تعيش الأقاليم الإثيوبية المختلفة حالة من عدم الاستقرار بسبب الأزمات المتعددة، إذ تحاصر المجاعة إقليم تيجراى فى الوقت الذى توقع فيه تقرير استخباراتى أمريكى عودة الحرب مع الحكومة الإثيوبية، ومن تيجراى إلى بنى شنقول التى استشرت فيها حوادث القتل والاختطاف، ناهيك عن النزاع المستمر فى ولاية أمهرة.

تقرير تاريخى عن انتهاكات حقوق الإنسان فى إثيوبيا 

وفى أحدث تقرير صادر عن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، كشفت عن انتهاكات الحقوق المنهجية ضد الأفراد المحرومين من الحرية فى ثلاث ولايات إقليمية وصفته صحيفة أديس ستاندرد بالتقرير التاريخي، وهو الأول من نوعه فى إثيوبيا، عن انتهاكات متكررة ومنهجية لحقوق المحتجزين، بما فى ذلك الاعتقالات التعسفية، والسجن دون أوامر من المحكمة، وانتهاكات حقوق الكفالة الممنوحة من المحكمة، وحالات العنف الجنسي.

ويحدد التقرير هذه الانتهاكات بأنها "منهجية وتظهر أنماطًا تؤثر على شريحة كبيرة من السكان".

وبحسب التقرير الصادر فى ٢٢ مارس الجاري، فإن الجناة هم الميليشيات، وضباط الشرطة، وأعضاء وحدات الشرطة الخاصة، وأفراد قوات الدفاع الوطني، وموظفو السجون، والمسئولون الحكوميون.

ويغطى التحقيق مناطق أمهرة وأوروميا والصومال والمنطقة المعروفة سابقًا باسم منطقة الأمم والقوميات والشعوب الجنوبية (SNNPR)، ويسلط التحقيق الضوء على عوامل مختلفة تساهم فى انتهاكات حقوق الإنسان.

وفى أمهرة، تشمل هذه العوامل الحرب التى استمرت عامين والتى تركزت فى البداية على منطقة تيغراي، والتى توسعت لاحقًا لتشمل منطقتى أمهرة وعفار.

بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى التغيرات السياسية والصراعات على السلطة بعد عام ٢٠١٨، إلى جانب حالات عدم الاستقرار بعد الصراع، والتوترات الدينية والهوية، والنزاعات على الحدود الإدارية، والاغتيالات السياسية.

علاوة على ذلك، يسلط التقرير الضوء على الصراعات العنيفة المستمرة فى أوروميا، والتى تؤدى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وفقًا للجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، استهدفت الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، والتى غالبًا ما يتم تنظيمها على أسس عرقية، المدنيين بشكل متكرر، مما أدى إلى سقوط ضحايا وإصابات واختطاف ونهب وتدمير ممتلكات وتشريد. وتؤدى المواجهات المسلحة بين هذه الجماعات وقوات أمن الدولة، إلى جانب الاشتباكات بين مختلف الفصائل المسلحة غير التابعة للدولة، إلى تفاقم الوضع.

ومن الأحداث المحددة التى سلط التقرير الضوء عليها هى الاضطرابات التى أثارها اغتيال موسيقى أورومو الشهير هاشالو هونديسا، والتى تؤكد المجموعة الحقوقية أنها أدت إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وشدد دانييل بيكيلي، رئيس مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية، على الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات منهجية لحماية حقوق وكرامة جميع الأفراد فى جميع أنحاء إثيوبيا. وقال دانييل: "من الضرورى أن تقوم الحكومات الفيدرالية والإقليمية بالتحقيق بجدية فى حالات انتهاكات حقوق الإنسان، ومعالجة أسبابها الكامنة، وضمان مساءلة الجناة، وإنشاء آليات للتعويض المناسب للضحايا".

المجاعة تنتشر فى تيجراي 

وفى هذا السياق، حذر رئيس مؤسسة خيرية اسكتلندية من أن وضع الجوع المتطور فى إثيوبيا "خطير مثل أى شيء رأيته" فى أعقاب حرب أهلية مميتة. ودمرت الحرب الأهلية البنية التحتية الأساسية والخدمات الصحية، وتشير التقديرات إلى أنها أودت بحياة ما يزيد على ٦٠٠ ألف شخص قبل الاتفاق على وقف القتال بين الطرفين فى نوفمبر ٢٠٢٢. وتوقعت الحكومة الإثيوبية أن يحتاج ١٥.٨ مليون شخص إلى مساعدات غذائية فى عام ٢٠٢٤، بما فى ذلك أربعة ملايين نازح داخليًا و٧.٢ مليون يحتاجون إلى مساعدة طارئة، بحسب ما أوردته صحيفة أديس ستاندرد الإثيوبية.  ويتفاقم الوضع بسبب النقص الخطير فى عدد الموظفين والأضرار التى لحقت بالمبانى المدرسية خلال النزاع - ولا يزال مصير حوالى ١٥.٠٠٠ معلم فى عداد المفقودين، كما تضررت ٩٥٪ من الفصول الدراسية فى المنطقة الوسطى من تيجراى نتيجة للحرب.

وقال الدكتور أبرهة جبريجيابهر، طبيب الأطفال فى ميكيلى عاصمة تيجراي: "إننا نشهد ثلاثة أضعاف حالات سوء التغذية المعتادة، ومعدل الوفيات أعلى بخمس مرات". وأضاف "كان عدد الأطفال الذين يموتون بسبب سوء التغذية مستقرًا تمامًا على مدى السنوات الـ ١٣ الماضية، ولكن منذ الحرب، تضاعف وكانت الوفيات السابقة مرتبطة بشكل عام بظروف صحية أخرى، ولكن سوء التغذية الآن هو سبب فريد فى حد ذاته".

وقام رئيس مؤسسة مارى ميلز الخيرية الاسكتلندية مؤخرا برحلة إلى المنطقة المنكوبة، وحذر من خطورة الوضع.

وقال ماغنوس ماكفارلين بارو: "من الصعب المبالغة فى مدى خطورة الوضع فى تيجراي، فالناس يموتون بالفعل من الجوع، وكل ما نسمعه على أرض الواقع يشير إلى خوف له ما يبرره من حدوث ما هو أسوأ بكثير إذا لم يستجب العالم".

بنى شنقول خارج السيطرة 

وفى ولاية بنى شنقول جوموز، المبنى فيها سد النهضة، أثار حزب بورو الديمقراطى (BDP) ناقوس الخطر بشأن تصاعد الأنشطة الإجرامية ضد المدنيين فى أجزاء رئيسية من الولاية. وفى بيان صدر فى ١٢ مارس ٢٠٢٤، أشار الحزب إلى الاتجاه المقلق المتمثل فى "عمليات السطو الجماعى والاختطاف واختطاف الأطفال والقتل" خلال الأشهر الستة الماضية، وزعم الحزب أن مرتكبى هذه الجرائم لم تتم محاكمتهم أو محاسبتهم، بحسب ما أوردته صحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية.

وتشمل الحوادث المحددة التى ذكرها الحزب مقتل ضابط شرطة كبير وطالب جامعى بالرصاص فى غضون شهرين فى بلدة جيلجيل بيليس، فضلًا عن مقتل محامٍ كبير ومستشار قانونى فى منطقة باوى الخاصة.

بالإضافة إلى ذلك، فى منطقة وينبيرا، ورد أن رجل أعمال قُتل بطريقة "عنيفة"، بحسب الحزب. وركز حزب المعارضة بشكل خاص على قضية تيجيست تيلاهون، التى زُعم أنها اختطفت فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٤، بالقرب من مدينة أسوسا ثم قُتلت بوحشية فيما بعد، وألقيت جثتها على ضفة النهر فى السادس من مارس الجاري.

وأعرب حزب السلام والديمقراطية عن قلقه من أن الفشل فى القبض على المشتبه بهم فى هذه القضية قد عرّض حياة المواطنين الإثيوبيين للخطر، قائلًا: "نعتقد أنه كانت هناك فرصة لبقاء تيجيست على قيد الحياة إذا تابعت الشرطة قضيتها بشكل صحيح".

علاوة على ذلك، أشارت إلى مقتل وإصابة مدنيين وعنصر أمنى فى مديرية سيدال بمنطقة كيماشى على يد مجموعات مسلحة منشؤها السودان، واصفة ذلك بأنه "تهديد أمنى يتطلب تحركًا حكوميًا".

المخابرات الأمريكية تحذر من حرب تيجراى ثانية 

وفى سياق متصل، حذر تقييم التهديد السنوى لعام ٢٠٢٤ الذى أصدره مجتمع الاستخبارات الأمريكى فى ١١ مارس من أنه على الرغم من اتفاق بريتوريا لوقف الأعمال العدائية (CoHA) الموقع فى نوفمبر ٢٠٢٢ بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراى والذى أنهى حربًا استمرت عامين، فإن " القضايا الإقليمية التى لم يتم حلها يمكن أن تؤدى إلى استئناف الصراع". وصدر تقرير تقييم التهديدات فى نفس اليوم الذى جرت فيه المراجعة الاستراتيجية الأولى لتنفيذ اتفاق العمل الإنسانى فى مقر الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا من أجل "إجراء تفكير استراتيجى ودعم الجوانب الحاسمة لعملية السلام الإثيوبية، مثل الدعم الإنساني، نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإعادة التأهيل وإعادة الإعمار.

وفى ختام الاجتماع الذى استمر يوما كاملا، قال الاتحاد الأفريقى إن الطرفين اتفقا على "إجراء مشاورات متعددة الأوجه لتعزيز السلام والأمن والاستقرار فى منطقة تيغراي" و"التشاور بانتظام".

ومع ذلك، فشل بيان الاتحاد الأفريقى فى تحديد ما إذا كان هناك تقدم قد تم إحرازه لتضييق الخلافات الآخذة فى الاتساع بين الحكومة الفيدرالية وإدارة تيجراى المؤقتة بسبب عدم الوفاء بالتزامات اتفاق العمل الإنسانى وتشمل هذه الوضع الذى لم يتم حله فى غرب وأجزاء من جنوب تيجراى التى لا تزال تحتلها قوات إقليم أمهرة التابعة للحكومة، وانسحاب القوات الإريترية من الأجزاء الشمالية الشرقية من تيجراي، والتأخير فى عودة النازحين داخليًا.

وقال تقرير تقييم التهديدات السنوي: "بينما أنهى اتفاق وقف الأعمال العدائية فى نوفمبر ٢٠٢٢ بين الحكومة الإثيوبية وأهالى تيجراى حربًا استمرت عامين، فإن القضايا الإقليمية التى لم يتم حلها يمكن أن تؤدى إلى استئناف الصراع". وفى الأسبوع الماضي، كشف وزير الدفاع الإثيوبى أبراهام بيلاي، عن خطط حكومية مفادها أن "القوات الفيدرالية ستحتفظ بالسيطرة على هذه المناطق لتسهيل عملية الإعادة إلى الوطن وتمكين السكان من إجراء انتخابات محلية عند عودتهم".

وسبق أن طرحت الحكومة الإثيوبية مقترحا "لإجراء استفتاء" لتسوية وضع منطقة تيجراى الغربية المحتلة وأجزاء من جنوبها؛ لكن إدارة تيجراى المؤقتة سلطت الضوء على أهمية الالتزام بالعملية الدستورية على النحو المبين فى اتفاقية العمل الإنسانى فى بريتوريا. 

وعلاوة على ذلك، ترفض سلطات تيجراى خطط إجراء الاستفتاء بعد "تدفق أعداد كبيرة من المستوطنين" خاصة فى غرب تيجراي، واتهمت المؤسسات الفيدرالية "بالمشاركة بنشاط فى التعديلات الديموغرافية".

بالإضافة إلى تحذيره بشأن عودة النزاع، حذر تقرير تقييم التهديدات لعام ٢٠٢٤، الذى سلط الضوء على اتجاهات عالمية أخرى بما فى ذلك فى السودان المجاور، من أن إثيوبيا "تشهد صراعات داخلية متعددة ومتزامنة، مما يؤدى إلى تصاعد التوتر العرقى وخطر ارتكاب فظائع ضد المدنيين".

استمرار الصراع فى أمهرة 

ركز التقرير على الصراع المستمر فى ولاية أمهرة الإقليمية، والذى بدأ فى أبريل ٢٠٢٣، وأشار إلى الصراع المستمر بين القوات الحكومية وجماعة فانو المسلحة فى منطقة أمهرة والذى "استمر طوال العام". فى فبراير، مدد المشرعون الإثيوبيون حالة الطوارئ فى منطقة أمهرة لمدة أربعة أشهر أخرى، حيث لا تزال المنطقة تتصارع مع صراع عسكرى واسع النطاق أدى إلى مقتل عدد لا يحصى من المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية.

تم إعلان حالة الطوارئ لأول مرة فى أغسطس ٢٠٢٣ بعد سلسلة من عدم الاستقرار فى الولاية الإقليمية والتى بدأت باحتجاجات حاشدة فى العديد من المدن الكبرى ضد قرار الحكومة الفيدرالية بإعادة تنظيم القوات الخاصة الإقليمية إلى شرطة نظامية وجيش وطني.

وسرعان ما تدهورت الاحتجاجات لتتحول إلى اشتباكات واسعة النطاق وحالة من عدم الاستقرار واغتيال رئيس حزب الرخاء الحاكم فى المنطقة، جيرما يشيتيلا، فى ٢٧ إبريل. وفى ٢٨ أبريل، أعلنت فرقة العمل المشتركة للأمن والاستخبارات الإثيوبية أنها بدأت "اتخاذ إجراءات حاسمة" ضد "القوى المتطرفة" التى اتهمتها "بمحاولة السيطرة على سلطة الدولة الإقليمية من خلال تدمير النظام الدستورى فى ولاية أمهرة الإقليمية". "

وظلت ولاية أمهرة الإقليمية منذ ذلك الحين مركزًا للنزاع العسكرى الأخير الذى شاركت فيه القوات الحكومية والجماعات المسلحة التى اجتاحت أجزاء كبيرة من الولاية الإقليمية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إثيوبيا الحکومة الإثیوبیة عدم الاستقرار انتهاکات حقوق حقوق الإنسان ولایة أمهرة الضوء على فى ولایة فى منطقة

إقرأ أيضاً:

الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع

 

في قلب الحروب الحديثة، قد تصبح الكلمة أكثر فتكاً من القذيفة. الحرب النفسية، التي كانت تاريخياً أحد أذرع القوى الكبرى، باتت اليوم في متناول الفاعلين غير التقليديين، ليس فقط كوسيلة ردع، بل كأداة لبناء توازنات معنوية وميدانية جديدة.

في هذا السياق، برز اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من معركة الإسناد لغزة، كحالة لافتة في تطوير وتوظيف أدوات الحرب النفسية، ليس فقط عبر استنساخ أساليب العدو، بل عبر تنويعها وإعادة تشكيلها ضمن منظومة ردع متكاملة.

من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار في الأداء الإعلامي والعسكري للقوات المسلحة اليمنية كان استخدام أسلوب التحذير المسبق، بطريقة تعكس ما اعتادت إسرائيل فعله مع خصومها.

فبينما كانت تل أبيب ترسل رسائل تحذيرية عبر الناطقين باسم جيشها موجهة إلى سكان مناطق مثل غزة أو جنوب لبنان واليمن، بدأ الأخير بتوجيه تحذيرات مشابهة -شكلاً لا مضموناً- إلى مطارات ومواقع استراتيجية إسرائيلية، مثل مطار بن غوريون.

هذه الصيغة لم تكن مجرد محاكاة بل تمثل نقلة في الخطاب النفسي: تحويل التحذير من أداة تحييد إلى أداة تهديد. بذلك، لا يكون التحذير اليمني عملاً أخلاقياً بقدر ما يكون رسالة صلبة: نحن نملك القدرة على الإيذاء، ونمنحكم وقتاً للتفكير في العواقب.

من أدوات الحرب النفسية الأكثر بروزاً، اللجوء إلى تسمية العمليات العسكرية بأسماء ذات رمزية، كالإصرار اليمني على تسمية المدن والبلدات الفلسطينية بأسمائها الأصلية، لا تلك اليهودية، وهي خطوة تعكس رسالة محمّلة بدلالات دينية وتاريخية وسياسية.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن اليمن بما يمتلك من قدرات، إلا أنها ليست كافية -كقدرة نارية واسعة نتيجة البعد الجغرافي- للتأثير الفعلي الكبير على المرافق الحيوية في الكيان، ولذلك، كان استهداف البنية التحتية للملاحة الجوية الاسرائيلية خياراً عمليّاً، وبصاروخ واحد. وبهذا استطاعت صنعاء أن تثبت في وعي الاحتلال ومستوطنيه أن السماء لم تعد آمنة، وأن المعركة اقتربت من العصب الحيوي للكيان. وهنا تتضح القوة النفسية للتسمية: إنها تجعل من كل إعلان عن عملية، تهديداً مركّباً يتغلغل في الإدراك الجمعي للمستوطنين.

يُعد التوقيت في الضربات اليمنية أيضاً جزءاً من تكتيك الحرب النفسية، لا مجرد قرار عسكري. فقد اختارت صنعاء توقيتات دقيقة لتنفيذ ضرباتها، غالباً ما تكون متزامنة مع أحداث إسرائيلية داخلية أو تطورات إقليمية حساسة. في بعض الأحيان، كان التوقيت يحمل رسالة مبطّنة: «نحن نراقب، ونستطيع مفاجأتكم في اللحظة التي تظنون فيها أنكم في أمان».

هذا الاستخدام الذكي للتوقيت لا يسبب فقط أذى ميدانياً، بل يبني حالة من الترقب والقلق الدائم. كل ساعة تمر، هي احتمال لصفعة نفسية جديدة.

بيانات القوات المسلحة اليمنية تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتصبح أداة حرب نفسية قائمة بذاتها. اللغة المستخدمة في هذه البيانات واثقة، حادة، تنطوي على تهديد مباشر ومدروس. لم تعد البيانات مجرد إعلانات بل رسائل موجهة لا إلى الداخل اليمني فحسب، بل إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى جمهورها، وإلى محيطها الإقليمي.

يضاف إلى ذلك نشر مشاهد مصورة للعمليات أو لمرحلة ما بعد التنفيذ، كتوثيق استهداف سفن في البحر الأحمر أو لقطات لطائرات مسيّرة في الأجواء. هذه الصور لا تكتفي بالإخبار، بل تبث رسائل ميدانية ذات طابع نفسي صارم: نحن نملك اليد، والعين، والسلاح.

من أكثر التحولات اللافتة في الحرب النفسية اليمنية، الاتجاه نحو مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة، أحياناً باستخدام اللغة العبرية أو رموز معروفة في الخطاب الإسرائيلي. هذا النوع من الخطاب يكسر الحاجز النفسي التقليدي بين المقاتل العربي والشارع الإسرائيلي، ويضعه وجهاً لوجه مع خصم يعرفه، ويخاطبه، ويهدده بلغته.

إنها رسائل قصيرة، لكنها موجّهة بدقة: «نحن نراكم»، أو «نحن نعرف مفاتيح التأثير عليكم». وهذا النوع من التواصل يشكل ضغطاً على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تجد نفسها ملزمة بالرد أمام جمهور بات يشعر أن جبهته الداخلية لم تعد بمنأى عن الخطر.

في معركة الإسناد لغزة، أثبت اليمن أن الحرب النفسية ليست فقط سلاحاً تكميلياً، بل ركيزة استراتيجية في بناء معادلة ردع جديدة. لقد تجاوزت صنعاء مرحلة استنساخ أدوات العدو إلى مرحلة إعادة إنتاج أدوات نفسية متعددة الوظائف: تهدد، وتربك، وتحفّز، وتخترق.

وإذا كان ميزان القوى العسكري ما زال يميل لصالح إسرائيل، فإن المعركة النفسية باتت مفتوحة، وقابلة للتطوير، وبعيدة عن الحسم. في هذا السياق، يمثل اليمن اليوم مختبراً متقدماً في الحرب النفسية السيادية، يعيد تعريف معادلة الصراع في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • أهمية بحر الصين الجنوبي في الصراع الأمريكي الصيني (1-3)
  • الجبهة الوطنية: الأزمات والتحديات التي تواجهها الدولة تتطلب حلولاً مبتكرة خارج الأطر التقليدية
  • تصاعد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا يُنذر بصدام جديد في القرن الأفريقي.. التفاصيل
  • الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع
  • جمعية الإغاثة الطبية في غزة تطالب بفتح المعابر واستمرار تدفق المساعدات
  • المحكمة العليا الإسرائيلية.. درع قانوني لحرب الإبادة في غزة
  • المملكة تُدين اقتحام مسؤولين ومستوطنين باحات المسجد الأقصى
  • المئات يتظاهرون في إثيوبيا دعما لفلسطين.. لوحوا بأعلامها (شاهد)
  • سي إن إن تكشف حجم المجاعة والموت بغزة.. واستمرار نتنياهو في إنكار الإبادة
  • ضغوط لوقف الحرب - ترامب يتحدث عن إنفراجة وشيكة وأخبار سارة بشأن غزة