوا الجار”. وشممنا رائحة الغاز المسيل يومها لأول مرة. ونهضت حكومة أكتوبر 1964 بدعم ورثة لوممبا، ومنحتهم حق اللجوء السياسي ومَرَّرت لهم العون المصري والجزائري.

وكان دور السودان ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا شديداً. فاحتفلت أفريقيا بعيد استقلالنا في 1957 بعقد اجتماع اتحاد كرة القدم الافريقي الأول في الخرطوم الذي استبعد جنوب أفريقيا من المنافسات في القارة لعنصريتها في الرياضة. وأعلن السودان في مؤتمر قمة افريقيا إغلاق مطاراته في وجه طائرات جنوب افريقيا وبريطانيا بعد استقلال روديسيا الزائف بيد المستوطنين البيض في 1965كما سيرد. كما التزم بتدريب المناضلين السود على أرضه. وزارنا مانديلا قبل اعتقاله في 1962 لدراسة هذه الترتيبات. وفتحنا الكلية العسكرية لمجاهدي أنغولا ونامبيا (جنوب غرب أفريقيا). وجعلنا مساهمتنا لقوي التحرر الأفريقية في 1970 بنداً في الميزانية العامة ورفعناها الي 50% من السابق. وقد ذكر ذلك للسودان رئيس ناميبيا سام نجومي في أول خطاب رسمي له. ذكر أياماً له بفندق الأكربول بالخرطوم وكيف ضمه السودان الي وفده في الأمم المتحدة ليعرض قضيته بعد ان أعيت السودان الحيلة ليقنعها بقبول مندوب الحركة نجومي مراقباً في الامم المتحدة.

كما ذكر أيدي السودان الأفريقية أغوستينو نيتو، رئس أنغولا الأسبق، الذي خطب يوماً في الخرطوم قائلاً “لا احتاج أن اذكر الحضور الكريم بعون السودان للمناضلين في انجولا وبقية بلدان افريقيا. يكفيني القول إن طبقة الضباط المتنفذة في بلدي اليوم قد تلقت تدريبها العسكري في كلية السودان الحربية.” ومن أطرف ما أعان به السودان مجاهدي أنغولا هو قطيع من الحمير التي أخرس البيطريون نهيقها لتعين في ترحيل معداتهم دون أن يصدر عنها صوت ينبه العدو. كما زار يعقوب قاوون، الرئيس الأسبق للجمهورية في نيجيريا، السودان ليشكر له وقفته الي جانب وحدة نيجريا والامكانيات العسكرية التي وضعها تحت تصرف الجيش النيجيري**. واشتغل السودان بنضال روديسيا الجنوبية (زمبابوي الآن). فحين أعلن إيان سميث العنصري استقلال القطر من انجلترا من جانب واحد (1965) لينفرد البيض بالحكم دعا السودان في قمة أفريقية طارئة الي استخدام القوة لرد الحق الافريقي. وقطع علاقته مع بريطانيا لموقفها المجهج من حقوق السود في روديسيا من 1965 الي 1966. ودرّب عناصر حزب زانو الروديسي ووفر لهم الباسبورتات وأوراق الهجرة وعلاج الجرحى. وحين ضايق إيان سميث، رئيس وزراء روديسيا عن الأقلية البيضاء المستوطنة، زامبيا لعونها نضال زانو طلب السودان من منظمة الوحدة الافريقية أن تعين زامبيا لتحمل العقوبات التي فُرضت عليها.

القول بأننا أسوأ كذا وأحسن كذا مجرد تميمة لا تغني عن الحق شيئاً. والقول بأن السودان انصرف عن المسألة الأفريقية تقرباً من العرب لا يخلو من مبالغة مصدرها قلة النظر واتساع الخشم. وهو ابتزاز للصفوة البرجوازية الصغيرة الشمالية افحمها من غير أن تتثبت منه ودخلت منه في أظافرها حرجاً من “عار” 56.

* وكانت حركة أنانيا في وقتها ذاك تقاتل لفصل الجنوب مما صادم السياسة الأفريقية في يومها.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

القبض على ٣٦ تاجرًا ومروجًا ومهربًا للمخدرات

#سواليف

 قال الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام إنّ العاملين في إدارة مكافحة المخدرات واصلوا جهودهم اليومية لملاحقة تجّار الموت ومروجيها ومهربيها، وتمكنوا خلال الأيام القليلة الماضية من إلقاء القبض على ٣٦ تاجرًا ومروجًا ومهربًا خلال تعاملهم مع ١٥ قضية وحملات أمنيّة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة.

وأكّد الناطق الإعلامي أنّ أبرز تلك الحملات كانت ضمن اختصاص محافظة المفرق، بعد جمع المعلومات وتحديد مكان وجود عدد من أخطر المطلوبين وتجّار المخدات ومروجيها، إذ تم بإسناد من الفريق الخاص التابع للإدارة مداهمة مواقعهم في آن واحد، وأفضت الحملة لإلقاء القبض على ١١ مطلوباً وتاجراً ومروجاً، وضبط بحوزتهم ما مجموعه ( ١٠ آلاف حبة مخدرة و ١١ سلاحاً نارياً مختلفاً وكمية كبيرة من الذخيرة الحيّة وكمّيات من مواد الحشيش والكوكايين المخدرة) .

ونُفّذت كذلك حملة أمنيّة في مناطق جنوب العاصمة أُلقي القبض خلالها على خمسة تجّار ومروجين للمخدرات وضبط بحوزتهم كمّيات متفرقة من المواد المخدرة المعدة للبيع ،فيما نُفّذت في محافظة عجلون حملة أخرى أُلقي القبض خلالها على شخصين من أخطر مروجي المخدرات في المحافظة.

مقالات ذات صلة خبير عسكري: القسام أوقعت جيش الاحتلال في “مصيدة المغفلين” 2024/06/10

وكانت أبرز القضايا إحباط تهريب ١٢.٥ كغم من مادة الكريستال عبر معبر حدود جابر، حيث تمت متابعة معلومات حول القضية ومتابعتها وجرى إحباط عملية التهريب تلك والمواد القاتلة التي كانت موجودة داخل عبوات تبغ، وفي الوقت ذاته أُلقي القبض على شخصين قادت إليهم التحقيقات بتورطهما في القضية وأنّ الكمية المهرّبة كانت قادمة لصالحهما .

وفي غرب البلقاء تابع العاملون في الإدارة معلومات حول قيام شخصين بتجهيز كمية كبيرة من الحبوب المخدرة تمهيداً لتهريبها إلى دولة مجاورة ، وجري تحديد طريقة التهريب داخل حقيبة سفر ومكان المواد المخدرة والمتورطين وجرى مداهمتهما وأُلقي القبض عليهما وضبطت كذلك حقيبة السفر التي تبيّن بداخلها ١٠٠ ألف حبة مخدرة.

وفي جنوب العاصمة وبعد جمع المعلومات حول أحد الأشخاص المشبوهين بقضايا الاتجار بالأسلحة النارية والتأكد من حيازته وعرضه لكمية من الأسلحة النارية للبيع جرت مداهمته وإلقاء القبض عليه وضبط داخل منزله ٨ أسلحة نارية متنوعة من بينها أسلحة أوتوماتيكية.

وفي البادية الشمالية تم التعامل مع قضيتين نوعيتين ، تم في الأولى إلقاء القبض على ثلاثة تجّار للمخدرات بعد مقاومتهم للقوة الأمنية عند مداهمتهم وضبط بحوزتهم ٦٥ ألف حبة مخدرة وسلاح ناري أوتوماتيكي ، كما وأُلقي القبض في القضية الثانية على تاجر خطر للمخدرات بعد مداهمته وضبط بحوزته ٦٦ كفاً من مادة الحشيش المخدرة.

وفي محافظة المفرق جرى التعامل مع ثلاث قضايا نوعية، أُلقي القبض في الأولى على تاجر للمخدرات مطلوب وبحقه حكم غيابي بالسجن ٢٠ عاما بعد مداهمته وضبط بحوزته ٢٠٠٠ حبة مخدرة ، كما وأُلقي القبض في القضية الثانية على مروج وبحوزته ٥٠٠٠ حبة مخدرة ، ودوهم في القضية الثالثة مروج آخر وأُلقي القبض عليه وبحوزته ١٤ كفاً من مادة الحشيش المخدرة.

وفي البادية الوسطى أُلقي القبض على تاجر للمخدرات وبحوزته ٤٠٠٠ حبة مخدرة ، كما وألقي القبض في البادية الجنوبية على مروجَين للمخدرات وضبط بحوزتهما كمّيات من مادتي الماريجوانا المخدرة والحشيش المخدر، فيما تم إلقاء القبض على تاجر للمخدرات في محافظة معان بعد مداهمته في أثناء نقله ٢٠٠٠ حبة مخدرة بواسطة مركبته، وفي آخر القضايا جنوب العاصمة جرت مداهمة مروجَين للمخدرات وأُلقي القبض عليهما وضُبط بحوزتهما ٥ كفوف حشيش وسلاح ناري.

مقالات مشابهة

  • ولي عهد الفجيرة يستقبل سفير البرتغال وقنصل جنوب أفريقيا
  • اتحاد الصناعات المصرية ينظم أول زيارة ميدانية للسفراء الأفارقة
  • سؤال برلماني حول خطة زيادة أعداد السياح العرب الوافدين لمصر
  • لعبة غموض يمارسها رئيس أفريقيا الوسطى في تعامله مع السودان
  • الزعماء الأفارقة يستعدون لزيارة ثانية إلى روسيا لبحث سبل تسوية الصراع بأوكرانيا
  • السودان..تحرّكات مرتقبة للشرطة تّجاه الوجود الأجنبي
  • وفاة 35 مهاجرا أفريقيا غرقا في إحدى سواحل شبوة
  • القبض على ٣٦ تاجرًا ومروجًا ومهربًا للمخدرات
  • وفاة 30 مهاجرا أفريقيا إثر غرق قارب كان يقلهم في سواحل شبوة
  • «الصادرات السعودية» تختتم مشاركتها في معرض (البناء- أفريقيا)