الإنسان بين نعمة الهداية وشهوة الطغيان .. قراءة دلالية في وعي الشهيد القائد رضوان الله عليه
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
حين يقرأ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) القرآن الكريم، فإنه يغوص في أعماق المعاني، ويتعامل مع النص القرآني بوصفه حيًّا ناطقًا، يخاطب الإنسان في وجدانه وسلوكه وواقعه اليومي، ومن بين الآيات التي توقف عندها بتأمل واسع وقراءة ذات طابع روحي وفكري، هي الآيات الأولى من سورة النحل، التي تبدأ بقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل:2)
يمانيون / خاص
في هذا التناول القرآني، يعرض الشهيد القائد الآيات كنافذة يدخل منها القارئ إلى فضاءٍ واسع من النعم الإلهية، والهداية الربانية، وقوانين الطغيان الإنساني، وتفاصيل الرحمة المتجلّية في الخلق والتسخير والجمال، إنه يُمهّد لقراءة تربط بين الهداية كأعظم نعمة، والكون كمنظومة تسخيرٍ رحيمٍ للإنسان، والإنسان ذاته ككائن متمرّد حين يرى نفسه مستغنيًا.
هذا التمهيد الذي يبدأ بذكر “أمر الله” لا يُفهم عند الشهيد القائد على أنه مجرد تهديد بالعقوبة، بل كمفتاح لفهم الجدّية في مشروع الهداية الإلهي، وكمال الرعاية الربانية التي تشمل أدق تفاصيل حياة الإنسان، من إرساله الأنبياء وإنزال الكتب، إلى تسخيره الأنعام وتهيئة الأرض بجمالها ومنافعها.
من هنا تبدأ رحلته مع الآيات، رحلة لا تكشف عن معناها الظاهري فقط، بل تكشف عن علاقتها بالواقع، وعن مسؤولية الإنسان في التفاعل مع نعم الله، خشيةً وشكرًا وعبادة.
الهداية .. قمة النعم الإلهية
يبدأ الشهيد القائد بتسليط الضوء على النعمة الأساسية، والمركزية في حياة الإنسان، نعمة الهداية، عبر إرسال الأنبياء وإنزال الكتب، حيث يؤكد أن هذه النعمة هي الأولى والأعظم، وتُقدَّم على ما سواها من النعم، حتى نعمة الخلق والرزق، قوله: ’’هذا أول شيء، وأهم النعم نعمة الهداية بالنبوة…’’ ،، يبرز هذا الترتيب الدلالي لمفهوم النعمة أن الشهيد القائد لا ينظر إلى الدين كمجرد ثقافة، بل كضرورة وجودية مرتبطة ببقاء الإنسان في مساره الصحيح.
الخلق بالحق .. لا عبث في خلق الله
في معرض المعنى الدلالي في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} ، يؤكد الشهيد القائد رضوان الله عليه ، أن هذا الخلق لم يكن عبثًا، بل لحكمة وغاية، وهذا يلفت النظر إلى مركزية الغاية في العقيدة الإيمانية، حيث كل ما حول الإنسان له وظيفة، وكل نظام كوني يحمل رسالة.
الطغيان الإنساني عند الغنى .. جحود النعمة
من أهم المحاور الدلالية في الخطاب تحذير الشهيد القائد من انقلاب الإنسان على خالقه حين يرى نفسه مستغنيًا، يستشهد بآيات كثيرة منها: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} ، وهنا يستنبط القائد درسًا عميقًا، أن الطغيان لا ينبع فقط من الجهل أو الحاجة، بل غالبًا ما ينبثق من حالة الاستغناء والغفلة، وبالتالي يدعو إلى الحياء من الله في لحظات الرخاء، لا فقط في لحظات الشدة.
نعمة الجمال في الخلق الإلهي
يتناول الشهيد القائد جانبًا مميزًا في النعمة، البعد الجمالي، ويعتبره نعمة مستقلة، ومن الأمثلة التي أوردها ، جمال الأنعام عند السرح والرواح ، ومناظر الزرع والثمار، وألوان الفواكه وروائحها، ’’حتى جانب الجمال، هو أيضاً مما هو ملحوظ داخل هذه النعم الإلهية…’’ ، الرسالة هنا أن الله لا يُعطي فقط ما تحتاجه أجسادنا، بل ما تطرب له أرواحنا وأبصارنا، وفي هذا تكامل للنعمة يجعلها شاملة لحياة الإنسان الحسية والوجدانية.
الرحمة الإلهية في التسخير والتنوع
من خلال استعراضه لخلق الأنعام والخيل والبغال والحمير، يبيّن الشهيد القائد أن هذا التسخير نابع من رأفة ورحمة إلهية، يقول : وأنتم لا تملكون أن تسخروها لأنفسكم فسخرها لكم؛ لأنه رؤوف بكم، رحيم بكم ، يشير إلى أن الإنسان ليس هو المتحكم الحقيقي في سنن الكون، بل هو مُكرَّم بتسخيرٍ من الله، وأن من واجبه الاعتراف بهذا الفضل والتواضع أمامه.
الهداية .. مسؤولية الله وحقه المطلق
يعود القائد ليؤكد مركزية الهداية كخط رسالي، فيقول: ’’وكأنه يقول لنا، أنا الذي أهدي، وأنا الذي يهمني أمركم…’’ ، في هذا الموضع يؤكد على حق الله في أن يهدي، وأن ذلك ليس خاضعًا لميول البشر أو رؤاهم، بل هو نابع من إرادته ورحمته، فكما تكفّل الله بالرزق والخلق، تكفل أيضًا بالهداية.
أخيراً
المعاني الدلالية في قراءة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي للآيات، ليس تفسيرًا تقليديًا قائمًا على البيان اللغوي فقط، بل هو تأملٌ روحي واجتماعي وتحليل نفسي لطبيعة الإنسان في تعامله مع النعم. يبرز فيه عمق البصيرة الإيمانية، والربط بين الآيات والواقع الاجتماعي والاقتصادي، والتنبيه على خطر الغفلة في الرخاء، والدعوة إلى التأمل في الجمال كدليل على رحمة الله، وإثبات أن الهداية من الله وحده، وهي أعظم نعمة على الإطلاق.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهید القائد الإنسان فی
إقرأ أيضاً:
السيد القائد يفضح الزيف العالمي تجاه مجازر غزة ويكشف معلومات خطيرة (تفاصيل)
في خطابه القوي للأمة والمتضمن للحقائق المحملة بمشاعر الوجع، وجّه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ،كلمة مؤثرة سلط فيها الضوء على جرائم العدو الإسرائيلي المروعة في قطاع غزة، واصفًا الأسبوع الأخير بأنه الأقسى والأكثر مأساوية ومظلومية منذ بداية العدوان.يمانيون / تحليل / خاص
توصيف للمأساة الإنسانية الكبرى
ركز السيد القائد يحفظه الله على البعد الإنساني الكارثي في غزة، مقدمًا أرقامًا وشواهد صادمة تؤكد حجم الكارثة، الأطفال أصبحوا الهدف الأول للعدو الإسرائيلي، حيث يُمنع دخول حليب الأطفال، وتُمارس الإبادة بحقهم، في مشهد قال عنه يمثل وصمة عار على كل المجتمع البشري، وفي المقدمة المسلمين،
النساء الحوامل والمسنات يتعرضن لأبشع أنواع الحرمان، وسط صمت دولي مخزٍ، بينما تُستباح أرواحهن بلا أدنى اعتبار لكرامة إنسانية أو قيمة أخلاقية، حيث أعاد السيد القائد يحفظه الله تسليط الضوء على المعاناة اليومية للفلسطينيين من منظور إنساني، وأبرز التناقض بين ما يرفعه الغرب من شعارات حقوق الإنسان وبين الجرائم التي تُرتكب تحت بصره ورضاه، مما يعكس أزمة أخلاقية عالمية.
فضح ازدواجية الغرب وسقوط شعاراته
هاجم السيد القائد بشدة النفاق الغربي، مؤكدًا أن شعارات حقوق الأطفال، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، التي تتغنى بها الدول الغربية ما هي إلا أدوات للخداع والتضليل، يتم التخلي عنها بالكامل عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين ، وتساءل بمرارة، أين حقوق الأطفال؟ وأين حقوق الإنسان؟ وأين منظمة التعاون الإسلامي؟ وأين العرب؟”
ووصف ممارسات الصهاينة ضد أطفال غزة بأنها “لعب وقتل وتلهٍّ، تمارسه العصابات الصهيونية التي تسمي نفسها جيشًا، الخطاب هنا حمل رسالة اتهام مباشرة للمنظومة الدولية والعربية، متهمًا إياها ليس فقط بالعجز، بل بالمشاركة الصامتة في الجريمة، وقد حرص على ربط هذا العجز بسقوط القيم الغربية وافتضاح زيفها.
أزمة الجوع والتجويع كسلاح حرب
أشار السيد القائد إلى أن أكثر من 900 ألف طفل يعانون من الجوع، و70 ألفًا دخلوا مرحلة سوء التغذية، فيما مات الآلاف جوعًا أو بسبب تدهور الوضع الصحي، وهو ما وصفه يحفظه الله بجريمة بشعة ترقى إلى الإبادة الجماعية.
وأشار إلى أن سكان غزة لم يأكلوا شيئًا لخمسة أيام متتالية ، محذّراً من أن المجاعة وقطع المياه هي أسلحة حرب تُستخدم لإجبار الفلسطينيين على النزوح القسري، وهنا، يستدعي السيد القائد حفظه الله القوانين الدولية التي تجرّم استخدام التجويع كأداة حربية، كصوت حر يعبّر عن الفلسطينيين في ظل غياب الموقف الرسمي العربي، مؤكّدًا أن هذه الجرائم تتطلب تحركًا عاجلًا وفاعلًا.
التخاذل العربي والإسلامي .. خذلان أخلاقي وسياسي
كان الجزء الأكثر حدة في الخطاب هو اتهام الأنظمة العربية والإسلامية بالصمت والتواطؤ، متسائلاً بحرقة أين العرب؟ أين المسلمون؟ لماذا التفرج؟ لماذا الخذلان؟ ، ودعا الشعوب الإسلامية إلى التحرك قائلاً: من لم يقف مع مظلومية الشعب الفلسطيني، فمتى سيفعل؟ وهنا ينتقل سلام الله عليه من الشجب إلى التعبئة، حيث يحاول السيد القائد إثارة الوعي الجمعي للمسلمين والعرب، محمّلًا إياهم مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، كما يبرز فجوة كبيرة بين الأنظمة الرسمية المتخاذلة والشعوب الغاضبة.
تحذير من نتائج الصمت
حذر السيد القائد من أن نتائج التفريط ستكون وخيمة على الجميع، مؤكدًا أن العدو الإسرائيلي لا يشكل خطرًا على الفلسطينيين فقط، بل على الأمة بأكملها، وأن الصمت هو بمثابة موت جماعي للضمائر، ويرى السيد القائد أن الاستهداف الصهيوني لفلسطين هو مجرد بداية لمشروع استعماري أوسع، وأن التخاذل الحالي سيُترجم لاحقًا إلى تهديد مباشر لبقية شعوب الأمة، ما لم يتم ردعه مبكرًا.
خاتمة
جاء خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي شديد اللهجة، عاطفيًا صادقاً في مضمونه، ومباشرًا في رسالته، وتحليليًا في منطقه، وقد تحوّل إلى ما يشبه محاكمة شاملة للعدو الصهيوني، وللنظام الدولي، وللصمت العربي ، وأعاد الخطاب مركزية القضية الفلسطينية في الوعي الإسلامي، مجسّداً صرخة نابعة من موقع الإحساس بالمسؤولية وليس التعاطف العابر، وحثّ الأمة على اليقظة، وحذّر من مستقبل أسود إذا استمر العجز.