دعوة إلى السودانيين وإلى العالمين: الاعتزاز بديلاً عن الفخر
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
بقلم: الريح عبد القادر
لا يُرتجى بالفخر خيراً ** الفخرُ عنوانُ التكبرْ
خالف الشيطانَ نهجـــاً ** وامتثلْ للهِ واشــــكرْ
الفخر عدو الشكر، ومن هنا جاءت مغبته، وكل من يفتخر ينسى الشكر. والشكر هو جماع الحكمة التي أعطاها الله لعبده لقمان: "ولقد آتينا لقمان الحكمة أنْ اشكر لله". وفي القرآن نفسه، الكفر هو نقيض الشكر: "إن تكفروا فإنّ الله غنّي عنكم ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم".
وفي القاموس، الفخر رديف التكبر، وهو يعني التميز والتفضل والتعالي على الآخرين.
هذه دعوة إلى نبذ الفخر في ما بيننا أو على الأمم والشعوب الأخرى.
نعيذ أنفسنا وشعبنا وشعوبنا من الفخر الذي أهلك من كان قبلنا، وأصاب إبليس باللعنة!
وعلينا أن نعلم أن الفخر لم يرد في القرآن الكريم إلا مقروناً ببغض الله لأصحابه؛ ولم يرد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا منفياُ أو منهياً عنه:
قال تعالى: "إن الله لا يحب كل مختال فخور"، أي أن كل فخور لا يحبه الله، بلا استثناء.
والفخور من يتكبر بالكلام؛ والمختال من يتكبر بالمشية والهيئة.
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أوحى إلي ربي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد".
وما ذكرَ صلى الله عليه وسلم شيئاً من فضل الله عليه إلا أردف قائلا: "ولا فخر"!. الرسول (ص) ينفي الفخر حقيقةً، أما بعضنا فيقول "أنا كذا ولا فخر" ولكنه يقصد الفخر تحديداً.
ويستخدم كثيرون عبارات مثل "أنا كذا وأفتخر" وكأنهم لا يقولون منكرا من القول وزورا؛ ولو عتبت عليهم أجابوك: "نحن لا نقصد التكبر"! وهؤلاء مثلهم مثل يسمّى الخمر ماء! والأفضل لنا أن نسمي الأشياء بأسمائها.
ويدعونا القرآن الكريم دعوة واضحة إلى ضبط لغتنا ومصطلحاتنا حتى لا نقصد شيئا بكلامنا ويفهم منه الآخرون شيئا آخر: "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا".
لا تفتخر ببلدك أبداً، فأنت إنما ولدت فيه بلا خيار ولا قرار؛
ولا تفتخر بأبيك فإنما أنت نطفة منه ليس لها من فضل على مليارات النطف الضائعة؛
ولا تفتخر بمالك وجمالك وعلمك فكله من فضل الله عليك، ولا حول لك فيه ولا قوة، وإنْ شاء الله نزعه منك؛
ولا تفتخر حتى بدينك فأنت لا تضمن أن تموت على حسن الخاتمة: "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".
فهيا دعِ الفخر وأبدأ الشكر. فالفخر كفران بالنعمة ويناقض الشكر!
اعتز بدينك وبوطنك وبأبيك وأمك، وحين تختار الاعتزاز فإنك تعلن عن مقاطعتك للتفاخر.
ويحق للمؤمن أن يعتز، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وحين تعتز أنت تنسب الفضل لله وحده، لأن مصدر العزة جميعا الله جل وعلا. ولكن حين تفتخر فأنت تنسب الفضل لنفسك، لأن الفخر هو التكبر والتفضل والتمدٌح على الناس.
إذن فإن الفخر عدوان على الناس بتفضيل نفسك عليهم، وعدوان على الله بنسبة الفضل إلى نفسك.
وكل فخر إنما هو كذب وافتراء إلا فخر الله حين يقول لك: خلقتك وأحييك وأميتك وأرزقك...الخ، فتلك حقيقة ربوبيته؛ وكل تكبر إنما هو كذب وافتراء، إلا تكبر الله، حين يقول "اسجدوا لله واعبدوا"، فتلك حقيقة ألوهيته.
وحين نترك الفخر، نرتقي إلى التواضع، وهو الأساس الذي تقوم عليه جميع الفضائل، وبدونه يصبح الكرم والشجاعة وبقية مكارم الأخلاق رياء وسمعة، أي هباء منثورا!
الدين حسن الخلق، وكفى بالتواضع أساسا تقوم عليه جميع مكارم الأخلاق؛
والدين المعاملة، وكفى بالتواضع أحسن معاملة.
اللهم ارفعنا بالتواضع، ولا تذلنا بالتفاخر والتكبر، واجعلنا لك من الشاكرين.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الله علیه
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة بالحرمين: المؤمن يعتبر بسرعة انقضاء الأيام والشهور.. واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل السعادة والفلاح
ألقى الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل- وطاعته تقوى من أناب إليه، والحذر من مخالفة أمره حذر من يوقن بالحساب والعرض عليه، وعبادته مخلصين له الدين، ومراقبته مراقبة أهل الإيمان واليقين.
وقال: تيقظوا من سِنَةِ الغفلات فقد انقضى محرم وحلّ بكم صفر، وتنبهوا من رقدة الجهالات، واعتبروا بمرور الأيام، فالسعيد من اعتبر، واعلموا أن الله تعالى بعث رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- بالهدى، وبصّر به من العمى، وذهبت بأنواره ظلمات الجاهلية الجهلاء، وعصبيتها وفخرها بالآباء، واستقسامها بالأزلام وتشاؤمها بالأيام والأنواء.
وحذّر من التشاؤم والطيرة لأنها تَوَقُّعُ الْبَلَاءِ وَسُوءُ الظَّنِّ، وذلك دأب الجاهلين والكفار، قال تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
ونهى الشيخ الجهني عن سبّ الأوقات والدهور، والتشاؤم بالأيام والسنين والشهور، وقال: ولا تنسبوا النفع والضر إلا إلى من إليه ترجع الأمور، فلا شؤم في شهور ولا أيام، فما قُدِّرَ لا بد أن يكون، ومعاداة الأيام جنون، قال – عليه الصلاة والسلام-: “من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك”، رواه أبو داود.
واختتم فضيلته خطبته قائلًا: أصلحوا ما ظهر من أعمالكم وما بطن، واستعملوا جوارحكم في طاعته شكرًا، وحافظوا على ما جاء به نبيكم، وأكثروا من الصلاة عليه؛ فبالصلاة عليه تنالوا الأجر والفوز والقبول، وبكثرة الصلاة عليه تنحل العقد وتنفرج الكروب وتُقضى الديون.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى الشيخ عبدالمحسن القاسم خطبة الجمعة اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله حق التقوى، ومراقبته في السر والنجوى.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أعظم نعم الله إرسال الرسل فهم سبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولا يعرف الطيب من الخبيث إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله إلا على أيديهم، موضحًا أن الضرورة إليهم أعظم من حاجة البدن إلى الروح، مشيرًا إلى بقاء أهل الأرض لا يكون إلا بآثار الرسالة الموجودة فيهم.
وأوضح فضيلته أن الله تعالى أيد رسله بآيات وبراهين تدل على صدق رسالتهم، قال تعالى: {أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوح وَعَاد وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ}، مبينًا أن الآيات الدالة على نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- كثيرة ومتنوعة، وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء، قال عز من قائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي أنه بعد ظهور نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- كثرت طلبات المشركين وتنوعت اعتراضاتهم، فاقترحوا عليه آياتٍ يأتيهم بها تكبرًا وعنادًا، وقالوا لو أنزل علينا كتاب لأخلصنا العبادة لله قال تعالى: {وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوۡ أَنَّ عِندَنَا ذِكۡرا مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ. فَكَفَرُواْ بِهِۦۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ}.
وبين فضيلته أن المشركين بعد نزول القرآن ورؤيتهم ما فيه من المعجزات قالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل عظيم من أهل مكة والطائف، قال تعالى: {وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُل مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ}.
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن المشركين لما عجزوا عن تحدي الله بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو ببعضه طلبوا من النبي- صلى الله عليه وسلم- استبدال القرآن بغيره، قال تعالى: {وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰت قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۖ }.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله تعالى لو أجاب المشركين بما طلبوا لطلبوا المزيد استكبارًا وعنادًا، مبينًا أنهم من عتوهم إذا تأخرت الاستجابة لمطلبهم في آيةٍ من الآيات استهزؤوا برسول الله – صلى الله عليه وسلم- بأن يُنشئ آيةً من عنده، قال تعالى: {وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَة قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ}.
وتابع فضيلته قائلًا: إن الله تعالى بيّن أنه القادر على إنزال الآيات، ولا شأن لرسله ولا لأحد من خلقه فيها، قال جل من قائل: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ}.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أنه لجهل المشركين بحكمة الله لم يحقق الله لهم ما يقترحونه، ولأن ما طلبوه من الآيات لا يوجب إيمانًا فقد سألها الأولون وأُعْطُوْهَا ولم يؤمنوا فكان هلاكهم واستئصالهم، قال الله تعالى عنهم: {بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِر فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَة كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ. مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ}. مشيرًا إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يضيق صدره بما يقولون، قال تعالى: {وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}.
وأوضح فضيلته أن الله لم يجر العادة بإظهار الآيات إلا للأمة التي حتم بعذابها واستئصالها، محذرًا من الاستهانة بجناب الربوبية أو الرسالة، فمن لم يعظمهما هلك.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي بأن الإسلام مبنيٌ على أصلين: تحقيق شهادة أنّ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فباتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- يكون توحيد الله.