"نهرو": أريد أن أنام ولو لعشر دقائق!
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
توقفت فى المقال السابق عندما ذكر رئيس وزراء الهند للأستاذ محمد حسنين هيكل بانه لم يكن يعرف من أحزاب مصر غير حزب الوفد ولا يعرف من زعماء هذا الحزب غير "النحاس" باشا و"مكرم عبيد" باشا وقال إنه قابلهما حينما زار مصر بدعوة من "النحاس" باشا لمدة يوم واحد عام ١٩٣٨ عندما كان في طريقه إلى أوروبا وعرف "النحاس "باشا بانه سوف يعبر قناة السويس على باخرة من الهند إلى فرنسا فبعث له بخطاب يدعوه لزيارته وبالفعل ترك الباخرة في السويس وتوجه إلى القاهرة ثم إلى الاسكندرية وقابله ثم ركب نفس الباخرة من الاسكندرية عائدا إلى أوروبا وقال رئيس وزراء الهند إنه لاحظ أن "النحاس" باشا كان مغرما بالتفاصيل الصغيرة وأن "مكرم عبيد" "باشا كان شديد الذكاء ثم سأل رئيس الوزراء الهندي الكاتب عن موقف كل منهما بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ كما سأله عن علاقتهما بهذه الثورة وهل هى علاقة صداقة أم عداوة وقال إن الأمر ليس واضحا أمامه رغم أن مصر تهم الهند بالقطع.
ولم ينتظر رئيس الوزراء الهندي إجابة من الكاتب لكنه وجه له سؤالا قال له ما الذي تريد أن تعرفه عن الهند في ربع الساعة الباقية...!
وقد وصف الكاتب شعوره بالضيق فلم تكن الربع ساعة كافيه لحوار حقيقي وخرج من مكتبه مع شعوره بانه أحب الهند ولكن لم يستطع أن يحب زعيمها "نهرو" رغم كل ما سمع عنه وقرأ... وتحدث الكاتب عن لقائه الثاني مع "جواهر لال نهرو "رئيس وزراء الهند في القاهره عام ١٩٥٤.
قال إنه خرج بنتيجة أحسن من لقائه معه في دلهى حيث كان مدعوًا معه على الغداء في القناطر الخيرية صحبة الرئيس جمال عبد الناصر على الباخرة النيلية "محاسن" وذكرالكاتب أن الباخرة في طريق الذهاب إلى القناطر كانت الجلسات فيها بين اثنين فقط الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند مباشرة.
وكان من المقرر أن ينضم الكاتب إلى الباخرة على الغداء اثناء رسوها في القناطر ومعه آخرون ثم يعودون على ظهرها في صحبة الرئيس "جمال عبد الناصر " و"جواهر لال نهرو" وحين جلس الجميع بعد الغداء وبدأت الباخرة تتحرك في طريق العودة كان الرئيس "جمال عبد الناصر" ما زال يسأل "نهرو" عن مشكلة التخطيط وكيف استطاعوا حلها في الهند... من أين بدأوا التفكير في التخطيط وكيف أعدوا له وماذا أعدوا له ثم كيف حددوا ورتبوا الأوليات وكيف وضعوا الأطر ثم كيف تحولت أهداف الخطة إلى مشروعات ثم من ينفذ هذه المشروعات ومن يتابع تنفيذها ومن يُقيم النتائج... إلى آخره...
وفي البداية كان "نهرو " يتكلم ولم يكن في كلامه ما يلفت النظر،ثم بدا كما لو أن الملل أصابه أو كما لو أنه كان نجمًا مشهورًا يلح عليه المعجبون ليغني وهو يتدلل ويتمنع ويقول كلمة ويسكت أو يقتضب مقطعًا دون ان يكمله تكاسلًا وتعاجبًا...!
ثم أعتذر" نهرو" بأنه يريد أن ينام ولو لعشر دقائق،وفتحوا له باب مقصورة دخل اليها لينام...
وقال الكاتب بانه أبدى للرئيس "جمال عبد الناصر" ملاحظة عن انطباعاته عن "نهرو" لكن الرئيس جمال عبد الناصر دافع عنه بشدة...
أَكْمَلُ لك الأسبوع القادم باذن الله ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر للأستاذ " محمد حسنين هيكل" دفاعا عن "نهرو" رئيس وزراء الهند وعن اللقاءات التى تكررت معه والتى ذكرها فى كتابه الشيق والممتع " زيارة جديدة للتاريخ ".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رئيس وزراء الهند محمد حسنين هيكل النحاس جمال عبد الناصر رئیس وزراء الهند جمال عبد الناصر الرئیس جمال
إقرأ أيضاً:
عبدالفتاح باشا يحيى إبراهيم.. بين السياسة والوفاء لمصر
عبدالفتاح باشا يحيى إبراهيم، اسم يرن في تاريخ مصر السياسي والدبلوماسي كرمز للنزاهة والجدية والتفاني في خدمة الوطن. ولد في مدينة الإسكندرية عام 1876، في بيت معروف بالتجارة والثقافة، حيث كان والده أحمد يحيي من كبار تجار القطن، ينتمي منذ بداياته إلى حزب الوفد، وكان له موقف راسخ في خدمة وطنه.
عبدالفتاح يحيى نشأ في بيئة تجمع بين العمل التجاري والاجتماعي، ما أكسبه فهما عميقا للاقتصاد والمجتمع المصري، كما ورث عنه حب الوطن والانتماء الوطني الذي سيصنع لاحقا مسارا سياسيا غنيا بالعطاء والإنجازات.
في حياته العملية، تجسد دور عبدالفتاح باشا في شتى مناحي السياسة والدبلوماسية، فقد تقلد مناصب عديدة بداية من وزارة العدل، مرورا بمجلس الشوري، وصولا إلى رئاسة وزراء مصر.
لم يكن مجرد سياسي تقليدي؛ بل كان رجلا يرى في السياسة وسيلة لخدمة المواطنين وتحقيق العدالة، خلال توليه وزارة العدل، حرص على تطوير النظام القضائي وتعزيز استخدام اللغة العربية في المحاكم المختلطة، مؤمنا أن اللغة ليست وسيلة للتواصل فحسب، بل هوية وطنية يجب الحفاظ عليها ودعمها.
وقد برز اسمه بشكل أكبر عندما تولى رئاسة مجلس الوزراء بين عامي 1933 و1934، حيث شكل حكومة كان هدفها خدمة الشعب المصري وتعزيز الاستقلال السياسي للبلاد.
كان في هذه المرحلة محوريا في سن نظام أداء اليمين القانونية للوزراء أمام الملك، خطوة رائدة عززت من شفافية العمل الحكومي ونظام المساءلة داخل الدولة.
لم يقتصر دوره على الجانب السياسي الداخلي، بل امتدت بصماته إلى السياسة الخارجية، حيث احتفظ أثناء رئاسته للوزارة بمنصب وزير الخارجية، ما أتاح له أن يمثل مصر في المحافل الدولية ويثبت مكانتها بين الأمم.
عبدالفتاح باشا لم يكن بعيدا عن هموم المواطن البسيط، فقد أصدر قرارا بتخفيض إيجار الأطيان الزراعية عام 1932 بمقدار ثلاثة أعشار قيمتها، وهو قرار يعكس اهتمامه المباشر بمصالح الفلاحين والطبقة العاملة في الريف، ويبرهن على حبه لبلده وحرصه على العدالة الاجتماعية.
كما كان له موقف حاسم من مؤسسات الإدارة المحلية التي لم تكن تعكس تطلعات المصريين، حيث قام بحل مجلس بلدي الإسكندرية الذي كان ذا صبغة دولية وأعضاؤه أجانب، مؤكدا أن مصر للأهالي وأن قراراتها يجب أن تخدم مصالح الشعب المصري أولا.
إضافة إلى ذلك، عمل على تنظيم وزارة الخارجية بشكل دقيق، محددا اختصاصات إداراتها، وهو ما ساعد على تعزيز كفاءة العمل الدبلوماسي، وفتح الطريق أمام جيل من الدبلوماسيين الذين يتطلعون لبناء مصر على أسس متينة.
كل هذه الإنجازات لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة لرؤية وطنية واضحة وإيمان راسخ بأن مصر تستحق قيادة واعية ومخلصة تعمل بلا كلل من أجلها.
حين نتحدث عن عبدالفتاح باشا يحيى إبراهيم، نتحدث عن رجل جمع بين الصرامة والنزاهة والحكمة والإنسانية، رجل لم ينس جذوره ولم يبتعد عن هموم شعبه، رجل جعل من السياسة أداة لخدمة الوطن والناس على حد سواء.
إن تاريخه يذكرنا بأن القيادة الحقيقية ليست مجرد منصب، بل مسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وأن الحب الحقيقي لمصر يظهر في القرارات الصغيرة والكبيرة، في العدالة الاجتماعية، وفي الدفاع عن هوية البلاد ومصالحها.
عبدالفتاح باشا ترك إرثا عميقا في الذاكرة المصرية، ليس فقط كسياسي ودبلوماسي، بل كمواطن عاش وحلم وعمل من أجل مصر، وعلمنا أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تمارس يوميا، وأن الالتزام بحقوق الناس هو السبيل لبناء وطن قوي وكريم.
وبالرغم من مرور السنوات، يظل اسمه محفورا في صفحات التاريخ، مثالا للنزاهة، للحكمة، وللإخلاص، وللحب الحقيقي لمصر، حب يتجاوز الكلمات ويصل إلى الأفعال، لتبقى مصر دائما في المقدمة، ولتبقى ذكراه مصدر إلهام لكل من يحب وطنه ويعمل من أجل رفعتها.