ليبيا – أعتقد مؤسس سوق المال الليبية وأستاذ التمويل بجامعة نوتنغهام ترنت ببريطانيا سليمان الشحومي،أن الإنفاق الحكومي في ليبيا منفلت وفي حاجة إلى رقابة.

الشحومي وفي حديث خاص لموقع “اندبندنت عربية”، قال إن تعديل سعر الصرف حالياً ليس من صلاحيات المصرف المركزي،وتبعاته صعبة جداً على المواطنين.

ورأى أن الاقتصاد الليبي ضعيف البنية والهيكل على نحو واسع، حتى مع تحسن الإيرادات وانتظامها إلى حد كبير من خلال مبيعات النفط والغاز، يبقى الإنفاق منفلتاً عند حكومتي الشرق والغرب، وهو إنفاق بلا موازنة أو مستهدفات خاضعة للرقابة.

وأضاف:” أن مصرف ليبيا المركزي واقع تحت ضغوط واسعة لتلبية الطلب على الإنفاق، سواء من جانب حكومة طرابلس المعترف بها دولياً وصاحبة الحق في الإنفاق من الإيرادات النفطية أو حتى حكومة الشرق التي ترتب للإنفاق عبر الاستدانة التي تجرى عبر آليات المصرف المركزي”.

وأشار الشحومي إلى أن المصرف يعاني في الأساس مشكلة بنيوية وهيكلية، وهو فاقد للقدرة على العمل وفق القانون بسبب عدم وجود مجلس إدارة فاعل بسلطاته وصلاحياته مسندة إلى مجلس الإدارة، وعلى رأس هذه الصلاحيات تعديل سعر صرف الدينار الليبي.

ووقف الشحومي موقفاً مناهضاً من القرار الأخير المتعلق بفرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي في ليبيا،قائلا:” إن هذه المسألة جاءت بناء على اقتراح من مصرف ليبيا المركزي الذي وضع جملة من المقترحات التي تمكنه من تسييل الإنفاق الذي يعتقد أنه سيكون هذا العام أكثر تضخماً من السنوات السابقة، وأن الإيرادات لن تكفي كل طلبات الإنفاق، ولكن يبدو أن المصرف المركزي يسير في طريق يغرد فيه منفرداً، إذ كان يتعين عليه أن يلتفت إلى أن مثل هذه الضريبة تصطدم بمسألة قانونية رصينة للغاية، ألا وهي عدم أحقيته في فرض ضريبة أو رسوم على مبيعات النقد الأجنبي إلا من خلال قرار حكومي، والحكومة في المقابل ترفض هذا التصرف”

وأكد أن مصرف ليبيا المركزي واقع تحت ضغوط واسعة لتلبية الطلب على الإنفاق.

وأعتقد الشحومي، أن المصرف المركزي في ليبيا فاقد في الأساس للقدرة على تعديل سعر الصرف لأنه بلا مجلس إدارة ولا يمتلك لجاناً للسياسات النقدية والاستثمار حتى يتمكن من دراسة الأمر وإصدار قراره وفقاً للقانون، بالتالي لجأ إلى خيار استثنائي من طريق مجلس النواب ورئيس المجلس عقيلة صالح، الذي يعتقد أنه نجح في إقناعه بأن هذا الأمر سيمكن مصرف ليبيا المركزي من توفير التمويل المناسب والملائم للإنفاق على الحكومتين، وربما أكثر تحديداً في الإنفاق على الحكومة في المنطقة الشرقية باعتبارها حكومة بلا موارد.

وأقر المتخصص الاقتصادي، بالانعكاسات الصعبة لقرار فرض ضريبة الـ27 في المئة على مبيعات النقد الدولي، بخاصة على المستوى المعيشي وارتفاعات في معدلات التضخم ومستويات الأسعار، وانخفاض المقدرة الشرائية لدى المواطنين، الذين هم يعانون بالأساس مع وجود الوضع السابق،مضيفاً  “بينما كان مصرف ليبيا المركزي يستهدف عبر هذا القرار توفير العملة الأجنبية لطالبيها، إلا أنه لا يزال يفرض قيوداً كبيرة على مبيعات الدولار، بالتالي ربما هو نقل سعر الصرف في السوق الموازية التي تدار عبر كثير من المتعاملين في النقد الأجنبي إلى مستويات أعلى، ولم يتمكن حتى من الحفاظ على سعر الصرف الذي رفعه عبر هذه الضريبة، وأصبحنا نرى ارتفاعات متتابعة في سعر الصرف، ومستويات جديدة، ولم يتمكن أيضاً من توفير العرض الملائم للطلب المتزايد على الدولار، بخاصة مع شراهة الإنفاق والاستيراد الضخم في ليبيا”.

وصرح بوجود شبكة عالمية لتهريب الوقود في ليبيا ،منوها إلى أن ملف الدعم في حاجة إلى معالجة عميقة.

وعرج الشحومي في حديثه إلى قضية رفع الدعم عن المحروقات،ورأى أنه ملف قديم في ليبيا ويجرى طرحه من حين لآخر لما يسببه من إشكالية كبيرة تتعلق بارتفاع مخصصات الدعم والتسرب غير المنضبط في توزيع المحروقات، لافتاً إلى أن فروق أسعار الوقود في ليبيا ودول الجوار شاسعة للغاية، وهي فروق تغري أي شخص أو مجموعة لديهم القدرات الإدارية أو التنفيذية أو بقوة السلاح المنفلت على تهريبه، والاستفادة من الوفورات الهائلة من فارق الأسعار.

كما أكد الشحومي، وجود شبكة عالمية كبيرة جداً تدير بيع المحروقات في ليبيا،معتبرا أن ملف دعم المحروقات في حاجة إلى معالجة جذرية، ووضع إطار مناسب وسياسات واحدة على مدى معين، موضحاً وجود كثير من الخيارات المطروحة وعلى رأسها الاستبدال الكمي أو تخصيص كميات لاستهلاك الأفراد، لدعم قدرتهم على شراء الوقود، إضافة أيضاً إلى الدعم النقدي، ولكن هذا الأمر لم يحسم فيه الجدل حتى الآن، ولم تستطع أي حكومة المضي في هذا الملف، باعتبار أنه لا توجد في البلاد حكومة موحدة قادرة على اتخاذ مثل هذه القرارات،مردفا:”في تقديري الأمر في حاجة إلى معالجة شاملة في إطار من الموازنة العامة، وقوانين تصدر من البرلمان تضمن العدالة والشفافية في هذه المعالجة العميقة التي قد تسبب كثيراً من التصدعات في المستقبل، لكنها في حاجة إلى إدارة فاعلة وربما وجود جهة تشرف على مشروع التحويل أو الانتقال من الدعم بصورته الحالية إلى الدعم الأكثر انضباطاً وتنظيماً في البلاد”.

وتناول مؤسس سوق المال الليبية، في حديثه ملف الخصخصة للشركات العامة في ليبيا، ويرى أن هذا المشروع في حاجة أولاً إلى مقومات ومؤسسات تعمل بكفاءة ونظام رقابي منظم، وسوق مال نشطة وفعالة.

وأردف:””في ليبيا، لا تزال سوق المال متعثرة وغير فعالة، وإن عادت، أخيراً، للتداول عودة رمزية، ولا يوجد مشروع للخصخصة واضح المعالم ولا يمكن ذلك الآن في ظل هذا الانقسام والتخبط الإداري وتخبط المشروع الاقتصادي في ليبيا، وعدم وضوح الاستراتيجيات على مستوى الدولة، بالتالي أي مشروع حالي للخصخصة هو انتهاز للفرص، فلا يمكن القيام به في الوقت الحالي”.

وعن تراجع سعر الدينار الليبي أمام الدولار الأميركي، واستشراء نشاط السوق الموازية في البلاد، أعتقد أستاذ التمويل بجامعة نوتنغهام ترنت ببريطانيا أن وجود السوق السوداء في ليبيا أمر طبيعي، في وجود عارض واحد للنقد الأجنبي هو مصرف ليبيا المركزي، إذ ليس هناك عوائد دولارية أخرى بديلة لعوائد النقط، سواء كانت من الصادرات الزراعية أو تحويلات من العاملين بالخارج، وأمام العرض المحدود للدولار هناك طلب واسع بسبب الأوضاع الهشة وعدم الثقة في النظام الاقتصادي الليبي.

وختم الشحومي قائلاً: “كثير من الليبيين يبحثون عن تخزين القيمة عبر استبدالها بالدولار الأكثر استقراراً وضماناً وتخوفاً من انهيار الدينار الليبي أو تعرضه لأي تبعات سلبية، بالتالي يجرى التحوط بالذهب أو بالعملة الأجنبية، وعليه فإن السوق السوداء للدولار ستستمر في ليبيا طالما ظلت الأوضاع بهذه الصورة، بخاصة في ظل غياب سياسات متسقة على المستوى التجاري أو النقدي أو حتى المستوى المالي، بحيث يجرى ضبط الاستيراد والتصدير وإدارة النقد الأجنبي بصورة مناسبة عبر المصارف والمؤسسات النقدية في ليبيا، والاقتصاد الليبي في حاجة إلى عملية تنظيم شاملة، يكون لها انعكاساتها على المواطن أو النظام النقدي أو النظام المالي”.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: مصرف لیبیا المرکزی المصرف المرکزی النقد الأجنبی فی حاجة إلى على مبیعات سعر الصرف فی لیبیا إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل تمكن قادة الناتو من فك شيفرة ترامب؟

أقر قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المجتمعون في لاهاي الأسبوع الماضي التعهد بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي لبلدانهم في مجال الدفاع، في استجابة مفاجئة لمطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصفها مراقبون بأنها استسلام لرئيس متقلب المزاج.

وحققت قمة لاهاي نجاحا معتبرا بفضل "استسلام" الأوروبيين لرغبات الرئيس ترامب وهالة المدح والشكر التي أحاطه بها الأمين العام للحلف مارك روته، لكنه نجاح محفوف بالمخاطر، فلم يعلن ترامب صراحة عن تخليه عن سحب قواته من أوروبا، وغابت عن تصريحاته الإدانة الصريحة لما تفعله روسيا -العدو الأول للناتو- في أوكرانيا.

جنود تابعون للناتو أثناء عرض عسكري في بولندا احتفالًا بذكرى هزيمة السوفيات عام 1920 (الفرنسية) فك شيفرة ترامب

يرى المتابعون للقمة أن الأمين لحلف شمال الأطلسي مارك روته استطاع فك شيفرة ترامب الذي يحب أن يحمد بما فعل وبما لم يفعل، فكال له المديح ووصفه -حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية نشرته عن القمة الأربعاء الماضي- بالأب قائلا "يضطر أبي أحيانًا إلى استخدام لغة حادة"، وهو ما فرح به ترامب وعلق عليه مبتسما "أبي، نعم أبي".

وزاد روته من إطرائه لترامب إذ قال "هل كنتم لتتخيلوا يومًا أن هذه ستكون نتيجة هذه القمة لو لم يُعد انتخابه رئيسًا؟". وكان ترامب قد نشر قبيل القمة سلسلة من الرسائل النصية المُجاملة له من روته، وجاء في إحداها "أنت تُحلق نحو نجاح كبير آخر".

وحسب صحيفة الغارديان، فقد بدا الرئيس الأميركي ترامب مرتاحًا، وأكد التزامه بالحلف مشيدا بما وصفه "بالنجاح الكبير" المتمثل في موافقة دول الناتو على زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي تقرير نشره عن نتائج قمة لاهاي الأربعاء الماضي، نقل مركز المجلس الأطلسي عن سفير الولايات المتحدة السابق في بولندا دانيال فريديس قوله إن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته تعرّض للانتقادات بسبب إطرائه لترامب، لكن يبدو أنه اتخذ القرار الصائب، فإن كان ترامب قد حقق هدفه بالحصول على الموارد اللازمة، فإن استمرار الولايات المتحدة ضمن الناتو يمثل نجاحا للحلف.

روته (يسار) في حديث مع ترامب (أسوشيتد برس)

وقد أفاد الصحفي بول كيربي في تقرير لهيئة بي بي سي بأنه تم تقليص أجندة قمة لاهاي، إذ اقتصرت على حفل عشاء مساء الثلاثاء استضافه الملك وليام ألكسندر، واجتماع للقادة يوم الأربعاء استمر ساعتين ونصف الساعة فقط.

إعلان

وقد أبلغ روته قادة الناتو أنهم يجتمعون في "لحظة حرجة"، وأن ضمان استمرار التحالف (في حد ذاته) يبعث برسالة قوية. وحسب تقرير الغارديان، فقد أشاد الرئيس الأميركي بالأمين العام مارك روته، وبليلة "مريحة" أمضاها في قصر الملك الهولندي.

وقال ترامب في ختام القمة "عندما جئت إلى هنا، جئت لأن هذا كان شيئًا يفترض بي القيام به، لكنني غادرت مختلفًا بعض الشيء.. فقد شاهدت رؤساء هذه الدول ينهضون، حيث أظهروا حبا لا يصدق لبلدانهم".

ووصف ترامب القمة بأنها "حدث تاريخي للغاية.. وأمر لم يخطر ببال أحد قط. قالوا: لقد فعلتها يا سيدي، لقد فعلتها. حسنًا، لا أعرف إن كنتُ أنا من فعلها.. لكنني أعتقد أنني فعلتها".

ولم يكتف روته بإطراء ترامب، بل طمأنه بأن الزيادة الكبيرة في الإنفاق الدفاعي لا تعني أن يدفع دافعو الضرائب الأميركيون المزيد من الأموال، في ظل اقتراب الولايات المتحدة من هدف الإنفاق العسكري البالغ 3.5%، بل يتعلق الأمر بدفع الأوروبيين والكنديين المزيد من الأموال لزيادة ميزانيات بلدانهم الدفاعية.

بيان على مقاس ترامب

لاحظ مراقبون أن بيان قمة لاهاي أخذ وقتا كبيرا من الإعداد حتى يناسب ترامب، فكان قصيرا جدا، ومنقحا بعناية، وخاليا من مواضيع كثيرة كانت تتضمنها بيانات القمم السابقة.

فقد جاء بيان لاهاي في 5 فقرات فقط و427 كلمة، بينما كان بيان العام الماضي في واشنطن 5341 كلمة و88 فقرة، مع بنود مفصلة وواسعة تغطي جهود تحديث الدفاع، ودعم أوكرانيا، والتحدي الإستراتيجي الأوسع الذي تُمثله الصين وإيران وكوريا الشمالية، وقبل ذلك صدر عن قمة فيلنيوس في ليتوانيا عام 2023 بيان عملاق مُكوّن من 90 فقرة.

أما هذا العام، فلا ذكر للصين ولا إيران ولا كوريا الشمالية، وهو ما يعكس الرأي السائد في البنتاغون بعدم ربط مسارح العمليات هذه، حسب تقرير المركز الأطلسي.

ونقل المركز عن الدبلوماسي البريطاني السابق فيليب ديكنسون قوله إن إعلان لاهاي يعكس حقيقة أن الحلف بات يرقص على أنغام ترامب ويسايره فقط في أولويته المتعلقة بزيادة الإنفاق.

لكن بالنسبة للأمين العام لحلف الناتو، روته، فإن إعادة البيان تأكيد الالتزام "الصارم" بالمادة الخامسة وتصنيف روسيا كأبرز تهديد أمني يعتبر نجاحا.

وإن كانت الغارديان أوردت في تقريرها أن ترامب راوغ عندما سئل عن التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو التي تنص على أن أي هجوم على أي عضو في الحلف يُعد هجومًا على جميع الدول الأعضاء، وقال ترامب وهو يستقل طائرة الرئاسة الأميركية إلى القمة "هناك تعريفات عديدة للمادة الخامسة، أنتم تعرفونها، أليس كذلك؟".

قمة لاهاي لم تحسم مصير تصريحات ترامب عن احتمال سحب القوات الأميركية من أوروبا التي ألمح إليها مرارا (الفرنسية) "ادفعوا كي أدافع عنكم"

حسب تقرير لصحيفة "لاتريبيون" الفرنسية بعنوان "قمة الناتو: لا يزال من الممكن أن تسوء الأمور"، فإن أعضاء الناتو وافقوا على زيادة الإنفاق الدفاعي "مكرهين لا أبطالا" في ظل الضغوط الناجمة عن الخطر الروسي المتنامي وتهديدات ترامب بكشف الغطاء الأميركي عن أي دولة عضو في الناتو لم تستجب لطلباته بزيادة الإنفاق الدفاعي والتلويح أكثر من مرة بسحب القوات الأميركية من أوروبا.

إعلان

فمنذ عودته إلى البيت الأبيض في نهاية يناير/كانون الثاني، كرر ترامب دعواته للدول الأوروبية في الحلف وكندا لتخصيص ما لا يقل عن 5% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، وقد أكد ذلك بقوة وصراحة في شهر مارس/آذار الماضي إذ قال "إذا لم يدفعوا فلن أدافع عنهم!".

وتعتبر الصحيفة أنه يحسب لمارك روته أنه لما أحس معارضة قوية لنسبة 5% جاء بفكرة تقسيم الهدف إلى قسمين: 3.5% تتعلق بالسلاح والجنود و1.5% تتعلق بالبنى التحتية المساعدة، وهو ما جعل الأمور أكثر قبولًا لدى الأوروبيين، لأنه من خلال فئة الـ1.5% يمكنهم إدراج كثير مما أنفقوا من أموالهم.

وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، لم يُكرّر بيان القمة الالتزامات السابقة "بالمسار الحتمي" لأوكرانيا نحو عضوية الناتو، مما يعكس مراعاة لموقف البيت الأبيض.

قمة ما يقال ولا يُفعل

ينقل تقرير المجلس الأطلسي عن نائب وزير الدفاع الأميركي السابق لأوروبا وسياسة الناتو، إيان بريجنسكي، قوله إن قمة الناتو في لاهاي ستُذكر في المستقبل بما يقال ولا يُفعل، مضيفا أنه رغم الزيادة التاريخية في الإنفاق العسكري، ورغم أن روسيا لا تزال مصنفة كعدو أول للناتو، ورغم تصعيد روسيا هجماتها على أوكرانيا تزامنا مع اجتماع قادة الناتو، لم تسفر القمة عن أي إجراء جوهري جديد ضد روسيا.

ويورد بريجنسكي أنه على العكس من ذلك، منعت الولايات المتحدة جهدًا مخططًا له منذ مدة طويلة لإصدار إستراتيجية للتحالف ضد روسيا في القمة، وكرر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو معارضة الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا، وتردد ترامب علنًا في تقديم دفعة جديدة من المساعدات الأمنية لأوكرانيا.

ويؤكد بريجنسكي أنه لم يتضح بعد مستقبل التزام الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي، حيث لم يوضح ترامب مستقبل وضع القوات الأميركية في أوروبا بعد أن أشارت إدارته مرارا سابقا إلى احتمال سحبها.

ويخلص الباحث إلى أن غياب الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراءات ضد روسيا في قمة لاهاي أمر بالغ الأهمية، فليس هناك مؤشر أوضح على مدى الالتزام بالأمن عبر الأطلسي مما يفعله أو لا يفعله حليف في الناتو لدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي المستمر.

ورغم الإجماع الظاهر، فإن عددا من أعضاء الناتو كانوا حتى قبيل انعقاد القمة يصفون دعوة دونالد ترامب بتخصيص 5% من الناتج المحلي للإنفاق على الدفاع بأنها "جنون محض"، أو "عبث" و"سخافة"، كما أن 8 من أعضاء الحلف لم يحققوا حتى الآن هدف 2% الذي تم تحديده منذ عام 2014.

وفي طليعة الدول التي أعربت عن معارضتها أو تحفظها على قرار الـ5% -وإن وقعت عليه في النهاية- إسبانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ وإيطاليا وسلوفينيا.

أي تداعيات اقتصادية واجتماعية؟!

في مقال نشره معهد جاك ديلور الفرنسي، اعتبرت الباحثة المتخصصة في نفقات الدفاع سيلفي ماتيلي أنه إذا افترضنا أن النمو الاقتصادي في أوروبا سيكون صفرا في السنوات المقبلة، فإن الوصول إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي يتطلب من الأوروبيين أن ينفقوا مجتمعين أكثر من 850 مليار يورو سنويا، أي ما يساوي زيادة بنسبة 250% على ما ينفقونه اليوم.

واعتبرت الباحثة ماتيلي أن مثل هذا الهدف (5%) سوف يتطلب خيارات سياسية قوية وعمليات تحكم صعبة للغاية في وقت تتضخم فيه مصادر الهشاشة وعدم المساواة ويشيخ السكان وتتخلف أوروبا عن الركب من حيث القدرة التنافسية والابتكار.

وتقول ماتيلي إنه ينبغي التفكير مليا في كل يورو يتم إنفاقه، فالموارد محدودة، ويتعين على الأوروبيين أن يحددوا أولا مصالحهم، وأن تكون مصالح أوروبا مفهومة وواضحة، بدلا من اتباع شعارات وضعها زعيم أصبحت مصالحه وأولوياته بعيدة كل البعد عن مصالحهم وأولوياتهم.

إعلان

أما راشيل ريزو، من مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي، فترى أن السؤال الآن هو عما إذا كان القادة الأوروبيون مستعدين لبذل رأس المال السياسي اللازم لإقناع شعوبهم بجدوى الإنفاق على الدفاع، لا سيما إذا كان ذلك من ميزانيات الإنفاق الاجتماعي الأخرى.

ترامب خلال مغادرته هولندا بعد حضور القمة (أسوشيتد برس) إستراتيجية مالية

يورد الباحث في مبادرة الأمن عبر الأطلسي روب موراي أن الوصول إلى نسبة 5% يتطلب أكثر من مجرد خطاب، "فلا بد من إستراتيجية مالية واضحة ومنسقة تعكس حقيقة أن دول الغرب لم يعودوا في زمن السلم. يجب تفعيل وكالات ائتمان الصادرات الوطنية، وتحفيز البنوك التجارية، وتعبئة رأس المال الخاص ورأس المال الاستثماري، وإشراك المستثمرين المؤسسيين الطويلي الأجل".

ويؤكد الصحفي بول زوي من موقع "كليم" الأسترالي أن قرار حلف الناتو يمثل تحولًا كبيرًا في الأولويات المالية العالمية، مع عواقب واسعة النطاق على الاقتصاد والقطاعات الخدمية والاجتماعية، حيث يُفسح هذا التحول السياسي المجال أمام حقبة جديدة من تخصيص رأس المال لإعادة التسلح.

ويشير الباحث إلى أن آلية تمويل هذا التوسع الهائل لا تزال غير مؤكدة، فإما أن تكون بزيادات ضريبية كبيرة أو بتخفيضات حادة في النفقات الأخرى، أو بزيادة الاقتراض العام، وهو المسار الأكثر ترجيحًا، ويعني استمرار الضغط التصاعدي خصوصا على مستوى الاقتصادات التي تعاني أصلا من ضائقات مالية مثل إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة.

وفي كل الأحوال ستواجه القطاعات المعتمدة على الدعم العام -مثل الطاقة المتجددة والتعليم والخدمات الاجتماعية- تداعيات سلبية للقرار مما قد يتسبب في تذمر شعبي.

مقالات مشابهة

  • بعد قرار الرئيس السيسي بغلق الدائري الإقليمي.. خبير: إنجازات الطرق واضحة لكن بدون رقابة صارمة سنظل نحصد الضحايا
  • هل تمكن قادة الناتو من فك شيفرة ترامب؟
  • نائب:مشروع تعديل سلم الرواتب لا يزال على الرف الحكومي
  • جامعة سوهاج: تعلن إنطلاق جائزة مصر للتميز الحكومي لإختيار أفضل العناصر الإدارية
  • همدان الروح
  • يحتاج إلى رقابة بشرية.. خبير يكشف تفاصيل «هلاوس الذكاء الاصطناعي»
  • المشاورات الرئاسية متواصلة بشأن ورقة برّاك.. ردّ حزب الله: لا حاجة إلى اتفاق جديد
  • أنا ما عملت حاجة، أنا بس صفقَّت
  • جائزة الشارقة للاتصال الحكومي تضيء على القيم والتضامن والهوية
  • «الاتصال الحكومي 2025» تعزز المسؤولية الاجتماعية والتضامن الإنساني