يمانيون:
2025-12-04@11:20:47 GMT

الإسلام دين ودولة

تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT

الإسلام دين ودولة

يمانيون| بقلم: بشير الصانع

 

الإسلام دينٌ يجمع بين روحانية الإيمان وصلابة البناء الاجتماعي والسياسي؛ فهو منظومة متكاملة تقوم على هداية الإنسان وإقامة العدل وصناعة الوعي وبناء الدولة.. هذه الشمولية هي ما جعلت الإسلام قادرًا على صناعة حضاراتٍ خالدة؛ لأَنَّها لم تفصل بين ما يعيش في القلب وما يصنع الواقع، بل صاغت منهما كيانًا واحدًا متماسكًا يتجه نحو الله ويعمر الأرض بمنهجه.

وعندما نتأمل في حقيقة نظام الحكم في الإسلام، ندرك أنه يقوم على مبدأ الحاكمية لله، وأن مصدر التشريع هو القرآن الكريم والعترة الطاهرة، بعيدًا عن الأهواء والتجارب البشرية القاصرة.

هذا الارتباط بالوحي يعطي النظام الإسلامي عمقه الأخلاقي، وروحه العادلة التي تحفظ الإنسان من الظلم، وتصنع مجتمعًا متوازنًا تلتقي فيه القيم الروحية مع التنظيم الإداري والسياسي.

فالدولة في الإسلام هي امتداد طبيعي لمنهج التوحيد في حياة الناس.

ومع مرور الزمن، تبيّن أن فصل الدين عن الدولة لم يجلِبْ للعالم سوى التفكُّك والانهيار الأخلاقي وانتشار الفساد وسيطرة المصالح الضيقة.

القوانينُ الوضعية مهما تطورت تبقى محدودةً؛ لأَنَّها تنطلِقُ من رؤية بشرية جزئية، بينما الإنسانُ بطبيعته يحملُ في داخله حاجات روحية وأخلاقية لا تُشبعها التشريعات المادية وحدَها.

ولهذا، كلما ابتعدت المجتمعات عن نور الوحي، ازداد الظلم، وضعفت الروابط الإنسانية، وسادت النزاعات والمفاسد.

وفي ظل هذه الفوضى العالمية، يظهر الإسلامُ؛ باعتبَاره الطريق القادر على إعادة التوازن.

فهو يقدِّمُ رؤيةً واضحةً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويمنح الجميع حقّ العدالة، ويُلزم الدولة بالقيام بوظيفتها في رعاية الناس وحماية حقوقهم.

إن تطبيق الشريعة الإسلامية بوعي وعدل هو السبيل لنهضة المجتمعات؛ لأَنَّه يعيد الإنسان إلى مركز المسؤولية، ويربط حركة الدولة بقيم إسلامية لا تتغيّر بتغير الأهواء.

ومن أخطر ما نعيشه في واقعنا اليوم سعيُ الأعداء إلى إبعاد العلماء والمتدينين عن تولي المناصِب القيادية في الدولة.

هذا الإقصاء هو مخطّطٌ يخدُمُ مصالحَ القوى المستكبرة التي تدرك أن العالِمَ الربانيَّ هو الأكثر وعيًا بخطر المشاريع الاستعمارية، والأقدر على إقامة القسط، والأصلح لقيادة دولة إسلامية قوية ومتماسكة.

فوجود العلماء في مواقع القرار يعني أن القيم هي التي ستقود، وأن الحَقَّ سيُعلَن ولو واجه مصالحَ الكبار، وهذا ما يخشاه الأعداءُ بشدة؛ لأَنَّهم يدركون أن العِلم الشرعي يصنع رجالًا لا يخافون إلا الله.

ولدينا في تاريخنا الإسلامي نموذجٌ أعظمُ للقيادة الربانية التي تجمع بين العلم والشجاعة والعدل، وهو الإمام علي عليه السلام.

فقد كان الإمامُ عالمًا ربانيًّا تربَّى على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأُوتي من الحكمة والبصيرة ما جعله من أعلم الناس بكتاب الله.

وحين تولى الخلافة، قدّم للعالم نموذجًا فريدًا للدولة العادلة التي لا تحيد عن الحق؛ فحارب الفساد، وواجه الانحراف، وأعاد الحقوق إلى أهلها، وساوى بين الناس دون تمييز.

كانت دولته تعبيرًا حيًّا عن حكم العلماء الربانيين، الذين يجعلون من السلطة وسيلة لإقامة العدل لا لتحقيق المصالح الشخصية عكس غيره.

وكما كان الإمام علي نموذج القيادة الربانية في الماضي، لدينا في واقعنا المعاصر نموذجٌ آخر يجسد هذا النهج، وهو السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.

فقد قدّم للأُمَّـة رؤية واعية تستند إلى القرآن، وتستمدُّ قوتَها من الإيمان، وترتكز على استقلال القرار السياسي ورفض الوصاية الخارجية.

جمع بين الوعي العميق والبصيرة، وبين القيادة المسؤولة التي تحفظ كرامة الشعب وتقف بثبات أمام قوى الاستكبار.

خطابُه مدرسةٌ فكرية وإيمانيةٌ تُنعِشُ الروح، وتصنع الوعي، وترسّخ القيم في النفوس، وتبني مجتمعًا يتقدّم بثبات نحو التحرّر والاستقلال.

وقيادتُه للجبهة الداخلية والخارجية، وصبرُه، ووضوح رؤيته في مواجهة الأعداء، نموذجٌ عمليٌّ على أن العلماءَ الربانيين عندما يكونون في مواقع القيادة تصيرُ الأُمَّــة أقوى، وأكثر قدرة على الصمود، وأقدر على صناعة دولة حقيقية تتكِئُ على الوعي والإيمان.

ولدينا كذلك نموذجٌ حيٌّ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حَيثُ يمثّل حضور العلماء في إدارة الدولة ركيزةً أَسَاسيةً في بناء مؤسّسات ثابتة تقف في وجه القوى الطاغية.

هذا النموذج المعاصر يوضح أن الدولة التي تستند إلى الدين تكون أشد مناعة وأكثر قدرة على تحقيق العدالة والنهضة، تمامًا كما كان نموذج الإمام علي في الماضي والسيد القائد في واقعنا اليوم.

إن واقع الأُمَّــة اليوم يحتاج إلى مثل هذا الوعي؛ فالمعركة معركة وعي وهُـوية ومسار.

وما يريده الأعداء هو دولةٌ بلا روح، ومسؤولون بلا مرجعية، ومجتمع بلا قيم، حتى يسهل اختراقه والتحكم بمصيره.

أما عودةُ العلماء والدعاة الربانيين إلى مواقع التأثير فهي خطوة جوهرية في طريق إقامة دولة حقيقية تحمي الإنسان وتنهض بالأمة.

فالإسلام هو مشروعٌ حضاريٌّ متكامل.. وكلُّ محاولةٍ لفصل الدين عن الدولة هي في حقيقتها محاولةٌ لفصل الإنسان عن قيمه، وفصل المجتمع عن مصدر قوّته.

طريقُ النجاة يبدأُ بالعودة إلى الله ورسوله وأعلام الهدى، والثقة في منهجه، وتمكين العلماء وأهل الوعي من قيادة العمل السياسي والاجتماعي.

ومن هذا الطريق تُبنَى الدول، وتُستعاد القوّة، ويُصنع المستقبل الذي يليق بأمةٍ تحمل رسالة الله إلى الأرض.

 

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: نموذج ا

إقرأ أيضاً:

معركة الوعي بين الدولة والمواطن

عندما تغيب الدولة ويغيب الوعي عند الناس تصبح الكارثة مضاعفة وكل شيء يصير مباحا فلا راعي ولا رعية هنالك تتبدل الأحوال الإجتماعية وتتغير العقول البشرية ويصبح كل إنسان حبيس نفسه ورغباته حينها ترى العديد من النتائج السلبية، إن غياب الدولة والوعي اللتان تعصفان بمجتمعاتنا العربية كالرياح العاتية فتدمر تركيبة المجتمع وتطمس أسس مكوناته كالمكون الديني والإجتماعي وهما الأهم فإذا فقدنا المكونين فسلّم على الأموات؟ لاشك أن غياب الوعي عند المسؤولين الذين يسيّرون زمام أمور الدولة وكذلك المواطن يسبب كوارث في البناء الإجتماعي الذي لا يخفى على أحد قبل البناء المادي وفي هذا السياق سنتحدث عن واحدة من المظاهر المرتبطة بعدم الوعي والتي تلاحظها أينما توجهت عيناك في المدن الكبيرة أو الصغيرة في القرى البعيدة والنائية وعلى جانبي الطرق أينما توليت فسترى ذلك وهو الكتابة باللغة الإنجليزية على واجهات المحال التجارية والمقاهي والمطاعم وغيرها، وهذا أمر عجيب وله من الجهل نصيب؟!

الأمر قد يكون أو يضنه أو ينظر إليه البعض بأنه بسيطا فهو مجرد كلمات إنجليزية أو إيطالية أو فرنسية مكتوبة بالحروف العربية على لافتة، ولكن دعنا نقف ونفكر في الأمر قليلا؟ وللإنصاف في ليبيا لم يكن هذا الأمر معروفا وشائعا في عهد النظام السابق وهذه له! ثم حين نفكر في الموضوع قليلا يتبادر إلى الذهن بعض التساؤلات من قبيل أليس نحن في دول عربية؟ فالعربية هي لغتنا وبالتالي هي الوسيلة التي نتواصل ونفكر بها وهي الوسيلة لحفظ هويتنا وهي أساس معرفتنا وتعلمنا، أليس هذا عاملا أو عوامل مهمة وأساسية تدعون للحفاظ عليها؟ ثم والسؤال هنا خاص لكل معني بهذا الأمر من المسؤول إلى المواطن الذي يضع لافتة مكتوبة بلغة أجنبية على محله (مقهى، مطعم، محلات تجارية، وغيرها) أليس الشاري في الغالب عربي (بما في ذلك إخواننا الآخرين فهم منا ونحن منهم) ولغته عربية فلماذا تكتب أيها التاجر أو البائع على محلك بلغة غير لغتك ولغة أهل بلدك؟! ولماذا لا تتحرك الدولة للقيام بواجبها نحو هذا العامل الذي أراه هدّاما؟!

والإجابة على التساؤل لا تخلوا من أمرين أو ثلاث أحلاهما مرُّ وهما إما أنك تريد أن تقول لنا بأنك متقدّمٌ أو تفهم أكثر من الآخرين! وإما أنك تريد الإنسلاخ من لغتك وثقافتك ودينك! أو أنك غارق في الجهل لا تعرف ما تفعل! فإذا أنت من الفئة الأولى فهذا لعمري مصيبة لأن التقدم لا يقاس بوضع أو تعليق لافتة بلغة أجنبية غير لغة أهل البلد، بل يقاس بعُلوّ القيم الأخلاقية والدينية والإجتماعية، يقاس بقدرتك على حسن التعامل مع الزبائن وفي حياتك عموما فمراعاة حسن الخلق في أي زمان ومكان هو الذي يقودك لاحترام الآخر وتقديم المساعدة للمحتاجين، والأمانة، والصدق، والإخلاص وغيرها من العوامل المشابهة هي التي تقود الأمم للتقدم فالتقدم ينبع من ذات الفرد ولا ينبع من وضع لافتة بلغة أجنبية على واجة محل وهذا لا يدل إلا على جهل صاحبه؟! أما إن كنت من الفئة الثانية وهي التي تريد الإنسلاخ من اللغة والدين وثقافة المجتمع فهذه أقل ما يقال فيها هي فئة فارغة العقل ممسوخة لا كيان لها فهي لا هي منا ولا من غيرنا؟ هذه الفئة ضالة للطريق فما من أحد انسلخ من لغته وثقافته ودينه إلا باء بخسران كبير في نفسه وأهله لأن الإنسان في حاجة دائمة لسندٍ يستند إليه ظهره خاصة في ظل المتغيرات التي يمر بها العالم كله وما نحن بمعزل عن ذلك. وأما الجهل بالأشياء فهو مصيبة فنقول لك باختصار هل يعرف الحمار غناء العندليب؟

إن مثل هذه المظاهر الخاطئة حتما تساهم في إضعاف اللغة العربية لغة القرآن عند الجيل الجديد كما أنها تؤثر على ثقافة أهل البلد فالثقافة ترتبط ارتباطا وثيقا باللغة فأي ثقافة تقدمها هذه اللافتات؟ إن استخدام اللغات الأجنبية على واجهات محلاتنا تساعد في نشر ثقافة غربية تختلف عنا بالكلية فنحن في وادٍ وهم في وادٍ آخر، كما أن مثل هذه اللافتات تضعف الحس والإنتماء الوطني وبالتالي هي خطر على الأمن القومي؟! أين البلديات من هذا؟ وأين الوزارات المختصة مثل وزارة الإقتصاد والحكم المحلي والداخلية وأين وزارة الثقافة من توعية الناس وتعزيز الهوية العربية وغيرها من هذا اللافتات الغريبة التي امتدت في طول البلاد وعرضها!

هل أصبحت لغتنا العربية دخيلة في بلدانها وبكل تأكيد نحن السبب في ذلك للضعف الذي نعانيه وعدم الفهم لما يدور حولنا وضحالة ثقافتنا وعدم الثقة في النفس وبهذه الأسباب وغيرها أصبحنا مقلّدين كالببغاء نقلد الغرب عن عمى في كل ما يفعل وما نرى، بل تعدّى الأمر إلى التفاخر بذلك لذات الأسباب الذي ذُكرت والتي يجب أن نقف عندها ونقوم بتحليلها ألا وهي أننا ضعفاء الثقافة والتعليم والترابط الاجتماعي والدين ولنا من الجهل نصيب وحين يعترف كل واحد منا بهذا الضعف الشامل وعلى رأسنا المسؤولين صانعي القرارات ومنفذوها حينها فقط يمكن لنا العودة لبداية انطلاقةٍ جديدة نحو التقدم الشامل الذي أساسه الدين والأخلاق والترابط الاجتماعي ووحدة المصير وإلى لقاء.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • بحضور محافظ الدقهلية.. موعد عزاء الحاجة «سبيلة» التي تبرعت بذهبها وأموالها لصندوق تحيا مصر
  • علي سالم الكعبي: الاستثمار في الإنسان أولاً
  • معركة الوعي بين الدولة والمواطن
  • قبل العاصفة: رصد نادر للشرارة التي أشعلت توهجا شمسيا هائلا
  • مفتي الديار اليمنية وعلماء الحديدة: الوعي سر الصمود.. وتحذير من الدور الخطير للعملاء
  • أستاذ بالأزهر يوضح أعظم الأحاديث التي بينت كيف يكون الإنسان راقيا
  • ذياب بن زايد: كلمة رئيس الدولة ترسخ نهج الإمارات في بناء الإنسان وتعزيز الهوية ودعم مسيرة التطور
  • الأئمة حُرّاس الحرية.. دعوة الرئيس السيسي وإحياء جوهر الرسالة الإسلامية
  • أمين كبار العلماء من مدريد: الأزهر يتبنى خطابا عالميا يحمي كرامة الإنسان