قبل شهور، طرح أحد مستخدمي موقع "كورا" -وهو منصة لطرح الأسئلة والتواصل مع الأشخاص- سؤالا عن أسباب عدم استخدام "القنابل الحرارية" -التي تعرف أيضا بـ"القنابل الفراغية"- في معركة الأنفاق بقطاع غزة.

وانحصرت أغلب الإجابات في أن استخدام هذه الأسلحة يتطلب أولا تحديد موقع العديد من مداخل الأنفاق، ويبدو أن إسرائيل وجدت الهدف الأسهل لاستخدام هذه الأسلحة التي يمكن أن تولّد حرارة شديدة تُبخّر جسم الإنسان، وهو مجمع ناصر الطبي في خان يونس.

فقد قال الناطق باسم الدفاع المدني بغزة الرائد "محمود بصل" في تصريحات لقناة "الجزيرة" عن ضحايا المقبرة الجماعية التي عثر عليها بمجمع ناصر الطبي، إن بعض الجثث تبخرت وتحولت إلى رماد، وهو سيناريو يبدو غير مستبعد في ظل وجود وقائع تاريخية لمشاهد مماثلة كان سببها استخدام القنابل الحرارية أو الفراغية.

ولعل أحد أقرب تلك الوقائع كانت في معركة مطار بغداد عام 2003، عندما أورد المقدم الركن صباح الفلاحي في تصريحات نقلتها صحيفة "العربي الجديد"، وصفا مشابها لما قاله الرائد بصل، عندما قال إن أميركا استخدمت أسلحة -لم يسمها- صهرت أجساد الجنود العراقيين.

وما لم يُسمّه الفلاحي، ذكره أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في برنامج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في أميركا "ثيودور بوستول"، في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، فقد أورد سيناريو حقيقيا لكيفية تسبب القنابل الحرارية التي ألقتها قوات الحلفاء في 27-28 يوليو/ تموز 1943 على أحد ملاجئ الغارات الجوية في هامبورغ بألمانيا في تفحّم أجساد المحتمين بالملجأ، ومن ثم تحولها إلى رماد، وهو سيناريو لم يَستبعد بوستول تكراره في حرب غزة نظرا لما أسماه بـ"ًالمستويات المروعة من الدمار القاتل الجاري في غزة"، مبديا رعبه من أن تكون حكومته مشاركة في هذه الإبادة الجماعية.

الظروف التي تخلقها القنابل الحرارية يمكن أن تؤدي إلى جفاف الجثث وتفحهما ثم تحولها إلى رماد (الفرنسية) كيف تؤدي القنابل الحرارية إلى تبخر الجثث؟

وحتى يصل "بوستول" إلى تلك النتيجة، قدم شرحا وافيا لماهية القنابل الحرارية، وكيف يؤدي استخدامها مع أماكن يحتمي فيها السكان، إلى المصير الذي أشار إليه الناطق باسم الدفاع المدني بغزة.

يقول: إن "القنابل الحرارية تعمل أساسا باستخدام متفجرات تقليدية صغيرة لإنتاج سحابة من الجزيئات أو القطرات شديدة الاشتعال، وبعد التشتت الأولي لهذه القطرات تقوم عبوة ناسفة ثانية بإشعال سحابة المواد القابلة للاحتراق".

ويتابع: "تحترق سحابة المواد القابلة للاحتراق بأكملها بسرعة كبيرة مما يؤدي إلى درجات حرارة وضغط عال جدا في الحجم الذي تشغله، ويمكن أن تكون درجات الحرارة عالية جدا لتصل إلى 2500 درجة مئوية، ويمكن أن يكون الضغط كبيرا جدا في الهواء الطلق، ليصل إلى 400 إلى 500 كيلو باسكال لكل بوصة مربعة، وأعلى بكثير إذا ضُبطت الذخيرة في مكان محدود".

ويعتقد بوستول أن "درجات الحرارة المرتفعة والضغوط المرتفعة تؤدي إلى حرق شديد في الجلد والمناطق الداخلية من الجسم وخاصة الرئتين والجهاز الهضمي، ومن المتوقع وجود جثث متفحمة بشدة في الأماكن التي تكون فيها سحابة التفجير أكثر كثافة".

ويواصل أن "النتيجة الثانية للسحابة المشتعلة هي استهلاك المواد المشتعلة للأكسجين الموجود في مكان التفجير، وهذا يعني أن الهواء المتبقي في الغالب يتكون من النيتروجين ومنتجات الاحتراق من الجزيئات الموجودة في السحابة، ولمنتجات الاحتراق تأثيرات مميتة إضافية، ولكنها لا علاقة لها بالضحايا الموجودين في الأجزاء الأكثر كثافة من السحابة، حيث يُقتلون على الفور بسبب درجات الحرارة والضغوط المرتفعة، وإذا ظلت جثث الضحايا محاصرة في المكان الذي قُتلوا فيه بسبب السحابة المتفجرة، فلن يكون هناك أي أكسجين تقريبا مما يتسبب بمزيد من تدهور بقايا الجثث".

ويصل بوستول بعد هذه المقدمة الشارحة إلى ما حدث بملجأ الغارات الجوية في هامبورغ بألمانيا في يوليو/تموز 1943، ويرى أنه ربما هو السيناريو الأقرب لما يحدث في غزة.

ويقول: "مات من كان بداخل الملجأ في البداية بسبب التسمم بأول أكسيد الكربون، ثم أدت الحرارة الناتجة عن تفجير القنابل إلى تسخين الملجأ لدرجات حرارة عالية، وساهم أول أكسيد الكربون مع الحرارة الشديدة في جفاف الجثث، وعندما أُخرجت هذه الجثث من الملجأ تفككت، لأنه بمجرد تعرضها للهواء تسببت التأثيرات الإضافية للأكسدة في جعل بقايا الجثث هشة لتنهار سريعا وتتحول إلى رماد".

الجثث المتفحمة في الغارات الجوية بهامبورغ بألمانيا عام 1943 والتي تحولت إلى رماد فور استخراجها (غيتي) وصف تؤيده دراسة علمية

وتؤيد دراسة علمية نشرتها دورية "ديفينس تكنولوجي" ما أورده بوستول من تأثيرات للقنابل الحرارية، لا سيما عند استخدامها من الأماكن المغلقة. فقد اختبر الباحثون من كلية الكيمياء والهندسة الكيميائية بجامعة "نانجينغ" للعلوم والتكنولوجيا بالصين، هذه القنابل في أماكن مفتوحة ومغلقة، ثم استخدموا أدوات مثل أجهزة قياس الضغط والكاميرات عالية السرعة والكاميرات الحرارية لتسجيل ما حدث، ووجدوا أن المتفجرات يكون لها قوة أكبر وتحترق بشكل أكثر سخونة في الأماكن المغلقة.

وأشارت الباحثة في العلاقات الدولية بجامعة "رويال هولواي" بلندن "ميشيل بنتلي" هي الأخرى، إلى التأثير نفسه الذي ذكرة الناطق باسم الدفاع المدني بغزة، وذلك في ثنايا انتقادها لما قالت إنه استخدام روسي للقنابل الحرارية في الحرب بأوكرانيا، خلال مقال نشرته بموقع "ذا كونفرسيشن".

وبعد أن ذكرت في أغلب مقالها وقائع قالت إنها تاريخية لاستخدام روسيا لهذا السلاح، أشارت في فقرة لا تتعدى السطرين إلى استخدام الولايات المتحدة لهذا السلاح في فيتنام وضد تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهو ما يعيدنا إلى الرواية التي ذكرها الضابط العراقي عن معركة مطار بغداد عام 2003.

كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا يطالب بتحقيق دولي يقدم وصفا دقيقا لنوعية القنابل التي استخدمتها إسرائيل في غزة (الأناضول) من إزالة الألغام إلى استهداف الأنفاق

وبدوره لا يُنكر الأستاذ المشارك في بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية "مايكل أرمسترونغ"، التأثير البشع للقنابل الحرارية في الأماكن المغلقة التي تحدثت عنها الدراسة وأيدتها، لكنه ليس متأكدا من أن هذه القنابل -التي تسمى أيضا باسم متفجرات الوقود والهواء (إف إيه إي)- يمكن أن تؤدي إلى "تبخير الجسم"، وقال في حديث للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني: " لا أعرف ما إذا كانت القنابل الحرارية قادرة بالفعل على تبخير الجسم، لكن كرة النار وموجات الانفجار التي تولدها ستكون مميتة بالتأكيد".

وأضاف: "أظن أن إسرائيل طورت هذه المتفجرات أولا لإزالة الألغام، فموجات الضغط التي تولدها تؤدي إلى تفجير أي ألغام أو عبوات ناسفة قد تكون مخبأة في المنطقة، ثم قامت لاحقا بتصنيعها لاستخدامها ضد الأنفاق بعد ذلك".

فتح تحقيق دولي

ولا يَستبعد كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا "يُسري أبو شادي" السيناريو الذي أشار إليه بوستول، مشيرا في تصريحات "للجزيرة نت" عبر "الواتساب"، إلى أن "تحلل الجثث إلى رماد لم يأت مباشرة بعد استخدام القنابل، ولكن جاء بعد وقت من الوفاة بسبب توفر ظروف خلقتها القنبلة، ولكن ليس بشكل مباشر".

وقال إن "القنابل الهيدروجينية هي السلاح الوحيد المعروف بقدرته على تحويل الجسم البشري إلى رماد بشكل مباشر، وذلك لأن هذه القنابل تطلق طاقة تعادل طاقه الشمس".

وأوضح أن "هذه القنابل لم تُستخدم ضد البشر حتى الآن، وإن استُخدمت فستكون حربا عالمية تؤدي لفناء البشرية". وطالب بضرورة فتح تحقيق دولي لتقديم وصف دقيق لنوعية السلاح المستخدم والذي أدى إلى الوصف الذي ذكره الناطق باسم الدفاع المدني بغزة.

ووفقا للقانون الدولي، فإن استخدام القنابل الحرارية لاستهداف مدنيين في المناطق المأهولة أو المدارس أو المستشفيات يُعد "جريمة حرب"، وذلك كما جاء في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات هذه القنابل تؤدی إلى إلى رماد

إقرأ أيضاً:

"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه

غزة - خاص صفا

"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.

"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".

وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".

ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.

وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة 

وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.

سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".

لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".

"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.

"لحظات لم تكتمل"

يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".

ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".

وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.

يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".

ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".

ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.

ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.

مقالات مشابهة

  • رغم إعلان ترامب.. كمبوديا تكشف استمرار "قنابل تايلاند"
  • رجيم السعرات الحرارية مع خطة وجبات صحية .. لفقدان الوزن في شهرين
  • مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث مرور مأساوي بالجزائر
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • رحيل شاب من حلايب أثناء أداء العمرة بمكة المكرمة
  • نيويورك تايمز: مخيمات تنظيم الدولة في صحراء سوريا قنابل موقوتة
  • مناوي يعلن تفاصبل تقديم عرض خطير لكوريا الشمالية في السودان مقابل الدعم العسكري
  • اكثر من 10 الاف يمني .. ضحايا القنابل العنقودية للعدوان الامريكي السعودي
  • العثور على جثمان الطفل الذي جرفته السيول في كلار
  • في الجنوب... عمليات تمشيط إسرائيليّة ورمي قنابل