يخشى قادة دول الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم سبعةً وعشرين دولة، من الانتخابات البرلمانية القادمة للاتحاد، التي من المقرر انعقادُها في الفترة من 6-9 يونيو المقبل. وتأتي تلك الخشية بسبب صعود تيار اليمين المتطرف في الكثير من الدول الأوروبية، وإمكانية تحقيقه الأغلبية في البرلمان الأوروبي، ما يهدد بدوره مستقبل الاتحاد الأوروبي وتحكُّمَه في كل من السياسة الخارجية والداخلية لدول الاتحاد.
فمنذ انطلاق الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي عام 1979 ظلت دول الاتحاد تسير على نهج الأحزاب التقليدية يمينًا ويسارًا، إلا أنها هذه المرة وكما يصفها المراقبون والمحللون فإنها ستكون من أكثر الانتخابات سخونةً في تاريخ البرلمان الأوروبي، ويرجع ذلك إلى الأحزاب الشعبوية التي تعمل جاهدةً لاستقطاب أصوات الناخبين، والحصول على الأغلبية في البرلمان مقابل الأحزاب التقليدية والمحافظة التي تعمل هي الأخرى على استقطاب النسبة الأكبر من الأصوات للحفاظ على الأغلبية لضمان استمرار نهج البرلمان المحافظ على كيان ووحدة الاتحاد الأوروبي وقوانينه وسياساته الخارجية ورؤاه في الأزمات والملفات الدولية.. لا سيما فيما يخص علاقته بـ: أمريكا، الحرب الروسية الأوكرانية، منطقة الشرق الأوسط، والصين، وغيرها من الملفات الشائكة كملف المناخ والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والصراع العربي الإسرائيلي.. ناهيك عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها شعوب بلدان الاتحاد الأوروبي، التي قد يئست من نهج الأحزاب الاعتيادية، وتبحث عن بدائل سياسية جديدة يمكن أن تحقق لها مكتسبات اجتماعية واقتصادية.. إلى جانب ملف الهجرة والإرهاب، وغيرها من القضايا التي تزايد بها الأحزاب اليمينية المتطرفة والمرتقب استحواذُها على النسبة الأكبر من أعضاء البرلمان، وتحقيق الأغلبية، والتحكم في مستقبل الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لآخر استطلاعات الرأي في أكثر من بلد أوروبي فإن غالبيتها تشير إلى أن الأحزاب الشعبوية وأعضاءها الجدد سوف يحققون الأغلبية من خلال النسب المقررة وفقًا لنظام التمثيل النسبي وعدد المقاعد المقررة لكل دولة، ومن تلك الدول المتوقع صعودُ أعضائها الشعبويين إلى برلمان الاتحاد الأوروبي: النمسا، بلجيكا، فرنسا، هولندا، والمجر.
ومع هذا الوضع المرتبك في انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة، يبرز السؤال: هل سيتمكن القادة الأوروبيون وأحزابُهم التقليدية من إقناع ناخبيهم بصعود بلدانهم عبر توجهاتهم ومشاريعهم المستقبلية والحفاظ على استمرار نهج الاتحاد الأوروبي ومستقبله؟ أم ستتمكن الأحزاب اليمينية المتطرفة من الحصول على عدد أكبر من مقاعد برلمان الاتحاد الأوروبي، ومن ثمَّ تقويض قدرة المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي على اتخاذ قرارات السياسة الخارجية والداخلية وإمكانية خروج بعض الدول من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا؟!! فلندعِ الأيام وحدها تجيب.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البرلمان الأوروبی الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل.. والتواطؤ الأوروبي
في 15 يوليو المنقضي، عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعًا لمناقشة إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل، بما في ذلك تعليق جزئي، أو كامل لاتفاقية الشراكة بين الطرفين. والسبب، تواصل حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد أهالي غزة لأكثر من (21) شهرًا منذ السابع من أكتوبر 2023م، إثر "طوفان الأقصى"، والتي خلّفت أكثر من (202) ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على (11) ألف مفقود، إضافًة إلى مئات الآلاف من النازحين، والمجاعة التي أزهقت أرواح الكثيرين.
وقد وثقت دائرة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي في تحقيقاتها (38) انتهاكًا إسرائيليًا للقانون الدولي، وهو ما كان يستوجب اتخاذ الاتحاد لإجراء تعليق اتفاقية الشراكة بينه وبين إسرائيل، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2000م، وتمنح الدولة العبرية امتيازات تجارية، علمًا بأن تعليق هذه الشراكة يتطلب تعليق أغلبية مؤهلة من 15 دولة عضو (من أصل 27 دولة) تمثل ما لا يقل عن (65%) من سكان الاتحاد الأوروبي.
وللتاريخ، فقد دعت دول (إسبانيا- إيرلندا- سلوفينيا- بلجيكا) إلى توافق بشأن تعليق الاتفاقية، في حين عارضت كل من: ألمانيا والنمسا اتخاذ أي إجراء عقابي ضد تل أبيب، وهو ما حال دون اتخاذ قرار بفرض العقوبات على إسرائيل!!
والغريب أنه قبيل اجتماع الاتحاد (15 يوليو)، تم التلميح إلى اتفاق جرى التوصل إليه بين الاتحاد وإسرائيل بخصوص تحسين الوضع الإنساني في غزة، وهو "الاتفاق الغامض" الذي لم يعلم عنه أحد- بشكل دقيق- أية معلومات عن بنوده وآلياته، لا سيما وأنه لم يظهر أي نص مكتوب بصدده!!
وفي حين اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي "جدعون ساعر" عدم اتخاذ قرار من الاتحاد الأوروبي بالعقوبات "انتصارًا دبلوماسيًا" لتل أبيب، إلا أن العديد من الخبراء والمنظمات المدنية كان لها رأي آخر رافض لهذا "التواطؤ الأوروبي" لصالح الدولة العبرية، إذ اعتبروا أن إحجام الاتحاد عن معاقبة إسرائيل يعكس موقفًا سياسيًا لا يستند إلى أي تقييم قانوني مستقل، ولا إلى تقييم لمخاطر الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، إضافًة إلى أنه يعكس أيضًا شكوكًا من داخل الاتحاد تجاه تقاريره الخاصة، وكذلك التداعيات السلبية المستقبلية على دور الاتحاد الأوروبي كضامن لحقوق الإنسان والقواعد الإنسانية الدولية على مستوى العالم، فضلاً عن أن الأمر لا يتعلق فقط بسمعة الاتحاد الأوروبي، بل إن وحدة دوله الـ(27) باتت في خطر، فإذا لم يتحرك الاتحاد، ستضطر كل دولة إلى التصرف بمفردها!!