بوابة الوفد:
2025-12-14@06:23:38 GMT

لماذا نُقدس مَن لا يجب تقديسهم؟

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

المحبة طبيعة بشرية. مَن لا يحب لا يزن العطاء ولا يمتن لأولى الفضل. أن تُقدر لشخص ما فعلًا ما أو إنجازًا بعينه، فذلك نُبل ووفاء وتقدير لمَن يستحق التقدير. كُلنا نُحب شخصيات عظيمة رحلت عن دنيانا، نرى فى بعضهم جمال العطاء ونفع الأثر فنشعر بامتنان لهم، ونُحيى ذكراهم، ونتلطف فى الحديث عنهم، وفى بعض الأحيان نُعظمهم فنُطلق أسماءهم على الشوارع والميادين الفسيحة، وربما نُقيم لبعضهم متاحف، ونُخصص جوائز ومهرجانات بأسمائهم.

كل هذا عظيم ومنطقى ومحمود، لكن ما يُمثل شططًا فى المحبة أو شذوذًا فى التقدير هو ألا نقبل نقدًا لأى منهم: زعيمًا كان أو مفكرًا، أو كاتبًا، فنانًا، أو عالم دين، أو أى عظيم. فذلك ديدن أهل الشرق تحت تصور واهٍ بأن الراحلين رحلوا وأن حقهم علينا ألا نذكرهم إلا بخير لدرجة أننا اخترعنا مقولة ونسبناها للدين تقول «اذكروا محاسن موتاكم»، وعممناها تعميمًا.

***

قبل سنوات ليست قليلة، أطلق الروائى والباحث المعروف يوسف زيدان خلال حوار إعلامى له طرحًا نقديًا ضد صلاح الدين الأيوبى، ذلك القائد القروسطى الذى حقق انتصارات عظيمة على الصليبيين، بعد هزائم متتالية نالها سلاطين وقادة سابقون، ونجح فى تحرير بيت المقدس من بين أيديهم.

وكان مما قاله «زيدان» وقتها إن صلاح الدين قائد دموى، وديكتاتور عتيد، وأنه كان مثل ساسة زمانه سفاحًا مستبدًا، وقامت القيامة على الرجل، واتهمه البعض بالخيانة، واتهمه آخرون بالعمالة للغرب، وبتعمد تشويه رموز التاريخ الإسلامى. ووصل الأمر ببعض مَن ينتسبون للتيارات الدينية أن كفروا الرجل وادعوا عليه ادعاءات متعددة شديدة الشناعة، وتوالت ردود الأفعال لتصل إلى مجلس النواب المصرى، حيث اقترح بعض نوابه وضع تشريع جديد يحظر نقد مَن أسموهم بالرموز التاريخية، وصولًا إلى تضمين الاقتراح عقوبة الحبس لهؤلاء المتجرئين على الشخصيات التى حكم الناس بعظمتها.

واتسعت رقعة اللعبة، فطرح البعض اسم جمال عبدالناصر، وطرح آخرون اسم أنور السادات، واعتبر آخرون مصطفى كامل شخصية عظيمة لا يجوز النيل منها، وذكرت أسماء أخرى مثل أحمد عرابى، وسعد زغلول، ثم اتسعت الرقعة لتشمل عظماء الفن والثقافة مثل أم كلثوم، وطه حسين، ونجب محفوظ وغيرهم.

وكان من فضل الله أن نسبة العقلاء فى بلادنا تزيد على نسبة المندفعين المتهورين، فانطفأت الغضبة العجيبة مع الوقت، وسكنت فكرة حبس الأنفاس وكتم الآراء الناقدة، وانشغل الناس بما هو أهم، لكن بقيت فئة كبيرة فى المُجتمع ترفض نقد السابقين العظماء، وتنفعل إن قال قائل إنه يرى أن فلانًا أخطأ.

وكأن المحبة تعنى القداسة، وكأن التبجيل والتقدير يُلزم الناس للأبد بالصمت وهز الرأس وتقبل كل فكرة، رغم أن هناك أفكارًا ما قد تكون سليمة فى وقت، وقد تكون غير صالحة فى وقت آخر.

***

فى سنوات المد الدينى بالعالم العربى، ارتبط الشارع برجال الدين وأحبوهم وقدروهم وأفرطوا فى تقديرهم وصولًا لمرحلة التقديس.

وأتذكر وأنا طالب حكاية الشيخ متولى الشعراوى، رحمه الله، عندما ذهب يومًا ما إلى جامعة القاهرة للمشاركة فى ندوة، وكانت شعبيته طاغية، حيث احتشد الطلبة وبعض الأساتذة حول سيارته، وقاموا- تقديرًا له- بحمل سيارته وهو داخلها حتى بوابة الخروج.

ولا شك أن الفعل لا يُمكن تفسيره سوى بالمحبة الطاغية، وهى نعمة من الله عز وجل، لكن الموجع والمؤسف هنا أن هذه المحبة اشتطت لدى البعض فاعتبرت كل ما يقوله الرجل هو عين الصواب، وأنه وحده يمثل الدين الصحيح، وانحازت لفتاواه فى تحريم الفائدة البنكية، وتجريم نقل الأعضاء، والتبرع بها، رغم مخالفة علماء أجلاء أكثر تنويرًا وعلمًا لهذه الآراء، ورغم تغييره لرأيه فيما بعد.

ومع تسليم أجيال واسعة من الناس عقولها للرجل الذى تميّز ببلاغته اللفظية وتعبيراته التمثيلية أكثر مما تميّز بأطروحاته الاجتهادية أو الفكرية، وصل الأمر بالبعض أن كفروا بعض الكُتاب الذين انتقدوا الرجل خلال حياته. ولم يكن غريبًا أن أسمع بأذنى أحدهم، وهو رجل متعلم ومثقف يُقسم بأنه سيضرب الكاتب فلان الفلانى بالحذاء إن رآه، لأنه هاجم الشعراوى.

ومع تمدد ما عُرف وهمًا بـ«الصحوة الإسلامية» وتصاعد ظاهرة الدعاة واتساع الحركة السلفية تأسست قداسات جديدة لرجال أكثر تشددًا وأحَدّ ادعاء للالتزام الدينى، فرأينا عشرات الآلاف يسيرون مُخدرين وساكنين خلف شيوخ مثل أبى إسحاق الحوينى، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وغيرهم. وصار لكل منهم جمهور من المناصرين أشبه بـ«الألتراس» يصفقون لما يقولون، ويرهبون من ينتقد شيوخهم.

وكان مما اخترعه ألتراس المشايخ مقولة ترهيبية ما أنزل الله لها من سلطان تقول «لحوم العلماء مسمومة»، وكأنها نوع من التحذير المخيف للآخرين من انتقاد هؤلاء العظماء المقدسين.

وأتذكر أن كاتبًا إسلاميًا صديقًا كتب يومًا مقالًا عن الشيخ يوسف القرضاوى، رحمه الله كان عنوانه «لا يخالفه سوى فاسق، ولا يختلف معه سوى جاحد»، وسألته وقتها إن كان من الممكن للقرضاوى أن يُخطئ، فقال لى «كيف يُخطئ وهو العلامة والحافظ والقارئ و..»، ثم تذكر أنه بشر فقال «يمكن أن يخطئ»، فقلت له: «إذن كيف تحكم على مَن يُصحح للقرضاوى خطأ بالفسوق، وكيف يُصبح من يختلف معه جاحدًا أو آثمًا». إنها حصرية التعصب، وتقديس البشر. ولا مجال للعقل أن يعمل فى ظل ذلك.

***

لقد تواترت القداسة فى محيطنا تجاه الراحلين، فأممت فكرة النقد، ووئدت أصول المراجعة، وتحول كثير من البشر إلى أنبياء، فاعتبر البعض من ينتقد الصالحين فى أعمالهم الدنيوية معتديًا آثيمًا، واشتط التعصب بالبعض ليصل إلى ساحات الجامعات، فوجهت اتهامات العمالة والتخوين إلى كل مَن راجعوا التاريخ الإسلامى وقيموا أفعال الخلفاء الرشدين، واتسعت الدوائر لتشمل كُل مَن شهد زمن النبى، ثم كل التابعين، وكل مَن اعتبره سلفًا صالحًا.

واختارت الأغلبية الصمت، لأن هناك كثيرين منحوا القداسة... وما زالوا.

والله أعلم

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الشوارع

إقرأ أيضاً:

حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة.. لا تستهين بها أو تضيعها

لاشك أنه ليس من الحكمة أو العقل تجاهل حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة ، خاصة وأن نعيمها ليس بالأمر اليسير الذي يمكن تعويضه أو حتى التفريط فيه، ففي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن ثم تأتي أهمية معرفة حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة والعمل بها واغتنام نفحتها، فالأمر يسير والفضل كثير لذا يسترعي الانتباه.

احذر 3 أفعال تعرض صاحبها للهلاك.. أخرجت آدم من الجنة ولعنت إبليسهل أستطيع الزواج بمن أحب في الجنة؟.. بشرط واحد لا يعرفه كثيرونحسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة

قال مجمع البحوث الإسلامية، إنه فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-، إنه أرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح في الدنيا والآخرة، كما أن الله سبحانه وتعالى يُثيب الإنسان خيرًا حتى عن صغائر الأمور.

وأوضح «البحوث الإسلامية» عن حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة ، أنه ينبغي عدم الاستهانة بأي حسنة مهما كانت صغيرة، ولو بإماطة الأذى عن الطريق، منوهًا بأنها تُكتب حسنة تدخله الجنة، فينبغي للإنسان إبعاد كل ما يؤذي الناس من حجر أو شوك أو غير ذلك عن الطريق.

وأضاف أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد حث على إماطة الأذى عن طريق الناس ومواطن عيشهم ، بل وأرشدنا إلى أنه من الصدقات ؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم : «وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

واستشهد بما ورد في مُسند أحمد، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ زَحْزَحَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ».

وشدد على الحرص على إماطة الأذى عن الطريق وعدم إلقاء القمامة والمخلفات في الشوارع، مدللة بما روي أنه كان معاذ رضي الله عنه يمشي ورجل معه فرفع حجرًا من الطريق، قال: ما هذا؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رفع حجرًا من الطريق كتبت له حسنة ومن كانت له حسنة دخل الجنة.

وأشار إلى أن إماطة الأذى عن الطريق سُنة مستحبة، واستشهدوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».

وتابع: أن إماطة الأذى عن الطريق سُنة أرشد إليها الشرع الحنيف، بل جعلها النبي "صلى الله عليه وسلم" شُعبة من شُعب الإيمان، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): "الله جميل يحب الجمال".

حق الطريق

لخّص النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حقّ الطريق في حديثٍ شريفٍ ذكره، فعدّد فيه الآداب التي يجب أن يتحلّى بها من جلس في الطرقات، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (فإذا أبيتم إلّا المجالسَ، فأعطوا الطريقَ حقَّها، قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلامِ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المنكرِ)، ومن حقوق الطريق التي أرشد إليها النبيّ عليه السّلام:

غضّ البصر، وهو أمرٌ إلهيّ في القرآن الكريم كذلك.كفّ الأذى وإزالته عن طريق المسلمين.ردّ السلام على من يسلّم.الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فإنّ أمّة الإسلام ما نالت الخيريّة إلّا بأمرها بالمعروف كما أورد القرطبيّ.

حقوقٌ أخرى للطريق من الحقوق الأخرى للطريق غير الواردة في الحديث الشريف السابق ما يأتي:

تقديم المعونة للناس في الطرقات، فمن أعان رجلاً فحمله في مركبته وأوصله، أو رفع متاعه معه، كان ذلك من أداء حقوق الطريق.هداية السائل ودلالته على الطريق؛ فذلك من حقّ الطريق.قيادة السيّارة بوقارٍ وهدوءٍ، فلا يتهوّر فيؤذي الناس، ولا يعوّق بها مرور الناس، ولا يُروّع أحداً أو يكون سبباً في وفاته جرّاء سوء قيادته واستهتاره في الطريق.معان أخرى لكف الأذى

- إزالة الأذى من طريق الناس.

- عدم قضاء الحاجة في طريق الناس، أو ظلّهم.

- سلامة الناس من شرّ المسلم؛ وذلك بتقيّده في قواعد السير والمرور.

- عدم إلقاء النفايات أو ما يؤذي الناس من حجارةٍ أو مسامير وما شابه.

- عدم التدخين أمام الناس؛ فهو مصدر أذى لهم، وعدم النوم في طرقاتهم وإغلاقها أمامهم.

- عدم غرس الأشجار في طريق المارّة، أو ربط الدوابّ، ممّا يعيق حركتهم.

طباعة شارك حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة حسنة ملقاة على الطريق حسنة على الطريق تدخلك الجنة حسنة ملقاة تدخلك الجنة حسنة تدخلك الجنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة البحوث الإسلامية حق الطريق

مقالات مشابهة

  • أسرة صلاح تاج الدين بالبحيرة تحصد مركزًا عالميًا مشرفًا
  • عوض تاج الدين: الفيروس المنتشر حاليا هو الإنفلونزا الموسمية
  • الوقاية الدينية والصحية.. حماية المجتمع تبدأ من الداخل
  • لماذا استهدفت إسرائيل الرجل الثاني في القسام الآن؟
  • حسنة ملقاة على الطريق تدخلك الجنة.. لا تستهين بها أو تضيعها
  • حكم تعويض المماطلة في سداد الدين
  • لماذا يضغط ترامب على نتنياهو لعدم التصعيد في لبنان؟
  • إبراهيم فايق: مبروك لمنتخب السعودية وكل المحبة لأهلنا في فلسطين
  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة