تدهورت العلاقات بين الرئيس الامريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أدنى مستوياتها في زمن الحرب يوم الاثنين مع سماح الولايات المتحدة بتمرير قرار وقف إطلاق النار في غزة في الأمم المتحدة مما أثار توبيخًا حادًا من الزعيم الإسرائيلي.
وألغى نتنياهو فجأة زيارة لوفد رفيع المستوى إلى واشنطن هذا الأسبوع لمناقشة الهجوم الإسرائيلي الذي هددت به في مدينة رفح بجنوب غزة بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس والإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين.

على يد المسلحين الفلسطينيين.

ويضع تعليق هذا الاجتماع عقبة رئيسية جديدة في طريق الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق إزاء تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، لحمل نتنياهو على النظر في بدائل للغزو البري لرفح، آخر ملاذ آمن نسبيا للمدنيين الفلسطينيين.
أدى التهديد بمثل هذا الهجوم إلى زيادة التوترات بين الحليفين القدامى، الولايات المتحدة وإسرائيل، وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تقيد المساعدات العسكرية إذا تحدى نتنياهو بايدن ومضى قدمًا على أي حال.

وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط للإدارات الجمهورية والديمقراطية، إن 'هذا يظهر أن الثقة بين إدارة بايدن ونتنياهو ربما تنهار'. 'إذا لم تتم إدارة الأزمة بعناية، فسوف تستمر في التفاقم.'
يبدو أن قرار بايدن بالامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة، والذي جاء بعد أشهر من الالتزام بالسياسة الأمريكية طويلة الأمد المتمثلة في حماية إسرائيل في المنظمة العالمية، يعكس الإحباط الأمريكي المتزايد تجاه الزعيم الإسرائيلي.

ويواجه الرئيس، الذي يترشح لإعادة انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر، ضغوطا ليس فقط من حلفاء أميركا ولكن من عدد متزايد من زملائه الديمقراطيين لكبح جماح الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس المميت عبر الحدود في 7 تشرين الأول/أكتوبر والذي تقول إسرائيل إنه أدى إلى مقتل 1200 شخص. .
ويواجه نتنياهو تحديات داخلية خاصة به، وخاصة مطالبة أعضاء ائتلافه اليميني المتطرف باتخاذ موقف متشدد ضد الفلسطينيين. ويجب عليه أيضًا إقناع عائلات الرهائن بأنه يفعل كل شيء من أجل إطلاق سراحهم بينما يواجه احتجاجات متكررة تطالب باستقالته.

وبينما أعلن مكتب نتنياهو إلغاء الزيارة، قال إن فشل الولايات المتحدة في استخدام حق النقض ضد القرار كان 'تراجعًا واضحًا' عن موقفها السابق وسيضر بجهود الحرب الإسرائيلية.
متحير
وقال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن كانت في حيرة من قرار إسرائيل واعتبرته رد فعل مبالغ فيه، وأصرت على أنه لم يحدث أي تغيير في السياسة.
وتجنبت واشنطن في الغالب استخدام كلمة 'وقف إطلاق النار' في وقت سابق من الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ستة أشهر في قطاع غزة واستخدمت حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة لحماية إسرائيل أثناء ردها على حماس.
ولكن مع اقتراب المجاعة في غزة ووسط ضغوط عالمية متزايدة من أجل هدنة في الحرب التي تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنها أسفرت عن مقتل نحو 32 ألف فلسطيني، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على دعوة لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان المبارك، الذي ينتهي في غضون أسبوعين. .
ويقول محللون إن التحدي الذي يواجه بايدن ونتنياهو الآن هو منع خلافاتهما من التصاعد إلى خارج نطاق السيطرة.
وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنه لا يوجد سبب يدعو إلى أن تكون هذه 'ضربة قاتلة' للعلاقات. وقال 'لذلك لا أعتقد أن الباب مغلق أمام أي شيء'.
وفي إشارة إلى أن الحكومتين ما زالتا على اتصال وثيق، واصل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي يقوم بزيارة منفصلة عن تلك التي رفضها وفد نتنياهو في وقت سابق، عقد اجتماعات رفيعة المستوى في واشنطن يوم الاثنين.
لكن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت يزيد من عمق الخلاف بين بايدن ونتنياهو، اللذين يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات ولكن كانت بينهما علاقة متوترة حتى في أفضل الأوقات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال بايدن في مقابلة مع شبكة 'إم إس إن بي سي' إن غزو رفح سيكون 'خطًا أحمر'، على الرغم من أنه أضاف أن الدفاع عن إسرائيل 'أمر بالغ الأهمية' ولا توجد طريقة 'سأقوم بقطع جميع الأسلحة لذلك'. أنهم لا يملكون القبة الحديدية (نظام الدفاع الصاروخي) لحمايتهم”.
ورفض نتنياهو انتقادات بايدن وتعهد بالمضي قدما في رفح، الجزء الأخير من قطاع غزة الذي لم تشن فيه القوات الإسرائيلية هجوما بريا، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه لا توجد مؤشرات على عملية وشيكة.
وأعقب ذلك الأسبوع الماضي وصف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، وهو أعلى مسؤول يهودي منتخب في البلاد، نتنياهو بأنه عقبة أمام السلام ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل ليحل محله.
ووصفه بايدن بأنه 'خطاب جيد'.
لكن رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون قال للصحفيين يوم الأربعاء إنه يفكر في دعوة نتنياهو، الذي تحدث عبر الفيديو مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الأسبوع الماضي، لإلقاء كلمة أمام الكونجرس. وسيُنظر إلى ذلك على أنه بمثابة صفعة لبايدن، مما يمنح نتنياهو منتدى رفيع المستوى للتعبير عن المظالم ضد الإدارة الأمريكية.
وقال السناتور الديمقراطي شيلدون وايتهاوس لرويترز إن نتنياهو يعمل على ما يبدو مع الجمهوريين 'لتسليح العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لصالح اليمين'.
إن محاولة إعادة انتخاب بايدن عام 2024 تحد ​​من خياراته: فهو يحتاج إلى تجنب إعطاء الجمهوريين قضية للاستفادة منها مع الناخبين المؤيدين لإسرائيل، مع وقف تآكل الدعم من الديمقراطيين التقدميين الذين يشعرون بالفزع من دعمه القوي لإسرائيل.
ويعلم نتنياهو، الذي يدرك أن استطلاعات الرأي تظهر هزيمته الساحقة في أي انتخابات تجرى الآن، أن هناك دعماً واسع النطاق لمواصلة الحرب في غزة بين السكان الإسرائيليين الذين ما زالوا يعانون من صدمة عميقة بسبب هجوم 7 أكتوبر.
لذا فهو يبدو مستعداً للمخاطرة باختبار مدى تسامح واشنطن.
ويؤيد جميع أعضاء حكومة الوحدة الطارئة التي يرأسها نتنياهو استمرار الحرب حتى يتم تدمير حماس وإعادة الرهائن، ولم تظهر أي إشارة تذكر على الاستعداد لتلبية دعوات الولايات المتحدة للاعتدال، على الرغم من تزايد خطر العزلة الدولية.
وقال وزير المالية اليميني المتشدد بتسلئيل سموتريتش إن إسرائيل شريكة لكن الولايات المتحدة ليست 'الدولة الراعية' لها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: جو بايدن بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة الأمم المتحدة الولایات المتحدة بایدن ونتنیاهو الأمم المتحدة إطلاق النار عن التصویت فی غزة

إقرأ أيضاً:

خطة ترامب ونتنياهو في سوريا والسيطرة على قلب العالم

منذ اندلاع الثورة السورية 2011، اتبعت كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أجندات متداخلة ولكنها مختلفة في سوريا، تُمليها أهداف إستراتيجية طويلة الأمد، وتنافسات إقليمية، وديناميكيات جيوسياسية متغيرة.

في جوهر هذا التداخل يكمن مشروع أوسع، وهو إضعاف سوريا كدولة موحدة وذات سيادة، وضمان عدم قدرة أي فاعل إقليمي أو عالمي على تحدي النظام الأميركي- الإسرائيلي في الشرق الأوسط.

وحيث إن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للسيطرة الجيوسياسية وحماية مصالحها في الطاقة والأمن، فإن الكيان الصهيوني يسعى إلى تفكيك سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية، في إطار إستراتيجية قديمة تهدف إلى تجزئة العالم العربي، وترسيخ هيمنته الإقليمية.

إستراتيجية إسرائيل القديمة في التقسيم

ليست مقاربة الكيان الصهيوني لسوريا والمنطقة العربية جديدة. إذ تعود جذورها إلى بدايات نشوء هذا الكيان، حيث دعت وثائق إستراتيجية داخلية من خمسينيات القرن الماضي، صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية والموساد، إلى إنشاء دولة كردية كحاجز أمام تيار القومية العربية الذي كان طاغيًا وممتدًا في ذلك الوقت.

ولقد تجسد هذا التصور لاحقًا في "خطة ينون" الشهيرة، 1982، والتي كتبها أوديد ينون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية.

دعت الخطة إلى "تفكيك سوريا… إلى أقاليم من الأقليات الدينية والإثنية… [حيث اعتبر أن سوريا هي] المهدد الرئيس لإسرائيل على الجبهة الشرقية على المدى البعيد… ولذا وجب تفكيكها إلى عدة دول وفقًا لبنيتها الطائفية والإثنية".

جادلت "خطة ينون" بأن أمن الكيان الإسرائيلي وهيمنته يعتمدان على تفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية صغيرة، مثل الدروز والعلويين والأكراد والموارنة والأقباط وغيرهم.

كان الهدف هو استبدال الدول العربية القوية والمركزية بدويلات ضعيفة ومجزأة لا تشكل أي تهديد لأمن إسرائيل، بل يمكن أن تتحول لاحقًا إلى حلفاء أو وكلاء تحت الحماية الإسرائيلية.
وفي الحالة السورية، تشمل هذه الإستراتيجية تقسيم البلاد إلى أربع مناطق نفوذ رئيسة:

إعلان

1- دولة درزية: متمركزة في محافظة السويداء جنوب سوريا، حيث يأمل الكيان الصهيوني، في إنشاء كيان درزي متحالف معه.

2- دويلة علوية: في الساحل السوري تحت الحماية الروسية، متمركزة حول مدينتي اللاذقية وطرطوس.

3- منطقة كردية: في الشمال الشرقي، بدعم أميركي، تسيطر عليها قوات "قسَد" بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD/YPG).

4- حزام سني عربي: تحت النفوذ التركي، ويمتد على طول الحدود الشمالية والشمالية الغربية والقلب السوري.

تخدم هذه الخطة في التقسيم أهداف الكيان الصهيوني مباشرة، إذ تُبقي على سوريا ضعيفة ومقسمة وغير قادرة على لعب دورها كفاعل إقليمي يدعم المقاومة الفلسطينية، أو يعارض التوسع الإسرائيلي.

وقد كان هذا التوجه هدفًا دائمًا للمنظّرين الصهاينة. فقد كتب أحد أكثر المفكرين تأثيرًا في الدوائر الإسرائيلية والأميركية، برنارد لويس، 1992: "إن معظم دول الشرق الأوسط… معرضة لمثل هذه العملية [أي "اللبننة"]، فإذا ما تم إضعاف السلطة المركزية بما فيه الكفاية… فإن الدولة تتفكك إلى فوضى من الطوائف والقبائل والمناطق والأحزاب المتناحرة".

تدمير إسرائيل للمقدرات العسكرية والإستراتيجية السورية

منذ 2013، نفذ الكيان الصهيوني مئات الغارات الجوية ضد أهداف في سوريا، غالبًا تحت ذريعة استهداف مواقع تابعة لإيران أو حزب الله. وبعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واصل الكيان اغتيال قادة من إيران وحزب الله على الأراضي السورية.

كما أدت هذه الهجمات إلى تدمير ممنهج لمنظومات الدفاع الجوي السورية، ومستودعات الأسلحة، والقواعد العسكرية، ومراكز البحث العلمي. ولقد كان الهدف واضحًا: منع سوريا من إعادة بناء قدراتها العسكرية وفرض تفوق عسكري ونفسي دائم لإسرائيل، واستعادة قدرتها على الردع في المنطقة.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، تصاعدت الهجمات الإسرائيلية لتشمل احتلال أكثر من 400 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، بالإضافة إلى الجولان المحتل، مع استمرار استهداف القدرات العسكرية السورية والبنية التحتية الحيوية.

هذا التدمير كان لا يهدف فقط لردع إيران والجهات الفاعلة الإقليمية، بل أيضًا إلى ضمان عدم عودة سوريا كدولة موحدة، أو أن تبقى جزءًا من محور الممانعة والمقاومة.

ما بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول: إعادة رسم خريطة المنطقة

عقب هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول على الكيان الصهيوني وردّه الوحشي بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، اهتزت عقيدته في الردع اهتزازًا عنيفًا.

وفي إطار هذا الردّ، وسّع العدو الإسرائيلي حملته ضد ما يُسمى بمحور المقاومة، مستهدفًا حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله والجماعات المتحالفة في لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، وإيران.

ولقد صرح القادة الإسرائيليون علنًا أن هذه اللحظة فرصة تاريخية لإعادة تشكيل المنطقة، والقضاء على التهديدات، واستعادة الردع، وتغيير قواعد الاشتباك، وتحقيق عمق إستراتيجي.

وفي هذا السياق، كثّف الكيان الصهيوني هجماته على سوريا، بما في ذلك قصف دمشق وحمص والسويداء، لمنع سوريا من أن تصبح قاعدة للمقاومة أو حليفة لها، كما قام باستغلال الفوضى الإقليمية لتعزيز خطط التقسيم.

ومن أجل زيادة زعزعة الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل، كان يترافق مع كل ذلك سياسات التجويع الجماعي والإبادة في غزة من أجل تهجير أهلها، واستخدام سياسة القصف والاغتيالات المستمرة لكوادر حزب الله في لبنان.

إعلان الأجندة الأميركية: الهيمنة عبر الفوضى المنضبطة

تتفق الإستراتيجية الأميركية في سوريا مع إستراتيجيتها الكبرى بعد الحرب الباردة: منع ظهور أي قوة -إقليمية أو عالمية- قادرة على تحدي الهيمنة الأميركية.

وخلال الحرب الباردة، نظرت واشنطن إلى سوريا، خصوصًا في عهد حافظ الأسد، كدولة تابعة للاتحاد السوفياتي وداعمة للتيار القومي العربي، والمقاومة الفلسطينية، والتحالفات المعادية للنفوذ الأميركي.

وبعد غزو العراق 2003، سعت الولايات المتحدة إلى عزل سوريا ومنعها من ملء الفراغ الإقليمي بعد سقوط صدام حسين.

ومنذ اندلاع الانتفاضة السورية 2011، تبنت الولايات المتحدة سياسة "الانخراط الانتقائي"، حيث دعمت القوات الكردية في الشمال الشرقي؛ بحجة محاربة الجماعات المتطرفة وتقليص النفوذ الإيراني، بينما سمحت للكيان الإسرائيلي بشن هجمات مستمرة لتقويض القدرات العسكرية السورية والإيرانية.

ورغم أن واشنطن تبدو داعمة لتقسيم فعلي لسوريا، فإن هدفها ليس بالضرورة تحقيق تقسيم إثني أو طائفي على النمط الإسرائيلي، بل الحفاظ على وجود لها طويل الأمد، ومنع روسيا وإيران من السيطرة على شرق المتوسط، وضمان أن أي حكومة سورية مستقبلية تبقى خاضعة أو خادمة للمصالح الأميركية.

تصعيد السويداء: طموحات إسرائيل في المنطقة الدرزية

برزت خطورة التصعيد الأخير في السويداء، المدينة ذات الأغلبية الدرزية جنوب سوريا، في خلخلة الوضع الداخلي السوري. حاز الوضع الهش والاقتتال الداخلي اهتمامًا إسرائيليًا في سعيه لإنشاء كيان حليف له على حدوده الشمالية.

كما تشير تقارير إلى أن فصائل درزية موالية للكيان الإسرائيلي كانت قد أثارت الاضطرابات في السويداء، مستغلة المظالم الاقتصادية والاجتماعية. وبينما دعت الولايات المتحدة إلى التهدئة واحترام وحدة الأراضي السورية، فإنها لم تدن التدخل الإسرائيلي علنًا.

تعكس الأهداف الإسرائيلية في السويداء مضمون "خطة ينون" الأوسع: بناء تحالفات مع الأقليات العرقية والدينية -مثل الدروز- التي قد تفضل الحكم الذاتي تحت الحماية الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن المجتمع الدرزي منقسم، حيث يرفض كثيرون التدخلات الخارجية، ويؤكّدون ولاءَهم للدولة السورية.

التباين الأميركي الإسرائيلي حول القضية الدرزية

بينما يسعى الكيان الصهيوني إلى إنشاء كيان درزي في جنوب سوريا، تبقى سياسة الولايات المتحدة حذرة. فهي تدرك أن دعمًا علنيًا لمثل هذه الخطوة قد يُثير ردود فعل عنيفة في الأردن ولبنان، بل وحتى بين الدروز داخل الكيان الصهيوني نفسه، الذين قد يرفضون أن يكونوا أدوات بيد السياسة الإسرائيلية المتلاعبة بهم. كما تخشى واشنطن أن يؤدي تقسيم سوريا إلى تعزيز قوة الجماعات الإسلامية المتطرفة، أو تمكين النفوذ الإيراني والروسي.

لذلك، تفضل الولايات المتحدة سوريا منقسمة ولكن غير منهارة، حيث يمكنها الحفاظ على نفوذها دون إثارة فوضى إقليمية واسعة. أما الكيان الصهيوني، فهو مستعد لتقبل- بل وحتى تغذية- الفوضى إذا كان الثمن هو القضاء على التهديد السوري إلى الأبد.

دور تركيا: تثبيت النفوذ الإستراتيجي

تلعب تركيا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل سوريا الجديدة. فبعد أن دعمت المعارضة والفصائل المسلحة أثناء سنوات الثورة السورية بهدف إسقاط الأسد، غيّرت أنقرة إستراتيجيتها بعد فشل هذه المحاولات، وتركزت على منع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية.

دخلت القوات التركية شمال سوريا، حيث دعمت مليشيات عربية وتركمانية سورية للحد من النفوذ الكردي. ولكن منذ سقوط بشار الأسد، أصبحت تركيا هي الداعم الرئيس للنظام السوري الحالي.

تتعارض مصالح تركيا بشكل حاد مع سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين ركزتا على دعم المليشيات الكردية والانفصاليين الدروز. وتعتبر أنقرة أن أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي تهديد لأمنها القومي ولحمتها الداخلية.

وقد صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مؤخرًا بسياسة تركيا الحازمة ضد كل محاولات تقسيم أو تجزئة سوريا، حيث قال: "ستتدخل تركيا ضد أي محاولة لتقسيم سوريا أو منح الجماعات المسلحة حكمًا ذاتيًا… نحذر الجميع: لا ينبغي لأي طرف الانخراط في مشاريع تقسيم".

إعلان رسم جديد لخريطة سوريا: صراع على مستقبل المنطقة

تنطبق مقولة شهيرة لأحد مؤسسي الجيوبوليتيكا، السياسي والمفكر البريطاني هالفورد ماكيندر، على سوريا حيث يقول: "من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على قلب العالم؛ ومن يحكم قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم؛ ومن يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم".

وبالمثل، تحتل سوريا موقعًا محوريًا في قلب العالم العربي، حيث تسيطر على طرق التجارة والتحالفات الإقليمية، تمامًا كما هو حال "قلب العالم" لدى ماكيندر. وتؤمن القوى الإقليمية والعالمية بأن من يسيطر على سوريا، أو على جزء كبير منها، سيملك قدرة التأثير على الشرق الأوسط بأكمله.

في هذا السياق، تنفذ الولايات المتحدة وإسرائيل سياسة مزدوجة في سوريا. فبالنسبة لواشنطن، سوريا هي رقعة شطرنج لمنع الخصوم، وحماية الهيمنة على البترودولار، وضمان موقع حليفتها إسرائيل دون الغرق في الفوضى. أما الكيان الصهيوني، فيرى في سوريا تهديدًا وجوديًا يجب تفكيكه وإعادة تشكيله إلى فسيفساء من الدويلات.

الخطر يكمن في المعاناة المستمرة للشعب السوري، وتآكل الأمن القومي العربي ومفهوم السيادة العربية، واحتمالية اندلاع صراعات إقليمية أوسع. ما لم تُشكّل القوى الإقليمية -خصوصًا تركيا، ومعها إيران والدول العربية المركزية- ردًا منسقًا، فقد يصبح تفكيك سوريا واقعًا حقيقيًا، يحقق المخطط الصهيوني القديم في خلق شرق أوسط مفكك ومجزأ ومهيمن عليه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي "بكل وضوح"
  • إسرائيل تعلن عن "هدنة إنسانية" في عدة مناطق بقطاع غزة بدءا من صباح اليوم
  • المجموعة الدولية لإدارة الأزمات: إسرائيل تمارس سياسة تجويع ممنهجة
  • إسرائيل تعلن استئناف إسقاط المساعدات جوا فوق غزة الليلة
  • نتنياهو: ندرس الآن مع الولايات المتحدة خيارات بديلة لاستعادة المحتجزين
  • 21 شهيدا بغزة ومقررة أممية تدعو لمعاقبة وحشية إسرائيل
  • الأمم المتحدة: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بأبشع صورها في قطاع غزة
  • رايتس ووتش تدعو إلى موقف أممي حازم ومعاقبة إسرائيل عاجلا لوقف الإبادة في غزة
  • خطة ترامب ونتنياهو في سوريا والسيطرة على قلب العالم
  • دوجاريك: على إسرائيل تمكين إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن إلى غزة