في هذا المقال لا نقصد بهجرة العقول أو الأدمغة (Brain Drain) والتي عادة تكون من دولة إلى أخرى، وإنما نعني إن جازت التسمية بهجرة أو انتقال الكفاءات العمانية التخصصية أو الوظائف التي يطلق عليها الإشرافية أو الهيكلية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، كما أن هجرة العقول أو الكفاءات تختلف من دولة إلى أخرى، وليس لها علاقة بتقدم الدولة أو كونها نامية أو فقيرة، فحتى اليوم تعاني المملكة المتحدة من نقص في الكفاءات الفنية التخصصية الماهرة، وأيضا من الكفاءات في قطاع التمريض، حيث تقوم باستقطاب ذلك النقص من الدول الأخرى، كما لا توجد قاعدة أو نمط معين يمكن تطبيقه للحد من هجرة الكفاءات سواءً داخل مؤسسات الدولة أو خارجها.

ولا يوجد تعريف محدد لمعنى «الكفاءة» في الوظيفة، ولكن بشكل عام الكفاءة تحتاج لمجموعة من المعارف والمهارات والقدرات التي يتميز بها الموظف عن غيره، وتؤدي لتحقيقه إنجازات استثنائية، وقد تتولد تلك المعارف والقدرات من استمرار الدراسة العلمية والخبرات المتراكمة. وتتعدد الأسباب لهجرة وانتقال الكفاءات، ولعل الجانب المالي هو السبب الرئيسي، وأيضًا بيئة العمل، ونمط الحياة، ولكن في المقابل هناك بعض من الدراسات تشير إلى أن الجانب المالي ليس سببًا للخروج، أو الاستقالة من العمل. عليه فيجب معرفة جميع الجوانب المحيطة ببيئة العمل، والمحفزات التي من الممكن استخدامها في استبقاء الموظفين، فعندما يشعر الموظف بالعدالة الوظيفية وبأن حقه في التقييم السنوي لم يتم المساس به سوف يجتهد في رفع إنتاجيته وإبداعه في العمل، ولكن إذا أحس الموظف أيا كانت درجته أو وظيفته بأنه لا يوجد نوع من العدالة، أو البيئة المحفزة للعمل بين الموظفين فقد يلجأ للبحث عن أماكن أخرى للعمل سواءً التنقل بين مؤسسات القطاع الحكومي، أو البحث عن وظيفة بالقطاع الخاص، ومثالًا لذلك: فعند تم تطبيق نظام الإجادة الفردية بمؤسسات الحكومة وبالرغم من دخولها العام الثالث، إلا أن هناك تذمرًا من طريقة إدارة هذه المنظومة والتي كانت أملًا نحو تحقيق العدالة في التقييم الوظيفي لجميع مستويات العمل وحتى الوصول للوظائف الإشرافية والهيكلية، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد. عليه فإن، الكفاءات غالبًا تتصف بالندرة وليس سهلًا الحصول عليها بشكل سريع، ومن تلك الوظائف: الأطباء بكافة التخصصات، وأساتذة الجامعات، والكفاءات الفنية التي تتعامل مع الأجهزة الفنية التي تحتاج إلى المهارات التخصصية الدقيقة، ويمكن أن يدرج ضمن الكفاءات أيضًا المدرسون ذوو الخبرات التعليمية العالية، ومديرو المدارس الذين يشهد لهم الميدان التعليمي بالإبداع في الإدارة المدرسية، وكبار المهندسين والصيادلة وخبراء المال والاقتصاد والقانون، والقائمة قد تطول ولكن المغزى بأن مثل هذه الوظائف ممكن أن تندرج ضمن فئة الكفاءات. في الجانب الآخر فإن المتعارف عليه أن الوظائف ومنها على سبيل المثال وظيفة مدير، وأيضًا وظيفة مدير عام -وهذا ليس تقصيرًا في تلك الوظائف- قد لا ينطبق توصيفها في سلم قائمة الكفاءات الوظيفية وإن تقلدت مناصب هيكلية أو إشرافية، كما أن التدرج الوظيفي للوظائف التي أشرنا إليها فإنها تختلف كليًا عن الوظائف الهيكيلة من حيث معايير الترقية، والبحث العلمي والانتساب لمؤسسات مهنية، أيضًا في حال الإعلان عن وظيفة «مدير عام» أو وظيفة «مدير» فإنه باستطاعة الكثيرين التقدم لمثل هذه الوظائف، ولكن في المقابل في حال الإعلان عن وظائف: أستاذ مشارك أو استشاري أو كبير المحاسبين أو الاقتصاديين، فسوف نجد شحًا في المتقدمين، وهذا ما أكده أحد مسؤولي الجامعات الخاصة عند الإعلان عن وظائف أكاديمية فأشار إلى أن هناك عددا قليلا من المتقدمين لها، مع أن الامتيازات المالية للوظائف المعروضة كانت تتساوى رواتبها مع رواتب الوظائف النظيرة بالجامعات الحكومية. الشيء الآخر فإن إحصاءات التعمين لوظائف الأكاديميين والأطباء في المؤسسات الحكومية قد تكون بعضها لا يتجاوز 50%، ولكن هناك توطينًا لأغلب الوظائف الإشرافية والهيكلية بالمؤسسات الحكومية. إضافة إلى ذلك فإن انتقال الكفاءات الأكاديمية إلى مؤسسات التعليم العالي الخاصة، وأيضًا الكفاءات الطبية العمانية للعمل في المستشفيات الخاصة هو جدير بالاهتمام ويجب العمل على تشجيعه، لأنه من غير المتوقع قيام الجامعات والكليات الخاصة بالتوجه نحو ابتعاث طلاب للدراسات العليا ليتم تعيينهم لاحقًا بتلك الجامعات، مع الأخذ في الاعتبار التكاليف المالية المترتبة، وعدم القدرة المالية لأغلب الكليات الخاصة على ابتعاث العمانيين ليدرسوا بالخارج لمدد طويلة، كما أن التشريعات الحالية التي صدرت، ومنها تعديلات أنظمة التقاعد من أحد أسبابها حث العمل بالقطاع الخاص سواءً في الوظائف الإشرافية أو الهيكلية أو غيرها من الوظائف.‏إن التوجه نحو دراسة منح بدلات مالية لبعض فئات الوظائف الإشرافية والهيكلية -دون غيرها- بهدف استبقائها (Staff Retention) من أجل الاستفادة من خبرتها، والحد من هجرتها للقطاع الخاص، فإن هذا التوجه له إيجابيات، ويعمل على زيادة الإنتاجية، وتحقيق أهداف المؤسسات الحكومية، إلا أن استخدام الجانب المالي قد لا ينجح دائمًا. ونشير هنا إلى ما قامت به الحكومة خلال فترة من الزمن بمنح مكافآت مالية لفئات محددة من موظفي الدولة -تعديل وضع- إن جاز التعبير؛ رغبة منها في استبقائهم لفترات أطول والاستفادة من خبراتهم، ولكن بالنظر إلى مؤشرات الإجادة المؤسسية، وأغلب مؤشرات التنافسية لبعض القطاعات فإن جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين لم تصل للمستوى المستهدف خلال الفترات الماضية والحالية. ومما يدل على ذلك زيادة أعداد المراجعين في أغلب قطاعات الوزارات الخدمية، وتأخر إنجاز المعاملات مع ضعف في استخدام التقنيات الحديثة في بيئة الأعمال، وقلة تفعيل قنوات التواصل مع المستفيدين. وبالنظر إلى ما حدث في الأيام الأخيرة من التعاطي مع الأنواء المناخية -وليس تعميما على الجميع- يلاحظ أن الذين تقلدوا الوظائف الهيكلية والإشرافية على مختلف مستوياتهم لم يعطو انطباعًا -من المجتمع والذي هو من يقيم عملهم- بتمكنهم من اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت المناسب وقت الأزمات، الأمر الذي أدى إلى فقد فلذات الأكباد وفي الممتلكات. وبالتالي هذا أيضًا يفقد تلك الوظائف مقومات تصنيفها في قائمة «الكفاءات». عليه فإن بعضًا من تلك الوظائف والتي هي هيكلية أعطت ضعفًا في الجانب التخطيطي، والعمل بروح الفريق الواحد، ويمكن القول بأنها تمارس الإدارة القديمة في العمل، وليست قيادية كما يفترض عمليًا ونظريًا أن تكون. كما أن أحد التوجهات الاستراتيجية في «رؤية عمان 2040» هو إيجاد سوق عمل جاذب للكفاءات من خلال استيعاب القدرات الوطنية من مخرجات النظام التعليمي، واستقطاب الكفاءات الفنية الماهرة من الخارج. وعليه فإن تشجيع الكفاءات من الوظائف الإشرافية والهيكيلة وإعطاءها حرية التنقل من القطاع العام إلى الخاص يعمل على سد الفجوة من حاجة القطاع الخاص لبعض القيادات وبالتالي يؤدي ذلك إلى تقليل الحاجة إلى استقطاب الكفاءات من الخارج، فالجميع يشاهد تعيينات لوظائف تخصصية في بعض الأحيان بمؤسسات القطاع الخاص من غير العمانيين، مع العلم بوجود كفاءات عمانية تستطيع تقلد تلك الوظائف. ‏إن دراسة تحسين الجوانب المالية لموظفي الدولة للوظائف الإشرافية أو الهيكلية، وغيرها من الوظائف التي قد تندرج ضمن قائمة الكفاءات كما أشرنا سابقا، توجه سليم ويدخل ضمن الرشاقة المالية والمؤسسية، وقد يساعد على استبقائهم لفترات أطول، ولكن لعله من المناسب جدًا وضع ضوابط ومعايير ذات شفافية لتعريف «الكفاءات» بحيث لا تكون حكرًا على الوظائف الهيكلية أو الإشرافية. فالكفاءة قد تشمل: المعلم المبدع في عمله، والمهندس الذي يدير مشروعات هندسية، والطبيب الماهر، والأستاذ الجامعي الذي يتميز في سلم الترقي العلمي، والصحفي الذي يتألق في العمل الإعلامي، والوظائف ذات التخصصات التي تحتاج لمعارف وقدرات غير تقليدية والتي في حال عدم الاهتمام بها سوف نفقد أحد ممكنات التنمية البشرية من الموهوبين والمبدعين الذين في نظري أنه آن الوقت للاهتمام بهم ماليًا أكثر من أي وظائف أخرى، لكي تمضي مسيرة التنمية المتجددة بكفاءة عالية.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوظائف الإشرافیة القطاع الخاص تلک الوظائف کما أن

إقرأ أيضاً:

الكلباني لـ"الرؤية": عُمان قادرة على المنافسة الدولية في صناعة "أشباه الموصلات".. وتأهيل الكفاءات الوطنية ضروري لقيادة الابتكار والإنتاج

 

 

 

◄ 630 مليار ريال إجمالي مبيعات أشباه الموصلات في 2024

◄ عمان قادرة على المنافسة العالمية في صناعة أشباه الموصلات

◄ تطوير البنية اللوجستية والرقمية يُعزز جهود هذه الصناعة المتطورة

◄ إنشاء مراكز أبحاث صناعية ومراكز للتجميع والابتكار من الخطوات الضرورية

◄ صناعة أشباه الموصلات فرصة لخلق وظائف ذات قيمة عالية

◄ يجب اتخاذ خطوات فعلية بتدريب الكوادر العمانية

◄ نحتاج إلى برامج جامعية معنية بهذه الصناعة الواعدة وتدريب الكوادر العمانية

 

الرؤية- سارة العبرية

أكد سعيد بن محمد الكلباني، باحث ومدرب في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، أن صناعة أشباه الموصلات تمثل اليوم إحدى أهم الفرص الاقتصادية الواعدة للسلطنة؛ نظرًا لحجمها العالمي المتنامي، مُعتبرا أن دخول سلطنة عُمان هذا المجال يمنحها موردًا اقتصاديًا جديدًا عالي القيمة، ويفتح الباب أمام وظائف نوعية للشباب، ويعزز توجهات رؤية "عُمان 2040" نحو اقتصاد متنوع ورقمي قائم على المعرفة.

وأوضح في -تصريحات لـ"الرؤية"- أن صناعة أشباه الموصلات تجاوزت مبيعاتها 630 مليار دولار (242.2 مليار ريال عُماني) في العام 2024 مع توقعات قوية بتجاوز الترليون دولار خلال السنوات العشرة القادمة، وهذا نتيجة للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة ومتطلباتها، مبينا: "في الحقيقة أننا أمام أرقام تعادل وتتجاوز اقتصاد دول، والحصول على حصة من السلسلة العالمية المتنافسة في مجال أشباه الموصلات حتماً سوف ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي للسلطنة وتخفيف الاعتماد على المنتجات النفطية إلى مجال جديد واعد، علاوة على خلق فرص عمل نوعية تساهم في تخفيض أعداد الباحثين عن عمل".

وأشار إلى أن إدراك عُمان لأهمية أشباه الموصلات وإعداد البنية لها يوجهها إلى العمل عليه كخيار استراتيجي، فبعد استضافة مسقط النسخة الأولى من القمة التنفيذية الدولية لأشباه الموصلات عام 2023، انتقلت إلى جولات من التفاهمات الدولية والتي أفرزت توقيع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تفاهم مع شركة AONH Private Holdings لتطوير شرائح متقدمة للذكاء الاصطناعي في المنطقة الحرة بصلالة.

وأكد الكلباني أن السلطنة ليست بعيدة عن التنافس العالمي في هذا المجال فهي أدركت قيمته وأهميته وخاصة أنها متوافقة مع رؤية "عُمان 2040" الرامية في بنيتها إلى إيجاد اقتصاد متنوع يستند على المعرفة والتقنية والابتكار، إذ إنها تجد في التحول الرقمي والصناعة الرقمية محركات رئيسة للنمو الاقتصادي المستقبلي الذي حتماً سيكون بعيداً عن المنتجات النفطية، مضيفا أن المناطق الاقتصادية الخاصة والحرة باتت محركات رئيسية لجذب الاستثمارات والمشاريع المتنوعة، كما أن التشريعات المنظمة للاستثمار أصبحت مطمئنة للمستثمرين، إلى جانب التسهيلات والحوافز المقدمة لهم.

وأضاف: "من جانب أخر، يمكن اعتبار البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي من العوامل التي تساهم في جذب الاستثمار وذلك لما يحرص عليه من تقديم بنية تحتية رقمية متطورة، والارتقاء بالخدمات الحكومية إلى أن تصبح ذكية، وفتح المجال أمام القطاعات الناشئة مع تسهيل نموها، وهذا يظهر في حزم الحوافز التي تقدمها الحكومة في المناطق الحرة".

ويرى الكلباني أن سلطنة عُمان تتعامل مع هذا القطاع بواقعية كبيرة، لأنه من الأساسيات اللازمة للانطلاق في مجال صناعة أشباه الموصلات، إذ شهدت السنوات الماضية نضوجا على مستوى البنية الأساسية اللوجستية والرقمية، وأن الوقت يتطلب العمل على إنشاء مراكز الأبحاث الصناعية ومراكز التجميع والابتكار.

وفي جانب الفرص التي يمكن أن توفرها صناعة أشباه الموصلات للشباب العُماني، يؤكد الكلباني أن هذا القطاع يمثل فرصة مزدوجة المنفعة للشباب العماني، وذلك لأنه يفتح مجال لوظائف ذات قيمة عالية، كما أن امتلاك مهاراتها يفتح المجال واسعاً نحو إنشاء الكثير من الأعمال الموازية، إذ إنه يتيح فرص للتعلم واستقاء المعرفة من المراكز العالمية المتخصصة في مثل هذه الصناعات.

ولفت الكلباني إلى أن السلطنة تعمل في هذا المجال بواقعية كبيرة، ويظهر ذلك من خلال استحواذ جهاز الاستثمار العماني على حصة في شركة GSME الأمريكية العاملة في تصميم أشباه الموصلات والخدمات المرتبطة بها، حيث بدأ تفعيل هذا الاستحواذ بمشروع مختبر لتصميم رقائق وتطوير كوادر عمانية بدأت بتدريب 90 مهندسا، ولم تتأخر كثيراً ثمار هذا الاستحواذ ففي عام 2023 تم تصميم أول رقاقتين عمانيتين وهما Oman-1 - Oman-2 واللتان أرسلتا للاختبار في شركات عالمية متخصصة.

وذكر سعيد الكلباني أن سلطنة عُمان وقعت مذكرة تعاون مع الشركة الهندية Kaynes Semicon لإنشاء مركز لتصميم الدوائر المتكاملة مع البدء بتأهيل حوالي 80 مهندسا عمانيا في مجالات أشباه الموصلات لمدة 12 شهرًا، كما أن وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات قد تستعين بمستشارين من أجل إيجاد بيئة حقيقية مؤهلة لتشغيل هذا القطاع في السلطنة في مراحله الأولى والتي سوف تعمل لاحقاً بكوادر وطنية.

وقال الكلباني إن صناعة الرقائق والخدمات المرتبطة بها تقدم الدعم والمساهمة المباشرة لرؤية "عمان 2040" من خلال إدخال السلطنة في سلاسل القيمة العالمية؛ وذلك بالتصميم والتجميع والاختبار، وهذا يعني مصدر إيرادات جديد ونوعي يقلل الاعتماد على الإيرادات النفطية وهو ما يصب في محور الاقتصاد المتنوع، مبينا: "حزم المشاريع المرتبطة بقطاع أشباه الموصلات والشراكات والتعاونات مع الشركات العالمية وما يفرز عنها من إنتاج وكوادر بشرية مؤهلة وذات خبرة في القطاع جميعها تساهم في تعزيز مستهدفات الرؤية من الاقتصاد المعرفي المساهم في الناتج المحلي، والنهوض بالكفاءات الوطنية في مجال نادر وذو طلب عالمي، كما أن الاستثمار في قطاع أشباه الموصلات ليس مشروع صناعي يراد منه مستهدف مالي فقط، إنما منظومة متكاملة وذات تأثير متنوع يدفع نحو تحقيق "رؤية 2040" في محاورها الرئيسية المترامية بين التنويع والابتكار وبناء الإنسان شريطة أن يتم إدارة هذه المنظومة بذات الواقعية ودون المجازفة والتسرع في الانتقال بين التمكين والتوطين".

وحول التحديات، ذكر الكلباني: "الاستثمار في هذا القطاع يعني الاستعداد لضخ المليارات من الدولارات؛ وذلك لأن إنشاء المصانع وتشغيلها يتطلب الكثير من الأموال، والتي اعتقد بأن السلطنة في وضعها الحالي لن تستطيع بمفردها الإنشاء والتشغيل وخاصة إذا كانت تستهدف الدخول في سلسلة القيمة العالمية، مما يعني أن عليها الدخول في تحالفات دولية وشراكات متعددة تتجاوز الثنائية، وهذا بدوره يشكل تحدي آخر يطل من باب التنافسية العالمية مع دول لها ثقلها كأمريكا وكوريا والهند ودول المنطقة بقيادة السعودية والإمارات التي تفرض على السلطنة إقناع الشركات العالمية بأن تستثمر في دولة صاعدة على الخارطة العالمية في مجال تنافسي وشديد الحساسية والتكلفة".

وأوضح الكلباني: "الجهات المسؤولة عن ملف هذه الصناعة تعي جيداً المهارات التي يتطلبها والتي لا تملكها السلطنة حالياً لمواجهة المستقبل، وهذا بدوره يعني بأننا أمام تحدي كبير يعود بنا إلى متطلبات سوق العمل والتوجهات وما يفرضه ذلك ضرورة إعادة هندسة برامج الجامعات من حيث المحتوى والمهارات والزمن لتضم مسارات واضحة في تصميم الدوائر المتكاملة وعلوم المواد وتقنيات التصنيع النانوي يكتسبها المتعلمين نظرياً وأدائياً وفي فترة زمنية معقولة تواكب التسارع التكنولوجي العالمي".

وأضاف "أما التحدي الكبير والذي بدأ يواجه كثير من الدول وربما يكون لاحقاً ميزة تنافسية لمن لا يواجه ذات التحدي، هو توفير الطاقة والماء اللازمان لتشغيل مصانع الرقائق، وعمان بالمشاريع الخضراء وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر ربما تمتلك الميزة التنافسية التي نتحدث عنها، ولكن الأمر يتطلب الكثير من الضبط عل مستوى الإدارة والإمداد والوفاء بمعايير السلامة والاستدامة، وجميع ذلك يعتبر مركز الحسم الجاذب للاستثمار والصناعة".

وحول مسارات الاكتفاء بالتصميم والتجميع فقط أو الاتجاه للتصنيع المحلي، يؤكد الكلباني: "مستقبل السلطنة يأتي من طريق الواقعية والعمل المتوازن والمتوازي بين التمكين والتوطين ويكون ذلك على مراحل ثلاث، وهي: الأولى: مرحلة التمكين والتي تتمثل في بناء العقول الوطنية بإنشاء مراكز التدريب وبرامج للابتعاث المستهدف والمخطط له قبل وأثناء وبعد، وبالتوازي في ذات المرحلة العمل على تصميم الرقائق والدوائر المتكاملة وليس التصنيع المتقدم، والثانية: مرحلة التمكين الصناعي المتوسط والذي يكون بجذب الاستثمار المتقدم والذي يستهدف التجميع والاختبار والتغليف بالاستفادة من مستفيدة من الموانئ والمناطق الحرة الموزعة بين صحار والدقم وصلالة، كما أنه في هذه المرحلة ينبغي دمج الكوادر الوطنية في السلسلة والتي تعد الجسر الناقل بين المعرفة والتطبيق وبداية الإنتاج، إضافة إلى مرحلة التوطين والتموضع العالمي من خلال الانتقال من التصميم إلى التصنيع الثقيل والمخصص وبكوادر وطنية ووفق المقومات التي تدعم هذا التوجه ومن أهمها الطاقة والماء، وهذه المرحلة لها خصوصيتها من حيث الشراكات والإنتاج والتي يجب التعبير عنها بوضوح بأنها لا تسعى لمنافسة عمالقة القطاع وإنما تعمل على سد الثغرات العالمية والفجوات في المواد ضمن أجزاء محددة ومعينة من هذه السلسلة.

وأكد الكلباني أن مستقبل السلطنة في هذا المجال واعد ولكن يتطلب الكثير من التخطيط وكفاءات تقود الابتكار والإنتاج، على أن تبدأ دون فكرة منافسة تايوان وكوريا وإنما تعمل وفق ما تحتاجه السلسلة العالمية من هذا القطاع انطلاقا من التصميم والاختبار والتغليف دون إهمال فكرة التصنيع الثقيل المخصص عندما تنضج البيئة والموارد.

مقالات مشابهة

  • الكلباني لـ"الرؤية": عُمان قادرة على المنافسة الدولية في صناعة "أشباه الموصلات".. وتأهيل الكفاءات الوطنية ضروري لقيادة الابتكار والإنتاج
  • جامعة طيبة تتيح فرص تعاون للكفاءات الوطنية للتدريس بنظام الساعات
  • الشرقية توفر 1500 فرصة عمل جديدة في مصانع القطاع الخاص
  • القطاع الخاص يقود دفة النمو
  • اختتام ورشة تحضيرية لمؤتمر عدن الاقتصادي لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص
  • حصول راية على ختم المساواة يفتح باب التساؤلات حول جاهزية القطاع الخاص للمعايير الدولية
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة
  • فرص عمل وظيفية في القطاع الخاص بجنوب الباطنة