إذا كانت الجغرافيا باعدت بين دول منطقة الشرق الأوسط، فإنها لم تنل من الجينوم المتشابه بين سكانها، الأمر الذي ساعد عضو مؤسسة قطر "سدرة للطب" على إجراء دراسة رائدة من شأنها المساهمة في تخفيف عبء الأمراض الوراثية النادرة بالمنطقة.

وجاءت تلك المبادرة عبر دراسة نشرتها في دورية "جينوم ميديسين" استطاعت من خلالها استخدام بيانات تسلسل الجينوم لأكثر من 6 آلاف شخص متوفرة لدى البنك الحيوي القطري، لتحديد المتغيرات الجينية المسببة للأمراض الوراثية النادرة، والتي قال باحثون إنها "ستكون ذات أهمية لتفسير الأسئلة نفسها لدى ملايين الأشخاص في المنطقة وخارجها".

يقول مدير أبحاث الطب السكاني والجينومي في "سدرة للطب" وقائد الدراسة المشارك الدكتور "يونس مكراب" في حديث مع الجزيرة نت: "الحمض النووي عند الإنسان يحمل شفرات تدل على العلاقة بين المجموعات البشرية، وكنا في دراسة سابقة قارنا بين بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لدى بنك قطر الحيوي وتلك المتاحة في مجموعات بشرية أخرى في دول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأميركا، فأثبتنا أن هناك خمس مجموعات رئيسية للعرب في المنطقة تجمعها السلالة الجينية وإن كانت قد تباعدت مكانيا، وهم عرب شبه الجزيرة، والعرب العامين، والعرب الفارسيين، والعرب الآسيويين، والعرب الأفارقة".

تقنية "العلاج الجيني" تتضمن إدخال نسخة سليمة من الجين إلى الخلايا لتحل محل الجين الخاطئ أو المفقود (شترستوك) فهرس الطفرات الجينية

وبالبناء على هذا التصنيف الجيني الذي خلصت إليه هذه الدراسة، يوضح الدكتور مكراب بالقول: "عمِلنا في الدراسة الجديدة على إنشاء فهرس شامل للطفرات المرضية المصنفة حسب كل سلالة جينية، مما يجعل النتائج المتحصل عليها موصولة الدلالة لدى ملايين الأشخاص في المنطقة وخارجها".

وكانت أبرز النتائج المرصودة في الدراسة تحديد مجموعة من الطفرات الجينية ذات الصلة بأمراض اضطرابات النمو والتي تصيب الشخص في المراحل المبكرة وحتى قبل الولادة، كما حددت الطفرات المسؤولة عن بعض الأمراض الأيضية (أمراض التمثيل الغذائي)، وهو ما يقود مستقبلا إلى توفير علاجات أكثر نجاعة لهذه الأمراض.

ويذكر الدكتور مكراب أنه "عادة ما يكون علاج الأمراض الأيضية هو الأسهل نسبيا عن طريق توفير المكملات الغذائية التي تعالج النقص في بعض الأحماض الأمينية مثلا، لكن علاج الاضطرابات الأخرى سيحتاج إلى تدخلات علاجية أكثر صعوبة، ومنها على سبيل المثال ما يعرف بالعلاج الجيني".

وتتضمن تقنية "العلاج الجيني" إدخال نسخة سليمة من الجين إلى الخلايا لتحل محل الجين الخاطئ أو المفقود، ويمكن إجراء هذه الخطوة باستخدام فيروس غير ضار لتوصيل الجين إلى الخلايا، أو من خلال طرق أخرى مثل الجسيمات النانوية.

مدير أبحاث الجينوم الطبي والسكاني في سدرة للطب الدكتور يونس مكراب (سدرة للطب) دعم التوجه نحو الطب الشخصي

ويدخل هذا العلاج ضمن النهج الذي يعرف بـ"العلاج الشخصي"، و المعروف أيضا باسم الطب الدقيق أو الطب الفردي، والذي لا يمكن تنفيذه دون توافر المعلومات الجينية التي يتيحها فهرس الطفرات المرضية الذي أعدته الدراسة.

ويوضح الدكتور مكراب أن "الطب الشخصي يتيح تصميم العلاج الطبي والتدخلات وفقا للخصائص الفردية لكل مريض عوضا عن اتباع نهج واحد يناسب الجميع، ويأخذ في الاعتبار عوامل مثل الطفرات الجينية التي قد تؤثر في استجابة الشخص لأدوية معينة أو خطر الإصابة بأمراض معينة".

ويضيف أنه "إذا أخذنا مثلا داء الصرع كنموذج، فهناك علاجات شائعة له تستهدف قناة الصوديوم التي ربما تتغير وظيفتها بسبب طفرات معينة، لكنها ليست السبب الوحيد، فالطفرات في جينات أخرى غير قنوات الصوديوم قد تكون المسبب للمرض مثل قنوات البوتاسيوم والكالسيوم، كما يمكن أيضا للجينات المشاركة في النقل التشابكي وتطور الخلايا العصبية أن تساهم في تطور الصرع، وبالتالي فإن علاج المرض الواحد يختلف من حالة لأخرى طبقا لنوع الطفرات، وهذه قيمة المعلومات التي توفرها مثل هذه الدراسات".

فحوص ما قبل الزواج

وإذا كان زواج الأقارب يأتي دوما في مقدمة الأسباب المسؤولة عن حدوث طفرات جينية مسببة للأمراض الوراثية، فإن نتائج الدراسة تشير إلى ما هو أبعد من ذلك، فالتقارب الجيني بين المجموعات السكانية في المنطقة يجعل فرص حدوث الطفرات قائمة، حتى لو لم تكن هناك صلة قرابة بين الزوجين.

يقول الدكتور مكراب: "شهدت منطقة الشرق الأوسط هجرات وأنماط حياة خاصة على مدار الحقب الزمنية التاريخية، مما أدى الى نشأة تركيبات بشرية معزولة على مستوى التكاثر، وتَسبب ذلك حاليا باحتمالية التقاء طفرات جينية مرضية حتى لو لم تكن هناك صلة قرابة بين الزوجين".

ويضيف: "لذلك فإن الرسالة المهمة التي يمكن أن توجهها الدراسة في هذا الصدد هو أن فحوص ما قبل الزواج التي تُثبت خلو الزوجين من أي طفرات يمكن أن تنقل أمراض إلى النسل؛ ضرورية للجميع في العديد من المجتمعات وليس فقط عندما يكون الزوجان من الأقارب".

ويعود الدكتور مكراب إلى فهرس الطفرات الوراثية الذي توفره الدراسة، مؤكدا أنه "سيكون مرجعية مهمة للطفرات التي إن ثبت وجودها عند الزوجين، فهذا يمكن أن يؤدي إلى ظهور الأمراض عند النسل".

رئيس فرع البحوث في سدرة للطب الدكتور خالد فخرو (سدرة للطب) معاناة 5.9% من سكان العالم

وبدوره، يشدد رئيس فرع الأبحاث في سدرة للطب والقائد الرئيسي للدراسة الدكتور "خالد فخرو" على المساهمة العالمية للدراسة في فهم البنية الجينية للأمراض.

ويقول في بيان نشره موقع "سدرة للطب": "تؤثر الأمراض النادرة مجتمعة على ما يصل إلى 5.9% من سكان العالم، ولا يزال أغلبها في حاجة إلى الدراسة ويفتقر إلى العلاجات الفعالة، وبالإضافة إلى ذلك ترتفع معدلات الإصابة بالأمراض النادرة بين سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وتساعدنا مثل هذه الدراسات على فهم البنية الجينية التي تسبب هذه الحالات، مما يسرع مدة التشخيص ويسمح لنا باستكشاف سبل العلاجات الشخصية في المستقبل".

ويضيف أن "تأثير هذه الدراسة يتعدى السكانَ المحليين في دولة قطر، إذ تُقدّم على الصعيد الإقليمي رؤى عن الأمراض الوراثية المؤثرة في دول الخليج التي تتشارك في الأصل الوراثي مع سكان المنطقة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الشرق الأوسط فی المنطقة سدرة للطب

إقرأ أيضاً:

«كنائس الشرق الأوسط» تشيد بالدور المصرى فى تثبيت اتفاق غزة

أشادت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط بدور مصر فى تثبيت اتفاق غزة، جنبًا إلى جنب مع الدور الأردنى فى حماية المقدسات، والحفاظ على الإرث المسيحى بالأراضى المقدسة.
ودعا أعضاء المجلس، بحضور الأنبا توماس عدلى مطران إيبارشية الجيزة، والفيوم، وبنى سويف للأقباط الكاثوليك، إلى ضرورة العمل الجاد لإحلال السلام بالأراضى اللبنانية، وتعزيز الاستقرار، والتطلع إلى إجراء الانتخابات النيابية فى موعدها الدستورى، بما يضمن مشاركة عادلة لجميع المواطنين.
وشددوا على أهمية بناء سوريا جديدة قائمة على المواطنة، وحقوق جميع المكونات، معرجين على أنّ المكوّن المسيحى هو جزء أصيل من تاريخ البلاد، وهويتها، كما دعوا إلى وقف العنف فى فلسطين، ولا سيما فى غزة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وصولًا إلى سلام شامل يضمن حق الحياة لكل إنسان.
وأعرب أعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن أملهم فى تشكيل حكومة عراقية تلبى تطلعات الشعب، وجددوا الدعوة لوقف الحرب الأهلية فى السودان.
وجددت اللجنة نداءها للإسراع فى كشف مصير المطرانين المخطوفين يوحنا إبراهيم، وبولس اليازجى، وجميع المخطوفين من الإكليروس، والعلمانيين.
وجدد أعضاء المجلس الصلاة من أجل أن يحمل العيد تعزية للمتألمين، وشفاءً للمرضى، وعونًا للأيتام، والأرامل.
واختتمت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، أعمال اجتماعها الدورى، ببيروت يومى العاشر، والحادى عشر من ديسمبر الجارى، برئاسة ممثلى العائلات الكنسية الأربع: الكاثوليكية، الأرثوذكسية الشرقية، والأرثوذكسية، والإنجيلية.
شارك فى الاجتماع أعضاء اللجنة من لبنان، وسوريا، والعراق، ومصر، والأردن، وقبرص وفلسطين، إلى جانب الأمين العام ميشيل عبس، وفريق أمانة المجلس.
وخلال أعمال اليوم الأول، زار أعضاء اللجنة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، حيث جرى التداول فى جملة ملفات أبرزها الحضور المسيحى فى المنطقة، ودور المجلس فى تعزيز هذا الحضور كنسيًا، ومجتمعيًا، وترسيخ الحوار والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • «كنائس الشرق الأوسط» تشيد بالدور المصرى فى تثبيت اتفاق غزة
  • الأمراض النادرة في مصر.. من التشخيص والعلاج الي التأهيل والشراكات الدولية
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • من هم أغنى 5 شخصيات في الشرق الأوسط لعام 2025؟
  • أردوغان: وقف إطلاق النار في غزة هشّ.. وتركيا مستعدة لقيادة مسارات السلام
  • «الليجا» تُطلق مشروعاً استراتيجياً في المنطقة
  • سوبى وسوفيكوفارم يوقعان اتفاقية لتوفير أحدث علاجات الأمراض النادرة في مصر
  • تعاون مصري سويدي لتوفير أحدث علاجات الأمراض النادرة في مصر
  • هند الضاوي: ترامب يعتبر جماعة الإخوان أحد أدوات الحزب الديمقراطي في الشرق الأوسط
  • نائب مهدّد ويتجوّل فرحا بالأعياد؟!