دروس الحياة خير معلم للإنسان، وفى احتفالية تكريم الرواد والأم المثالية بنقابة الصحفيين، كنت على موعد مع موقف ودرس، من معلمة الأجيال الدكتورة عواطف عبدالرحمن أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والتى تمت دعوتها للتكريم على مشوارها الكبير فى عالم الصحافة والإعلام، وبمجرد ان وصلت إلى مقر النقابة التف حولها الجميع من مختلف المراحل العمرية للاحتفاء بها، وعندما شاهدتها تدخل إلى قاعة التكريم وتجلس فى الصف الثالث من المقاعد، بادرت وتوجهت نحوها لأخبرها أن مكانها فى مقاعد الصف الأول بين المكرمين، وكان الرد الذى بمثابة وجبه كاملة من الدروس فقالت لى وهى مبتسمة: «وهل جلوسى فى اى مقعد يغير من الواقع شيء»، صمت أمام بلاغة الدرس، وجاوبتها مكانك فى المقدمة دائما حتى وانتِ تجلسين فى المقعد الأخير.
وبعد أن خرجت من القاعة وقد تم تكريم الرواد والأساتذة الكبار، راجعت الدرس الذى لقنته لى الدكتور عواطف عبدالرحمن، وتساءلت بينى وبين نفسى، كم شخصا يجلس فى الصف الأول وهو لا يرتقى إلى شرف هذا المقعد؟! وكم شخصا يجلس فى المقاعد المتأخرة، ويستحق أن يكون فى الصفوف الأولى؟!
واستكمالا للدرس، تذكرت موقفا ليس ببعيد، للمطرب أحمد سعد خلال حديثه بأحد البرامج الرمضانية، عن اشقائه، فقال «أنا مطرب وشقيقى عمرو ممثل مشهور، والوحيد فينا اللى ضاع هو شقيقى الدكتور سامح سعد، لو كان فنان كان زمانه كسب أكتر بكتير من عالم»، ورأيت كيف سخر المطرب أحمد سعد من حال شقيقه العالم والباحث فى الفيزياء، الذى ضاع على حد قوله لأنه، أصبح عالما و"دكتور" فى احد العلوم الهامة.
رسالتى لصناع القرار: الاحتفاء لا يجب أن يقدم الا لمن ينفعون البشرية بعلم، أو يقدمون تضحيات يومية لاوطانهم ويعلون من شأنه ويجعلون اسمه يتكرر بكل ما هو فخر وشرف، فلا تخلطوا البخس بالنفيس، ولا تقدموا الأدنى على الأعلى والأغلى، حتى لا يكون الثمن الشتات والانهيار الأخلاقى والمجتمعي.
ورسالتى إلى اصحاب العلم والعلوم والرسائل السامية والضمائر اليقظة: دوام الحال من المحال، فلا تيأسوا فإن كنتم تجلسون الآن فى المقاعد الخلفية لكن أثركم وعلمكم موجود فوق الرؤوس وداخل القلوب.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ياسر إبراهيم رسالة دروس الحياة الأم المثالية بنقابة الصحفيين فى الصف
إقرأ أيضاً:
مجتمعنا والـ«دارك ويب 1»
لا جدال أنّ المسالمين منا يجاهدون كل يوم للفكاك من سوداوية مشهد يزداد قتامة ويجْثمُ على صدر مجتمعنا ليفقده شعور الأمن والسلام، مشهد تزايد العنف والجرائم المرعبة، يسير كل منا خارج بيته أو لعل داخل بيته أيضا متلفتًا حوله فى قلق وهو يسأل نفسه من أين ستأتى الضربة؟ ضربة الغدر، الخيانة، القتل والتمثيل بالجثة فى وحشية، السرقة، الاغتصاب، هتك العرض وغيرها، جرائم غريبة عن مجتمعنا المتدين بطبعه والذى كنا نتغنى بتماسكه وتواده وتراحمه، فإذا يستوحش وكأن فيروسًا مريعًا ضرب كيانه وأخلاقه «إلا من رحم ربي».
لم يعد الآباء يأمنون على أطفالهم بمؤسسات التعليم مع تزايد جرائم هتك العرض داخل رياض الأطفال والمدارس وسوء المعاملة فى العقاب البدنى، لم يعد الآباء يأمنون ترك أطفالهم مع إخوتهم الكبار، الخال، العم، الجد ولن أقول الجار، بسبب ما انتشر أيضًا من زنا المحارم وانتهاك عروض الأطفال.
يخرج الشباب البنات مع أصدقائهن ولو حتى من نفس جنسهن، فنسمع أبشع الجرائم، قتلوا صديقهم، هتكوا عرضه مع تصويره لابتزازه وسرقة ماله، هاتفه، سرقة حتى التوك توك الذى يسترزق منه، وغيرها من الأسباب المنتهية بجريمة خيانة الصديق والصديقة وسفك الدماء واستحلال العروض، يغيب الزوج أو الزوجة فى عمله وينشغل أحدهم بتوفير القوت للأولاد، فيهرول الطرف الآخر لخيانته والغدر به والاتفاق مع شيطان متمثل فى عشيق أو شيطانه متمثلة فى عشيقة لقتل الزوج أو الزوجة بدم بارد لمواصلة مسيرة الخيانة.
ولد يقتل أمه أو أباه من أجل الاستيلاء على شقتهما أو نهب مالهما لشراء المخدرات، أم تقتل ابنها أو ابنتها إما لتتفرغ لفاحشة، أو لمعاقبته على عقوق ما كان من الممكن علاجه بأسلوب تربوى حكيم وكذلك يفعل أب، عم يطرد بنات أخيه الأيتام من شقتهم ليستولى عليها غير عابئ بإلقاء عرضه فى الشارع للذئاب، أم تقتل طفلة بسياراتها بسبب مشاجرة تافهة بين الطفلة وابنها، شاب يهين عجوز ويصفعه، رجال عُتل ينهالون ضربًا على سيدة أو مجموعة فتيات مع كل غياب للنخوة والرجولة، لا احترام أو رحمة لكبير ولا لضعيف، قانون الغابة أصبح يحكمنا.
صفحات الحوادث تصرخ الآن لغرقها فى كم الدماء الممد بين أسطرها، جرائم فوق تصور العقل البشرى لا يرتكبها وحوش الغابة ضد بنى جنسهم، فإذا بالإنسان الذى كرمه الله بالعقل ليفرق بين الصح والخطأ، الحرام والحلال وحباه الله بقلب رحيم يعقل أيضًا، إذا به يدهس كل المزايا الربانية له ويهرول خلف شهوات حرام مرتكبًا لأجل الفوز الذميم بها فظائع شابت لها رؤوسنا وأقضت مضاجع المسالمين منا، تمدد عدم الأمان فى كل الربوع، فى الشارع، داخل المواصلات العامة والخاصة، داخل مؤسسات العمل، داخل الأندية، المدارس، فى بيوتنا التى باتت تضج جدرانها بالكراهية والخيانة والدماء «إلا من رحم ربي».
لا يتهمنى أحد بمبالغة وإثارة الفزع لأنه مُثار بالفعل، مجتمعنا المتدين بالفطرة الذى كان يخشى العيب والحرام لخشيته الله بدأ فى الانقراض ليحل مكانه مجتمع آخر غريب عنا، مجتمع يتم تغييب وتدمير أجمل زهراته.. شبابه وأيضًا أطفاله بالمخدرات واستقطابهم من خلال الإنترنت المظلم «The dark web» ليتحول أطفال فى عمر الزهور إلى مغتصبين وقتلة فى سادية مرعبة فإلى أين نسير والمنحدر الأخلاقى يدفعنا إلى جرف هار سحيق قد لا تقوم لنا منه قيامة، دين أو أخلاق بعدها، ماذا حدث لنا سأجيب عن هذا السؤال لاحقًا، ولكن سأتوقف بعض الشيء أمام هذه الحوادث التى بدأت فى التحول إلى ظاهرة، هتك أعراض الأطفال بالمدارس وبعيدًا عن نظريات المؤامرة، أرى أن ما يحدث كأنه شيء ممنهج وراءه شبكة منظمة ما فى الداخل أو الخارج للـ«بيدوفيليا»، أى جنس الأطفال لتصويرهم، بيع الصور والأفلام من خلال الإنترنت المظلم أو الويب المظلم، الذى يتيح للمستخدمين إخفاء هويتهم وموقعهم الجغرافى عن الآخرين وعن هيئات إنفاذ القانون للممارسة أنشطة غير مشروعة من إتّجار بالمخدرات، جنس الأطفال، جرائم القتل والتمثيل بالجثث، القرصنة على الحسابات البنكية، اختراق البيانات، وغيرها.. وللحديث بقية.
[email protected]