ما حكم من مات دون أن يحج وهو قادر؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، حيث سائل يقول: ما حكم الحج من تركة الميت إذا كان مستطيعًا للحج فلم يحج حتى مات؟ 

ما حكم من مات دون أن يحج وهو قادر؟

يقول السائل: ما حكم الحج من تركة الميت إذا كان مستطيعًا للحج فلم يحج حتى مات؟ فقد وجَبَ على والدي فريضةُ الحج، إلا أنه قد مات قبل أن يَحُجَّ، فهل يَلزم أن يُحَجَّ عنه مِن تَرِكَتِهِ؟

لتوضح دار الإفتاء أن من وجبت عليه فريضة الحج فلم يحج حتى مات، لا يَلزم ورثته شرعًا الحجُّ عنه مِن تَرِكتِهِ إلا إذا كان قد أوصى بذلك، فإنْ أوصى ولَم يُنازِع الورثةُ في ثبوت الوصية، فإنَّ تكاليف الحج تُستوفى مِن التركة قبل التقسيم في حدود ثُلُثِها وجوبًا، ولا تنفذ فيما يَزيد على الثلث إلا بموافقة الورثة، وذلك في حقِّ مَن كان منهم مِن أهل التبرع عالِمًا بما يُجيزُه.

وأضافت أن الحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وهو فرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدةً؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

وتابعت في بيان ما حكم من مات دون أن يحج وهو قادر؟:  ولا يَستقر وجوبُ فريضة الحج في ذمة المكلَّف إلا "أنْ يُمْكِنَهُ بَعدَ وجوب الحج عليه المَسِيرُ مِن بلده على عادة الناس في سَيْرِهم، فيُوَافِي الحجَّ في عامه، فإذا مضَت عليه مدةٌ مِثلُ هذه المدة بعد وجوب الحج عليه، فقد استقَرَّ الفرضُ في ذمته؛ لإمكان الأداء... وإنْ لم يُمْكِنْهُ المَسِيرُ في عامِهِ؛ لِبُعْدِ دَارِهِ ودُنُوِّ الحج منه، أو أمكَنَه بمفارقة عادة الناس في سَيْرِهم، ففَرْض الحج غير مستقِرٍّ في ذمته؛ لتعذُّر الأداء، فإنْ مات في عامِهِ لم يلزمه القضاء"؛ كما قال الإمام المَاوَرْدِي في "الحاوي الكبير" (4/ 16، ط. دار الكتب العلمية).

حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد


ولفت في توضيح ما حكم من مات دون أن يحج وهو قادر؟: أنَّ مَن استقرَّ في حقه وجوب فريضة الحج فمات دُون أن يُؤَدِّيَهُ، فإنَّ الحج يَسقط عنه بالموت في أحكام الدنيا، ولا يلزم في تركته شيءٌ إلا إذا أوصى بذلك، وتنفذ الوصية حينئذٍ -إذا ثبَتَت بما تَثبُت به الحقوق قضاءً- في حدود ثلث التركة وجوبًا، سواءٌ قيَّد الموصي وصيَّتَه بالثلث أو لم يُقيِّد، ويجوز تنفيذها في أكثر مِن الثلث بموافقة الورثة إذا كانوا مِن أهل التبرع عالِمِين بما يُجيزونه؛ إذ قد "أجمع فقهاءُ الأمصار أن الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة جازت، وإن لم تُجِزها الورثةُ لم يجز منها إلا الثلث"؛ كما قال بدر الدين العَيْنِي في "عمدة القاري" (8/ 91، ط. دار إحياء التراث)، وهو مذهب الحنفية والمالكية.

قال الإمام أبو الحُسين القُدُورِي الحنفي في "التجريد" (4/ 1641، ط. دار السلام): [قال أصحابنا: الحج يسقط بالموت، وإن أوصى به لَزِمَ الورثةَ إخراجُه مِن الثلث، وإن لم يُوصِ به لَم يَلزمهم] اهـ.

وقال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (27/ 146، ط. دار المعرفة): [نَقُول فيما يَجب حقًّا لله تعالى خالصًا كالزكاة والحج: لا يَصير دينًا في التركة بعد الموت مقدَّمًا على الميراث، ولكنه ينفذُ مِن الثلث إن أوصى به كما يَنفُذُ بسائرِ التبرُّعات، وإن لم يوصِ به فهو يَسقطُ بالموت في أحكام الدنيا، وإنْ كان مُؤاخَذًا في الآخرة بالتفريط في الأداء بعد التمكُّن منه] اهـ.

وقال شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 474، ط. دار الفكر): [قال سند... إن مات سَقَطَ الوجوبُ بموته، ولا يَلزَمُ ورثَتَهُ ولا مَالَهُ إذا لَم يُوصِ بِهِ] اهـ.

ووَجْهُ عدم الحج عنه مِن تركته إلا إذا أوصى به: أنَّ ديون الله تعالى "تَسقُط بالموت، فلا يَلزم الورثةَ أداؤها إلا إذا أوصى بها، أو تبرَّعوا بها هُم مِن عِندِهم؛ لأنَّ الركنَ في العبادات نيةُ المكلَّف وفِعْلُهُ، وقد فات بموته، فلا يُتَصَوَّر بقاءُ الواجب.

يُحَقِّقُهُ: أنَّ الدنيا دارُ التكليف، والآخرة دارُ الجزاء، والعبادة اختيارية وليست بجبرية، فلا يُتَصَوَّر بقاءُ الواجب؛ لأنَّ الآخرة ليست بدار الِابتِلاء حتى يَلزمه الفِعلُ فيها، ولا العبادةَ جبريةٌ حتى يُجتزأ بفِعلِ غيرِه مِن غيرِ اختيارِه، فلم يَبْقَ إلا جزاءُ الفعلِ أو تَرْكِهِ ضرورةً، بخلاف دَين العباد؛ لأن فِعله ليس بمقصودٍ فيه ولا نيَّته، ألَا تَرَى أنَّ صاحب الدَّين لو ظَفر بجنسِ حقِّه أَخَذَه ويَجتزئ بذلك، ولا كذلك حقُّ الله تعالى؛ لأن المقصودَ فيها فِعلُهُ ونيَّتُهُ ابتلاءً، والله غنيٌّ عن مَالِهِ وعن العالمين جميعًا، غير أنَّ الله تعالى تَصَدَّق على العبد بثلث مَالِهِ في آخِر عُمره يَضَعها فيما فرَّط فيه تفضُّلًا منه مِن غير حاجةٍ إليه، فإنْ أوصى به قام فِعلُ الورثة مقامَ فِعلِهِ؛ لوُجُود اختياره بالإيصاء، وإلا فلا"؛ كما قال فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (6/ 230، ط. الأميرية).

وهذا ما عليه القانون المصري، حيث نصت المادة الرابعة مِن القانون رقم 77 لسنة 1943م على أنه: [يؤدَّى مِن التركة بحسب الترتيب الآتي: أولًا: ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن. ثانيًا: ديون الميت. ثالثًا: ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية] اهـ.

جاء في المذكرة التفسيرية: [المراد بالديون في المادة: الديون التي لها مطالب مِن العباد، وأما ديون الله تعالى فلا تطالَب التركة بها؛ أخذًا بمذهب الحنفية] اهـ.

وشددت بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن وُجوب فريضة الحج قد سَقَط عن والدكم بموته، ولا يَلزمكم شرعًا الحجُّ عنه مِن تَرِكتِهِ إلا إذا كان قد أوصى بذلك، فإنْ أوصى ولَم يُنازِع الورثةُ في ثبوت الوصية، فإنَّ تكاليف الحج تُستوفى مِن التركة قبل التقسيم في حدود ثُلُثِها وجوبًا، ولا تنفذ فيما يَزيد على الثلث إلا بموافقة الورثة، وذلك في حقِّ مَن كان منهم مِن أهل التبرع عالِمًا بما يُجيزُه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فريضة الحج أجر الحج فریضة الحج الله تعالى عنه م ن ت ن الثلث إذا کان إلا إذا وجوب ا الله ع

إقرأ أيضاً:

حكم تقديم السعي بين الصفا والمروة على الطواف في الحج والعمرة

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"هل الترتيب بين السعي والطواف بالبيت أمر لا بد منه في أداء مناسك الحج والعمرة؟ وما العمل لو سعى الناسك قبل أن يطوف وعاد إلى بلده؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: ان الترتيب بين الطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة عند أداء المناسك من حج أو عمرة أمرٌ واجبٌ عند جمهور الفقهاء، لكن إذا سعى الناسكُ قبل أن يطوف، وعاد إلى بلده مع عدمِ إمكان عَودِه إلى محل نُسُكِه، أجزأه سعيه، وصحَّ نُسُكُه؛ تقليدًا لمَن أجاز ذلك.

مذهب جمهور الفقهاء في مدى اشتراط الترتيب بين الطواف والسعي في الحج والعمرة

حكم تقديم السعي بين الصفا والمروة على الطواف ؟ 

الطواف ببيت الله الحرام، والسعي بين الصفا والمروة شعيرتان من شعائر الحج؛ حيث قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158]، وقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

وقد اشترط جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في معتمد مذهبهم الترتيب بين الطواف والسعي، فجعلوا من شروط صحة السعي أن يتقدمه طواف صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك، ولأن السعيَّ تابعٌ للطواف ومتمِّم له، وقد تقرَّر في قواعد الفقه: "التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى المَتْبُوعِ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 119، ط. دار الكتب العلمية).

لكن يُمكن أن يتقدَّم السعي على طواف الإفاضة إذا كان الناسك مفردًا أو قارنًا وكان قد سعى بعد طواف القدوم، فإذا فعل ذلك صحَّ اتفاقًا.

هل فضل العشر من ذي الحجة في النهار فقط ؟كلمتان تَمَسَّك بهما في العشر من ذي الحجة لتتعرض لنفحات الله

وطواف القدوم هو طواف تحيةٍ للبيت الحرام، وهو سُنَّةٌ عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ويفعله القادم إلى مكة مِن غير أهلها إذا كان مفرِدًا أو قارنًا، فلا يُتصور ذلك في حقِّ المتمتع؛ لأن طوافه الذي يستهل به مناسكه هو طواف العمرة التي يتحلل بعدها ثم يُحرِم بالحج.

وقد ورد عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أوَّلَ مَا يَقْدُمَ، سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ» أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَطَافَ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم قال: «لِتَأخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِيُّ الحنفي في "المبسوط" (4/ 51، ط. دار المعرفة): [ولا يجوز السعي قبل الطواف؛ لأنه إنما عرف قربة بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما سعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الطواف، وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، وهو في المعنى مُتَمِّمٌ للطواف، فلا يكون معتدًّا به قبله كالسجود في الصلاة، أو شرط الاعتداد به تقدم الطواف، فإذا انعدم هذا الشرط: لا يعتد به، كالسجود لما كان شرط الاعتداد به تقدم الركوع فإذا سبق الركوع لا يُعتدّ به] اهـ.

وقال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 134، ط. دار الكتب العلمية): [وأما شرائط جوازه؛ فمنها: أن يكون بَعْدَ الطواف أو بعد أكثره؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا فعل؛ وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، ولأن السعي تَبَعٌ للطواف، وتبع الشيء كاسمه، وهو أن يتبعه فيما تقدمه لا فيما يتبعه فلا يكون تبعًا له إلَّا أنه يجوز بعد وجود أكثر الطواف قبل تمامه؛ لأن للأكثر حكم الكلِّ] اهـ.

وقال سراج الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق" (2/ 79، ط. دار الكتب العلمية): [(وَطُف بينهما) أي: الصفا والمروة (سبعة أشواط) هذا أعني السعي بعد طواف القدوم إنما هو رخصة؛ لاشتغاله يوم النحر بطواف الفرض، والذبح، ورمي الجمار، وإلَّا فالأفضل تأخيره إلى ما بعد طواف الفرض؛ لأنه واجب فجعله تابعًا أولى كذا في "الفتح" وغيرها] اهـ.

وقال العلَّامة الخَرَشِيُّ المالكي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 318، ط. دار الفكر): [(ص) وصحته بتقدم طواف ونوى فرضيته وإلَّا فدم (ش) أي: وشرط صحة السعي في الحج والعمرة أن يتقدمه طواف، أيًّا كان واجبًا؛ كطواف القدوم للمفرد والقارن، أو ركنًا؛ كطواف الإفاضة والعمرة، أو تطوعًا؛ كطواف الوداع، وطواف المحرم من الحرم والمردف فيه، فلو سعى من غير طواف: لم يجزه ذلك السعي بلا خلاف. ابن عرفة] اهـ.

وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (2/ 250، ط. دار الفكر): [(وصحته) أي: السعي في الحج والعمرة مشروطة (بتقدم طواف) عليه، فإن سعى بلا تقدم طواف فهو باطل] اهـ.

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (4/ 303، ط. دار المنهاج): [السعي لا يصح إلا بعد طواف؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لما قدم مكة طاف للقدوم، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 78، ط. دار الفكر): [لو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عندنا، وبه قال جمهور العلماء، وقدمنا عن الماوردي أنه نقل الإجماع فيه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد] اهـ.

وقال تقي الدين الحصني الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 215، ط. دار الخير): [ويشترط وقوعه بعد طواف صحيح، سواء كان طواف الإفاضة أو طواف القدوم، فلو سعى بعد طواف القدوم: أجزأه، ولا يستحب له أن يسعى بعد طواف الإفاضة؛ بل قال الشيخ أبو محمد: يكره] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 352، ط. مكتبة القاهرة): [ومتى سعى المفرِد والقارِن بعد طواف القدوم لم يلزمهما بعد ذلك سعي، وإن لم يسعيا معه سعَيَا مع طواف الزيارة] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (3/ 469، ط. دار الكتاب العربي): [ولا يكون السعي إلَّا بعد طواف] اهـ.

وقال العلَّامة الرُّحَيْبَاني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (2/ 408-409، ط. المكتب الإسلامي): [(تنبيهٌ: شروط سعي تسع):.. (وكونه)، أي: السعي، (بعد طواف صحيح) مستكمل لشروط الصحة (ولو) كان الطواف (مسنونًا)؛ كطواف القدوم.. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عُمَرٍ، سوى عمرته التي مع حجته، فكان يسعى بعد الطواف] اهـ.

وأما حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَن أَطُوفَ أَو أَخَّرْتُ شَيْئًا أَو قَدَّمْتُ شَيْئًا، وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: «لا حَرَجَ، لَا حَرَجَ» أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني في "السنن"؛ فقد وقع الاختلاف بين العلماء في ثبوت لفظ "سعيت قبل أن أطوف"، وعلى فرض ثبوته؛ فقد فسَّره العلماء بوقوع السعي عقيب طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة.

فقد قال الإمام البيهقي عقب ذِكْره (5/ 237، ط. دار الكتب العلمية): [هذا اللفظ "سعيت قبل أن أطوف": غريب، تفرَّدَ به جرير عن الشيباني، فإن كان محفوظًا: فكأنه سأله عن رجلٍ سعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة، فقال: "لا حرج"، والله أعلم] اهـ.

وقال محيي السُّنَّة البغوي في "شرح السنة" (7/ 214، ط. المكتب الإسلامي) عقب ذكر هذا الحديث: [وهذا عند العامة أن يكون قد سعى عقيب طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة، ويكون محسوبًا له، ولا يجب عليه أن يعيده بعد طواف الإفاضة، فأما مَن لم يكن سعى عقيب طواف القدوم: فسعيه بعد الوقوف بعرفة لا يحسب قبل طواف الإفاضة] اهـ.

وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 387، ط. دار الوفاء): [وفى بعض طرق هذا الحديث من غير كتاب مسلم: "سعيت قبل أن أطوف"، وهذا لا أعلم أحدًا قال به واعتد بالسعي قبل الطواف إلَّا ما ذكر عن عطاء] اهـ.

وقال الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" (ص: 326، ط. دار ابن حزم): [وفي الباب أحاديث، وليس في شيء منها ذكر تقديم السعي على الطواف، إلَّا أن يكون مثل ذلك داخلًا في مثل هذا العموم، وأما ما وقع في حديث أسامه عند أبي داود بلفظ: "سعيت قبل أن أطوف"؛ فقد قال الحفاظ: "إنه ليس بمحفوظ"] اهـ.

مذهب الإمامين عطاء والأوزاعي في هذه المسألة
بينما ذهب عطاء والأوزاعي إلى جواز تقدم السعي على الطواف.

قال جمال الدين المَلَطي في "المعتصر من المختصر من مشكل الآثار" (1/ 184، ط. عالم الكتب): [أكثر الفقهاء على أن مَن سعى قبل الطواف لا يجزئه، وهو كمَن لم يسع، ولا نعلم لأهل الحجاز والعراق مخالفًا غير الأوزاعي، فإنه قال: يجزئه ولا يعيده بعد الطواف، وروى عن عطاء مثله] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 78): [وحكى ابن المنذر عن عطاء وبعض أهل الحديث أنه يصح، وحكاه أصحابنا عن عطاء وداود] اهـ.

وقال الإمام الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (2/ 183، ط. دار البشائر) فيمَن سعى قبل الطواف: [وقال الأوزاعي وإحدى الروايتين عن سفيان أنه يجزئه ولا يعيد] اهـ.

الحكم لو سعى الناسك قبل أن يطوف وعاد إلى بلده
بناء على ما تقدَّم: فإنَّ الترتيب بين الطواف ببيت الله الحرام والسعي بين الصفا والمروة أمرٌ واجبٌ عند أهل المذاهب الفقهية الأربعة؛ إذ من شروط صحة السعي أن يتقدم عليه طواف صحيح؛ لأنه الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن السعي تابع للطواف في المناسك ومُتَمِّمٌ له، والتابع لا يتقدم على متبوعه.

وبخصوص ما إذا سَعَى الناسكُ قبل أن يطوف، وعاد إلى بلده مع عدم إمكان عَودِه إلى محل نُسُكِه، أجزأه سعيه، وصحَّ نُسُكُه؛ تقليدًا لمَن أجاز وفقًا لما تقرر شرعًا أنَّ "العَامِّيَ لَوِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَلِّدُ مَن شَاءَ مِنهُمَا"؛ كما قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 218، ط. المكتب الإسلامي)، و"مَتَى وَافَقَ عَمَلُ العَامِّيِّ مَذْهَبًا مِن مَذَاهِبِ المُجْتَهِدِينَ.. كَفَاهُ ذَلِكَ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا"؛ كما قال العلَّامة محمد بخيت المطيعي -مفتي الديار المصرية الأسبق- في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة).

الخلاصة
بناء على ذلك: فإنَّ الترتيب بين الطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة أمرٌ واجبٌ عند جمهور الفقهاء، لكن إذا سعى الناسكُ قبل أن يطوف، وعاد إلى بلده مع عدمِ إمكان عَودِه إلى محل نُسُكِه، أجزأه سعيه، وصحَّ نُسُكُه؛ تقليدًا لمَن أجاز، كما سبق بيانه.

طباعة شارك حكم تقديم السعي بين الصفا والمرة على الطواف حكم تقديم السعي على الطواف الطواف

مقالات مشابهة

  • وها نحن في أعظم مواسم المسلمين حج بيت الله
  • إنجاز والزمالك مش قادر.. شوبير يعلق على فوز بيراميدز ببطولة أبطال أفريقيا
  • حكم تقديم السعي بين الصفا والمروة على الطواف في الحج والعمرة
  • ابن فرحان: لدى سوريا الكثير من الفرص، والشعب السوري قادر على الإبداع والإنجاز وبناء وطنه، ونحن معه في ذلك
  • التحلل من العمرة في حج التمتع.. الإفتاء توضح ما يترتب على ذلك
  • إسرائيل تعلن القضاء على قائد "وحدة صاروخية" في "حزب الله"
  • العشر الأوائل من ذي الحجة.. 3 أذكار أوصى بها النبي اغتنم أجرها
  • نقابة "سامير" تقول إن القضاء غير قادر على الحسم في مصير الشركة في ظل غياب موقف واضح من الحكومة 
  • هل يجوز صوم القضاء في عشر ذي الحجة؟
  • أحمد حسن: الخطيب أوصى ريفيرو بتعيين عماد النحاس وليس محمد شوقي