تقول الكاتبة الأميركية ورئيسة قسم كتابة السيناريو في كلية السينما في لوس أنجلوس ليندا كاوغيل، "حين تحمّل الحبكة أكثر مما ينبغي من الحدث، فأنت لن تزوّد الحبكة بما يكفي من الشخصيات والعاطفة، ولن يكون لديك وقت لإدخال ردود فعل الشخصيّات على الصراع".

فما بالك إذا كان حدثك عنفيا ودمويا بصيغة مقحمة، ودون بناء متين وفق مبررّات مقنعة، وذرائع وافية، تمنح الحكاية طريق تصاعدها العميق نحو الذرى المطلوبة!

من المؤكد أنه عندما يصير العنف مجرّد استنساخ مجاني لواقع مضطرب، فإن النتيجة ستكون إعادة تصويره للقسوة بطريقة مربكة وسيكون الهدف بقصد أو دونه بمثابة تكريس الجريمة وجعلها أسلوب حياة!

هذا بالضبط ما يحصل مع المسلسل السوري "ولاد بديعة"، وهو من تأليف علي وجيه ويامن حجلي، وإخراج رشا شربتجي، وبطولة كل من سلافة معمار، وسامر إسماعيل، ومحمود نصر، وفادي صبيح، وروزينا لاذقاني، وتيسير إدريس.

العمل الذي بيع إلى شركة إنتاج سورية على عجل، ومن دون وجود حلقات مكتوبة، إنما على ملخص شامل وبضمانة مخرجة "بيّاعة" اعتادت أن توقف أعمالها الشارع السوري على قدم واحدة، فأنجزت الحلقات بسرعة قياسية، ودارت الكاميرا بنفس الوتيرة، ثم تمت الاستعانة بمخرج آخر هو علي علي كمنقذ للموقف من أجل اللحاق بالموسم الرمضاني.

بدأ عرض المسلسل وذهب نحو إثارة بلبلة واضحة منذ بداية عرضه بسبب البنية الحكائية التي تطغى عليها الخيارات الفجّة والمباشَرة الفظّة، والسعي المحموم وراء تحقيق "الترند" رغم أن مفهوم القيمة يشيّد عداء جذريا مع هذا المنطق التجاري الاستهلاكي!

تنطلق قصة "ولاد بديعة" عبر زمنين مختلفين، في منطقة الدبّاغات بدمشق، وتحديدا من رجل ميسور له وزنه في السوق هو عارف الدباغ (فادي صبيح) واللحظة التي يرزق فيها بمولود جديد يسمّيه "مختار" بعد سنوات من الصبر وعدم الإنجاب، يتعرف حينها على سيدة مختّلة لا تجيد الكلام (إمارات رزق) فينجب منها ولدين غير شرعيين هما ياسين وشاهين، تبدأ معهما مسيرة طويلة من الأحداث الدموية، والعنف المبالغ فيه، والقسوة المفتعلة، وتقفي أثر السلوكيات الإجرامية، دون أدنى عناية بصوغ المبررات المطلوبة، والتمتين اللازم للحلول.

فمنذ انطلاق المطارح التأسيسية للحكاية تبدو الهلهلة الصريحة في صوغ الحبكة هي السمة السائدة، إذ لن يكون مقنعا انحدار رجل مقتدر لا ينقصه شيء نحو الاعتداء على سيدة مختلة لا تجيد الكلام، وقد أمضت غالبية سنوات عمرها مشرّدة في الشارع، عدا عن الاستفادة الواضحة لدرجة القص واللصق من السينما المصرية القديمة وتحديدا من فيلم "توت توت" (كتابة عصام الشمّاع وإخراج عاطف سالم أنتج سنة 1993 بطولة نبيلة عبيد التي أدّت دور مختلة يتم استغلالها من رجل غني يلعب دوره سعيد صالح يستدرجها ويتركها حامل بطفل).

إلا أن الفرضية في المسلسل السوري خارج السياق الصحيح والمبرر دراميا خلافا للفيلم المصري، حتى في الحوار الساذج الذي يدور بعد سنوات طويلة بين عارف الدباغ وزوجته يعترف فيه بأنه اعتدى على ابنة الشارع بسبب إحساسه بالنقص تجاه زوجته كونها ابنة عائلة مترفة، تنازلت حتى قبلت الزواج به ومن ثم أذلّته بسبب الفوارق الطبقية بينهما. لكن لا يمكن تبرير الاعتداء على امرأة مستضعفة ومختلة ومشردة، إلا من شخص مضطرب لديه نقص واضح، وهذا غير موجود نهائيا في شخصية عارف الدبّاغ التي أدّاها ببراعة فادي صبيح!

بعد ذلك سيتدحرج المسلسل إلى مطارح موغلة في الاستعراض المجاني على مستوى الحبكة، والشغل الخارجي بالنسبة للسوية الأدائية عند غالبية الممثلين خاصة في الاعتماد على لوازم حركية ولفظية، دون إحساس عميق بمنطق الشخصية، قد يكون ذلك لأن أغلب شخوص الحكاية عائمة على السطح لا تملك ذلك العمق الكافي للخوض فيه، ومحاولة استحضار حالات نفسية يمكن الاشتغال عليها.

لذا فإن التجسيد "البرّاني" على مستوى الأداء سيبدو سمة ظاهرة في شغل سكر (سلافة معمار) التي تعتمد في منطقها التجسيدي على الصراخ والعويل والأداء الخارجي، وهو ذاته الذي يعتمد عليه محمود نصر، فيما يظلّ يامن حجلي عالقا عند الأدوات التمثيلية ذاتها التي ظهر عليها في مسلسل "أيّام الدراسة" أي نفس نبرة الصوت وحركات الجسد والانفعالات الحسية ما عدا المشهد الذي يتخاصم فيه مع شقيقته وقد لعباه بعمق لافت.

كلّ ذلك إلى جانب تنفيذ مشهد شنق القطط بقصد إظهار المرض النفسي الذي يعاني منه مختار مع تنويه ساذج في بداية الحلقة، بأن المشهد نفذ بوجود مختصيّن دون أن يصيبهم أذى، وهو ما فتح نافذة الهجوم الشرس من جمعيات ومختصين بالحيوانات بسبب الأذى النفسي الذي يمكن أن يلحق بالحيوانات الأليفة في مثل هذه الحالات، عدا عن تكريس سلوك إجرامي مشين يمكن أن يصل للأطفال في بيئة ومجتمعات خصبة لسريان العنف بعد معاناتها مع الدموية والقسوة خلال سنوات الحرب الطويلة!

إضافة لذلك سنكون أمام غياب لضبط الزمن اللازم، في مشاهد معينة مثل تلك التي تحدث عند المعركة بين مختار وشقيقه في المخفر ثم امتداد العراك لموقف سيارات فارغ ويستمرّ لوقت طويل جدا وينتهي بتناقض مع منطق الشخصيتين المتعاديتين أصلا وغرابة السؤال عن إمكانية المصالحة!

هكذا، تتواطأ الحكاية المفبركة في الاتكاء على الحلول السهلة، والمصادفات المتلاحقة مع تطعيم دائم لمشاهد عنيفة ودموية مجانية، وسيصادف وجود شاهد عند وقوع كلّ جريمة، فيما ستخبر الشخصيات خصومها بمستمسكاتها بطريقة تخالف المنطق البديهي في الصوغ الدرامي، ثم فجأة تتنكّر الشخصية لخطّها المتصل وتتصرّف عكس الطريقة المبنية عليها، كأننا أمام مصحّ درامي شخصياته مصابة بالفصام!

فعلى سبيل المثال، تقرر مروى (لين غرّة) أن تتوب لمدة نصف ساعة وترفض خلع الحجاب، فيما تدفع سكر جميع ديون إحدى البقالات في نفس الوقت الذي تسطو فيه على بيوت جارها أبو رياض (فراس إبراهيم) ثم سنظلّ أمام تعاقب متواصل لارتكاب مجازر جماعية، وعمليات السطو المسلّح، والخطف، وكأن المكان الجغرافي المقترح هو عبارة عن غابة لا وجود فيها نهائيا لأي سلطة أو قانون، وحتى نهاية الحلقة الـ11 لن نلمح رجل دولة واحدا ولو يمرّ ملوحا، إلا فيما يخص العملة المزورة التي عثر عليها بحوزة ياسين على الحدود اللبنانية؟!

وهنا السؤال، أين اختفت الجهات السلطوية، والشرطة، في بلد أمني أصلاً، لدرجة أنك لا تلمح في "ولاد بديعة" كلّه حتى شرطي مرور يذكّرنا بأن هناك ضبطا محتملا، ضد أي مخالفة سير مرتكبة؟! فما بالك بعشرات جرائم القتل التي لا يسأل عنها أحد.

فيما يجرّب العمل أيضا اقتحام حياة الليل، والراقصات بطريقة برّانية ومشوهة حتى لتلك الأماكن الغنية بالقصص المثيرة، إذ نلاحق حياة سكر وهي التي تجرّب احتراف الرقص دون أن تجافيها المشاكل وضرب الزبائن واستشراس أخيها بسبب إحساسه بهدر شرفه رغم أن هذا السياق يجافي تماما حياة الملاهي، ومنطق إدارتها بالشكل الواقعي، فيما تبقى العناية بالتفاصيل غائبة عندما نرى مطلع الحلقة الـ11 عملة سورية ترمى على مسرح الكباريه في زمن لم تكن تلك العملة مطبوعة أصلاً!

ليزيد بعد ذلك إقحام خطّ عن صراع الديكة، رغم أن الأمر الموضوع نادر ولم يسبق أن سمع به السوريون، لكنّ الدراما فن انتقائي يمكنه النبش من التاريخ وإعادة تدوير الأشياء الغريبة، لذا كان سيسجل للعمل هذه الالتقاطة التي كانت تحدث فعلاً في بعض المناطق الساحلية السورية، لكن الحقيقة بأن الفرضية مقتبسة بحذافيرها من السينما الإيرانية وتحديدا من فيلم "نصف القمر" للمخرج باهمان غوبادي.

كلّ ذلك إضافة إلى إشارة واضحة من رواد شبكات التواصل الاجتماعي للتقاطعات على مستوى البناء الهيكلي بين مسلسلي "ولاد بديعة" و"مال قبان" (إخراج سيف السبيعي) لنفس الكاتبين، وقد أنجز للموسم الماضي دون أن يحظى بفرصة عرض ليتاح له رؤية النور هذا العام فإذا بتشابهه مع المسلسل الثاني يظهر بوضوح!

عموما وبعيدا عن أي استفادة من أعمال ثانية، أو اتكاء على حلول ساذجة، أو غياب المبررات الصلبة، أو تقصد الميل باتجاه القسوة المجانية، والجريمة المفبركة بداعي تحقيق الشعبوية العريضة، لا بد أن بعض المشاهدين سيسألون أنفسهم: صراع مثل ذلك الذي يدور بين مجرمين وقتلة وإخوة على الميراث، ما العبرة فيه وما الرسالة التي يمكن أن يوصلها مثل هذا الصراع لمتفرّج بعيد عن مثل هذه المسارح المصطنعة؟!

أخيرا، يجدر بنا تذكير صنّاع هذا المسلسل السوري بما تفيد فيه المرجعيات الأكاديمية من قواعد واضحة فيما يخصّ إعادة تمثيل العنف، ففي حال لم تكن محمّلة بمعنى عميق، فإنها ستنحو باتجاه أن تكون تحقيقا صحفيا لا يصل لمكانة فن ذي قيمة… والمثال على ذلك أنه عندما قدم المخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني فيلمه "سالو" (Salo) الذي يقطر عنفا نفسيا وجسديا شديدا، لم يكن ذلك مجانيا، بل كان بقصد إدانة الفاشية!

كذلك الأمر في "سيتي أوف غادز" (City of Gods) والذي يعتبر أحد أفلام سينما القسوة بهدف تشريح العنف في المجتمع البرازيلي ومن ثم تجريمه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات ولاد بدیعة

إقرأ أيضاً:

دردشة درامية عن المسلسل الغرفة 207 و عن الفيلم 1408

دردشة درامية عن #المسلسل #الغرفة_207 و عن الفيلم 1408
بقلم #فراس_الور


مِمًا لا شك به ان التشابه الكبير بين العملين لا يمكن اخفاءه، مسلسل الغرفة 207 مأخوذ عن مجموعة قصصية للدكتور احمد خالد توفيق تم نشرها في مصر في عام 2008، و الفيلم الأمريكي 1408 الذي تم انتاجه عام 2007 يستند الى قصة قصيرة كتبها كاتب الرعب الأمريكي المشهور ستفين كنغ و نشرها عام 1999، و الصادم بالموضوع انه اذا اردنا مقارنة العملين الدراميين سنجد تشابه عام ضخم بالحبكة و الأحداث حيث كلا العملين هما عن غرف فندقية يحدث بها احداث خارقة للطبيعة يُقْتَلْ بها من يسكنها او يدخلها من البشر، و لعل الحوادث الخارقة للطبيعة التي تحدث لمن يدخلها مع اللوحات الفنية المسكونة المعلقة على جدران تلك الغرف بكلا العملين و النهاية المشتركة بحرقهما بأخر الفلمين لا يعني ان الكاتب الدكتور احمد توفيق سرق حبكة ستيفن كنغ عن قصد، بل قد يكون تأثر بها و احب فكرة الرواية ليكتب رواية مثيلة لها بروحه الخاصة المُغَمًسَة بالنكهة المصرية، فبالتالي هذا الأمر انعكس على العمل الدرامي الغرفة 207 ليأخذ روح فيلم 1408 بنكهة مصرية خاصة بنجاح، و ليروي لنا في كل حلقة ما يحدث لضيوف فندق لونا العتيق الذي كانوا يأتي بعضهم خصيصا ليطلبوا السكن فيها، و غالبا قد لا يقع اية مسؤلية قانونية هنا على الكاتب او فريق العمل القَيِمْ على المسلسل الدرامي اذ نرى اختلافات جوهرية بالسينايو و الحوار، اذ في فيلم 1408 يبقى صحفي واحد مهتم اساسا بعالم الخوارق حبيس الغرفة الملعونة بمسها الشيطاني المخيف مع ارواح مَنْ حصدت من نزلاء بها لنرى سلسلة خوارق تقشعر لها الأبدان تَفْعَلْ به العَجَبْ العُجَابْ، و لكن بالغرفة 207 نرى ان تقريبا في كل حلقة كان هنالك ضيف مختلف كان ضحية هذه الغرفة لتتنوع القصص بصورة ملحوظة حول هذه الغرفة و ما تفعل بضحياها، و نرى ان جزء ِمْن الضحايا هم موظفون في الفندق ليأخذ المسلسل منحى درامي مختلف بعض الشيئ و يتميز عن فيلم 1408 ببعض النقاط،

الغرفة 207 هو مسلسل مصري تم انتاجه في عام 2022 و هو من بطولة نخبة محبوبة و لامعة جدا من نجوم مصر من بينهم (مع حفظ الألقاب) محمد فراج و ريهام عبدالعفور و ناردين فرج و مراد مكرم و بيومي فؤاد، و هو عن موظف استقبال اسمه جمال الصواف (محمد فراج) يتم تعينه في فندق لونا الذي يمتلكه الخواجه مايكل الإيطالي الأصل، و بعد تعينه ببعض الوقت يتم تعين زميله له اسمها سارة (ناردين فرج) لتعاونه بعمله بالإستقبال، و يصطدمان ابطال الرواية بسلسلة من الخوارق في غرفة رقم 207 في كل مرة يسكنها نزيل، فنرى كيف تقتل هذه الغرفة كل من سكن بها و حيث تبدأ بالتأثير على الموظفين العاملين بالفندق مع تقدم حلقات العمل، و يتخلل المسلسل حوادث مثيرة للجدل حيث تنجلي حقائق حول الجنية التي تسكن الغرفة و علاقتها بصاحب الفندق الذي يفضل الكتمان حول ما يحدث لكي لا تُمَسْ سمعة فندقه، و يتضح في آخر الحلقات ارتباطه الوثيق بالجنية لتبدأ بمحاولة الإنتقام و تصفية ما تبقى من موظفين الفندق و لتحاول منع تدمير الغرفة قبل ان يقرروا الموظفين احراق الغرفة و التخلص منها،

و هنا قبل ان اكمل دردشتي حول حيثيات هذه المقالة لا بد لي ان اتوقف عند امر لفت انتباهي، و هو تَغْيِرْ تفاجئت به قام به بيومي فؤاد بهذا العمل لسلسلة الأدوار الكوميدية المتوازية التي اعتدنا ان يأخذها اذ لازَمَتْ الفئة الكوميدية أفلامه لفترة طولية، و كأن المنتيجين لاحظوا نجاحه الساحق بهذه الفئة و الجمهور الكبير الذي أُعْجِبَ به فربما حصروا ادواره بها لأبْعَادْ تجارية تتعلق بضمان نحاج الفيلم الدرامي، و لكن نراه بهذا المسلسل يكسر هذه السلسلة المتوازية بدور درامي نجح به تماما و اثبت تَمَكُنُهْ من خروج من عباءة الأدوار الكومديية بكل إقتدار، هنالك الكثير من النجوم الذين سبقوا بيومي فؤاد بهذه الأمور بالسينما المصرية فنجحوا بأداء نمط مُعَيًنْ من الأدوار لفترة من الوقت و ربما خافوا ان يقدموا ادوار تختلف عن سابقاتها ليقعوا بتجارب خير ناجحة تُفْقِدُهُمْ قاعدتهم الجماهرية، و ربما بالتالي خوفا من أن تَهْتَزْ ثقة المنتيجين بهم، فمثلا الفنان الراحل محمود المليجي الذي كان مارد من مُرًادْ السينما المصرية في عهده كان قد اخذ ادوار الشر بالسينما لفترة طويلة من الوقت، و يُخْبِرْ البعض الذين عاصروه انه لم يُغَيِرْ من طبيعة الأدوار التي قدمها الا بعد حديث مع الراحل الكبير يوسف شاهين حيث اقنعه بفيلم اسكندرية ليه ان يأخذ دور مختلف عما قدمه بالسابق، و كان فيلم اسكندرية ليه الذي يُعَدْ ضمن سلسلة رباعية تروي حياة الراحل يوسف شاهين من انجح الأفلام التي اشترك بها محمود المليجي،

مقالات ذات صلة الدار آرت جاليري.. أول جاليري للفنون التشكيلية في إربد يحتفي بعامه التاسع منذ تأسيسه في 2016 . 2025/07/05

بالعودة الى موضوع الفيلمَينْ قيد النقاش نرى ان النهاية كانت علامة فارقة بين العَمَلَيْن، فمع ان الغرفتين انتهى امْرَهُمَا بحرقهما ألأ ان الكثيرون لا يعرفون ان فيلم 1408 تعرض لِتَغْيِرْ بأحداث نهايته لثلاث مرات، و هنا لا بد لنا بالتوقف عند امر بمنتهى الأهمية، ففيلم 1408 سواء كَرِوايَة او كفيلم يَتَمَحْوَرْ حول سلسلة كوارث متلاحقة و شيطانية المنشأ تصيب الكاتب مايك إنْسِلِنْ، فبالرغم من كتاباته حول عالم الخوارق الا انه يشك بواقعيتها، و نراه خلال الفيلم يقرر الدخول الى الغرفة بالرغم من تحذير مدير بالفندق له حيث ينذره بأن الغرفة حصدت ارواح نزلاء كثيرون لعقود طويلة من الزمن، و بعد ان يدخل الغرفة تحدث سلسلة من الكوارث له و التي تنهال عليه بلا رحمة لتصيبه بالهلع و الخوف و الصدمة، بل تحقق له الغرفة امنية له بصورة مريبة و تُريهْ ابنته التي توفيت و هي صغيرة بمشاهد نراه يضمها اليه بِحُنُوْ قبل ان تتلاشى لتحاول الغرفة تحطيمه و سط دُموعِهِ و هَلَعِهِ، بل نراها توهِمُهْ بأنه خرج منها ليعود الى حياته بعد ان تعافى مما حصل به و لكن لاحقا تعيده الى وعيه ليرى انه لايزال مأسور بجحيمها، و هنا أسال سؤال مهم عن تَغْيِبْ الله و تَغْيِبْ البعد الديني في الفيلم عن قصد، و كأن للشيطان و اعوانه سلطان ليفعلوا ما يشأون من دون رادع، فأين الأمل و الرجاء بالإنتصار على هذه الخوارق في الفيلم من دون الله و الإيمان به؟ نسخة المخرج الأساسية للفيلم تتضمن ان مايك يموت اثناء حَرْقِهْ للغرفة لِيُخَلٍصْ الناس من شرورها، فيزور مدير الفندق الذي كان قد حذر مايك من الغرفة في بداية الفيلم زوجته اثناء عملية دفن زوجها بالمقبرة و يعرض عليها علبة تتضمن بعض من حاجاته التي تم العثور عليها بموقع الحريق، و لكنها ترفض استلامهم بسبب حزنها الشديد، فيعود مدير الفندق الى السيارة و يفتح العلبة و يصغي الى شريط للتسجيل كان مايك سجله و هو بالغرفة، فيسمع صوته و صوت اببنته المتوفية، و فجأة يرى صورة جثة مايك المحروقة بسيارته بالكرسي الخلفي بمرآة السيارة، فيصدم…و لكنها تختفي لينتهي الفيلم عند هذا الحد، و هذه النهاية فشلت فلم يتقبلها الجمهور التي انتقته شركة الإنتاج و عرضت هذه النسخة عليهم ليختبروا تقبل عامة الناس لها، فتم تصوير نسخة ثانية من المشاهد النهائية ينجوا بها مايك من كوارث الغرفة و اعتمادها للعرض السينمائي، و في هذه النهاية المُعَدًلَه نراه على عكاز جالس يطبع على حاسوبه و زوجته تقوم بتوضيب بعض الأغراض، و يطبع اختباره بالغرفة ليتم نشره عند صديق له يكلمه بالمشهد، واثناء المشهد تعرض عليه زوجته علبة تحتوي على اغراض له تم جمعها من موقع الحريق، فيقول لها انه يرغب بالإحتفاظ بها، و يخرج مسجل مع شريط من العلبة و يشغل المسجل ليستمعا معا الى الأحداث التي سجلها وقت احداث الغرفة، ليسمعا هو و زوجته فجأة صوت ابنتهما المتوفية، و هنالك نسخة ثالثة لنهاية هذا الفيلم ايضا تتضمن موت مايكل، و بدل مناظر الجنازة بالمقبرة نرى مشاهد لمدينة لوس اتجليوس مع اصوات جنازة مايك، ثم نرى سام صديق مايك في مكتبه حيث يجد فجأة اوراق طبعها مايك عن اختباره بالغرفة الملعونة، و نسمع هنا صوت التسجيل الذي سجله مايك بالغرفة و صوت ابنته،

انا برأي المهني كناقد فني ان هذه التغيرات لنهاية فيلم 1408 هي بسبب غياب عنصر هام بهذا الفيلم و بسبب مشكلة كبيرة به، و هي عدم انتصار الخير على الشر و تَغْيِبْ الله و الإيمان عنه عن قصد، فطغيان عالم الشر على الخير ادخل الفيلم بمأزق حاول المخرج حَلًهُ بتعدد روايات النهاية، فموت البطل و احتراقه بالغرفة درامياً يعني ان الشر كان اقوى من الخير و هذا ما يرفضه المشاهدون اذ نحن كبشر مفطورين على فطرة الخير، و لذلك نحن ميالين لنرى الخير يغلب على الشر بالمسرحيات و الروايات و الأعمال الدرامية بأنواعهاُ، و لكن بنسخة المخرج نرى الجمهور التجريبي يرفض هذه النهاية لأن الفيلم اساسا من دون ان يعيش البطل به يفرض نهاية سوداوية بأن الشر و الشيطان الذي كان يسكن بالغرفة غلب على الخير و كان الأقوى، و كثيرا ما يُحَذِرْ رجال الدين عند اخوتنا المسلمين و كثيرا ما حذرت البابوية الكنسية بالمسكونة المخرجين من هذا الأمر، حيث يتضمن كتاب من كتب احد البابوات المعاصرين الذي نشره للرعايا بالعالم المسيحي ارشادات ان يغلب الخير على الشر بالأفلام عموما و بافلام الرعب و الروايات و خصوصا التي تتضمن عالم الماورائيات، فتحرص الكنيسة على ان لا يتم الترويج للشر بأنه اقوى من الخير و للشيطان بأنه اقوى من إيمان البشرية بالله بعالمنا، فنحن لا نريد للنهايات التراجيدية ان تُسَوِقْ لقوة الشيطان و لأبليس بهذا العالم، نحن نعي ان الفيلم الدرامي و إن كان لا يحمل روح دينية سيحمل حبكة صراع مهما كانت فئته، فلذلك يجب ان يراعي الكاتب و المخرج ان يغلب به الخير على الشر، و ان ينتهي الأمر كذلك بغلبة ابطال الخير بالفليم،

يجب ان نتريث هنا قليلا، فَبِعَيْن الناقد ارى ان الغرفة 207 تبعت هذا السياق الدرامي السلبي من دون قَصْدٍ او تَعَمُدْ…بل بمحاولة لعملقة الصراع الدرامي ليترك التأثير المطلوب على المشاهد، فأنا لا اتهم صناع هذا العمل بالميول لنصرة الشر اطلاقا إطلاقا، فالمشاركين به من اروع نجوم مصر الذين نعتز بهم، و قد ادوا ادائهم كفنانين بصور ممتازة، بل يجدر بنا الإشارة هنا الى ان العمل كَكُلْ تمتع بمؤثرات حاسوبية (جرافكس) رائعة جدا تنافس الإنتاج العالمي بأمريكا و اوروبا بكل معنى الكلمة، و لذلك انوه فقط على الحذر بِعَدَمْ الإنسياق وراء حبكات الأفلام الأمريكية و الأوروبية حتى و أن صَنَعَتْ ضجة بين الجماهير المُشَاهِدَةِ لها لأن صانعوا الافلام بهوليود عموما و الغرب قد يُغَيبونَ الله مع الأسف كثيرا بأفلام الرعب و الاكشن التي يقوموا بإنتاجها و قد يُدَنِسونَ قُدْسِيَةْ المعابد الدينية للأديان السماوية، و هذا رأيته بأكثر من عمل رعب عالمي و اكشن، بل أسلط الضوء كناقد فني هذا الأمر لكي يتفادوا صناع الدراما لغرفة 207 بأي اجزاء مستقبلية لهذه السلسة هذا الأمر، و لكي يتنبه صناع الدراما عموما بالوطن العربي لهذه النقطة، فمنذ حلقته الأولى و هذه الغرفة تحصد ارواح بصورة متكررة و سط عجز كامل من ابطال العمل على ايقافها بأي شكل من الأشكال، فمنذ مقتل الدكتورة شيرين حسني (انجي ابوزيد)، الى وفاة والدة الطفل اكمل غرقا اثناء البحث عنه، و الذي يخونها زوجها مع شقيقتها، الى محمد الصايغ (محمود حافظ) الذي تجاوب مع نداء الغرفة و قتل زوجاته لتعشمه الغرفة انها ستجمعه مع زوجته الأولى المتوفية، الى مقتل بعض عمال الصيانة الذين حاولوا صيانة الغرفة، الى الموظفة التي مَسًتْهَا الغرفة و التي رَمَتْ بنفسها امام القطار الى الصحفي حسن فوزي (احمد الرافعي) و الى وفاة سارة (ناردين فرج) حبيبة و زميلة جمال الصواف (محمد فراج)…و الغرفة و الجنية التي تسكنها تتملك كل من يقف بطريقها و تنتصر بجولاتها خلال حلقات العمل…و كأن الشر لا يقابله من هو ند له من عالم الخير ليوقفه، انا ادرك تماما ان هذا العمل من فئة الرعب و يأخذ ميولا تراجيديا، و غالبا ما قد تطغى هذه السوداية على اجواء الأعمال من هذه الفئة، و لكن اين الخير و قوة غلبته بهذا الصراع؟ كما استغرب من امر لاحظته بعدة مشاهد، فنرى مينا (كامل الباشا) يدخل الغرفة الملعونة و المسبحة الوردية الذي يتدلى منها الصليب بيده يسبح بها اسم الله القدوس ليتفادى ما بالغرفة من لعنة، و لكن خوفه لا يدل على ثقته بالسبحة التي بين يديه و لا بالإيمان بالله و كأن المشهد يعطي انطباعا ان الشر بالغرفة اقوى من ذكر الله و من تسبيحه، و يتكرر هذا المشهد مع عدد من الشخصيات و على سبيل المثال لا الحصر مع مصطفى البِلْ مَانْ (يوسف عثمان)، حيث يستعوذ بإسم الله و لكن بخوف و رعدة و قلق، كنت أُفَضٍلْ ان لا ارى هذه المشاهد تقدم بهذه الصيغة الدرامية اطلاقا لانه تقول الآية الكريمة بالقرآن الكريم في سورة الرعد ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) صدق الله العظيم، و يقول الكتاب المقدس بالعهد القديم بسفر المزاميرللنبي داود بالمزمور السابع و العشرين ((الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي، ممن أرتعب؟ عندما اقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا، إن نزل علي جيش لا يخاف قلبي، إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن، واحدةٌ سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب، وأتَفَرًسْ في هيكله، لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر، يسترني بستر خيمته، على صخرة يرفعني، والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي،))،

ينتهي مسلسل الغرفة 207 نهاية ميثرة بالرغم من انها غير مكتملة الأركان ليشعرنا ان هنالك جزء ثاني سَيُفَسِرْ ما لم يتم تفسيره بالجزء الأول، فالذي فهمناه من النهاية ان الجنية شيرين حسني يتضح انها والدة جمال الصواف، و يجب التنويه هنا ان الروح البشرية التي خلقها الله لا تمتلك كل هذه القدرات الخارقة التي رأيناها بالمسلسل بل غالبا من يمتلكها هو الجن، و هذا بَيٍنْ حينما جَلَبَتْ الجنية شيرين جنية مثلها اسمها فاتن جميل (اسماء يريد) و التي يتضح ان دورها هو اغواء جمال الى فراشها و لتقتل سارة بالمقابل، و يُفْهَمْ من المجريات ان شيرين و فاتن هما من الجن لأن الارواح البشرية لا تظهر بهيئة بشر مرةً ثانية، بل المتعارف بالقصص الشعبية و بتراث الأساطير ان الجن يظهر بهيئة بشرية و قد يعاشر الناس جنسيا، و الذي رَسَخً هذا المفهوم لَدَيْ ان ليس هنالك ام تضطد ابنها كما فعلت شيرين مع جمال فلو اخذنا بعين الإعتبار انها امه و إنْسِيًة لن ترضى بإضطهاد ابنها، هذا ما استطعت فهمه من النهاية و هذا ما يقوله اي تفسير منطقي للنهاية، و لكننا نراها تضايقه و ترسل له جنية لتغويه الى قراشها لتقتل عشيقته و لتعذبه، و نراها تقول له هي و والده الذي تبناه بأنه هو السبب بكل ما يحدث، تروي النهاية ايضا انه قد تم حرق شيرين والدة جمال ربما لِيُحْرَمْ جمال من مكانته وسط عائلة ثرية تمتلك الفندق، و في آخر المشاهد نرى جمال يستيقظ من حريق الغرفة و قد عاد به الزمان الى الوراء الى عام 1934 ليرى مايكل صاحب الفندق مع والدته شيرين قبل وفاتها، مما يوحي ان ماكل شقيق لجمال…و السؤال المطروح انه لو مايكل و جمال من نفس الأب لماذا سيحرق الاب زوجته شيرين و يعطي ابنه جمال لغريب ليربيه؟ هنالك أسالة معقدة كثيرة بهذا الجزء يجب ان تفسر بجزء قادم،

مقالات مشابهة

  • شكلها اتجوزت طارق.. دنيا جمعة تتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي
  • عدد حلقات وقصة وأبطال مسلسل مملكة الحرير.. دراما بين التاريخ والخيال
  • الكرملين: دول بريكس تتعاون فيما بينها بناء على مصالحها المشتركة
  • دردشة درامية عن المسلسل الغرفة 207 و عن الفيلم 1408
  • جينيفر أنيستون تلمح إلى موسم جديد من مسلسل “خلينا نقول إنه مش Friends”
  • إدراج مستشفى القناطر الخيرية ضمن مبادرة قوائم الانتظار لجراحات الأوعية الدموية
  • إدراج مستشفى القناطر الخيرية ضمن مبادرة قوائم الانتظار لجراحات الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية
  • يحيى العلمي.. صانع دراما الجواسيس وراوي الحكايات الوطنية في ذكرى ميلاده
  • صحفي: لا مكان للغش ٠٠ ولجان ولاد الأكابر انتهت فى الثانوية العامة
  • مؤلف فات الميعاد: قصة حقيقية تحولت إلى دراما متشابكة