برنامج الأغذية العالمي يُعلن تمكنه من إدخال إمدادات غذائية لدارفور لأول مرة منذ عدة أشهر
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
حملة ساندوا السودان: إعداد وتحرير – سودانس ريبورترس / جهر(*)
تقرير : مشاعر إدريس
نيروبي : 13 ابريل 2024 – ارتفعت معدلات سوء التغذية الحاد وسط الأطفال في مناطق كردفان ودارفور بسبب استمرار القتال بين الجيش والدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي.. نتج عن هذا الوضع، انعدام الغذاء والأدوية والخدمات الطبية في تلك المناطق، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد وفيات الأطفال.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن 3.5 مليون طفل سوداني يعانون من سوء التغذية، منهم أكثر من 700 ألف يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، ومن ضمن هؤلاء يعاني 106 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الشديد مع مضاعفات طبية.
هناك حوالي 1.4 مليون طفل دون سن الـ(5) أعوام، يعانون من سوء التغذية ، حسب آخر تحليل للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي بينما يوجد 265 ألف يعانون من سوء التغذية الحادة، وقد أفادت وكالات الأمم المتحدة والسلطات الصحية المحلية عن معدلات مثيرة للقلق من سوء التغذية في المستشفيات والمراكز الصحية، إذ أن ما يصل إلى 35٪ من الأطفال الذين أُدخلوا المستشفى بسبب سوء التغذية يواجهون حالة حرجة.
الموت بسبب الجوع
وقالت حواء آدم – اسم مستعار – التي تقطن بمعسكر زمزم بولاية شمال دارفور: “يعاني أطفالي الأربعة من سوء التغذية الحاد، نتيجة لعدم وجود الطعام والدواء”… وانهمرت دموع حواء وهي تحكي أنها في حالة خوف مستمر من فقدان أطفالها بسبب الجوع.
وذكرت حواء آدم لـ(سودانس ريبورترس) زيادة حالات سوء التغذية والوفيات داخل معسكر زمزم.
وقالت: “عدد الوفيات خلال اليوم تصل أحيانا إلى أكثر من 10 وفيات” .. وناشدت حواء المنظمات الدولية والإقليمية بالتدخل العاجل من أجل إنقاذ أطفال دارفور من الموت.. وطالبت الجيش والدعم السريع، السماح لقوافل المساعدات الإنسانية لدخول دارفور لإنقاذ سكان الإقليم من الجوع والموت.
الوضع مزري
وصف المتحدث الرسمي بإسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال، الوضع في معسكرات دارفور بالمزري، بسبب انعدام الغذاء والأدوية المنقذة للحياة، وعدم توفُّر مياه صالحة للشرب، علاوة على انفجار الصرف الصحي الذي تسبب في تدهور البيئة بالمعسكرات.
وأكد آدم رجال لـ(سودانس ريبورترس) وفاة 13 طفًلا – يوميا – بمعسكر زمزم للنازحين، بمدينة الفاشر، بينما بلغت الحالات الحرجة في معسكر كلمة بين 14 إلى 18 حالة، وقال إن أغلب الوفيات دون سن الخامسة، ناتجة عن سوء التغذية، الذي يُعاني منه – أيضاً- كبارالسن، وأصحاب الأمراض المزمنة، والنساء الحوامل، اللواتي تعرضت بعضهن لحالات إجهاض بسبب سوء التغذية.
وأفاد آدم رجال، أن 8 من بين كل 10 أفراد في مراكز النزوح، يعانون من انعدام الغذاء، وعادة يكتفون بوجبة واحدة في اليوم، وأكّد ظهور حالات إسهالات مائية، ونزلات معوية، وأمراض أخرى، وسط النازحين.
تفاقم الأوضاع ببابنوسة
أعلن مصدر طبي في مراكز إيواء نازحي الحرب بمدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، غربي السودان، عن زيادة معدلات وفيات الأطفال منذ اندلاع الحرب بالولاية.
وقال مصدر طبي في أحد مراكز الإيواء في بابنوسة لـ(سودانس ريبورترس) مفضلا حجب هويته، “إن عدد وفيات الأطفال بلغت 100 طفلا منذ اندلاع الحرب في منطقة منذ ٢٤ يناير الماضي حتى الآن، بسبب الحميات ونزلات البرد ونقص الغذاء إلى جانب عدم توفر الرعاية الصحية”.
وأكد المصدر زيادة معدلات وفيّات الأمهات بسبب انعدام المتابعة الطبية، فضلا عن وفيات كبار السن، نتيجة للأمراض المزمنة نتيجة بسبب إغلاق المستشفى والمراكز الصحية منذ اندلاع الحرب في المنطقة.
وصول المساعدات
أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الجمعة الماضية تمكنه من ادخال إمدادات غذائية لدارفور لأول مرة منذ عدة أشهر.. وعبرت قافلتان الحدود من تشاد إلى دارفور، في أواخر مارس الماضي، تحمل المساعدات الغذائية والتغذوية، لنحو 250,000 شخص يواجهون الجوع الحاد في شمال وغرب ووسط دارفور.
وقال البرنامج في بيان الجمعة: “هذه هي أول قوافل مساعدات برنامج الأغذية العالمي عبر الحدود، تصل إلى دارفور بعد مفاوضات مطولة، لإعادة فتح هذه الطرق، بعد أن ألغت السلطات في بورتسودان تصاريح الممرات الإنسانية من تشاد في فبراير”.
وأوضح أن التوقف المؤقت للممر الإنساني من تشاد، فضلاً عن القتال المستمر، وعمليات التخليص المطولة للشحنات الإنسانية، والعوائق البيروقراطية، والتهديدات الأمنية، جعلت من المستحيل على العاملين في المجال الإنساني العمل بالحجم المطلوب لتغطية الاحتياجات في السودان.
وقال إيدي روي، ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القطري في السودان: “نحن بحاجة إلى أن تصل المساعدات باستمرار إلى المجتمعات التي مزقتها الحرب، عبر كل الطرق الممكنة.. سوف يزداد الجوع في السودان، مع بدء موسم الجفاف، في غضون أسابيع قليلة، .. أخشى أن نشهد مستويات غير مسبوقة من المجاعة، وسوء التغذية، تجتاح السودان خلال موسم الجفاف”.
هذا، ويحتاج 25 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية، منهم قرابة الـ 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بعد أن قضى النزاع المتطاول بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل من العام الماضي، على وسائل سبل العيش ودمر القاعدة الصناعية والزراعية والتجارية فى البلاد.
(#) إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.
الوسوم#ساندوا_السودان StandWithSudan أطفال السودان بابنوسة حرب السودان دارفور وفيات الأطفال
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ساندوا السودان أطفال السودان بابنوسة حرب السودان دارفور وفيات الأطفال
إقرأ أيضاً:
السودان بعد حرب أبريل: من مخاطر التقسيم إلى تفكك الدولة!
الواثق كمير
[email protected]
تورونتو، 9 ديسمبر 2025
المقدمة
منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، واجه السودان منعطفًا تاريخيًا حاسمًا أصبحت فيه بنية الدولة أكثر هشاشة من أي وقت مضى. وفي مطلع عام 2013، وفي ظل توتر سياسي متصاعد وأزمة اقتصادية خانقة وتنامٍ ملحوظ للنزاعات في الأطراف، نشرت ورقة تحليلية تناولت مستقبل الدولة السودانية عبر ثلاثة سيناريوهات رئيسية: 1) إما بقاء الوضع حينئذٍ على ما هو عليه مع إصلاحات شكلية، أو 2) انزلاق البلاد نحو تفكك مُتدرّج للدولة، أو 3) الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تُعيد تأسيس الشرعية وتمنع الانهيار. (الواثق كمير، “الكرة في ملعب الرئيس: تفكك الدولة السودانية ….السيناريو الأكثر ترجيحاً!”، سودانايل، 11 فبراير 2013).
لم تكن الورقة محاولة للتنبؤ بقدر ما كانت قراءة لبُنية الأزمة ولمنطقها الداخلي، حيث أكدت أن تجاهل متطلبات التسوية التاريخية—باعتبارها المدخل الوحيد لمعالجة جذور الصراع—سيجعل من سيناريو التفكك هو الأكثر احتمالاً. ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، وتغير طبيعة النزاع بشكل جذري، تبرز الحاجة لإعادة ربط اللحظة الراهنة بالسيناريوهات التي عُرضت في 2013، ليس للمقارنة التاريخية فحسب، بل لاستخلاص الدروس العملية التي يمكن أن تُسهم في وقف الحرب وصياغة مسار جديد لإعادة تأسيس الدولة.
تفكك الدولة: السيناريو الأكثر ترجيحاً!
حرب أبريل 2023 لم تكن مجرد تصعيد جديد للصراع، بل شكلت منعطفًا نوعيًا في مسار النزاعات السودانية. ظهور لاعب جديد على المسرح، قوات الدعم السريع، وتحالفه العسكري والسياسي مع جهات محلية وإقليمية، وتسيطره على كامل إقليم دارفور وأجزاء من غرب وجنوب وشمال كردفان وجنوب النيل الأزرق، مع إعلان حكومة ودستور لدولة، جعل الواقع السياسي والجغرافي أكثر تعقيدًا. وبينما الانفصال السلمي قد لا يكون ممكنًا—مخالفًا لما حصل في جنوب السودان—يظل سيناريو تفكك الدولة الأكثر ترجيحاً.
ثلاثة عوامل رئيسة تعزز هذا الترجيح:
التدخل الإقليمي وتضارب المصالح: تشاد وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، بدعم من الإمارات، من جهة، ومصر وإرتريا من جهة أخرى، تشارك في الصراع بشكل مباشر وغير مباشر. خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على حقول النفط في منطقة هجليج، وخروج الفرقة العسكرية للجيش السوداني، ودخول الجيش الشعبي من جنوب السودان والتنسيق المشترك مع الدعم السريع لحماية المنشآت الحيوية. هذا التعقيد الإقليمي يجعل من إدارة الأزمة الداخلية دون تفكك الدولة أمراً بالغ الصعوبة.
إمكانية انفجار صراعات محلية جديدة:
بافتراض سيطرة الدعم السريع على كل دارفور وأجزاء من كردفان، وحتى في حال توجهه نحو انفصال هذه المناطق، فإن غياب توافق شعبي وسياسي حول تقرير المصير كما حدث في الجنوب يفتح الباب أمام حرب “أهلية” جديدة بين مجموعات دارفور الأخرى ذات الأصول الأفريقية (الزغاوة، الفور، المساليت، البرتي، الداجو، التنجر، التامة، الميدوب، الفلاتة، القرعان، وغيرهم) وبين حواضن الدعم السريع الاجتماعية من ذوي الأصول العربية. ذلك، بجانب أنّ هناك الحركات المسلحة التي تتباين مواقفها السياسية من هذه الحرب ومستقبل دارفور، مما قد يُنبئِ باستمرار النزاع. هذا الصدام الداخلي يزيد احتمالات التفكك ويؤكد هشاشة الدولة.
الشروخ داخل التحالفات العسكرية والسياسية: تبرز احتمالات تصدع داخل التحالف الحكومي بين الجيش السوداني والحركات المُشكلّة ل “القوة المشتركة”، بجانبِ المجموعات المسلحة الأخرى المُقاتلة مع الجيش في شرق ووسط وشمال البلاد، في سياق التنافس على الأنصبة في السلطة والثروة. بينما ليس من المستبعد أنّ هذا التصدع قد يُصيب التحالف العسكري لقوات الدعم السريع مع الجيش الشعبي شمال وحركات دارفور المنشقة النى انضمت إلى تحالف “تأسيس”، ما ينذر بتفكك الدولة على الصعيد العسكري والسياسي، ويعقد جهود السيطرة على كامل التراب الوطني وإعادة الشرعية، حيث تصبح الولاءات متناقضة والمصالح متضاربة، مما يُضعف القدرة على إدارة الدولة بشكلٍ موحد وفعال.
بالنظر إلى هذه العوامل، يبدو أن السودان بعد أبريل ليس على حافة الانقسام فحسب، بل على طريق خطير نحو تفكك الدولة—الذي طرحته في ورقة 2013— الذي ما زال هو السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد حرب أبريل، يعكسه واقعٌ متناميٌ على الأرض.
الخاتمة
ما كشفته الحرب ليس مجرد أزمة عابرة بل تحذير صارخ بأن وحدة الدولة السودانية مهددة على نحوٍ غير مسبوقٍ. فبعد مرور أكثر من عقد على السيناريو الذي رسمته في الورقة التحليلية لعام 2013، حول تفكك الدولة أصبح أقرب من أي وقتٍ مضى، مُعززاً بتدخلات إقليمية مُعقدة، صراعات داخلية حادة بين المكونات المجتمعية والسياسية، وشروخ في التحالفات العسكرية. اليوم لا يمكن معالجة الوضع عبر الإجراءات الشكلية أو الحلول الجزئية. إنّ ترجيح كفة تفكك الدولة يُحتم على القيادات السياسية وصانعي القرار التفكير بجدية في مسارات حل سلمي شامل، يُعيد تأسيس الشرعية، ويضع الأسس لانتقال مستدام يحمي السودان من الانهيار الكامل.
فبدون تبني مسار تسوية سياسية شاملة قادرة على دمج كل الأطراف، واستعادة الدولة من جديد، ستظل المخاطر قائمة، والبدائل محدودة، فيما يعاني الشعب السوداني من آثار النزاع وتشتت السلطة وفقدان المؤسسات. إنّه اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على تجاوز أخطر أزماتها منذ الاستقلال.