د.حماد عبدالله يكتب: حتمية عودة " لافته " شقة للإيجار !!
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
هذه اللافته العزيزة جدًا علي واجهات العمارات في مصر كانت سمة مميزة في كل أحيائنا بالمدن سواء كانت حضرية أو ساحلية، إختفت هذه اللافتة التي كان صاحب ( المِلْكْ ) العقار يضعها في مكان ظاهر ويسعى بين السماسرة للإعلان عن وحدات سكنية متعددة الحجرات أو حتي حجرة واحدة بين السائلين عن وحدة سكنية للإيجار وكان سكان المدن وخاصة الشباب يبدأن حياتهم بشقة حجرة أو حجرتين، وحينما يرزقوا بطفل أو طفلين – يقوموا بتأجير شقة أكبر حجمًا ويتركوا الشقة القديمة للافته تعلق عليها معلنة عن فراغها وإحتياجها لساكن جديد وكان بعض الملاك يقومون بتبخير تلك الوحدات السكنية الفارغة جلبًا للبركة وسعيًا لإيجاد ساكن للوحدة، وكما تحدثت في أعمدة سابقة إختفت تلك اللافته وعادت بإستحياء بعد صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 وهو ما يعرف بنظام الإيجار الجديد، وأعقبه تعديلًا في القانون رقم 137 لسنة 2006 بشأن سريان أحكام القانون المدني علي الأماكن التي إنتهت أو تنتهي عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها ولكن للأسف الشديد إن مجيء هذا القانون وتعديلاته لم يستطع أن يمحوا الخوف لدي الملاك وكذلك أن يقلل من سعر الوحدة الإيجارية حيث المعروض أقل بكثير جدًا من المطلوب وبالتالي تخضع القيمة الإيجارية لندرة الوحدات السكنية المرغوبة في سوق الأسكان والشيء المؤكد حسب إحصائيات عملنا علي حصدها حينما كنا بصدد إعداد مشروع بقانون لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر) مستعينين بجهاز التعبئة والإحصاء ومعهد بحوث الإسكان وغيرهم من مصادر أهلية أن عدد الشقق المغلقة فقط في القاهرة الكبري تتعدي الثلاثة ملايين شقة حيث أغلب أصحابها ( إستصعبوا ) تركها للملاك حيث القيمة الإيجارية لا تتعدي للوحدة السكنية مبلغ العشرة جنيهات شهريًا ولعلنا قد قرأنا وسمعنا ورأينا شقق في أشهر عمارات وسط البلد قد تحولت إلي مخازن للكاوتش وللبلاستك وللبويات وكذلك المواد الغذائية بل أغلبها تحول من سكني إلي ورش تشغيل (لصناعة الأحذية والملابس ) ولا يستطيع مالك الوحدة إعادتها حيث تأبيد العلاقة بين المالك والمستأجر قد سيطر علي سوق الإسكان في مصر.
ومن هذه الظاهرة الفريدة في العالم وهي أن ساكن الوحدة لا يمكن إخراجة منها حتي ولو بعد إنتهاء عقد الإيجار المحدد بمدة زمنية، بل وصل الحال إلي توريث عقد الإيجار ووصلنا إلي هذه الحالة ( المزرية ) للعمران والإسكان في مصر.
وبالتالي فإن عودة لافتة شقة للإيجار هي مسئولية الدولة ( الحكومة ) بإصدارها قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، وكذلك تطبيق الضرائب العقارية الجديدة علي كل الوحدات المغلقة والشيء الأخير هو تمويل المباني من أجل الإيجار عن طريق هيئة التمويل العقاري والشيء الأخير والغير مؤكد حدوثة هو أن يتفضل بعض من أصحاب الضمير من المنميين العقاريين ويتركوا ( جشعهم ) قليلًا ليبدأو في البناء من أجل الإيجار شقق حجرة واحدة وحجرتين وثلاث، وهذا ما لا أصدق حدوثه في ظل هذه الفئات من مصاصي دماء شعب مصر !!
Hammad [email protected]
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: نيران الغيرة الشعرية
من أبرز قضايا النقد العربي القديم هو الاعتناء بالأجمل والأصدق والأهجى والأمدح، وكل هذه صفات أُطلقت على أبياتٍ محددةٍ جرت الأمثال بها في مدونات التراث، وهذه علامةٌ ثقافية تكشف مدى عشق الذائقة العربية للجماليات الشعرية، والطريف أن هذه التحريات لم تدخل في جدل بين النقاد، وسر ذلك يعود إلى أن الأبيات المختارة لهذه الصفات هي دوماً لشعراء طواهم الموت، واختفى الجانب الشخصي لهم وبقي أثرهم النقي الخالي من أي شوائب من الغيرة ومن التنافس، وكما قالوا فالمعاصرة حجابٌ، أي أن المعاصر يقع دوماً في حبائل العلاقات المتقاطعة بين محبين وغاضبين ويقع في شبكات الغيرة والتنافس والانتماءات، مما يعقد صورته بين أهل زمنه. لكن الشعر يبقى حراً بعد موت مؤلفه والحرية هذه تتبعها حرية التذوق وحرية الحكم، في حين أن أي حكم على أي شاعر في حياته يجر مقولة بئس المقتنى حسب كلمة المتنبي (وعداوة الشعراء بئس المقتنى) والعداوة هنا ليست في الوقوف ضده فحسب بل تشمل أي تفضيلات أو ثناء على غيره، وهذه هي لحظات تحريك مياه الغيرة، ولهذا فإن تمجيد الميت قد يكون وسيلةً للتقليل من الحي من دون التعرض لسوء المنقلب.
على أن أحكام تفضيل الأبيات المفردة تعود من حيث النظرية إلى كون الشعر العربي يقوم على البيت الجامع المانع والمكتمل بذاته، ومن العيب أن يمتد معنى البيت أو مبناه، فيتعلق بالذي بعده، وعد العروضيّون ذلك من عيب القافية، إذا لم تك نهايةً لبيتها وتعلقت بالذي بعده. ولذا جرت الأحكام على الأبيات المفردة، غير أن ابن قتيبة حاول بوعيه النقدي أن يحرر القصائد من شروط العروضيّين، وراح تبعاً لذلك ينظر في الشعر بالمطلق ووضع التفضيل للحكم الذوقي اللحظي حيث قال (أشعرُ الناس من أنت في شعره حتى تفرغ منه) وهذه جملةٌ نقديةٌ عميقةٌ جداً من حيث إدراكها لوظيفة اللحظة الجمالية وكونها لحظة احتواء تطبق على بصيرة القارئ بحيث تعميه عن كل شيء باستثناء متعة اللحظة، وهي حالٌ مشهودةٌ يمر بها كل إنسان ذواقة في كل مادة جمالية من موسيقى أو لوحة أو منظر أو حالة شعرية، وهنا نخرج من سلطة البيت الأوحد إلى متعة النص الكلي الذي يجعل ديوان الشعر بمثابة نصٍ واحدٍ يمنح الجمالية والمتعة من دون أن يغلق الباب على خيارات أخرى سنقع عليها بعد أن نفرغ مما كان يحتوي لحظتنا تلك.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض