تحولات ومراجعات المدرسة التبليغية المغربية.. قصة مرشد الجماعة في كتاب (1من2)
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
الكتاب: البشير اليونسي شيخ رسالة ورجل مبدأ
الكاتب: ذ مصطفى الجباري
الطبعة الأولى
سنة النشر: 2024
مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
عدد الصفحات:538
تشح المعلومات وتندر عن جماعة التبليغ، فهناك كتب قليلة تؤرخ لمسار هذه الجماعة، وتوثق كسب علمائها ورموزها، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى خصوصية الجماعة وطابعها الروحي، وخوف رجالها من أن يكون البوح الذي يخص حياتهم مدخلا إلى إحباط أعمالهم، فيرون أن إبقاء هذه الجوانب من كسبهم في دائرة السر يجنب إخلاصهم من أن تشوبه الشوائب.
وإذا كانت جماعة التبليغ بباكستان أو الهند قد تيسر لها شيء من التأريخ، ولو في الحدود الدنيا، فإن فروعها، وحياة مؤسسيها بقيت في الظل تماما، بسبب العامل نفسه، فلا الشيخ محمد الحمداوي مؤسس جماعة التبليغ بالمغرب، ولا الشيخ اليونسي الذي تولى مسؤولية مرشدها قبل وفاته، فتحا الباب لهذا التاريخ، ولولا إصرار الأستاذة سمية الحراق على خروج هذا الكتاب، وتعبها من أجل تحصيل المعلومات الشحيحة عن حياة الشيخ البشير اليونسي، لبقيت الجماعة بالمغرب في دائرة العتمة إلا من الروايات الشفوية الجزئية التي يمكن أن تلتمس هنا أو هناك.
ويأتي هذا الكتاب، ليسلط الضوء على جوانب مهمة من حياة الشيخ البشير اليونسي، وأسلوبه في الدعوة والتبليغ، والطريقة التي صاغ بها منهج الجماعة الدعوي.
ومع أن أخطاء كثيرة وقعت في رقن الكتاب، وفي أسلوبه أيضا بسبب طابع الاستعجال الذي حكم عملية إخراجه، فإن المعطيات التي تفردت فيه، تساهم بقدر كبير في إعطاء صورة ولو قريبة عن جماعة التبليغ بالمغرب وبعض ملامحها وتحولاتها.
فكرة تأليف الكتاب
الكتاب في الأصل هو مشروع حالم حملته السيدة سمية الشريف الحراق، قريبة الشيخ البشير اليونسي، من جهة إحدى إفراد عائلته السيدة عائشة الطاهر الحمدوني. عاشت السيدة سمية منذ طفولتها قريبة من الشيخ، تتابع جزءا من أحواله، وقد تربت في منزل مجاور لمسجد الفتح المركز الإشعاعي لجماعة التبليغ بالقصر الكبير، وقد كان يعتبر بمثابة ملحقة فرعية لمسجد الفتح، تزوره النساء اللواتي، وتقضين في أجوائه أعمال الدعوة والتربية والتعليم، ومنه كان المنطلق للخروج في سبيل الله بالنسبة إلى نساء القصر الكبير، وكان يستقبل كبار رموز جماعة التبليغ الوافدين إلى المدينة من مختلف بقاع العالم، وكان خالها، مالك المنزل، صاحب فضل كبير في وجود مسجد الفتح، إذ اقتطع جزءا من أرضه لتكون النواة الأولى لبناء هذا المسجد.
وقد ساعدتها هذه العوامل على التعرف عن قرب عن حياة الشيخ البشير اليونسي وكثير من مواقفه، وشكل ذلك حافزا لها على توثيق مسار حياته، وكتابة مؤلف يكون بمثابة مرجع للدعوة في معرفة سيرة الرجل وكسبه في سبيل الدعوة. فقد تعرفت عليه عن قرب منذ نصف قرن، وداعبتها فكرة الكتابة عن الشيخ، بعد أن دخلت سلك الدعوة، وانتظمت في أعمال الدعوة على طريقة جماعة التبليغ، فبدأت تسجل أقوال الشيخ ومواقفه وكل الأحاديث التي يبثها عن حياته، وذلك خفية عنه، فقد كان يرفض بشكل قاطع فكرة الكلام عن شخصه، لكنها في الأخير قررت أن تلتمس الإذن منه بتدوين نبذة عن بعض محطات حياته، فاعتذر الشيخ، متعللا بأنه ليس محل الاقتداء حتى يكتب عنه، وأنه لا يقارن بالأعلام والأئمة من عصره، ولا يحب أن يتقدم عليهم، وأن سيرته مثل سير سائر البشر، فرجعت الكاتبة بخفي حنين.
ومع ذلك، لم يمنعها ذلك من استئناف الكتابة في غفلة عنه، فأخذت تلتمس المعلومات عن طفولته ونشأته، فووجهت بندرتها، ولجأت إلى شقيقيه أحمد اليونسي ومحمد اليونسي، فبدأت جمع الشذرات الأولى لهذا الكتاب، ثم أعادت الكرة ثانية، ملتمسة هذه المرة لقاء مع الشيخ، حاملة معها مسودة البحث، فاستقبلها صحبة زوجته في حجرة مكتبه الخاص، فأذن لها على مضض، واشترط عليها ألا تبالغ في الإطراء والمدح، وأن تخص من حياته ما كان له علاقة بالدعوة، وألا تتحدث عن عبادته، وعن كل أمر يخص علاقته بربه، فانطلقت في مشروع كتابة هذه السيرة، ملتمسة لقاء كل الذين يمكن أن يفيدوها بمعلومة ولو شحيحة عن حياته، من إخوانه وأخواته، خاصة أخته منانة التي كانت لها علاقة خاصة ومميزة بأخيها الشيخ البشير، ثم بدأت توسع شبكة اتصالاتها بكل من يمكن أن يقدم شيئا عن حياة الرجل من رجال الدعوة ونسائها وأصدقائه ورفقائه، فتجمعت لها حصيلة لا بأس بها من المعطيات، شكلت مادة هذا الكتاب الذي حاول مؤلفه الأديب الروائي مصطفى الجباري أن يشحنه بتأملات صوفية يجعلها على هامش كل حدث أو موقف أو حديث للشيخ، يوضح بها رؤية الرجل الدعوية، وروحانيته العالية، وتفرداته في المنهج والفكر، فضلا عن التحولات والمراجعات التي باشرها الشيخ وأسس بذلك لمدرسة تبليغية مغربية أصيلة.
عبر الطفولة والنشأة.. معالم من قيم البذل والبر والصدق
تشير هذه السيرة إلى القرية التي نشأ فيها الشيخ البشير اليونسي (قرية أمجادي من أهل سريف شرق مدينة القصر الكبير التي تقع في شمال المغرب)، وكان أبوه سيدي عبد السلام بن محمد اليونسي فقيها عالما، كما كانت أمه رحمة بنت عبد السلام الحمدوني تنحدر من أسرة لها علاقة وثيقة بأهل العلم والصلاح، ويتصل نسب الشيخ لأبيه وأمه بالقطب العلم سيدي عبد السلام بن مشيش، وتعود أصول شجرة نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
عرف منذ طفولته بالبر بأمه وتقديم يد العون لإخوته، كريما متسامحا، ميالا نحو التنازل عن حقه إن رأى في ذلك دوام الأخوة وتوثقها بين إخوته. وقد عرف رحمه الله بمساعدة أمه، والقيام على خدمة البيت خلافا لعرف قبيلته الذي كان يلزم المرأة وحدها بأعباء البيت، ويرى مشاركة الرجل لها نقصا من رجولته.
تروي هذه السيرة قصة فريدة، تختلط بنزعات القبائل ولوثتها الاعتقادية، فقد ابتليت قبيلته" أمجادي" بقحط شديد، وكانت العادة أن يتداعى أهلها إلى صلاة الاستسقاء، لكن ما كان يحول بينهم وبين أدائها اعتقاد غريب، يشترط أن يتقدم للصلاة من لم يعرف أبدا بالكذب، وأنه في حال تقدم شخص ما للصلاة، وقد عرف في مسار حياته ولو كذبة واحدة، فإنه يكون معرضا للموت حال أدائه للصلاة.
ولذلك، لم يكن يجرؤ أحد على التقدم للإمامة خوفا من أن تصيبه لعنة الموت، فأحجم الجميع عن الإمامة في صلاة الاستسقاء، حتى بادرهم الشاب البشير اليونسي، وعرض عليهم التقدم للصلاة، فسألته أمه عما إذا كان سبق له أن كذب، فأكد واثقا أنه لم يكذب من قبل، وحاولت عبثا أن تثنيه عن الإمامة بالناس خوفا ان تتخطفه الموت، لكنه أصر عليها رغبة في إحياء سنة صلاة الاستسقاء، فأقام الصلاة بالناس، دون أن يخشى طائلة الموت، فبدأ نجمه يلمع في قبيلته، واستجاب الله الدعاء، فنزلت رحمة الله بخلقه، غيثا كثيرا أحيا الأرض بعد مواتها.
كان رحمه الله سريع البديهة قوي الذاكرة، قليل الطعام، لا يأكل منه إلا لقيمات يقوي بها صلبه، دائم الذكر لله، حريصا على صلاة التهجد بالليل، قليل الكلام، دائم الصمت، لا يتحدث إلا لضرورة أو دعوة، ولم يكن أبدا يبالي بأقوال المبطلين والمحبطين، فكان لا يرد على من يتهمه باطلا وزورا، وإنما يمضي قاصدا إلى أهدافه.
ومما يذكر من ذلك، أن أهل قريته نقموا عليه شدة تعبده، وقد كانت القرية ميالة إلى العبادة الطقوسية المخلوطة بقدر كبير من الحماقة والسفاهة وحب اللهو واللعب، بينما كان الشيخ ميالا إلى التعبد وترك سفاسف الأمور، فأخذوا عليه ذلك، واعتبروا ذلك منه تطاولا وتعاليا عليهم، لكنه مضى في سبيله غير عابئ بمكرهم وكيدهم، متوجها إلى الله بالدعاء أن يصلح أحوالهم ويسدد عقولهم وأن يهديهم سيبل الرشد.
والمفارقة، أن القبيلة التي كان هذا حالها، كانت ترى أن من لا حظ له من حفظ القرآن ومدارسة علومه وحفظ المتون فهو من عامة القوم وأدناهم، ولم يكن هذا حالهم إلا مع الذكور، أما النساء فلا يدفعن إلى الكتاتيب القرآنية، ولا يدرسن على يد الفقيه مبادئ الكتابة الأولية.
تروي هذه السيرة قصة فريدة، تختلط بنزعات القبائل ولوثتها الاعتقادية، فقد ابتليت قبيلته" أمجادي" بقحط شديد، وكانت العادة أن يتداعى أهلها إلى صلاة الاستسقاء، لكن ما كان يحول بينهم وبين أدائها اعتقاد غريب، يشترط أن يتقدم للصلاة من لم يعرف أبدا بالكذب، وأنه في حال تقدم شخص ما للصلاة، وقد عرف في مسار حياته ولو كذبة واحدة، فإنه يكون معرضا للموت حال أدائه للصلاة.دفعت به أمه إلى الكتاب في سن الخامسة، وتمكن من حفظ القرآن وسنه لم يتجاوز بعد أربعة عشرة سنة، وبدأ يدرس بالجامع الفوقي بالمدشر وهو ابن سبعة عشرة سنة، وقد تلقى العلم عن الفقيه المختار بن محمد بن أحمد القصري الإدريسي. وكان يقصده الطلبة من جميع أنحاء البلاد من دكالة وعبدة ومنطقة الشراردة ومن قبيلتي بني يسف وبني زكار، وكان أكثر طلبته من منطقة الريف.
وقد قدمت والدته رجمة الله عليها المثال في البذل والتضحية من أجل تعليم أبنائها، فقامت رحمها الله ببيع أرضها التي ورثتها عن أبويها من أجل أن تنفق على تعليم ابنيها السيد البشير والسيد أحمد.
بدأت رحلة السيد البشير بين المداشر لتحصيل العلوم، فكانت البداية بقرية "دار الواد" فدرس على الفقيه الغماري، ثم رحل إلى مدشر "أهل الماء" المعروفة بـ"الهلالمة"، فأخذ عن الشيخ الفقيه السي بن جوع، ثم انتقل إلى مدشر الحلية، فقرأ هناك على الشيح سي بن راضي، ثم غادر ديار بني سريف، وانتقل صحبة أخيه إلى قبيلة بني يسف، لتبدأ مسيرة طلبه لعلوم الشريعة، فتتلمذ على الشيخ العالم السيد عمر الصمدي، الرجل الذي جمع بين علوم الحال والمقال.
ومما يحكى من مواقفه في بني يسف، أن فرقة موسيقية تعرف بـ"جيلالة" قصدت بيت الله من أجل الضيافة والمنام ليلا، فأذن لها طلبة العلم بذلك، فلما غادروا المسجد، بقي معهم السيد أحمد أخو السيد البشير، فأكلوا وشربوا، وطلب منهم أن يسمعوه شيئا من معازفهم، فحركوا الطبل و"الغيطة" داخل المسجد وملأوا الدنيا صخبا، فانزعج السيد البشير لما رأى ذلك منهم، فقام من فراشه على عجل إليهم، فاستفسرهم عن الفعل المنكر الذي قاموا به منتهكين حرمة المسجد، فأجابوا بأن أخاه، السيد أحمد اليونسي، هو الذي طلب منهم ذلك، فنظر إليه بنظرة ناقمة ولم يعنفه لأنه كان أكبر منه سنا، فطلب من المجموعة أن تأخذ أمتعتها وتذهب بعيدا عن المسجد حتى لا تمس بحرمته.
أخذ رحمه الله العلم عن الفقيه العالم السيد عمر الصمدي علم السلوك وألفية في النحو، والأجرومية في المنطق، والعصمية، والجوهر المكنون في البلاغة، إضافة إلى الفقه والأصول، ثم انتقل إلى قرية بني يحيى ودرس على الشيخ عبد الرحمان البراق علوم التفسير، وكان رحمه الله من علماء القرويين.
وظل هو وأخوه يترددان على المداشر من أجل تحصيل العلوم الشرعية حتى قرر أبوهما إرسالهما إلى جامعة القرويين من أجل التخرج والتصدر العلمي، فسافرا إلى القرويين، وأجريا مباراة الانتقاء، ونجحا بها، وحصلت النقلة النوعية في حياة الشيخ العلمية، لكنه لم يصبر طويلا على الحياة الجامعية بالقرويين لما رأى فيها جمودا في التدريس، ورتابة في مناهجه وبرامجه، فلما زاره أبوه بفاس من أجل تفقده مع أخيه، ورأى هذه الحال من تراجع العلم وخمول أهله، قرر أن يعيد ابنيه إلى قرية أمجادي"، فالتحق بالمعهد الديني بالقصر الكبير بعد أن اجتاز امتحان الانتقاء بنجاح، فتم الدفع به إلى المعهد الديني بالعرائش، فاجتاز المباراة هناك وامتحنته لجنة من العلماء في النحو والبلاغة والفقه الملكي وحفظ أحاديث الموطأ وكذلك التفسير، ونجح، وظل بالمعهد الديني بالعرائش سنتين، ثم انتقل إلى مدينة تطوان، وكان يقصد الحصول على شهادة نظامية تعزز ملفه العلمي وتثبت تمكنه من العلوم وجدارته لتصدر واجهات التدريس. غير أن ظروف الاضطرابات السياسية في تطوان، بسبب أحداث الريف، والصعوبات التي لقيتها الدولة في احتوائها، خاصة وأن الطلبة كانوا يمثلون وقودها، فاضطرت إلى استهداف وحدة التكتل الطلابي بالتفتيت والتجزيء، فخيرت الطلبة بين الالتحاق بالوظيفة العمومية أو العودة إلى منازلهم، فكان القرار بالنسبة للشيخ البشير اليونسي بالالتحاق بالتعليم.
قصة الانضمام إلى جماعة التبليغ
دخل الشيخ البشير اليونسي في سلك التدريس، وتولى الخطابة في آن واحد، فوجد نفسه أمام تحديين: تجديد التعليم الديني، وتجديد أسلوب الخطابة، فقد كان رحمه الله يعارض النهج الشكلي في الخطابة، وينفر من ترصيع الخطبة بوجوه البلاغة والسجع مع هزالة المضمون، وكان يركز على المعاني الإيمانية التي تنهض بالأمة وتجدد إيمانها، كما كان يضيق برتابة المقرر الدراسي، ويحاول أن يتحرر من أسره أو ينطلق منه ليصل المتعلمين بمعنى الدين، فيحفز إرادتهم ويسمو بإيمانهم، ويحثهم على استنهاض هممهم للدعوة إلى الدين.
تحكي سيرة الرجل محطتين اثنتين كانتا سببا في انضمامه إلى جماعة التبليغ. أما الأولى، فهي حكاية نقلها الحاج محمد أجعون، أحد معارفه، عن حدث شهده بمدينة العرائش، يتعلق بأشخاص يبدو أنهم من أجانب، أغلبهم لا يتحدث اللغة العربية، زاروا مدينة العرائش، ونزلوا إلى المقاهي والأزقة، يتكلمون مع المارة، ويذكرونهم بأصلهم ووظيفتهم في هذه الدنيا، ويفتحون فطرتهم لسماع نداء الإيمان، وأنهم كانوا يمارسون الدعوة حتى في الحانات التي تباع فيها الخمر، فلما أنهى الحاج كلامه، تحركت في نفس الشيخ البشير لواعج الشوق للقاء هؤلاء الناس، فسأله إن كانوا لا يزالون بالعرائش، فلم يؤكد له الحاج ذلك، فضاع منه الخيط الذي كان سيصله بهؤلاء للتعرف عليهم.
وأما الثانية، فقد صادف أن سافر الشيخ البشير اليونسي إلى مدينة الرباط رفقة زجوته بقصد استشفائي، فقد كانت ابنته مريضة، فلما نزلا باب الأحد، نادى المؤذن لصلاة الظهر، فطلب من أسرته البقاء في انتظاره إلى أن يؤدي الصلاة بالمسجد، وهناك قام رجل يخاطب المصلين، فرفع الشيخ رأسه فوجد نفس الأوصاف التي نقلها إليه الحاج جعون حين حكى له عن الأشخاص ألأجانب الذين رآهم يدعون إلى الله بمدينة العرائش، فوجد الخيط الذي لم يمسك به في السابق، فحرص على لقائهم، وأبدى لهم رغبة في معرفتهم، والتعرف على أسلوبهم في الدعوة فأشاروا عليه بالخروج في سبيل الله، فتاقت نفسه لذلك، فبدأ يفكر في طريقة لإعادة أهله إلى القصر الكبير حتى يحقق أمنيته في الخروج في سبيل الله، فوجد رجلا من معارفه متجها إلى القصر الكبير فسلمه أهله، بعد الاطمئنان عليهم، وبدا أول تجربة في الخروج في سبيل الله، ومن ثم الانضمام إل جماعة التبليغ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب جماعة التبليغ المغرب المغرب كتاب اسلاميون جماعة التبليغ كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلاة الاستسقاء جماعة التبلیغ السید البشیر القصر الکبیر فی سبیل الله هذا الکتاب حیاة الشیخ هذه السیرة رحمه الله من أجل ما کان
إقرأ أيضاً:
السينما الوثائقية..نافذة حيوية توثّق الذاكرة الوطنية وتعرض تحولات المجتمع العُماني
صنّاع الأفلام الوثائقية: نقل القصص المحلية إلى منصات إقليمية وعالمية برؤية فريدة -
تعد السينما الوثائقية في سلطنة عُمان أكثر من مجرد تسجيل للواقع؛ إنها وسيلة فنية وفكرية تسهم في بناء الوعي، وتشكيل صورة الوطن في أذهان أفراده. وكلما التقطت العدسة المزيد من التفاصيل أصبحت الهوية أوضح، والتاريخ أعمق، والمستقبل أكثر ارتباطًا بالجذور. وتعد السينما الوثائقية من أبرز الأدوات البصرية التي تسهم في توثيق الحياة اليومية، وتسليط الضوء على ملامح الهوية الثقافية والمجتمعية العُمانية.
بين الحارات القديمة والجبال الشاهقة، وبين الحِرَف التقليدية والحكايات الإنسانية تجد عدسة الوثائقي ما يستحق أن يُروى ويُحفظ. في الوقت الذي يشهد فيه المشهد الثقافي في سلطنة عُمان تطورًا لافتًا تبرز السينما الوثائقية كإحدى الوسائل الفنية المهمة التي تسهم في توثيق وتسجيل موروث الشعب العُماني في صورة بصرية قريبة من الواقع؛ فالكاميرا لم تعد تقتصر على التصوير السياحي أو المناسبات، بل أصبحت أداة تحكي القصص، وتوثّق البيئات، وتحفظ الهوية.
يأتي تعريف السينما الوثائقية بأنها فن سينمائي يوثّق الواقع والحقائق التاريخية أو العلمية أو الاجتماعية من خلال لقطات حقيقية؛ لتسليط الضوء على قضايا أو موضوعات معينة بغرض تثقيفي أو تأريخي مع الأخذ في الاعتبار أن كل فيلم وثائقي هو وجهة نظر المخرج للحياة الواقعية.
وفي سلطنة عُمان كانت بدايات السينما متواضعة؛ إذ بدأت السينما بالأفلام الوثائقية كما كان الحال في البدايات الأولى للتصوير في سلطنة عُمان منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي؛ حيث كانت وثائقية أيضًا، وقد افتتح بها تلفزيون سلطنة عُمان بثّه، وهو لا يزال يعوّل على الفيلم الوثائقي القصير، ويعتمد عليه في توثيق الحياة الاجتماعية والسياسية والتجارية والصحية وغيرها من الأنشطة الحيوية والتنموية.
واقتصر الوجود السينمائي على بعض دور العرض التي كانت تعرض الأفلام الأجنبية دون وجود إنتاج سينمائي محلي يُذكر. ومع مرور الوقت، وبدعم من المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة بدأت تظهر محاولات لصناعة أفلام عُمانية قصيرة تركز على قضايا المجتمع المحلي، وتُبرز البيئة والثقافة العُمانية. كما شهدت السينما العُمانية تطورًا تدريجيًا، خاصة مع تنظيم مهرجانات سينمائية محلية ودولية، مثل مهرجان مسقط السينمائي الدولي الذي أسهم في تشجيع المواهب العُمانية الشابة على دخول هذا المجال، كما أسهمت المبادرات التعليمية والحلقات التدريبية في المدارس والمؤسسات الأكاديمية في بناء جيل جديد من المخرجين والكتّاب والمصورين الفوتوغرافيين.
حكايات من وراء الكاميرا
وتشير آراء فنية إلى أن السينما الوثائقية تؤدي دورًا محوريًا في حفظ الذاكرة الوطنية، وتقدم عُمان من منظور إنساني وثقافي للعالم، خاصة مع تطور أدوات الإنتاج، وانتشار المنصات الرقمية التي ساعدت صانعي الأفلام على الوصول إلى جمهور محلي ودولي.
وعن عالم السينما الوثائقية يقول أنور بن خميس الرزيقي مخرج أفلام ونائب رئيس الجمعية العُمانية للسينما: دائمًا في السينما الوثائقية نسعى للموازنة بين أهمية الموضوع وجاذبية الجمهور؛ إذ إن موضوع الفيلم هو الأساس سواء كان قضية مهمة أو فكرة مثيرة. وهذا ما يمنح الفيلم قيمته، ولكنه وحده لا يكفي لجذب الجمهور؛ لذا فإن التوازن يتحقق من خلال طريقة السرد في الفيلم التي يجب أن تكون ممتعة ومؤثرة مع الاهتمام بجودة التصوير، والصوت، وإيقاع الفيلم. وإذا كان الفيلم روائيًا يضاف إلى ذلك الأداء التمثيلي الذي يعزز قوة الموضوع.
وأضاف الرزيقي: الفيلم الوثائقي ليس كغيره من الأفلام؛ فهو نوع من السينما القائم على تقديم الحقائق وتوثيق الأحداث، لكن ذلك لا يتعارض مع السرد الفني، ومن حق صانع الفيلم أن يتبنى وجهة نظره ويعرضها داخل العمل شرط أن يقدمها برؤية فنية ممتعة وشفافة. هذا المزج بين الحقيقة والفن يعطي قيمة أكبر للفيلم الوثائقي، وربما ستصبح الأفلام الوثائقية مستقبلًا أقرب إلى الدراما في بعض الجوانب؛ وذلك لأن الجمهور أصبح معتادًا على أسلوب السرد المشوّق، ولكن تبقى للأفلام الوثائقية خصوصيتها؛ فهي تحترم الواقع وتعكس الحقيقة أولًا، ويمكن توظيف مشاهد درامية لإبراز قضية الفيلم أو موضوعه بشكل أوضح، لكن الهدف يظل دائمًا إيصال الحقيقة وليس تغييرها.
ومن جانب آخر يتحدث سعيد بن سليمان الوهيبي أمين سر الجمعية العُمانية للسينما عن السينما الوثائقية العُمانية قائلًا: السينما الوثائقية في سلطنة عُمان اليوم أصبحت أقرب لروح الإنسان العُماني؛ لأنها تروي قصصه، وتوثّق تفاصيل حياته، وموروثه الثقافي العريق؛ فهي ليست مجرد أفلام، بل ذاكرة حيّة تحفظ حكايات الأجداد وتجارب الحاضر؛ لتصل إلى الأجيال القادمة بأسلوب فني راقٍ يلامس المشاعر، ويحافظ على هويتنا العُمانية، وينقلها للعالم بصورة ملهمة وجميلة. والسينما الوثائقية تتميز بأنها قريبة من الحقيقة والإنسان؛ فهي لا تكتفي بسرد القصص، بل تنقل الواقع كما هو، وتوثّق الأحداث والتجارب بأسلوب صادق وعميق. ومن خلال ذلك تصبح رسالة موجهة إلى الثقافات الأخرى؛ لتعريف العالم بمضمون الثقافة والهوية الفريدة لكل بلد، وإبراز قصصه وقيمه بأسلوب فني راقٍ. فهي تحمل قيمة توثيقية وتاريخية، تحفظ الموروث والذاكرة الجماعية، وتفتح نافذة للحوار والتفاهم بين الشعوب؛ لتكون أكثر من مجرد وسيلة للترفيه، بل جسرا يربط القلوب والثقافات. وعندما يرى المشاهد حكاية حقيقية فيها مشاعر وصور حيّة، يكون تأثيرها عليه أعمق من أي خطاب أو مقال. وهذا النوع من الأفلام في السلطنة يسلط الضوء على قضايا منسية؛ لتخلق تعاطفًا، بل حتى تحرك المجتمعات نحو التغيير.
ويضيف: في كثير من الأمثلة عالميًا وإقليميًا أفلام وثائقية أسهمت في تعديل قوانين، وحماية بيئة، وحتى رفع أصوات فئات مهمشة؛ لأنها لا تنقل المعلومة فحسب، بل تلمس القلب والعقل معًا، وتجعل المشاهد يعيش القصة بدلًا من سماعها.
الوثائقي في ميزان الجمهور
يرى متابعون أن تعزيز هذا النوع من السينما يتطلب رؤية استراتيجية تشمل التعليم، والتمويل، والتوزيع، والترويج؛ حتى تظل العدسة العُمانية قادرة على توثيق الواقع بكل صدق وجمال، وأن هذه العدسة التي تتجوّل بين تفاصيل الحياة العُمانية لا تنقل فقط مشاهد، بل تُنتج وعيًا بصريًا وثقافيًا يسهم في حفظ الذاكرة الوطنية.
وهكذا جاءت آراء عدد من المهتمين بالسينما الوثائقية في سلطنة عُمان متفاوتة بين الحماس والإعجاب، والدعوة إلى دعم أكبر لهذا النوع من الفن.
يقول محمد بن منصور السلماني: ما جذبني لهذا النوع من السينما هو أن الفيلم الوثائقي صادق ومصداقي وبعيد عن التمثيل؛ إذ أرى أن كل لحظة في الفيلم الوثائقي هي واقعية وحقيقية، وتنقلني لعالم مختلف تمامًا لم أكن بدراية عنه لولاها؛ إذ تجعلني أتأمل أكثر وأفهم الحياة من زوايا متنوعة. وسبق أن غيّر الفيلم الوثائقي نظرتي لمواضيع معينة؛ إذ أكثر من مرة شاهدت أفلامًا وثائقية كشفت لي حقائق صغيرة، لكن تأثيرها كان عليّ كبيرًا؛ فهي تجعل المشاهد يعيد حساباته، ويوسع مداركه. على سبيل المثال؛ بعض الوثائقيات عن البيئة جعلتني أنتبه لتفاصيل كنت مهملها في حياتي اليومية.
وأردف قائلًا: أنا كمشاهد ما أفضله في الفيلم الوثائقي هو توازن السرد البسيط مع صور حقيقية أو أرشيفية؛ فهذا يعطيني شعورًا بأن القصة ملموسة وواقعية. والموسيقى أيضًا إذا استُخدمت بذكاء ترفع من الإحساس، وتجعل المشاهد يعيش اللحظة. وأنا كمشاهد للأفلام الوثائقية، هناك بعض المواضيع التي أتمنى رؤيتها في السينما الوثائقية مستقبلًا، مثل قصص عن أناس عاديين، ولكن حياتهم مليئة بالقصص الملهمة، وأيضًا عن تاريخ الأماكن القديمة والبحر والجبال، وكل ما يرتبط بالهوية والثقافة العُمانية، بالإضافة إلى القضايا المعاصرة عن الشباب في المجتمع. ولكن هناك قضايا كثيرة أهم وأحق أن تُعرض في السينما الوثائقية، مثل التغيرات الاجتماعية، وعلاقة الأجيال بالتراث، والتحديات البيئية مثل الماء والمناخ، وأيضًا قصص الناس الذين أسهموا في بناء هذا البلد في مختلف المجالات.
وقال هيثم بن سيف المعولي ممثل أفلام سينمائية: السينما الوثائقية تعد من أكثر الأنواع الفنية تأثيرًا؛ لأنها تقدم سردًا حقيقيًا يبين الحقائق والقصص الواقعية، وتعطي الفرصة للجمهور للتفاعل مع مواضيع تهم المجتمع وتزيد الوعي. أنا أتابع هذا النوع من الأفلام بانتظام؛ لأنني أرى فيها عمقًا ورؤية جديدة عن العالم الذي حولنا. والتمثيل هو جزء لا يتجزأ من الفيلم الوثائقي، خصوصًا إذا كان الهدف منه هو إعادة تمثيل أحداث تاريخية أو تجارب شخصية، لكن لا بد أن يكون الممثل حذرًا؛ لكيلا يتعارض مع روح الوثائقي الذي يعتمد على الواقعية. كما أن التوازن بين التمثيل والواقع هو المفتاح للحفاظ على مصداقية العمل.
ويضيف: صحيح أن العناصر الدرامية ممكن أن تساعد في جذب الجمهور، لكنها ليست دائمًا ضرورية؛ فقوة المحتوى غالبًا ما تكون كافية لجذب الانتباه. ولكن في الوقت ذاته تقديم القصص بطريقة درامية ممكن أن يعزز تأثيرها، ويجعلها أكثر جذبًا للجمهور. وأنا الآن ممثل، ولكن إذا جاءتني فرصة لاختيار موضوع فيلم وثائقي فسأختار إنتاج فيلم وثائقي عن قضايا التغير المناخي وتأثيره على المجتمعات؛ لأني أرى أن هذا الموضوع يحتاج أن يُسلط الضوء عليه أكثر، لأنه يؤثر على مستقبلنا جميعًا. وإلقاء الضوء على قصص الناس الذين يعيشون في مناطق تعاني من آثار التغير المناخي ممكن أن يكون مؤثرًا وملهمًا.
وتشارك أروى بنت علي بن صالح السنيدية في هذا الحديث حول السينما الوثائقية العُمانية بقولها: الوثائقي العُماني دائمًا يشدني؛ كونه يقدم الواقع العُماني بشكل أعمق وبشكل فني يكون أقرب للقلب؛ إذ إن الدمج الذكي بين عناصر الفيلم الوثائقي من سرد وصور أرشيفية وموسيقى يعطي دوره وطابعه على الفيلم. فمثلًا السرد يعطي العمق، والصور الأرشيفية تربطك بالتاريخ، والموسيقى ترفع من التجربة ما يعني أن التوازن بينهم هو الذي يصنع الأثر. فالتاريخ العُماني الحربي، والبحر، والجبال تعد جزءًا من الهوية الوطنية، كذلك قصص حقيقية من التراث الشعبي تُقدَّم بروح عصرية من المواضيع الشيقة التي لا بد أن تُعرض كفيلم وثائقي.
وقال أحد الشغوفين بالسينما الوثائقية وليد بن سالم الدرعي: الجمهور له ذائقته الخاصة في العديد من الفنون، ولكن في السينما ما يجذبهم هو القصة الواقعية والأحداث المثيرة والتصوير الإبداعي. وكما يعلم جميع المهتمين بالأفلام الوثائقية أن بعض الأفلام ممكن أن تترك أثرًا كبيرًا وتأثيرًا على المشاهد. كما أنه قد يغيّر نظرته تجاه بعض المواضيع؛ وذلك بفصل السرد للحياة النمطية في المجتمع العُماني، والموسيقى التي تتناسق مع السرد؛ وذلك لأن توصيل الرسالة بطريقة الحياة المجتمعية سيبهر صناع الأعمال في استخراج الفكر السينمائي، وبالتالي ستُتيح الفرص في الإخراج للأعمال الجميلة والإبداعية.
التحديات
يقول رئيس الجمعية العُمانية للسينما محمد بن عبدالله العجمي: رغم قلة الموارد وصعوبات الإنتاج، إلا أن هناك جيلًا من المخرجين العُمانيين الشباب الذين اختاروا الفيلم الوثائقي كمسار فني وثقافي. بعضهم تلقى تدريبًا محليًا في حلقات عمل ومراكز ثقافية، وآخرون تعلّموا بأنفسهم من خلال الممارسة والمشاهدة. وأنا أرى أن المخرجين العُمانيين اليوم يذهبون إلى مواضيع قريبة من الناس وملامسة لروح المكان؛ حيث نجد الكثير من الأفلام التي تستكشف الهوية العُمانية بعمق، من قصص التراث البحري وحياة الصيادين إلى الحكايات الجبلية والموروث الشعبي في القرى النائية. هناك أيضًا اهتمام متزايد بموضوعات البيئة والتغير المناخي، وقصص الشباب وريادة الأعمال، وحتى التحولات الاجتماعية التي نعيشها مع التطور السريع. هذا التنوع يعكس كيف أن السينما الوثائقية أصبحت مرآة حقيقية للمجتمع، ووسيلة للتعبير عن تفاصيل حياتنا اليومية. ولكن في الوقت ذاته لا نخفي أن هناك عدة تحديات نعمل جميعًا على تجاوزها أبرزها محدودية التمويل، وقلة المنصات المتخصصة لعرض الأفلام الوثائقية ما يجعل بعض الأعمال الرائعة لا تصل للجمهور كما تستحق. كذلك نحتاج إلى فرص تدريب أكثر تقدمًا في مجالات التصوير والمونتاج والصوت؛ حتى نرفع المستوى الفني ليواكب التطور العالمي. وأحيانًا تشكل الجغرافيا تحديًا أيضًا؛ فالوصول إلى مواقع تصوير نائية يتطلب جهدًا ودعمًا لوجستيًا كبيرًا.