بوابة الوفد:
2025-07-31@16:33:25 GMT

الزكاة مطهرة للقلب ومرضاة للرب وغوث للفقير

تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT

تحمل الزكاة بين ثناياها مقاصد رفيعة ومِنهاجاً حكيماً لصلاح المجتمعات، فيها تزكية للنفس ونماء فى أموال المُزكِى، وحفظاً للفقير من الاحتياج، وتوازناً للمجتمع، فيأخذ المسلم من ماله وهو يعلم يقينًا أنه سيتضاعف، ويضع مالًا فى يد الفقير وهو يعلم أنه سيقع فى يد الله أولًا فيعطره ويُجمله فالله طيب لا يقبل إلا الطيب، وينفق من أموال حصدها بتعب وشقاء وهو على إيمان أنها من ملك الله وخزائنه فى الأرض وما نحن إلا قائمين ومحاسبين عليها، فيُغيث الملهوف ليُغاس فى الدارين، ويتصدق ليتداوى، وبين هذا وذاك نحيا كما علمنا الإسلام ونجد أن فلسفة الزكاة فى ديننا الحنيف تتجسد حولنا، وتجعل المُزكِى والمُزكَى عليه والمجتمع فى مكسب شامل، فهذا يُطعَم وتُسَد احتياجاته فلا يشقى أو يحقد ويمد عينيه لما فضل الله، وهذا يُطهر نفسه من الشح ويُزكِيها من القبيح ويُضاعف ماله فيُكثر من الصدقة، فينعم المجتمع بالتوازن والتعاون المتراحم فينشأ قويًا ومتماسكًا، وهذا هو ديننا القويم ومنهاج الإسلام الحكيم.

 

مشروعيتها فى الكتاب والسنة

الزكاة شرعًا تعنى إخراج قدر معين من المال فى وقت محدد لطائفة بعينها مُستحقه للزكاة، وهى الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة الواجبة التى لا يكتمل إسلام المرء دون اتباعها وتأديتها، فقال حضرة النبى (صلى الله عليه وسلم) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «بُنِى الإسلام عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمن استطاعَ إليهِ سَبيلا»، وأمر رب العزة بالزكاة فى سورة البقرة فقال: «إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

 

حكمة فرضها

بلاغة القرآن الكريم تتجلى فى كل حرف، فالمعنى اللغوى للزكاة التى أطلقها كتاب الله على ما يُنفق على الفقراء والمحتاجين وغيرهم يحمل فى طياته جزءً كبيرًا من فلسفة الزكاة ويُجيب عن تخوف العباد الطبيعى من نقص أموالهم التى يكتسبوها من كد وتعب ليالى، وفيها إشارة أيضًا لمن تجب عليه الزكاة من عباد الرحمن، فالزكاة فى اللغة تعنى النماء والزيادة وتدل على التطهير، أما عن النماء والزيادة فقد قال عز وجل فى كتابه: «وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون» أى أن الله يُضاعف الأجر والثواب، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه عن ابى هريرة أَنَّ رسولَ اللَّه (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»، كما أنه من شروط الزكاة أن تكون زيادة عن حاجة الفرد، فيجب أن يكون أمواله فى حالة نماء وزيادة وهناك ما يزيد عن حاجته الأساسية للعيش فيخرج زكاة المال عما يملكه ويُخرج زكاة فطر على بدنه مما فوق حاجته حسب ما يحدده الشرع كل عام. 

 وأما عن معنى الطهارة فقال الله تعالى، «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم»، كما وضحت دار الإفتاء المصرية للمسلم حكمة الشريعة الإسلامية من فرض الزكاة فى فتواها رقم 6884، إذ قالت أن المصارف التى حددها الإسلام للزكاة توضح الحكمة والمقصد الشرعى لفرضها، فقد قال تعالى فى سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»،، وقال حضرة النبى عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخارى: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».

 ما يدل أن الله شرع الزكاة بحكمته لبناء الإنسان قبل البُنيان، لأن كفاية الفقراء والمحتاجين إسكانًا وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا وتزويجًا، وفى سائر أمور حياتهم يجب أن يكون هو الأولوية لبناء البشر وسد حاجاتهم لخلق التوازن والرحمة بينهم وتطهير النفوس، فالساجد قبل المساجد.

وقد أكد الفقهاء على أنَّ مقصد الزكاة هو إغناء الفقراء والمُحتاجين بسد حاجتهم، وهو مما كفلته الشريعة بالفعل لرعاياها، لذلك شرعت الزكاة وغيرها؛ كالصدقات، والكفارات، والنذور، والأوقاف، وعدَّدت طرق البر والخير لتكون مدد وعون موصول دائمًا لسد حاجات الفقراء؛ كالأضحية، وصدقة الفطر، والهدى، وهذا لتحقيق تمام التوازن بين رعايا الدولة من الفقراء والأغنياء.

وبناء على ذلك فالحكمة من مشروعية الزكاة لخلق التوازن وتطهير نفوس المسلمين وتزكيتها من الشح والبخل وحب الدنيا والتعلق بالمال، والتطهر من الأخلاق المذمومة كما يقول الله تعالى فى كتابه الحكيم: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، لذا فالزكاة دليل على صحة إيمان المُزكى وتصديقه بأمر الله، فقال النبى – (صلى الله عليه وسلم) -: «والصَّدَقة برهان». 

بالإضافة إلى كونها كما تطهير للمال من حق الفقراء والمساكين وبهذا فهى سبب من أسباب حلول البركة فى المال، غير أنها تقوى الروابط الاجتماعية، كونها تؤدى إلى إعفاف الفقير من ذل السؤال وتخليص وتطهير لقلبه من الغل والحسد على الأغنياء ومد البصر لما فضله الله على غيره من الخلائق، وبذلك تقوى المجتمع وتخلق التواز والتعاون والتراحم.

 

على من تجب؟! 

قيد الله الزكاة بشروط وأحكام فقيهه منفردة لتنظيمها لأهميتها على الفرد والمجتمع، فهناك شروط لا بد أن تتوافر فى الشخص الذى يجب عليه الزكاة، أولها أن يكون مسلماً، فالزكاة لا تجب على غير المسلم، وأن يكون حراً لأن العبد لا يملك من أمره شيئاً، وأن يكون ماله حلالاً، فالله طيب لا يقبل إلا الطيب، وأن يكون المال ملكه ملكية تامة، وأن يكون هذا المال قد بلغ النصاب وهو بلوغه لقدر معين يكون فيه فائض عن الحاجات الأصلية والضرورية كالمأكل والمشرب والملبس والسكن وكل ما هو ضرورى للعيش، وبالتالى ألا يكون المال قابل للنماء والنمو وليس عليه دين ومر عليه الحول.

وقد وضحت دار الإفتاء أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، بغض النظر عن جنسه أو عمره، وسواء كان المسلم غنى أو فقير، وتوافر ما يكفيه لقوته وقوت أولاده من حاجاته الأصلية يوم العيد وليلته، أى يملك الحد الأدنى من الزكاة المفروضة عن حاجته الأصلية، ولا تجب عمن تُوفّى قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، ولا عن الجنين إذا لم يولد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، وتجب على الجنين فى بطن أمه عند بعض الفقهاء.

 

المستحقون للزكاة

كما حدد الله من يجب عليه الزكاة، حدد أيضًا الفئات المستحقة للزكاة فى المجتمع، وأخبرنا عنها الله عز وجل فى كتابه العزيز وبينها الرسول فى سنته الشريفة، وهى ما يُطلق عليها مصارف الزكاة، وهم ثمان فئات تم ذكرهم فى سورة التوبة فقال تعالى:«إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

وهم أُناس فى أشد حاجة للأموال والمساعدة لتسيير أمور حياتهم من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم وكل ما يُعينهم على أن يحيوا حياة كريمة، وهما، أولًا الفقراء: أى الذين لا يجدون كفايتهم لمدة نصف سنة، ثم المساكين: وهم أحسن حالاً من الفقراء لكنهم لا يمتلكون إلا مقدراً قليلاً جداً من الما، ثم العاملون عليها: وهم من يتم تسليم مهمة جمع مال الزكاة لهم من قبل الجهات المسؤولة، والمؤلفة قلوبهم: وهم مجموعة من الناس الذين يراد تأليف قلوبهم على الإسلام أو من المسلمين الضعفاء الذين يود تثبيتهم عليه لضعف إسلامهم أو كفِّ شرهم عن المسلمين أو جلب منفعة منهم.

وأيضًا الرقاب: وهم الأرقاء والعبيد وتشمل المسلم الذى وقع فى أسر الكفار، ثم الغارمون: وهم من تحملوا الديون وتعذّر عليهم سدادها، وأيضًا الخارجون للمجاهدة فى سبيل الله: ويراد بهم هنا المجاهدون الذين خرجوا لقتال العدو لإعلاء كلمة الله، وقيل أيضًا إنها تشمل من تفرغ لطلب العلم الشرع لأنها من أنواع الجهاد، وابن السبيل: أى من انقطع عن بلده ونفذت نفقته وهو على سفر، ويستحق حتى وإن كان غنيًا فى بلده لكن تقطعت به السبل وهو على سفر، فيُعطى ما يقضى حاجته حتى يعود لوطنه.

 

الفرق بين الصدقة وزكاة المال والفطر 

أكد الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء على أنه يوجد فرق واضح بين زكاة الفطر وزكاة المال، حيث أن زكاة المال متعلقه بالمال المملوك، وتُنفق بشروط محددة وهى أن يبلغ المال نصاب معين أو يحول عليها الحول أى بلوغ عام قمرى عليها، ولكن هناك نوع آخر من الزكاة تُنفق فى رمضان وهى الزكاة على الأبدان وليس على الأموال ولا يشترط فيها النصاب، أى أنها متعلقه بالفرد نفسه، فكل فرد تجب عليه زكاة الفطر.

 

 وأكد على أنه يجب على المسلم الزكاة عندما يدرك شهر رمضان، ويجب أن تُنفق هذه الزكاة قبل انتهاء الشهر، ومن يخرج هذه الزكاة هو من يعول الأُسرة سواء الأب أو الأم فى حالة وفاة الأب، أما زكاة المال فهى تجب على من يملك المال إذا توافرت فيه شروط وجوب زكاة المال.

أما عن الصدقة فهى تعنى كل ما يتقرب به الإنسان إلى الله سواء ماديًا أو معنويًا، مثل رد السلام وإعانة الناس أو الصدقة المادية، كإخراج المال تطوعًا بدون زكاة فطر أو زكاة مال مفروضه، وإنما يفعلها المسلم طمعًا فى مرضاة الله وتقربًا له، لذا هى غير محددة بشروط أو مقدار كالزكاة، فيمكن للإنسان أن يُخرج ما يشاء من المال مُحتسبًا الأجر من الله تعالى، وليس لها فئات محددة أى ليس لها مصارف معينه كمصارف الزكاة الثمانية.

والحكمة من تشريع زكاة الفطر هو جبر أى خلل أو تقصير حدث أثناء صيام شهر رمضان، فقد يقع الصائم ببعض المخالفات كالنظر المحرم واللغو فتأتى زكاة الفطر لجبر هذا الخلل كما يجبر سجود السهو الخلل الواقع فى الصلاة، كما قال ابن عباس رضى الله عنه «فرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات». 

 

ضوابطها 

أيام معدودة وينتهى رمضان ونستقبل عيد الفطر المبارك، ومنذ دخول رمضان ويتسأل المسلمون حول زكاة الفطر، وفى هذا وضح الدكتور أحمد وسام أمين الفتوى بدرا الإفتاء المصرية أن قيمة زكاة الفطر لهذا العام رمضان 2024 تحددت بمبلغ 35 جنيهاً وهو الحد الأدنى عن الفرد هذا العام، مؤكدا أن من زاد عليه فهو خير له.

وأضاف وسام أن من لا يملك الحد الأدنى المذكور للزكاة وهو 35 جنية فلا تجب عليه زكاة الفطر، وعن بض ضوابط زكاة الفطر من حيث كيفية وموعد خروجها، فمن المعروف أن زكاة الفطر تٌخرج فى رمضان وتكون من الحبوب، فقد جاء فى «الصحيحين» عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عبد ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ».

ولكن وضحت دار الإفتاء المصرية فى فتواها رقم 2030، أنه يجوز شرعًا إخراجُ زكاة الفطر مالًا، خاصة فى زماننا هذا؛ لأن المال أوفق فى إتمام مقصد الشرع فى سدِّ حاجة الفقراء وأرفق بمصالح الخلق، وهذا هو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم فى كل زكاة، وفى الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، وأم عن موعد إخراجها بينت الإفتاء جواز إخراجها فى أوَّل الشهر أو نصفه أو آخره، فعند السادة الحنفية تجب زكاة الفطر بدخول فجر يوم العيد، بينما يرى السادة الشافعية والحنابلة أنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وأجاز المالكية والحنابلة إخراجها قبل وقتها بيومين؛ لقول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: «كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين»، إذا فكل هذا جائز ولا حرج فيه.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم زکاة المال الله تعالى زکاة الفطر الزکاة فى وأن یکون ى الله ع أن یکون تجب على على أن

إقرأ أيضاً:

الاستكبار الصامت والمصير الأبدي .. قراءة قرآنية دلالية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه

في قراءة للمعاني الدلالية لقوله تعالى : {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً}(الجاثية8) ، للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، نجد بعداً إنسانيًا وروحيًا عميقًا، حيث لا يقف عند حدود التفسير النصي، بل يتجاوزها إلى تشخيص العلل النفسية والاجتماعية التي تحوّل الإنسان إلى خصم للحق،  ومن بين تلك العلل، يبرز داء الاستكبار، الذي لا يقتصر على الجبابرة المعروفين في التاريخ كفرعون وهامان، بل يمتد في رؤيته رضوان الله عليه ، إلى الصغار الذين يحملون روح فرعون وإن كانوا بلا سلطات.

يمانيون / خاص

 دلالة الآية في تصوير النفس المستكبرة

يبدأ الشهيد القائد بالتأمل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً…}، يُقسم الآية إلى ثلاثة مسارات ترتبط ببعضها، وتبدأ بالسماع الواعي للحق، فالآيات تتلى على هذا الإنسان، فهو يعلم الحق، ولكنه يرفضه، والثاني الإصرار والاستكبار، إذ ليست المسألة جهلًا، بل عنادًا، مما يجعل الاستكبار صفة قلبية ونفسية، والثالث التظاهر بعدم السماع كأن في أذنيه وقرًا،  وهذه حالة من الإنكار الإرادي للحق، تدفع نحو التهلكة، وبهذا فإن الشهيد القائد يقرأ في هذه الآية خطورة المكابرة على آيات الله، ويرى أنها أخطر من الكفر الصريح، لأنها تعني معرفة الحق ورفضه عمدًا، وهذا هو ما يقود إلى العذاب الأليم.

 

الاستكبار كمرض اجتماعي شائع

يفنّد الشهيد القائد الفكرة السائدة أن الاستكبار حكر على الملوك أو الأقوياء، ويقول صراحة أن  بعض الفقراء يحملون نفس الروح الفرعونية، ولكن لم يتح لهم أن يكونوا فراعنة على الأرض، الجبروت ليس بالمنصب بل بالنفسية وبعض الناس يبدون بسطاء، ولكن ما إن يحصلوا على منصب بسيط أو كلمة مسموعة، حتى يتحولوا إلى طغاة صغار، والكبر على الناس هو رفض خفي للحق الإلهي، لأن الله أمر بالتواضع، ومن تكبر فقد تمرد على أمر الله.

وهنا يكشف الشهيد القائد عن ظاهرة خطيرة ، وهي الاستكبار النفسي المغلّف بالدين أو التواضع الظاهري، وهو ما يشكل خطرًا مضاعفًا لأنه يُخفي نفسه وراء أقنعة الفضيلة.

 

مفارقة الرفعة في الدنيا والآخرة

من أقوى الأفكار التي يطرحها الشهيد القائد هي مقارنة بين الرفعة الدنيوية والرفعة الأخروية، ويستند إلى قول الله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ، فيوم القيامة، يُخفض من تكبّر في الدنيا، ويُرفع من تواضع وصدق مع الله، ويشبه القائد السعي الدنيوي للرفعة عبر الباطل بـ”السراب”، لأن عمر الدنيا محدود، وعمر الآخرة أبدي لا نهاية له، فما قيمة أن يُقال عنك في الدنيا وجيه وأنت في الآخرة في الحضيض؟.

 

الأتباع المستكبرون .. 

يفتح الشهيد القائد نافذة جديدة على الاستكبار، هي الاستكبار بالوكالة، فالإنسان قد يكون تابعًا ولكنه يشعر بالقرب من شخصية نافذة، ويمارس الاستكبار نيابة عنها، ويتمرد على الحق باسم الولاء، ويقول الشهيد إن هؤلاء يعيشون وهمًا كبيرًا، فمن يتبع الطغاة، يتخيل أنه معهم في القوة والعلو، لكنه يوم القيامة يُنبذ مثلهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، {وَقَالَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً…}، ففي يوم الحساب، لا شفاعة في الباطل، ولا تنفع العلاقات، ولا تنفع المواقف التي كان ظاهرها القوة، وباطنها الانحراف.

 

السباق إلى الخيرات هو النجاة

يعقد الشهيد القائد مقارنة أخيرة بين ثلاث فئات:

أصحاب المشأمة .. أهل الشؤم، العصاة، المستكبرون، المصرّون.

أصحاب الميمنة .. المؤمنون الناجون.

السابقون المقربون ..من يبادرون بالحق، ينشرونه، يؤسسون المشاريع، ويستمر تأثيرهم بعد موتهم.

ويؤكد أن السبق إلى الخير، ليس في الكم فقط، بل في المبادرة، وتأسيس العمل الجماعي، وتشغيل الناس على الخير.

ويقول الشهيد القائد إن بعض الناس يحاول أن لا يُلزم نفسه بأي شيء، ويرى أنه ذكي لأنه لم يساهم، لكنه في الحقيقة غبي، لأنه فوّت فرصة النجاة.

 

الوعي بالآخرة أساس الاستقامة في الدنيا

ينقل الشهيد القائد فكرة شديدة العمق، وهي أن الإنسان حين يغفل عن القيامة، عن الحساب، عن المصير الأبدي، تبدأ انحرافاته،  فالمعيار الذي يجب أن يحكم السلوك هو هل هذا العمل يقربني إلى الله؟ هل يجعلني آمِنًا يوم القيامة؟

إنها رؤية قرآنية للوجود، تجعل من كل عمل صغير في الدنيا خطوة في مشروع الأبد، ولهذالا تبالِ بالمصاعب ما دمت على الحق، ولا تهتم بمن يكرهك من أهل الباطل، فمن يضحك اليوم من أهل الإيمان، سيُضحك عليه غدًا في الجنة ، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.

ومما يستفاد من قراءته رضوان الله عليه للمعاني الدلالية لهذه الآيات ، أن الاستكبار مرض صامت، قد يصيب البسطاء كما يصيب الجبابرة، وأن السكوت عن الحق، رغم معرفته، هو صورة من صور الكبر والعناد، كما أن المبادرة إلى الخير ضمانة نفسية وأخلاقية للنجاة، والقيامة ليست حدثًا مستقبليًا بل هي معيار للحاضر.

الشهيد القائد يقدّم خطابًا عمليًا، لا تأمليًا فقط، ويحرّك النفس نحو العمل الصالح لا الاكتفاء بالموعظة ..

مقالات مشابهة

  • «ثقة في الله ليلة أسطورية».. محمد رمضان يُعلن نفاد تذاكر حفله بالساحل الشمالي
  • رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
  • هل يجب تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة؟.. أمين الفتوى: تشهد عليه الأرض
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الاستكبار الصامت والمصير الأبدي .. قراءة قرآنية دلالية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
  • المفتي: لا يجوز الربح من المال المغصوب.. ورده واجب شرعا
  • دعم تعليمي من صندوق الزكاة لطلاب AUB
  • عرض اللاعب رمضان صبحى على النيابة بعد القبض عليه بمطار القاهرة
  • الحل القانوني لإخلاء سبيل رمضان صبحي بعد القبض عليه في مطار القاهرة
  • هل يجوز إخراج الزكاة للمدين المسرف إذا عجز عن سداد دينه؟.. الإفتاء تجيب