كيف يستغل حزب مودي الحاكم النظام الهندي الانتخابي لصالحه؟
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
نيودلهي- ستبدأ في الهند، الجمعة 19 أبريل/نيسان، الدورة 18 للانتخابات العامة، التي تعقد كل 5 سنوات، لانتخاب مجلس الشعب "لوك سابها" في البرلمان، الذي يتكون من 543 عضوا. وتستمر لمدة 6 أسابيع، حيث ستعلن النتائج في 4 يونيو/حزيران القادم.
وتعد هذه الانتخابات أكبر عملية انتخابية في العالم، حيث يصل عدد الناخبين هذه المرة إلى 970 مليون ناخب.
يتبع نظام الانتخابات في الهند النظام البرلماني البريطاني، الذي يعتبر أن المنتصر هو من ينجح بالعبور قبل غيره (first past the post) بمعنى أن المرشحين في أية دائرة انتخابية هم كالمشاركين في سباق للجري، فمن يصل قبل غيره فهو الفائز.
فلو أن 10 أو 20 مرشحا تسابقوا في دائرة انتخابية واحدة، فالفائز هو المرشح الذي يحرز أصواتا أكثر من أي مرشح آخر على حدة، رغم أنه قد لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدا من أصوات ناخبي الدائرة، وتضيع الأصوات التي فاز بها المرشحون الآخرون، وبالتالي نواب البرلمان لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من الناخبين.
وفي ضوء هذا النظام، فإن المرشح الفائز بين 10 مرشحين -على سبيل المثال- هو من يحصل على 11% من أصوات الدائرة، بينما 89% من الأصوات المتوزعة على المرشحين التسعة الآخرين تذهب هدرا، لأن كل واحد منهم حصل على أقل من 11% من الأصوات.
ولا تزال الهند تعتمد هذا النظام رغم المعارضة الشديدة التي تطالب باعتماد نظام الانتخاب النسبي، لكي يتسنى للبرلمان أن يمثل كل الشعب الهندي، ولكن هذا المطلب لم يحز حتى الآن على تأييد الأحزاب الكبيرة المستفيدة من النظام الحالي، ولا تحبذ دخول أحزاب صغيرة كثيرة إلى البرلمان.
ومن غرائب هذا النظام أنه لم يستطع حتى الآن أي حزب حاكم أن يحرز حتى 50% من أصوات الناخبين في أية انتخابات، فقد حكم حزب المؤتمر نحو 4 عقود بدون أن تتجاوز حصيلته من الأصوات حتى 50% أية مرة، وقد فاز حزب الشعب (حزب مودي) بـ 31% من الأصوات المرة الأولى عام 2014، وعام 2019 فاز بـ 39% من الأصوات، ومع ذلك يتصرف رئيس الوزراء ناريندرا مودي وكأنه قد حصل على تأييد غالبية الشعب الهندي.
ويتضح سقم النظام البريطاني بمثال حدث في "أوتار براديش" كبرى الولايات الهندية، خلال انتخابات المجلس التشريعي سنة 2022، حين فاز حزب المنبوذين "باهوجان ساماج" (BSP) بـ21% من الأصوات، ولكنه لم يفز ولو بمقعد واحد في المجلس التشريعي، لأن أحدا من مرشحيه لم يفز بأية دائرة، بل كانت مراتبهم هي الثانية أو الثالثة في كل الدوائر.
يسعى مودي لتغيير نظام الانتخابات الهندي بصورة جذرية، بحيث تعقد كل الانتخابات سواء البرلمانية والإقليمية والبلدية والقروية في وقت واحد، وحجته في ذلك أن عقد انتخابات متعددة في أوقات مختلفة مكلف للغاية، ويشغل الناس والحكومة لوقت طويل، ولذلك ينبغي إجراؤها كلها في وقت واحد.
ولقي هذا الاقتراح معارضة شديدة من كل أحزاب المعارضة، بما فيها حزب المؤتمر، حيث يرون أن المستفيد من هذا التعديل سيكون مودي أو الحزب الحاكم الذي سيستغل كل إمكانات الدولة للدعاية وحضور المهرجانات على نفقتها، بينما لن تستطيع الأحزاب الأخرى تحمل التكاليف، ثم إن قضايا الانتخابات تختلف في كل مستوى عن غيره، ولذلك فإن خلطها وعقدها في وقت واحد لن يفيد إلا الحزب الحاكم.
أما بخصوص آلات الاقتراع الإلكترونية "إي في إم" (EVM) فقد بدأت الهند استخدامها للتصويت منذ سنة 2000، وظهرت شكوك قوية حول نزاهة الانتخابات بواسطة هذه الماكينات، إذ يرى معارضوها أنه يمكن التلاعب بالنتائج من خلال برمجة هذه الماكينات وتغيير النتائج حتى بعد الاقتراع.
وبعد كثرة الاعتراضات عليها، لجأت مفوضية الانتخابات إلى تهدئة الناقدين بقولها إنها ستوفر أيضا "ماكينات المراجعة الورقية للأصوات" وتسمى "في في بي إيه تي" (VVPAT) التي ستطبع الأصوات التي يتم الإدلاء بها، وستجرى بالنهاية مقارنة نتائج ماكينات الاقتراع مع الأصوات المطبوعة.
ومع أنه جرى استخدام ماكينات المراجعة الورقية للأصوات في بعض مراكز الاقتراع منذ سنة 2014، فيُعتقَد أنه لم تتم مقارنة هذه النتائج مطلقا في أية دائرة حتى الآن.
وقد أظهر المعارضون لاستخدام هذه الآلات مرارا أنه يمكن برمجتها والتلاعب بها قبل وبعد الانتخابات، لكن حكومة مودي لا تُظهر أي نية للعودة إلى نظام الأصوات الورقية الذي كان سائدا قبل استخدام النظام الإلكتروني، وهذا يتيح للأحزاب استغلال هذه الماكينات لتزوير النتائج، وخصوصا الدوائر التي يكون فارق الأصوات فيها صغيرا بين الفائز والخاسر.
تُجرى الانتخابات الهندية وسط ضغوط غير معهودة تمارسها حكومة مودي لمحاصرة المعارضة والحصول على الأغلبية المطلقة بالبرلمان، لتستطيع إجراء التغييرات التي تريدها بالدستور، بغية تحويل البلاد إلى دولة هندوسية وإلغاء النظم العلمانية والاشتراكية.
ويعتقد مراقبون أنه لو فاز حزب الشعب بهذه الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، فستكون آخر انتخابات نزيهة وحرة بتاريخ الهند المستقلة، حيث يطالب مودي وزعماء حزبه علنا بأن يمنحهم الشعب 400 مقعد بالبرلمان -أي الغالبية العظمى- لكي يستطيع إجراء التغييرات الدستورية اللازمة لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، وهو ما يهدد بإنهاء الديمقراطية.
وقد قال مودي غير مرة في المهرجانات الانتخابية "إن الذي رأيتموه حتى الآن هو فيلم قصير أو فاتح شهية، أما الفيلم الكامل والوجبة الرئيسية فستأتي بعد الانتخابات".
بينما يعلن زعماء حزب الشعب الآخرون بشكل أكثر وضوحا عن خطة الحزب في حالة الفوز بهذه الانتخابات، ويقولون إنه سيتم تغيير الدستور لإلغاء العلمانية وإعلان الهند دولة هندوسية، وإلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، وتنفيذ قانون مدني موحد، وسيجري تنفيذ قانون الجنسية المعدَّل لسحب الجنسية من الملايين من مسلمي الهند، بالإضافة لحظر المدارس الإسلامية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات من الأصوات حتى الآن
إقرأ أيضاً:
أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
أحمد زيور باشا، هذا الاسم الذي يلمع في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد شخصية سياسية عابرة، بل هو رمز للإصرار والعطاء والتفاني في خدمة وطنه.
ولد زيور باشا في الإسكندرية عام 1864 في أسرة شركسية تركية الأصل، كانت قد هاجرت من اليونان، لكنه بالرغم من جذوره الأجنبية، حمل قلبه وروحه على مصر، وجعل منها مسرحا لحياته المليئة بالعطاء والمسؤولية.
منذ نعومة أظافره، أظهر أحمد زيور براعة وحسا عميقا بالواجب؛ فقد التحق بمدرسة العازاريين، ثم واصل دراسته في كلية الجزويت ببيروت، قبل أن يتخرج من كلية الحقوق في فرنسا، حاملا معه العلم والخبرة ليخدم وطنه الغالي.
طفولته لم تكن سهلة، فقد كان صبيا بدينا يواجه العقوبات بحساسية شديدة، وكان العقاب الأصعب بالنسبة له مجرد “العيش الحاف”، لكنه تعلم من هذه التجارب الأولى معنى الصبر والمثابرة، وكان لذلك أثر واضح على شخصيته فيما بعد، إذ شكلت بداياته الصعبة حجر أساس لصقل إرادته القوية وعزيمته التي لا تلين.
عندما عاد إلى مصر بعد دراسته، بدأ أحمد زيور مسيرته في القضاء، ثم تقلد مناصب إدارية هامة حتى وصل إلى منصب محافظ الإسكندرية، وبدأت خطواته السياسية تتصاعد بسرعة.
لم يكن الرجل مجرد سياسي يحكم، بل كان عقلا مفكرا يقرأ الواقع ويفكر في مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي، تولى عدة حقائب وزارية هامة، منها الأوقاف والمعارف العمومية والمواصلات، وكان يتنقل بين الوزارات بخبرة وإخلاص، ما جعله شخصية محورية في إدارة شؤون الدولة، وخصوصا خلال الفترة الحرجة بعد الثورة المصرية عام 1919.
لكن ما يميز أحمد زيور باشا ليس فقط المناصب التي شغلها، بل شخصيته الإنسانية التي امتزجت بالحكمة والكرم وحب الدعابة، إلى جانب ثقافته الواسعة التي جعلته يجيد العربية والتركية والفرنسية، ويفهم الإنجليزية والإيطالية.
كان الرجل يفتح صدره للآخرين، ويمتلك القدرة على إدارة الصراعات السياسية بحنكة وهدوء، وهو ما جعله محل احترام الجميع، سواء من زملائه السياسيين أو من عامة الشعب.
عين رئيسا لمجلس الشيوخ المصري، ثم شكل وزارته الأولى في نوفمبر 1924، حيث جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية، مؤكدا قدرته على إدارة الأمور بيد حازمة وعقل متفتح.
واستمر في خدمة وطنه من خلال تشكيل وزارته الثانية، حتى يونيو 1926، حريصا على استقرار الدولة وإدارة شؤونها بحنكة، بعيدا عن أي مصالح شخصية أو ضغوط خارجية.
زيور باشا لم يكن مجرد سياسي تقليدي، بل كان رمزا للفكر المصري العصري الذي يحترم القانون ويؤمن بالعلم والثقافة، ويجمع بين الوطنية العميقة والتواضع الجم.
محبا لوالديه، كريم النفس، لطيف الخلق، جسوره ضخم وقلوبه أوسع، كان يمزج بين السلطة والرقة، بين الحزم والمرونة، وبين العمل الجاد وروح الدعابة.
هذا المزيج الفريد جعله نموذجا للقيادة الرشيدة في وقت كان فيه الوطن بحاجة لمثل هذه الشخصيات التي تجمع بين القوة والإنسانية في آن واحد.
توفي أحمد زيور باشا في مسقط رأسه بالإسكندرية عام 1945، لكنه ترك إرثا خالدا من الخدمة الوطنية والقيادة الحكيمة، وأصبح اسمه محفورا في وجدان المصريين، ليس فقط كوزير أو رئيس وزراء، بل كرجل حمل قلبه على وطنه، وبذل كل ما في وسعه ليبني مصر الحديثة ويؤسس لمستقبل أفضل.
إن تاريخ زيور باشا يعلمنا درسا خالدا، أن القيادة الحقيقية ليست في المناصب ولا في السلطة، بل في حب الوطن، والعمل الدؤوب، والوفاء للعهود التي قطعناها على أنفسنا تجاه بلدنا وشعبنا.
أحمد زيور باشا كان نموذجا مصريا أصيلا، يحكي عن قدرة الإنسان على التميز رغم الصعاب، ويذكرنا جميعا بأن مصر تحتاج دائما لأمثاله، رجالا يحملون العلم والقلب معا، ويعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وشموخه.
ومن يقرأ سيرته، يدرك أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تصنع التاريخ، وأن من يحب وطنه حقا، يظل اسمه حيا في ذاكرة شعبه، مهما رحل عن الدنيا، ومهما تبدلت الظروف.