سواليف:
2025-06-27@11:03:15 GMT

تأملات_رمضانية

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

#تأملات_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

من المفروغ منه أن القرآن الكريم غير متاح تحريفه، لذلك لجأ بعض السياسيين المغرضين الى استئجار ضمائر بعض شيوخ الضلال من مفتي السلاطين، لأجل اقتطاع بعض النصوص من سياقها، لتغطية أفعالهم بغطاء شرعي، ولتنفيذ مآربهم، ليكون الرد على من يعترض عليها:” أتعترض على كلام ربنا!؟”.


سأورد مثالين مشهورين كثر الإستشهاد بهما من قبل أبواق أنظمة الإستسلام ومروجي العملية السلمية، أولهما قوله تعالى:” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”، وتفسيره: لا يكونن ما تفعلوه بإرادتكم سببا لهلاككم، لكنهم كانوا يستعملونه لتبرير عدم مقاتلة العدو بسبب تفوقه العسكري، باعتبار ذلك إلقاء بالنفس الى التهلكة وكأن شرط دخول المعركة تأمين التفوق العسكري مسبقا.
ذلك هو من باب لي أعناق الآيات لتخدم غرضا غير الذي أنزلت فيه، ولو كان التفوق شرطا لدخول المسلمين المعركة، ما حارب المسلمون قط، فقد ظلت موازين القوة الميدانية في غير صالحهم على الدوام، وخاض جيشهم الذي يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل معركة مؤتة ضد جيش الروم وهي القوة العظمى آنذاك وكان عديد قواتها مائتي ألف، أي سبعين ضعف قوة المسلمين، غير هيابين من التهلكة التي كانت بحسب المعايير البشرية مؤكدة، لكن كان أملهم بالنصر بناء على القانون الإلهي، والذي انتصروا بموجبه في كل مرة أتموا معاييره، وهي: قوله تعالى “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة:249] و ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ينصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].
نص الآية الكريمة التي يجتزئون منها فقرة، ويقطعونها من السياق العام الذي نزلت فيها، فيستشهدون بها لتبرير تخاذلهم واستسلامهم للعدو تقول: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” [البقرة:195]، واتفق المفسرون على أنها نزلت في قوم من الأنصار قالوا إن الله قد أغنى إخواننا المهاجرين، فلم تعد من حاجة للإنفاق عليهم، فلنهتم بشأننا ويكفي ما أنفقناه عليهم، ولو فعلوا ذلك لضعفت قوة المسلمين وتغلب عليهم المشركون، ووقع خطر هلاك المهاجرين والأنصار.
إذاً فهي جاءت في سياق الإنفاق في سبيل الله، لأنه ينجي الإنسان من سوء العاقبة، ويؤكد ذلك ما سبق النص المذكور وما تلاه، فقد سبقتها الآية التي تدعو المسلمين الى الرد على العدوان بالمثل وعدم الإستكانة وبغض النظر عن تكافؤ القوى: ” فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ” [البقرة:194].
المثال الثاني قوله تعالى:”وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، والتي اعتبروها مجيزة لتوقيع معاهدات السلام الدائم مع العدو الصهيوني، التي تثبت استيلاءه على فلسطين، وتلغي حق استعادة ما احتله.
لكن معنى الآية مختلف، إذ يفيد بجواز الهدنة المؤقتة خلال صراع قائم، بدليل الآية التي سبقتها: “وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” [الأنفال:60]، أي أن الجنوح الى السلم ليس (خيارا استراتيجيا)، إنما هي حالة مؤقتة تمليها ظروف مرحلية، يتم فيها التقاط الأنفاس والإستعداد والإعداد وابقاء خيار اللجوء الى القوة قائما، وليس خيار الحل السلمي فقط والقائم على التوسل واستجداء كرم العدو.
وتؤكد هذه الآية من جديد المبدأ الأساسي في التجهز والإعداد والإنفاق في سبيل ذلك، وعدم القلق من المبالغ الباهظة التي يتطلبها الحشد والتجهز، لأن مردود ذلك سينعكس عليكم عزة وكرامة وامتلاك لمقدراتكم، لأنها كانت ستذهب من أيديكم، وما نراه حاضرا يثبت ذلك، فكل أموال النفط الهائلة تذهب للغرب المتسلط، بفعل خنوع العرب لهم وانصياعهم لأوامرهم، ولن يتركوهم إلا وخزائنهم خاوية.
وهذا هو إلقاء الأمة في التهلكة بأجلى صوره.

مقالات ذات صلة الحذر من جلب الدبّ إلى الكرم فيفسده . . ! 2024/03/28

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات رمضانية

إقرأ أيضاً:

الضربات الوهمية.. بين استعراض القوة وصمود الجغرافيا الإيرانية!

في خضم التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، جاءت الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة، التي نُفّذت بواسطة القاذفات الاستراتيجية «بي-2»، وكأنها محاولة لإثبات الحضور أكثر منها وسيلة فعّالة لتحقيق اختراق استراتيجي في الملف النووي الإيراني.

فالتسريبات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتي سارع كل من ترامب ونتنياهو إلى نفيها تشير بوضوح إلى أن هذه الضربات لم تؤدِّ إلا إلى تأخير محدود للبرنامج النووي الإيراني لا يتجاوز عدة أشهر.

وقد أكّدت مجلة الشؤون الخارجية (فورن أفيرز) هذه التقديرات، مشيرة إلى أن الضربات استهدفت مداخل المنشآت النووية الثلاثة، وليس البنية التحتية الحيوية المتصلة بأجهزة الطرد المركزي أو مخازن اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.

صور الأقمار الصناعية التي تم تحليلها بعد الضربة، لم تُظهر سوى حفر عميقة في الأرض، دون أي مؤشرات على تدمير جوهري للبنية النووية، ومعظم الأضرار التي رُصدت كانت في مناطق خدمية مثل مواقف سيارات العاملين، ملاعب كرة القدم والتنس، كافتيريات الإعاشة، وبعض مداخل المجمعات الواقعة على أطراف الجبال، وهي أماكن يسهل على إيران إصلاحها باستخدام جرافات ومعدات ثقيلة خلال أيام معدودة.

الهدف: سياسي أكثر منه عسكري

الضربة الأمريكية، بكل تفاصيلها، بدت أقرب إلى عرض سياسي إعلامي منها إلى عملية عسكرية محسومة النتائج. أرادت واشنطن أن ترسل رسالة بأنها قادرة على التحرك، دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة وشاملة لا ترغب فيها في هذا التوقيت الحرج، كما أن توظيف الضربة في الإعلام أعطى للرأي العام الأمريكي والإقليمي انطباعًا بأن هناك «حزمًا» تجاه طهران، رغم أن الأثر الحقيقي كان محدودًا للغاية.

الجغرافيا تقاوم التكنولوجيا

العامل التضاريسي لعب الدور الأبرز في امتصاص الصدمة، فالمنشآت الإيرانية، وعلى رأسها منشأة «فوردو»، شُيّدت داخل الجبال، على عمق يصل إلى تسعين مترًا تحت الصخور الصلبة، مما يجعل قصفها المباشر أمرًا بالغ الصعوبة. وحتى القنابل الخارقة للتحصينات التي تستخدمها القاذفات «بي-2» لا تستطيع تدمير تلك المنشآت دون خسائر جانبية جسيمة ومجازفة إقليمية غير محسوبة.

تؤكد هذه الحقيقة أن الجغرافيا، رغم كل ما يقال عن تراجع دورها في الحروب الحديثة، ما زالت عنصرًا حاسمًا في معادلات القوة. فالموقع، والعمق، والبناء تحت الأرض، كلها عناصر تُعيد تعريف حدود الحرب، وتجعل من السهل تدمير سطح المنشأة، لكن من المستحيل اقتلاع قلبها.

إيران تراقب وتستفيد من صمتها.

على الجانب الإيراني، جاء الرد محسوبًا بدقة. لم تسعَ طهران لتكذيب الرواية الأمريكية أو التقليل من شأن الضربات، بل تركت التصريحات الغربية تتضخم دون تدخل. هذه الاستراتيجية الذكية تسمح لها بكسب وقت إضافي، وتوهم خصومها بأن تقدمها النووي قد تعثّر، مما يقلل من وتيرة الضغط السياسي والعسكري عليها.

إنه نوع من الخداع الاستراتيجي الهادئ، تبرع فيه طهران: أن تترك خصمك يعتقد أنه أوقفك، بينما أنت تواصل العمل في الظل.

أخيرًا: الضربة التي أعادت للجغرافيا هيبتها.

لم تُسقط الضربات الأمريكية أجهزة طرد مركزي، ولم تُدمّر مخازن اليورانيوم المخصب، ولم تغيّر معادلة الردع. كل ما خلفته هو حفَر في الطرق الجبلية، وبعض الأبنية الجانبية التي يمكن تعويضها بسرعة.

لكن الأهم أنها أعادت تسليط الضوء على قوة الجغرافيا، وأظهرت كيف أن التضاريس - من الجبال إلى عمق الصخور - يمكن أن تحسم معركة قبل أن تبدأ.

في زمن الأقمار الصناعية والصواريخ الذكية، ما تزال الأرض قادرة على الدفاع عن نفسها حين تُبنى التحصينات بفكر استراتيجي طويل الأمد.

في النهاية، قد تحمل الجغرافيا في صمتها ما لا تستطيع القاذفات أن تحققه في ضجيجها.. .، !!

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !! [email protected]

اقرأ أيضاًبعد إعلان إسرائيل اغتياله.. قائد فيلق القدس يظهر في احتفالات النصر بطهران «فيديو»

الرئيس الإيراني في اتصال مع أمير قطر: طهران تسعى لتوسيع علاقاتها الأخوية مع الدوحة

وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار غرب طهران وتفعيل الدفاعات الجوية

مقالات مشابهة

  • القماطي: العدالة في ليبيا تنتظر زوال القوة من عند المجرمين
  • الضربات الوهمية.. بين استعراض القوة وصمود الجغرافيا الإيرانية!
  • قراءة في الحرب بين إيران وإسرائيل ومآلات الصراع في المنطقة
  • تأملات قرآنية
  • اعتراف صهيوني : اليمنيون هم القوة الوحيدة القادرة على الصمود ومواصلة الحرب
  • دريان: لا دولة بدون المسلمين والمسيحيين
  • ماذا حقق الكيان الصهيوني من عدوانه على إيران؟
  • اتحاد المسلمين.. زوال للصهاينة والهيمنة الغربية
  • مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ الأمة العربية والإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديد
  • خطاب الحرب