ولاية الجزيرة.. الحرب تفتك بالناس وتهلك الزرع والضرع
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
حملة ساندوا السودان: إعداد وتحرير – مداميك تقرير: رحاب فضل السيد
ود مدني: 13 ابريل 2024 – كانت شوارع ولاية الجزيرة -أم المشروع الزراعي الكبير- طيلة السنوات الماضية وفي مثل هذه الأيام، تزدان بالبروش والموائد الرمضانية خاصة في مداخل ومخارج الولاية، منصوبة مثل الشِراك تنتظر فريستها من العابرين للراحة وتناول الطعام، إلا أن الولاية ومنذ ديسمبر الماضي عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع لم تعد بخير، فقد هُجّر أهلها وتشتتوا بين القرى والمدائن بسبب الانتظام في اجتياح القرى الآمنة التي لا تعرف الحروب.
اعتداء وتهجير
وشهدت مناطق كثيرة حالات نزوح تقشعر لها الأبدان، مئات من الأسر أطفال ونساء ومرضى وكبار سن يحملون حقائبهم وينتشرون في طريق المجهول في نهارات رمضان الغائظة، فالحقول لم تعد تشتعل قمحاً، والسنابل لم تعد تقوى على الصمود فقد تكسرت سيقانها، يمسي الأهالي وهم يتساءلون من يُقتل اليوم؟ وهل نحن النازحون الجدد لنجهز حقائبنا أم سنكون من المُضيفين لنستعد لاستقبال المهجرين من القرى المجاورة؟ وشهادات الموجودين في قاع الفجيعة تحمل الكثير.
القرى الآمنة تجرب النزوح والتهجير وتسير على درب المجهول
كل الحكاوي هناك في ولاية الجزيرة تكشف عن واقع جديد لم يكن مألوفاً من قبل، فعقب سقوط ود مدني عاصمة الولاية وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطنين نزحت أعداد كبيرة من المواطنين الى الولايات الآمنة ومحليات الولاية المختلفة، ومنهم من آثر البقاء يصارع المصير المجهول، قرية “شبونة طه” واحدة من القرى التي نالت نصيبها من انتهاكات وحشية لم تفرق بين الصغير والكبير.
انتهاك الإنسانية
الصحفي عثمان شبونة ظل مقيماً بقريته هذه ويوثق لما يحدث لها قائلاً إن “الغروب.. بداية الهدوء وانقطاع سكارى الجنجويد من القرية.. وهو الهدوء الذي يسبق قلق الصباح وأسئلته من الذي يُقتل اليوم؟ من الذي ستنتهك إنسانيته أو يفقد شيئاً عزيزاً؟”
ويحكي “شبونة” قائلاً إن “الجنجويد” وفي عقر دارك يطللبون بطاقتك الشخصية وسؤالهم الأول لي: عاوزين الطبنجة والقروش بسرعة.. أرد عليهم بسكين البصل: هذا هو سلاحي.. أما القروش فعليكم بالتفتيش.. ولو كنت أملك مالاً لما وجدتموني في هذا المكان البائس. أما سؤالهم الثاني فهو مركّب وشائع: وين الجيش ووين السكر في القرية..؟ الإجابة: لا أعلم شيئاُ عن الجيش ولكن يُقال أنه في سنار والمناقل.. أما السكر الخاص بالتجار فقد سبقتكم مجموعات إليه ولا يتوفر لدينا في هذا المنزل سوى دقيق للأكل؛ ملئ بالديدان والسوس.. ثم.. ينظر الجنجويدي اللص إلى غربال السوس الملقي قريباً منه.. برهة ويسأل عن مفتاح أحد الدكاكين فآتي إليه بصاحب الدكان، فلا يجد اللص في الرفوف سوى العناكب.
– يسأل أخي: شغال شنو؟ الإجابة: ببيع تمباك. يستنكر الجنجويدي بالقول: طيب التمباك دا ما حرام..! يجيبه أخي: طيب من وين أأكل عيالي.. و.. و..
ويمضي الصحفي شبونة في سردية مسرح العبث قائلاً “أما أنا فكدت أن أضحك رغم الوجع.. فهذا الجنجويدي الذي يتحدث عن الحرام يحمل شاشة ومكبس وكيس مفاتيح سرقهم حالاً من بيت أخي الغائب بعد ان كسر أبوابه بحقدٍ يندر مثيله”.
معاناة المدنيين
شهادات “شبونة” أكدت مقتل العشرات على أيدي قوات الدعم السريع وتعددت الجرائم لتشمل التعذيب بالسلاح والسياط والهراوات، التحرش بالنساء، السب العنصري ونهب الأموال والهواتف والعربات والركشات وخلق الفتن بين الأهل عن طريق الاستعانة بشباب القرية في كسر أقفال البيوت، والتعرض لباعة البطيخ والطماطم.
تتعدد الروايات والفاعل واحد لجرائم غريبة لم تشهدها أي من الحروب، تروي المواطنة أميمة عثمان من منطقة جنوب الجزيرة أن قوات الدعم السريع اقتحمت قريتها بعدد سيارتين ودراجات نارية واشتبكوا مع رجال القرية وأردوا منهم عشرات الجرحى، مما دفع المواطنين الى النزوح في شكل مجموعات كبيرة هرباً من فظائع القوات المعتدية.
وقالت أميمة إن “مجموعات من الدعم السريع دخلت البيوت عنوة وافرغت صهاريج المياه وعجين الكسرة وحتى البليلة وهي على النار قاموا بتقديمها وجبة للغنم”، وجلد كل من يعترضهم وشتمه بأبشع مفردات الشتم والسب والتحرش اللفظي.. أما عشرات القرى التي تتبع لوحدات طابت والمحيريبا والربع العوامرة ظلت منذ فترة طويلة تشهد انتهاكات متعددة ومتتكرة واشتباكات بين قوات الدعم السريع والأهالي الذين يقاومون بالسلاح.
مقتل وإصابة العشرات وسط التهجير القسري والإرهاب
إرهاب النساء والأطفال
وقال المواطن “س. أ” إن مجموعة مسلحة اقتحمت منزله وطالبته بتسليم مفتاح العربة وسط إرهاب أفراد الأسرة بإطلاق الأعيرة النارية في الأرض، ما تسبب في إصابة طفلة أخيه البالغة من العمر تسعة سنوات بعيار ناري استقر في صدرها يصعب استخراجه لقربه من القلب كما أفاد الطبيب، وأكد المواطن “س. أ ” أن قوات الجيش المتواجدة بمحلية المناقل لم تحرك ساكنا برغم استغاثة الاهل بهم كثيرا، سوا عملية تمشيط خجولة ثم عادت أدراجها الى المناقل.
النساء والأطفال يعيشون كابوسًا بلا حدود وينتظرون الفرج
وفي سبيل تصعيب الحياة على المواطنين في مناطق سيطرتهم بولاية الجزيرة شرعت قوات الدعم السريع في فرض ضرائب على التجار وأصحاب المركبات التجارية، كما طالبت الاهالي برسوم فلكية نظير خدمتي المياه والكهرباء، مما انعكس على ارتفاع اسعار المواد الغذائية خاصة مع شهر رمضان المعظم.
وقال المواطن أحمد حمد إن اسعار السلع الإستهلاكية بمنطقة 24 القرشي مرتفعة في ظل صعوبة الحصول على المال، وبلغ سعر جوال السكر 85 الف جنيه، وجوال الدقيق 32 الف، جوال البصل 35 الف، والف جنيه لرطل الزيت، و6 الاف لكيلو اللحم البقري.. وتسببت الحرب في فقدان العديد من المواطنين بالولاية مصادر رزقهم لذا كان الاعتماد على تحويلات المغتربين، وأما الذين يعتمدون على الزراعة هم أنفسهم يعانون من ارتفاع تكاليف الحصاد وانخفاض اسعار المحاصيل.
إفقار المواطنين
ومنذ ديسمبر 2023 تعيش ولاية الجزيرة في وضع اللا حكومة بعد أن أنسحب الوالي وحكومته الى مدينة بورتسودان، وسطت قوات الدعم السريع على المدينة لتقوم بتعيين إدارة أهلية مدنية بالولاية، وحمّلت لجان المقاومة والقوى الموقعة على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب كل الأطراف الداعمة للدعم السريع المسؤولية.
كما أدان بيان لجان المقاومة ما وصفتها بالمواقف المخزية للقوات المسلحة السودانية وبقية القوات النظامية في مواصلة الانسحابات وتخليها عن دورها في حماية المدنيين، وتركهم لوحدهم في مواجهة عنف وبربرية المليشيا التي صنعتها، وعدم تجاوبهم مع كل مناشدات الموطنين الذين يتم اجتياح قراهم وترويعهم يوماً بعد يوم مما اضطرهم للنزوح القسري.
واعتبرت لجان مقاومة ولاية الجزيرة موجة العنف الثالثة التي شنتها قوات الدعم السريع على قرى ومدن الولاية هي الأوسع والأعنف، إذ شملت كافة محليات الولاية دون استثناء، مع الإمعان في قهر وإرهاب وافقار المواطنين العزل.
وقال بيان صادر عن لجان الولاية “خلفت هجمات المليشيا الإرهابية عشرات الشهداء والجرحى، وعرضت آلاف الأسر إلى مخاطر الجوع بعد نهب مخزونات المحاصيل الغذائية وقطع طرق الإمداد وتدمير الأسواق.”
وفي ذات البيان اعلنت لجان المقاومة عن حصر وتقرير أولي لمجموع القرى التي حدثت بها انتهاكات وجرائم حرب وسقوط قتلى وسط المدنيين من أهالي وأطفال قرى ولاية الجزيرة منذ دخول شهر رمضان المعظم، حيث وصل إجمالي الشهداء الذين سقطوا برصاص الدعم السريع إلى عدد 43 شهيد منذ دخول شهر رمضان في عشرات القرى وغيرها من الانتهاكات التي لم ترصد بسبب انقطاع شبكات الاتصالات.
(#)تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني):
#ساندوا_السودان
الوسوم#ساندوا_السودان StandWithSudan الدعم السريع عثمان شبونة ولاية الجزيرة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ساندوا السودان الدعم السريع ولاية الجزيرة
إقرأ أيضاً:
من يقرر مستقبل الدعم السريع ؟
خالد فضل
هتافات الشباب الثوري في شوارع الخرطوم رددت (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) وأردفت (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب)، كان هذا الهتاف وما يزال مطلبا موضوعيا ومدخلا لعملية سياسية معقّدة تضمّنت حزما عديدة تفضي إلى تحقيق الشعار الحلم (حرية سلام وعدالة) لإعادة بناء السودان الذي يسع جميع أهله بقيادة مدنية بحتة في ظل نظام ديمقراطي يكفل ويصون حقوق الإنسان، تلك أحلام نشأت عليها أجيال مستنيرة من السودانيين/ات منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا . الثوار وأدبيات الثورة هم من حددوا مستقبل القوتين الرديفتين ، بلزوم الثكنات، والحل . الرئيس المخلوع عمر البشير القائد العام للقوات المسلحة كان يقول حتى صبيحة خلعه في 11أبريل 2019م إنّ حميدتي حمايتي . كما ظلّ خلفه ؛ الفريق البرهان يزود عن حماها ويضعها موضع الابن من رحم أمه . تلك وقائع لم تمض عليها سوى ست سنوات فقط ، وقائع وليست تحليلات أو خزعبلات خبراء استراتيجيين أو إعلاميين متعاميين عن الوقائع إن لم نقل يضللون عمدا .
ابتدأت تلك المحاولات السياسية السلمية لتحقيق الشعار الحلم ، بإبرام الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري بشقيه ، القوات المسلحة والدعم السريع , في العام 2019م لم تك قوات المشركة، وغيرها ضمن المكون العسكري الذي زعم قادته الإذعان لرغبة الشعب في الإطاحة بحكم جماعة الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) والجماعات الموالية له . لم يك في المكون العسكري ، فيلق البراء أو درع السودان أو أيّا من المليشيات الموجودة الآن بما في ذلك المليشيات التي تم تدريبها وتخريجها في دولة إرتريا الشقيقة أو مليشيات التقراي المناضلة من أجل حرية الشعب السوداني . كان هناك حسن نيّة من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير ، أشاعته ظروف الثورة السلمية ، أو خطأ في التقدير، أو مؤامرة كما يوغل المتطرفون،أو خيانة كما يزعم التطهريون !!
العسكر يقصد به القوات المسلحة والجنجويد مقصود به قوات الدعم السريع .
وعندما أذاع الفريق البرهان بيان إنقلابه في 25أكتوبر2021م كان باسم القوات المسلحة والدعم السريع . لم يشر من بعيد أو قريب إلى المستنفرين أو كتائب العمل الخاص أو مليشيات الإسلاميين في دار حمر أو شيبة ضرار في بورتسودان ، بل كان التنويه والإشادة بالشيخ عبدالرحيم حمدان لدوره في توقيع الإتفاق مع د. عبدالله حمدوك . ولم تك هناك أي إشارة إلى الدعم السريع تحديدا كمخلب قط لدويلة الشر أو قرن في رأس شيطان العرب، بل كان الولد البار من رحم أبيه الجبّار . أ ليس المجد للبنادق هو شعار الجبابرة !!!
التوقيع على إعلان المبادئ للإتفاق الإطاري , تم بوساطة المكون العسكري الثنائي، الجيش /الدعم السريع . وفي ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي خصصت لكيفية تنفيذ مطلب الثوار المار ذكره ، قدّم الجيش ورقته وكذا الدعم السريع ولم يُدع المصباح طلحة ليطرح رايه كخبير في شؤون المليشيات منذ عقود طويلة .
ظهر تباين في كيفية تنفيذ المبدأ المتفق عليه والموقع بإمضاءات البرهان وحميدتي،وكان الخلاف حول مدة الدمج , وتكوين القيادة أثناء تلك الفترة، ولم تكن قضية المرتزقة الكولمبيين وآل دقلو من ضمن بنود الإختلاف .
في أثناء المفاوضات والنقاشات الطويلة حول برتوكولات الإتفاق الإطاري , نشطت مجموعات مناوئة للإتفاق، المنظمات السياسية مثل تحالف التغيير الجذري استخدم الوسائل السلمية للتعبير عن مواقفه مثل البيانات والمواكب . الكتلة الديمقراطية كانت متأرجحة ؛ خاصة مني أركو مناوي الذي كان أقرب للتوقيع ، بينما كان د. جبريل متمترسا في موقف إخوانه في تنظيم الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) بلافتة الجبهة الثورية والكتلة الديمقراطية، فيما كانت هناك مواقف متباينة بين بقية التنظيمات التي تمثل في الغالب شخصا واحدا أو شخصين .
وحدهم جماعة الإسلام السياسي ،من كانوا يعبئون في كتائبهم الجهادية ويتوعدون بالحرب ، ويقيمون المعسكرات في العيلفون والجريف وغيرها من مناطق، ويسجل عاصرهم القصائد الجهادية والهتافات والأدبيات التي ستستخدم لاحقا منذ اللحظة الأولى لإشعال الحرب . ويحددون تواريخ إندلاعها من خلال آخر الإفطارات الرمضانية قبل يومين . وبالفعل منذ اليوم الأول كان الخطاب موحدا بين عضوية التنظيم، أذكر أنني تناقشت مع شخص في قرية مجاورة في مناسبة عزاء ، في أواخر أبريل 2023م، وبعده بشهر أو أقل،صدف مقابلتي لأحد أقربائي في قرية أخرى بعيدة في مناسبة عزاء كذلك، لدهشة إخواني الذين كنت برفقتهم في المناسبتين , كان خطاب (الكوزين) موحدا حد التطابق , علّق شقيقي الكبير حينها بأنّ الجماعة ديل يمتلكون تنظيما قويا يسيطر على عضويته حتى على مستوى الكلمات والعبارات المستخدمة !!
الدعم السريع ، تحول إعتبارا من 15أبريل إلى مليشيا ، رغم وجود توقيعات قائده على كثير من دوسيهات الحكم والإتفاقات المحلية والإقليمية والدولية بما في ذلك انتدابه بالاسم والصفة ضمن قوات التحالف الدولي في اليمن في عاصفة الحزم ، وقبلها انتدابه بوساطة الإتحاد الأوربي لسد ثغرة الصحراء الواسعة أمام المهاجرين غير النظاميين صوب شواطئ القارة العجوز . وإرشيف كامل في التلفزيون والإذاعة وسونا وإعلام القصر الجمهوري ومجلس السيادة ، وما تزال آثار خطاه على البساط الأحمر، ومقعده في كابينة الطائرة الرئاسية؛ وكلها مؤسسات حكومية . فجأة صار قائد عصابات آل دقلو الإرهابية ، هكذا يتم تحديد وضعية ومستقبل قوات بهذا الحجم والقوة والنفوذ !! وهل كانت هذه الوضعية المليشياوية الإرهابية غائبة يوم تم تكوينها وتسليحها وتمكينها ، هل اكتشف القوم فجأة صبيحة 15أبريل 2023م ما ظل عسيرا كشفه منذ بضع عشرة سنة ماضية ؟
أصبح التقرير بشأن مسقبل هذه القوات الضاربة رهنا بما يقرره ياسر العطا ومناوي وكتائب الظل بإمرة (شيخنا) علي عثمان _ والإشارة والصفة مما قال به قائد فيلق البراء المصباح طلحة مؤخرا_ هل هذا الأمر منطقي وممكن ؟ وما هي النائج العملية وليس المتوهمة لمثل هذا التصور العدمي ؟ أول تلك النتائج اسمرار الحرب الطاحنة لأكثر من خمسة وعشرين شهرا حى الآن، تتضاءل فرضية حسمها عسكريا مع فجر كل يوم إضافي ؛ تستولي فيه القوات الموصوفة بالمليشيا على مدن ومحليات جديدة، وتنضم إليها عشائر ومجموعات كبيرة تمتد مراتعها من سهول دارفور وكردفان إلى تخوم الهضبة الإثيوبية وتلال البحر الأحمر , وتطال طائراتها الإسترايجية والمسيرة المطار والميناء وقاعدة فلامنجو العسكرية في بورتسودان . وتتطور سياسيا إلى إبرام ميثاق سياسي لتأسيس الدولة السودانية من أول جديد، اتفق من اتفق أو اختلف آخرون حوله ، لكن لا يمكن غض الطرف عنه وكأنه لم يك .ولا يمكن تجاهل الموقعين عليه بوصفهم خونة وعملاء ومرتزقة، كل هذه الأدبيات الفاحشة وخطاب الكراهية والتضليل لا يغني عن الحقيقة , وهي أنّ الدعم السريع اليوم يتبنى مشروعا سياسيا معلنا ومنشورا يمكن إحالته إليه، صدق فيما يدعيه أو كذب ، يؤازره فيه طيف لا يستهان به من الحركة /الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال/قيادة الحلو، وحركتان من الجبهة الثورية بقيادة عضوين سابقين بمجلس السيادة الإنتقالي وثالثهما الأساذ محمد حسن التعايشي، وقسم كبير من حزب الأمة القومي بقيادة رئيسه المكلف اللواء (م) فضل الله برمة ناصر ، وحركة الأسود الحرة في شرق السودان بزعامة مبروك سليم، ومؤتمر البجا /أسامة سعيد وفصيلين من الإتحادي الديمقراطي (الأصل)إبراهيم الميرغني و (الموحد) محمد عصمت وفصيل في حركة العدل والمساواة ؛ صندل، وقيادات إدارة أهلية من سلطان الفور أحمد أيوب إلى ناظر رفاعة بولاية سنار مالك أب روف، وتحالف قمم، وشخصيات مهنية وسياسية أخرى بمن فيهم وزير العدل السابق . هؤلاء كلهم بتنظيماتهم وفصائلهم المدنية والعسكرية ؛ بحكم الميثاق المعلن باتوا مسهدفين بالضرورة بالسحق والمحق ومصيرهم الاستئصال التام وفق ما يشيع قادة الجيش وكتائب وفيالق جماعات الإسلام السياسي، الذين منحوا قواتهم المسلحة ومليشياتهم الحق الحصري في تحديد وتقرير من يريدون ومن يزيلون من قائمة الشرف الوطني السوداني . وقد رأيناهم يزيلون منها بالفعل كل من قال لا للحرب أو ناصر الثورة، بتهمة الخيانة وغرابة الوجه .
إنّ الدعوات المتكررة ،والتصريحات المتواترة من السودانيين ومن غير السودانيين على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، كلها تؤكد على استحالة الحل العسكري، وتطلب الجلوس للتفاوض بين الطرفين (الجيش والدعم السريع) لوقف إطلاق النار وابتدار عملية سياسية لوضع حد للحرب الطاحنة في البلاد .بل أبرم الجيش إتفاق (جدّة)، والمنامة مع نفس المليشيا الإرهابية التي يرجو محقها . هذا يعني عمليا أنّ مستقبل البلاد مرهون بشكل مباشر بما ستؤول إليه المفاوضات، ولأنّ الدعم السريع هو الطرف الأساس في التفاوض، ومن شأنه التقرير في مستقبل البلاد كلها، فكيف يكون مستقبله هو في يد مصطفى تمبور أو كيكل والإنصرافي ؟ كفاية تضليل، وغش، وألاعيب صغيرة خبيثة مكررة، هناك في الحقيقة جهة واحدة هي جماعة الإسلام السياسي بات مستقبلها هي، مرهونا باستمرار الحرب؛ لأنها جماعة عنفية بامتياز تعتنق العنف كوسيلة للسيطرة والهيمنة، ليس قول قالوا وقلنا بل تجربة عاشها السودانيون منذ العام1989م على الأقل، وما يزالون .وهي لم تنشئ الدعم السريع أساسا كرافد سياسي لتعظيم حظوظها في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، أما مسألة الانتهاكات التي ارتكبها الدعم السريع وهي مدانة بأقصى درجات الإدانة ويجب عدم السماح بإفلات مرتكبيها من العقاب، وقد طالتني شخصيا وأسرتي الممتدة في أعزّ ثرواتنا ؛ بفقد أخينا الشاب الشيخ ابن خالي غدرا في النهود، وبالطبع فقد آلاف الناس أرواحهم وأرواح أحبائهم في أتون هذه الحرب الضروس، الإنتهاكات ليست جديدة إلا في اتساع مناطق وقوعها، فمنشأ الدعم السريع كان في دارفور، فهل كانت عناصره تحفّظ ا(لفقرا) في خلاوي جبل مرّة سورة المطففين !! وهل نسي الناس في الخرطوم مجزرة فض الإعتصام التي كان الدعم السريع أحد مكونات القوات المشتركة لتي ارتكبتها،ضمن تشكيلات عسكرية وأمنية ضمت الجيش والشرطة وجهاز الأمن ، وربما كتائب الظل !! لو أنّ تلك الفصائل تصدت يومذاك لعناصر الدعم السريع ودافعت عن (شعبها) ضد الأوباش كما يقولون الآن لكانت تلك حرب الكرامة بالفعل، ولكانت سردية الحرب قد اتخذت مجراها الصحيح ولجاز وصفها بأنها حرب مقدّسة من أجل الشعب وثورته ومستقبله، ليس التصدي ؛ بل لو فتحت ابواب أسوار القيادة العامة لدخول الشباب/ات المذعورين وحمايتهم لكانت النظرة غير ، فلماذا تحديد الدعم السريع دون بقية المكونات الوالغة في الإنتهاكات، لماذا التطفيف في الميزان والمسلمون يقرأون (ويل للمطففين) !! اليوم فالوضع مغاير , يبدو فيه الدعم السريع بموجب إعلان التأسيس ؛ أقرب لخطاب وأهداف الثورة وإنْ توحش وارتكب الفظائع؛ ومن حق الناس التحفظ والتوجس بالطبع ، بينما يبدو الجيش كأنه مليشيا خاضعة لكتائب الظل . يبدو كرافعة لإعادتهم للحكم والهيمنة والبطش بالشعب . ولدرجة تطاول قائد مليشياتها على الثوار و وصفه لهم بالشفع قليلين الأدب ، و وعيده المستمر بملاحقة الثوار . فيما قال قائد الجيش نفسه (لا مجال لعمل سلمي توّاق للحرية السلام والعدالة، ولا مجد للوسائل الثورية السلمية بل المجد للبنادق) .
الدعم السريع بات حقيقة وجودية ر مثله مثل الجيش نفسه وبقية المليشيات، أي تفكير في حلول قابلة للتطبيق على الأرض لابد أن تأخذ هذه الحقائق على مرارتها، فكتائب الإسلاميين حقيقة،والمليشيات كلها موجودة على الأرض غض الطرف عن موالاتها لهذا الطرف أو ذاك، وفي تجربة ليبيا الراهنة ما تزال قضية المليشيات وسبل معالجتها تشغل اهتمام العالم والأمم المتحدة، وتعقد المؤتمرات الدولية وتنفض لهذا الغرض .
الموقف من الدعم السريع لا يعني إلغاء حقيقة وجوده ونفوذه، فهو يتكون من مجموعات كبيرة من السودانيين لهم أسر وأهل وعشائر وقبائل، ولهم الآن مشروع سياسي مطروح، لا أحد يتعامل مع الحقائق يمكنه التقرير مسبقا في شأن الآخرين دون مشورتهم ورضائهم، تلك هي خبرات الماضي الطويل في سياق الحروب الأهلية السودانية , بداية الحل في العقل ،والعقل يتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يتصوره أو يتمناه .ومن هنا كان النظر الحصيف الذي بدأ سلميا وكاد يبلغ مداه المنشود لولا أن حدث ما حدث، وعوضا عن بند واحد مطروح في الإتفاق الإطاري ينص صراحة على دمج الدعم السريع في الجيش، صار المطروح اليوم أكبر بكثير من مسألة الدمج بات الهدف تأسيس جيش جديد وبلد جديد , إنها نفس عقلية البصيرة أم حمد،وتطبيق حرفي للمقولة الشعبية تابها مملحة تكوسا قَروُضْ، وتكرار لسيناريوهات حاضرة في تاريخ حرب الجنوب، عندما انقلبت الجبهة الإسلامية القومية على الإجماع الوطني النادر حول مبادئ مبادرة السلام السودانية(1988م) المعروفة باتفاق الميرغني /قرنق، لتبرم اتفاقا أشد مرارة بعد 16سنة من الجهاد كان نتيجته إستقلال/ انفصال الجنوب . فهل نبحث عن شعب البوربون الذي لا ينسى ولا يتعلم !!!
الوسومالدعم السريع خالد فضل مستقبل نهاية