#تأملات د. #هاشم_غرايبه
ها قد انقضى رمضان، وبسرعة كما تمر كل الأوقات الحميمة ، كل من كان يرجو لقاء ربه أرادها أن تكون أطول، ليتزود من خيره أكثر، وليدخر لحياته الثانية المزيد من الأعمال الصالحة، لكن طمعنا بكرم الله هو ما يعوض ما فاتنا من قرباته، وما قصرنا أو سهونا عنه، فنرجوه تعالى أن نرضيه بقدر صدق نياتنا لنيل رضاه، لا بحجم ما قدمناه، فما نقدمه دائما قليل.
رمضان هو إحدى إنعامات الله التي خص بها عباده المؤمنين، ولعدالته تعالى فإنه عندما حرم الكافرين من خيره، لم يظلمهم بذلك الحرمان، لأنه لم يعد أحد في عصرنا هذا جاهلا، فقد عرّف لهم الدين بكتاب مبين، لكنهم كذبوا به، وأتاح لهم مغفرة ذنوبهم ونيل عطاياه بصيام رمضان فرفضوا، وبذلك استحقوا السنة الإلهية في البشر: “وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” [النحل:118]، أي أن حرمان المرء من رحمة الله واستحقاقه عقوبته تكون باختياره، وبما قدمته يداه.
رمضان هذا العام كان مختلفا عن كل الأعوام السابقة، وعيد الفطر كذلك، فما ينبغي لمؤمن أن يفرح وهنالك إخوة لهم يقتّلون وينكل بهم، غير أن هنالك خصوصيات لهذا الرمضان لم تكن لغيره، منها:
1 – رغم أن العدو الصهيو – أمريكي مطمئن الى الغياب الكامل للنخوة والحمية لدى الأنظمة العربية، وأنها لن تهب لنجدة القطاع المستهدف بأشرس هجمة عرفها التاريخ المعاصر، لكنه كان يخشى أن يدفع رمضان الشعوب الإسلامية الى ان تنتفض على حكامها مطالبة إياهم بموقف يقترب من واجبهم، وذلك لما تعلمه تاريخيا من تأثير الدافع الإيماني في تأجيج مشاعر العزة والكرامة، لذلك استباقا لهذه الهبة التي كانت تخشاها فقد سعت لهدنة مؤقتة خلال هذا الشهر، إلا أنها فوجئت بمدى انخفاض هذه الحمية لدى الشعوب، مما طمأن العدو فواصل عدوانه.
2 – ولما أن الأقطار العربية انحصر خيارها بين أمرين: إما متخاذل خانع اكتفى بالمطالبة بارسال المساعدات الإنسانية للمدمرة بيوتهم، فأمعن شيوخهم بدعوة الناس للتوجه بالدعاء الى الله، وأوهموهم أنه اقوى سلاح، فيما هو حقيقة سلاح العاجز والمستسلم، بدليل قول الفاروق لصاحب الناقة المريضة الذي اكتفى بالدعاء: هلا جعلت شيئا من القطران مع دعائك؟.
أما الفريق الثاني من العرب فهم الموالون والمتآمرون مع العدو، فهؤلاء لم يكتفوا بإدارة ظهرهم لأخوانهم، بل ناصروا العدو عليهم وأيدوا عدوانه، فشاركوه بحصارهم على أمل استسلامهم، ومنعوا شعوبهم من التضامن معهم، ولو حتى الدعاء لهم، ورأينا شيوخهم يمعنون في خيانة الدين وممالأة السلاطين، فلم نر من أئمة الحرمين دعاء واحدا لإخوانهم في العقيدة.
3 – رغم كل ذلك، فقد كان كثيرون منا يطمعون أن يستجيب الله لأدعيتنا في رمضان، فينصر المظلومين ويهزم الظالمين ونحن قاعدون.
لقد علّمنا الله تعالى في كتابه الكريم مستوجبات نصره، ورغم أنه مؤكد حتما، لكن ولأن الانسان خلق من عجل، فهو لا يطيق الانتظار، لكن قضاء الله وقدره هو ما يحكم الزمان، فجاء قوله تعالى لموسى بعد عبورة وقومه البحر اليبس: “واترك البحر رهوا”، لأنه كان يريد ردم البحرمن جديد حتى لا يتبعه فرعون، لكن الله أراد شيئا آخر وهو إغراق فرعون.
وفي معركة الطوفان، لم يحسمها الله بسرعة، لأنه أراد من ورائها تحقيق أشياء كثيرة، قد نعلم بعضها، منها كشف كل أعداء منهجه الذين يتسترون باتباعهم الإسلام، والمنافقين المدعين الحرص على الأمة كذبا، والانهزاميين المطبعين، ويخرج من بين هؤلاء المجاهدين الصادقين في إيمانهم ، ويثبت أن المقاوم الفلسطيني الحقيقي هو متبع منهج الله.
4 – جاء اغتيال العدو لأبناء وأحفاد المجاهد “هنيه” صبيحة العيد، ليقدم دليلا آخر يضاف الى آلاف الأدلة على همجية ووحشية الأوروبي ومدى بعده عن قيم الإنسانية، فاغتيال المقاتل جبن ونذالة، فكيف باغتيال أهله العزل!؟.
إن هذا يخرس فحيح المطبعين بإمكانية التعامل مع العدو لتحقيق السلام والازدهار.
لقد كان رد هذا المناضل على هذا العمل الجبان، وقوله: “إن أولادي ليسوا أغلى من الشهداء الآخرين”، نوط شجاعة لا يحققه إلا من شرى نفسه وولده وماله لله، وممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وصفعة لأولئك المنبطحين تحت أحذية الغرب، الذين باعوا دينهم ووطنهم بثمن بخس هو رضى العدو.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: آية تحفظك من الشرور وتحرسك من أذى الشياطين
قال الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن آية الكرسي فيها براهين التوحيد على أكمل الوجوه وأتمها، واشتملت على معان تدل على كمال الله وجلاله وجماله.
فيها براهين التوحيدوأوضح " آل الشيخ" خلال خطبة الجمعة الثانية من شهر جمادي الآخرة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم، مبينًا أنها أعظم آية في كتاب الله، وأن من يقرؤها يُحفظ من الشرور ويُحرس من أذى الشياطين.
وأضاف أن قول الله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَٰه إِلَّا هُو) هو إخبار عنه عز شأنه بأنه الإله الحق الذي يتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له سبحانه، وأن كل ما سوى الله فعبادته أبطل الباطل وأظلم الظلم.
وبين أن الله سبحانه وصف نفسه فقال: (الحَيُّ الْقَيُّومُ)، فهو عز وجل الحي حياة كاملة دائمة، أزلية أبدية، لم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء أو زوال، وهو سبحانه القيوم ذو القيومية التامة.
الغني عما سواهوتابع: والغني عما سواه، والقيم لجميع الموجودات، والكامل في ذاته وصفاته وأفعاله، لا يلحقه نقص بأي وجه، فلا تعتريه سنة أي نعاس ولا يلحقه نوم ولا سهو ولا غفلة.
وأفاد بأن قوله سبحانه: (لهُ مَا فِي السَّمَاوَات وما في الأرض) أي أن كل ما في السماوات والأرض هو ملك خالص لله سبحانه، خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وأن جميع المخلوقات خاضعة لسلطانه وقهره، واقعة تحت جبروته وقدرته ومشيئته.
وأشار في تفسير قول الله تبارك وتعالى: (من ذا الذِي يَشفَعُ عِندَهُ إِلَّا بإذنهِ) إلى أن من عظمة الله وجلاله وكبريائه، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه، ولمن ارتضاه سبحانه من أهل التوحيد والإيمان.
ونوه أن المراد بقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بين أَيديهِم وما خلفَهم)، هو بيان علم الله سبحانه الكامل بكل شيء، بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وعلمٌ محيطٌ بكل الأمور قبل الوجود وبعد الوجود وبعد العدم.
أطلعهم الله عليهودلل: وقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيء مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، فكل الخلق لا يملكون من العلم إلا ما علمهم الله سبحانه، فلا معرفة لهم بالأمور الشرعية أو القدرية التي تقع في هذه الحياة إلا بما أطلعهم الله عليه وعلمهم إياه.
وشرح قوله سبحانه: (وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ), قائلًا: "ومن سعته وعظمته أن هذا الكرسي يسع السماوات والأرض وما فيها وما بينها من الأملاك والمخلوقات والعوالم.
واستشهد بما روي عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما السَّمواتُ السَّبعُ مع الكُرْسِيِّ إلَّا كحَلْقةٍ مُلْقاةٍ بأرضٍ فَلاةٍ، وفضلُ العرشِ على الكُرْسِيِّ كفضلِ الفَلاةِ على الحَلْقةِ)".
لا يثقله ولا يشق عليهوذكر في قوله سبحانه: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أن الله تعالى لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض وحفظ ما فيهما وما بينهما، بل ذلك عليه سهل ويسير، فهو سبحانه ذو القوة المتين لا يعجزه شيء وكل ما في السماوات والأرض تحت تدبيره وتصريفه.
ولفت إلى أن الله عز وجل يصف نفسه بالكمال المطلق والأقصى، فيقول: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ), أي أن الله سبحانه هو العلي بذاته على جميع مخلوقاته، والعلي بعظمة صفاته وجمالها وجلالها، والعظيم في ذاته وصفاته وسلطانه الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء.
وأوصى، قائلا: "عظموا الله حق تعظيمه وقدروه حق قدره وعظموا شرعه، والتزموا بأوامره، وأوامر رسوله تفلحوا وتسعدوا وتفوزوا"، مستشهدًا بقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ودعا المسلمين إلى المحافظة على الأوراد الواردة في الكتاب والسنة، وتعليمها لأبنائهم وأهاليهم، والتوكل على الله حق التوكل، فإن من توكّل عليه كفاه كل ما أهمّه، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).