ترجمة: حافظ إدوخراز -

لا يزال 2.2 مليار شخص في العالم غير قادرين على الولوج إلى خدمات التزوّد بالمياه الصالحة للشّرب. ومع ظاهرة الاحتباس الحراري، أصبحت ندرة مياه الشرب تحدّيًا كبيرا يعترض مستقبلنا، وتتفاقم هذه المشكلة بالطّبع في المقام الأول في المناطق القاحلة والمكتظّة بالسكان. يسلّط تقرير حديث صدر عن منظمة لأمم المتحدة الضوء على الأهمية الحاسمة لاستكشاف مصادر المياه «غير التقليدية» مثل مياه الغلاف الجوّي، حيث إن الموارد الحالية يتمّ استغلالها بشكل مفرط وهي غير كافية.

وللعثور على حلول مبتكرة، يمكن أن تكون الطبيعة مصدرًا رائعًا للإلهام. لقد طوّرت أنواع معيّنة من الأشجار والحشرات خلال مسيرتها التطوّرية طرقًا بارعة لالتقاط المياه الموجودة في الغلاف الجوي على شكل بخار أو ضباب.

ولنذكر على سبيل المثال أشجار السّكويا العملاقة في كاليفورنيا، التي تلتقط أكثر من ثلث المياه التي تستهلكها بفضل الضّباب الذي تعترضه إبرها وتُستخلص منه قطرات الماء. وتلتقط شجرة تنّين سقطرى الماء من الضباب وتبتلعه مباشرة من خلال أوراقها. وتلعب بعض نباتات الصبّار والطّحالب وخنافس الصحراء على بنيتها أو شكلها الهندسي أو تآلف سطحها مع الماء من أجل تجميع الضّباب.

شبكات من أجل التقاط الضّباب

وأمام هذه الحلول الرائعة في الطبيعة، لم يبقَ الإنسان استثناءً، فقد تمّ استخدام شبكات من أجل التقاط الضباب منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما من قبل المنظمة غير الحكومية Fog Quest. ونسعى إلى تطوير طرق بسيطة لصنع شبكات أكثر كفاءة وأكثر اقتصادًا وأسهل في التصنيع من تلك المتوفّرة حاليا.

في بعض المناطق الصحراوية مثل تشيلي أو المغرب، يستخدم السكان «شبكات الضباب» من أجل التقاط قطرات الماء من «ضباب التأفّق» الذي يتشكّل ويتحرّك فوق بعض الصّحاري الجبلية بالقرب من سواحل المحيط. يتكثّف هواء المحيطات الدافئ الرطب، مدفوعا بالرياح، ويتحوّل إلى قطرات صغيرة من الماء حينما يبرد عند ملامسته للغلاف الجوي البارد في هذه المناطق الجبلية.

لقد أدّى التقدم العلمي والتقني المتراكم في هذا المجال طيلة عقود عدّة من الزمن، إلى تصميم شبكات كبيرة وبتكلفة معقولة، مما دفع بالعديد من المجتمعات إلى نشر شبكات لالتقاط الضباب الذي تحمله الرياح. تبدو شباك «السّحاب» أو «الضّباب» هذه وكأنّها شباك صيد ممتدّة في الهواء. وبالنسبة لأفضل أنواع الشّباك، فيمكنها أن تتمتّع بكفاءة التقاط تصل إلى 15% من كمية الماء الموجودة في الضباب. وبإمكانها، على حسب مكان وضع هذه الشباك، جمع ما بين 10 و100 لتر من الماء لكل متر مربع يوميّا.

يتمثل التحدّي الحقيقي الذي تواجهه المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي والتي تتمتع بظروف مواتية لتشكّل ضباب التأفّق، في تطوير شبكاتٍ فعّالة ومستدامة وبأسعار في المتناول. لا ريب أن الشّباك الرخيصة، مثل شباك «أكياس البطاطس» (Raschel mesh) المستخدمة في تغليف بعض الأغذية، مُتاحة أكثر بالنظر إلى سعرها، لكن فعّاليتها تظلّ محدودة ولا تستطيع مقاومة الرياح العنيفة. أما الشبكات التي تتمتع بقدرٍ أكبر من المتانة والكفاءة، مثل الشبكة التجارية Aqualonis FogCollector، فإنتاجها أكثر صعوبة وتكلفتها أكبر بكثير.

وأمام هذه التحدّيات العلمية والتقنية، يعكف الباحثون على استكشاف حلول «سالبة» من أجل تحسين جودة الشّباك من خلال العمل على كفاءتها وديناميكيتها الهوائية أو حتى على طبيعة المادة التي تُصنع منها الشبكة وتوافقها مع الماء. ويُحيل الجانب «السّالب» في هذه الحلول إلى أنه لا حاجة إلى طاقة إضافية (كهربائية أو من أصل أحفوري) تضاف إلى الطاقة التي توفّرها الشمس لتبخير الماء وتحريك الكتل الهوائية. وذلك على عكس طرقٍ أخرى تُستخدم في الحصول على المياه العذبة، والتي غالبا ما تكون كثيفة الاستهلاك من حيث الطاقة مثل بعض طرق تحلية مياه البحر.

تحسين شبكات السّحاب من خلال تكييف هندسة أليافها

لقد مكّنت أبحاثنا الأخيرة من تصنيع شبكات للضباب بفضل تقنية تقطيع وتشكيل الورق اليابانية (Kirigami)، وتم تصميم هذه الشّباك ببساطة عن طريق قطع وطيّ أوراق بلاستيكية. يعدّ هذا النوع من الشّباك غير مكلّف، وله هندسة بسيطة، وتفوق كفاءته كفاءة معظم الشّباك الموجودة.

ترجع هذه الكفاءة إلى هندسة الألياف المستخدمة، ففي حين أن معظم شبكات الضباب تستخدم أليافًا أسطوانية، فإننا نستخدم أليافا مسطّحة.

تأخذ قطرة الماء الموجودة على سطح الشبكة شكلًا يسمح بالموازنة بين الضغوط الداخلية والخارجية التي تخضع لها القطرة، بالإضافة إلى الضغط الزائد الذي ينتج عن انحناء واجهتها السائلة. ونظرًا لأن الألياف الأسطوانية بها انحناء، فلن تتمكن القطرة من التمدّد، لأنه ومن أجل التعويض عن انحناء الألياف، سيتعيّن عليها الحفاظ على شكل اللؤلؤة. أما بفضل الهندسة المسطّحة للألياف المستخدمة في شباكنا، فإن قطرات الضباب ستتمدّد بالكامل، وتشكّل بسرعة طبقة سائلة رقيقة ومستقرّة للغاية على كامل سطح الشبكة، مما يعزّز تجمّع المياه.

لقد أظهرت اختباراتنا أنه في ظلّ ظروف تجريبية متكافئة، نجحت شبكة الكيريغامي (Kirigami) في تجميع ثماني لترات لكل متر مربع في ساعة واحدة، في حين أن شبكات القيثارة المصنوعة من الألياف وشبكات أكياس البطاطس شائعة الاستخدام لم تجمع على التوالي سوى ثلاثة لترات وليترين لكل متر مربع.

وبالمقارنة مع واحدة من أفضل شبكات الضّباب الموجودة في السوق حاليًا (Aqualonis FogCollector 3D-2013)، فإن شبكة الكيريغامي الخاصّة بنا تعادلها كفاءة، لكنها تتميّز عنها بكونها أكثر كفاءة من الناحية الديناميكية، أي عند وجود ضباب منخفض الكثافة أو يدوم لمدة قصيرة.

إن بساطة تقنية الكيريغامي وإمكانيات الإنتاج على نطاقٍ واسع التي تتيحها، تجعل منها مرشّحًا واعدًا من أجل تطبيقاتٍ منخفضة التكلفة في هذا المجال (يتعلق الأمر في الواقع بمجرد ورقة من البلاستيك مثقوبة بقواطع). ونقوم في الوقت الرّاهن باختبار نماذج أوّلية يمكن إنتاجها على نطاق واسع بالتعاون مع المنظمة المغربية غير الحكومية «دار سي حماد»، التي تمتلك أكبر حقل لشباك الضباب في العالم، وكانت النتائج الأوّلية مشجّعة للغاية.

وفضلًا عن طريقة التصنيع الجديدة هذه، قمنا أيضا بتطوير طريقة اختبار دقيقة يمكن مراقبتها بشكل جيد في المختبر، مما يسمح لنا بقياس فعّالية شبكة الضباب من نوع كيريغامي ومقارنتها بالشّباك الأخرى تحت نفس الظروف. في الواقع، غالبًا ما يكون قياس فعّالية شبكة الضباب أمرًا ينطوي على كثيرٍ من الذّاتية، ولم يتم بعدُ توحيد تقنيات القياس.

تتمثّل تقنية الاختبار الخاصة بنا في نفق رياحٍ ينتج تدفّقا صفيحيّا من الهواء، ويتم فيه توليد الضّباب وإرساله باستخدام محوّلات الطاقة الكهروضغطية. تُتيح لنا عيّنات الشّباك الموضوعة في مخرج النفق على موازين فائقة الدقة، قياس كفاءة الالتقاط في الوقت الحقيقي. ويمكننا بالتالي التمييز بشكل ديناميكي بين المساهمات المختلفة على مستوى الكفاءة.

ومن أجل ضمان إمكانية الوصول إلى الحلول التي تمّ تصميمها وقابليّتها للتطوير، عملنا في ظل قيود في سياق «العلم المقتصد» (Frugal Science) (العلم الذي يهدف إلى تصميم حلول إبداعية قابلة للتطوير مع الأخذ في الاعتبار معيار التكلفة مقارنة بالأداء) داخل «مختبر تصنيع» (FabLab) (مختبر التصنيع الرقمي).

تلعب «مختبرات التصنيع، من خلال تعزيزها للتعاون بين التخصّصات وتوفيرها لإمكانية تصنيع النماذج الأوّلية، دورا رئيسيا في إيجاد الابتكارات من أجل مواجهة التحدّيات العالمية، وذلك يصبّ في مصلحة تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

دوني تيرواني، عالم فيزياء وأستاذ بجامعة بروكسل الحرة

المصدر - موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

مدير الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد متحدثا بمؤتمر جامعة عين شمس

افتتح الدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس جامعة عين شمس جلسة عن الفساد بعنوان "الحوكمة والمساءلة" خلال فعاليات اليوم الأول للمؤتمر العلمي الثاني عشر لجامعة عين شمس.

انطلاق مؤتمر وحدة دعم المرأة في جامعة عين شمس  مناقشة الشراكات الدولية في مجال دراسة اللغات والترجمة بجامعة عين شمس

وتناولت الجلسة مخاطر الفساد وجهود الدولة فى مكافحته والتي تحدث خلالها اللواء دكتور محمد سلامة أحمد عزت وكيل أول هيئة الرقابة الإدارية ومدير الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد. 

أدار الجلسة الدكتور محمد صافي عميد كلية الحقوق جامعة عين شمس والدكتورة هبة شاهين عميد كلية الإعلام.  

ورحب رئيس جامعة عين شمس باللواء دكتور محمد سلامة أحمد عزت مشيدا بمسيرته الأكاديمية والعلمية المشرفة والحافلة. 

وأكد رئيس جامعة عين شمس أن مكافحة الفساد قائمة على تحديد وتقييم مخاطر الفساد والعمل على الوقاية منه ومكافحته من خلال وضع الأهداف والإجراءات التنفيذية والبرامج والآليات التي تكفل محاصرته وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة للفساد والارتقاء بمستويات الشفافية والنزاهة. 

الفساد ظاهرة عالمية تتفشي في جميع المجتمعات

وأوضح عميد كلية الحقوق جامعة عين شمس أن الفساد ظاهرة عالمية تتفشي في جميع المجتمعات بلا تمييز ولكن بنسب متفاوتة وفقا لقيم وعادات وثقافات كل شعب وما يوفره كل مجتمع من آليات لمنع الفساد، وأشار سيادته إلى مفهوم مكافحة الفساد بوصفه ظاهرة سلوكية تعبر عن ترفع الإنسان عن سوء الأخلاق وترك الشبهات للتحلى بالأمانة والقيم الحميدة من خلال تفعيل منظومة من القيم تم بنائها  داخل المجتمع للحفاظ على ممتلكات الدولة واستئصال الفساد  بكل صوره ومكافحته.

وأوضح اللواء دكتور محمد سلامة ماهية مصطلح الفساد ومتى ظهر  لأول مرة مشيراً إلى أن الفساد موجود من قبل الخليقة، وورد ذكره فى جميع الأديان السماوية ولكن المقصود من هذا الفساد هو الفساد الروحى.

وأشار إلى الأصل التاريخي والإنساني لنشوء الفساد على مر العصور وكيف يرى المجتمع الفساد  والآثار السلبية للممارسات الفاسدة علي المجتمعات وذكر سيادته أن هناك آلية للتعاون الدولى بين الدول لمنع الفساد وهى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وعن شكل الرقابة في مصر تناول ثلاثة أنواع من الرقابة فى مصر وهي: رقابة السلطة التشريعية مثل مجلس النواب ومجلس الشيوخ ورقاب  السلطة القضائية الممثلة فى المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا والنيابة العامة والسلطة التنفيذية التى بها وحدات رقابة داخلية وجهات رقابة خارجية.

وأشار إلى دستور جمهورية مصر العربية ورؤيته في مجال مكافحة الفساد، وأبرز أهم مفاهيم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والأهداف التى تسعى إلى تحقيقها.

وأوضح مهام واختصاصات هيئة الرقابة الإدارية من خلال بحث وتحرى أسباب القصور في العمل والإنتاج واقتراح وسائل تلافيها، الكشف عن عيوب النظم التي تعرقل السير المنتظم للأجهزة العامة ومتابعة تنفيذ القوانين والتأكد من أن القرارات واللوائح وافية والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية، ضبط الجرائم الجنائية التي تقع من غير العاملين والتي تستهدف المساس بسلامة  أداء واجبات الوظيفة أو الخدمة العامة كذلك بحث الشكاوى التي يقدمها المواطنون عن مخالفة القوانين أو الإهمال في أداء الوظيفة العامة.

مقالات مشابهة

  • «الوطني للأرصاد» يحذّر من تشكل الضباب وتدنّي مدى الرؤية
  • مياه القناة: حملات مكبرة لكشف التعديات على شبكات مياه الشرب
  • رئيس مياه القناة: حملات مكبرة للكشف لإزالة التعديات على شبكات مياه الشرب
  • عودة: نحن أمام تعطيل مشبوه يساهم في تفكك السلطة وتحلل الدولة
  • استمرار تنفيذ الخطة الدورية لإحلال وتجديد شبكات مياه الشرب بالفيوم
  • ننشر حصاد نشاط وزارة الهجرة في أسبوع
  • تعرّف على فوائد المشروبات الطبيعية للمعدة
  • أزمة تلوح في الأفق.. ثلثا سكان العالم سيواجهون ندرة المياه بحلول 2100
  • "مياه المنوفية": تنفيذ خطة تطهير شبكات الصرف الصحي بكل مناطق المحافظة
  • مدير الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد متحدثا بمؤتمر جامعة عين شمس