8 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
علي المؤمن
يردد الطائفيون وبعض الشيعة العلمانيين أو المنفعلين، بأن الحكم في العراق بعد 2003 هو حكم شيعي أو حكم الإسلاميين؛ بهدف إلقاء اللوم التاريخي على الشيعة في جميع ما يحصل من فساد وفشل وخلل وشلل ومحاصصة، وليقولوا بأن الشيعة فاشلون في الحكم، وأن السنة هم وحدهم رجال الدولة وقادة الحكم.
وهذا الكلام وهمٌ وخرافةٌ جملةً وتفصيلاً؛ فحكم العراق ليس شيعياً ولا هو حكم الشيعة ولاحكم الإسلاميين إطلاقاً، إنما هو حكم تشاركي تعددي؛ فالشيعة مشاركون في الحكم بمقدار الثلث فقط، أي ثلث قرار الدولة ومسؤولياتها، أما الثلثين المتبقيين؛ فيحوز عليهما السنة الكرد والسنة العرب، أي أن ثلثي الحكم بيد السنة، وظلت أغلب أحزاب هذين الثلثين تمارس التعطيل والتخريب والإفشال متى ما شاءت؛ لتحرك الجمهور الشيعي ضد الأحزاب الشيعية الإسلامية، فضلاً عن أن الشيعة الذين تسلّموا المسؤوليات ليسوا إسلاميين بأجمعهم، بل أن كثيراً منهم علمانيين، وبالتالي؛ فإن حصة الإسلاميين الشيعة من الحكم هي أقل من ربع المناصب والقرار. ويضاف الى ذلك أن رمزيات الدولة العراقية وأدبياتها وعقلها، لا تزال سنية طائفية، برغم وجود الشريك الشيعي في مركز القرار.
على عكس الحكم قبل 2003؛ فقد كان حكماً سنياً طائفياً حصرياً، احتكره السنة بتمامه وكماله لمدة 1350 سنة، وحدهم لا شريك لهم في المناصب والقرار، عدا عن أفراد معدودين من الشيعة، استخدمتهم الدولة السنية كعملاء لها أو مجرد هوامش لتحسين صورتها، ولتحتج بهم عندما يقال أن الدولة سنية طائفية، ولكي تضحك بهم على جمهور الشيعة، برغم أن الشيعة يشكلون 65% من سكان العراق، والسنة العرب 16% فقط.
وبالتالي؛ فإن ما ينبغي أن يعيه بسطاء الطائفيين وكذلك العلمانيين وبعض المنفعلين الشيعة؛ بأن حكم العراق لو كان شيعياً فعلاً؛ لكانت القواعد الخمس التالية مطبّقة بكل تفاصيلها:
1- أن تكون رمزيات الدولة وأدبياتها العامة والخاصة، وشعارها ونشيدها الوطني وعلمها، وثقافتها، ومناهجها الدراسية؛ شيعية إسلامية.
2- أن تكون تشريعات الدولة وقوانيها مستندة الى الأحكام الفقهية الشيعية الإسلامية، أو لا تتعارض معها، بما في ذلك الدستور.
3- أن تسير الدولة بإرشادات مرجع النجف الأعلى؛ بوصفه قائد الشيعة ورمزيتهم الاجتماعية الدينية. وليس القصد هنا أن يحكم المرجع ويقود الدولة تحت عنوان ولاية الفقيه، ولكن بعنوان التوجيه والإرشاد، وفق ما يحدده الدستور.
4- أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء، شيعة إسلاميين، دون محاصصات وترضيات.
5- أن تكون غالبية الثلثين، حداً أدنى، من الوزراء وجميع مسؤوليات الدولة وسلطاتها الثلاثة، من الشيعة الإسلاميين، بما في ذلك قادة القوات المسلحة ورؤساء المحاكم والجامعات والكليات والهيئات المستقلة والقضاة، ويكون للسنة العرب والكرد والتركمان والعلمانيين الشيعة حضور أيضاً في المناصب الوزارية وجميع سلطات الدولة، بما يتناسب مع نسبهم السكانية وحجمهم في مجلس النواب.
وحينها فقط يمكن تحميل الشيعة مسؤولية عقيدة الدولة وسلوكها، وبخلافه لا يمكن توصيف الحكم في العراق بأنه حكم شيعي أو حكم الشيعة أو حكم الإسلاميين، لأن هذا التوصيف متهافت ويصطدم ببديهيات الحقائق القائمة على الأرض.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
العراق: الميليشيات وحرب الموارد!
تسبب قرار إداري بتغيير مدير زراعة بغداد، وهي وظيفة مدنية تتبع لمجلس محافظة بغداد، في مواجهة مسلحة بين الميليشيات التي يتبع اليها مدير الزراعة المقال (وهي ميليشيا كتائب حزب الله) والميليشيات التي يتبع اليها المدير الجديد (وهي ميليشيا كتائب الإمام علي)، وأدى إلى تدخل القوات الأمنية وقد نتج عن هذه المواجهة سقوط قتيل و14 عشر جريحا منهم.
في العراق، لا يمكن فهم المواجهة المسلحة بين الميليشيات، والتي يفترض أنها تتبع القائد العام للقوات المسلحة، وأنها تنتمي إلى هيئة الحشد الشعبي، إلا في سياق حقيقة أن هذه الميليشيات لا تتبع سوى أوامر «عرابيها»، وأنها تستخدم كأدوات للسيطرة على الموارد، عبر ما يسمى بالمكاتب الاقتصادية التابعة لها، والمستنسخة من المكاتب الاقتصادية للأحزاب. وأن دورها الرئيسي هو ضمان الحاكمية الشيعية في العراق وضمان فرض هوية أحادية على الدولة والمجال العام، وضمان سيطرة القوى الحليفة لإيران على السلطة في العراق في مواجهة القوى الشيعية الأخرى (بشكل خاص التيار الصدري)، ثم استخدامها بطبيعة الحال لتحقيق مصالح شخصية لعرابيها، وللمجموعات الزبائنية المحيطة بهم!
منذ 2014 وأنا شخصيا أقول إن الحشد الشعبي، الذي أعلن عن تشكيله في حزيران 2014 دون إطار قانوني (بعد تحريف فتوى المرجع الديني السيد علي السيستاني التي دعت إلى الجهاد الكفائي عبر التطوع في القوات الأمنية حصرا)، كان خيارا إيرانيا، وإن القوى السياسية الشيعية وأجنحتها المسلحة والميليشيات الشيعية (التي أعاد رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي تفعيل نشاطها في منتصف عام 2012، كرد فعل على محاولة سحب الثقة عنه، ولاستخدامها لدعم نظام بشار الأسد من جهة ثانية) ظلت عصية على الضبط طوال السنوات اللاحقة.
فبعد ما يقارب ثلاثين شهرا من التشكيل الفعلي للحشد الشعبي، صدر قانون هيئة الحشد في تشرين الثاني 2016، وكان قانونا مهلهلا غايته توفير الغطاء القانوني والمالي للميليشيات العاملة فعليا على الأرض، ومع ذلك تضمن مادة نصت على أن «يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الاطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه». لكن هذا لم يحدث مطلقا، وأقصى ما حصل هو استبدال أسماء تلك الميليشيات بألوية ذات أرقام محددة، مع معرفة الجميع بأن كل لواء من هذه الألوية هو ميليشيا تابعة لهذه الجهة أو تلك، وبقاء ارتباطها الكامل بعرابيها (على سبيل المثال اللواء 45 و46 اللذان شاركا في المواجهة التي تحدثنا عنها بداية المقالة، يتبعان لكتائب حزب الله)!
ولمواجهة هذا الانفلات، أصدر رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي عام 2018 أمرا ديوانيا في محاولة منه لضبطها، وتضمن فقرة تنص على أنه «يشترط لمن يشغل منصب آمر تشكيل فما فوق [أي قادة المناطق ونائبا رئيس هيئة الحشد الشعبي] أن يكون خريج دورات كلية القيادة او كلية الأركان التابعة لوزارة الدفاع، ولا يكون إشغال المناصب المذكورة إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة، وله حق استثناء من لا تتوفر فيه الشروط المذكورة لمن لديه خبرة عملية وأثبتت كفاءة في الميدان وباقتراح من رئيس الهيئة». لكنه عجز عن تنفيذ ذلك، وأصرت الميليشيات، ومن خلفها إيران والقوى السياسية الشيعية، على إبقاء الوضع على ما هو عليه!
عام 2019 أصدر رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي أمرا ديوانيا آخر، أكثر شدة، لضبط الميليشيات التي أصبحت فاعلا سياسيا رئيسيا، فلم تعد الأحزاب الشيعية الرئيسية لديها أجنحة مسلحة، بل أصبح لكل ميليشيا جناح سياسي يمثلها في مجلس النواب.
تضمن هذا الأمر الديواني التخلي نهائيا عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد الشعبي في سياق الحرب على داعش، واستبدال ذلك بتسميات عسكرية (فرقة، لواء، فوج، الخ)، كما يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها في القوات المسلحة، وأن تقطع هذه الميليشيات افرادا وتشكيلات أي ارتباط سياسي أو عقائدي، وتضمن الأمر الديواني «غلق جميع المكاتب الاقتصادية أو السيطرات أو التواجدات أو المصالح المؤسسة خارج الإطار الجديد لعمل وتشكيلات الحشد الشعبي كمؤسسة تعتبر جزءا من القوات المسلحة» لكنه فشل أيضا في تنفيذ هذا الأمر الديواني للأسباب نفسها!
بعد احتجاجات تشرين، لم تعد هذه الميليشيات مجرد دولة موازية، بل فرضت سطوتها على الدولة نفسها، وبدا هذا واضحا عندما اضطُر رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، حينها، إلى الإذعان الكامل لها. وبعد انتخابات 2021 أصبحت هذه الميليشيات الفاعل الرئيسي في الدولة بعد سيطرتها على مجلس النواب بعد استقالة التيار الصدري، وسيطرتها على الدولة بضوء أخضر إيراني!
بعيدا عن السلطة والدولة، كانت المكاتب الاقتصادية لهذه الميليشيات، قد بدأت بأخذ حصتها من الاستثمار في المال العام، لكن سلاحها مكنها هذه المرة من تجاوز المكاتب الاقتصادية للقوى السياسية، خصوصا في المناطق التي تنتشر فيها؛ بمحافظات بغداد ونينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك.
حيث استحوذت على الحصة الأكبر في المشاريع والمقاولات فيها، وفرضت إتاوات على الجميع، وسيطرت على مساحات واسعة من الأراضي المملوكة للدولة. ولم تكتف بذلك، بل أصبحت تبتز المواطنين عبر التهديد بالتهم الكيدية، وعلى رأسها الإرهاب، أو الانتماء إلى حزب البعث، أو عبر التهديد بالتهجير القسري لدفع مالكي البساتين والأراضي الزراعية بالتخلي عنها لمصلحتهم.
لا يمكن أيضا التعويل على موقف للفاعلين السياسيين السنة في هذه المسألة، بسبب خضوعهم الكامل لإرادة الفاعل السياسي الشيعي
ويحرص الفاعلون السياسون الشيعة، ومن خلفهم إيران، على الإبقاء على الميليشيات، خاصة بعد التغيير الذي حدث في سوريا، لاعتقادهم أنها الضامن الوحيد ليس لضمان الحاكمية الشيعية وحسب، بل لاستمرار وجودهم نفسه، لهذا يرفضون الحلين الوحيدين المنطقين وهما حلها أو دمجها في القوات المسلحة العراقية، فالجميع يدرك أنه لا إمكانية لإعادة هيكلة هذه الميليشيات وإنهاء طبيعتها المزدوجة (قوات رسمية وغير رسمية)، وولائها المزدوج (العراقي -الإيراني)، ونطاق عملها المزدوج أيضا (في الداخل وخارج الحدود)، ولا إمكانية لضمان التزامها بالقانون أو بسياقات الدولة، والتخلي عن تكوينها العقائدي الطائفي.
ولا يمكن أيضا التعويل على موقف للفاعلين السياسيين السنة في هذه المسألة، بسبب خضوعهم الكامل لإرادة الفاعل السياسي الشيعي، كما أن الانقسام الكردي بين السليمانية الحليفة للميليشيات، وأربيل التي تواجه صواريخهم ومسيّراتهم، يمنعهم من اتخاذ موقف حاسم، ومن ثم لم يبق سوى الموقف الأمريكي الذي يصر على دمجها في القوات المسلحة، وهو الموقف الوحيد الذي سيحدد مستقبلها، بل ومستقبل الدولة العراقية ككل لاسيما أن المجتمع الدولي لديه تجربة مرة مع العراق، بسبب الممارسات السياسية الطائفية التي أدت إلى ظهور داعش، والتداعيات الخطيرة التي نتجت عن ذلك.
وعلى العقلاء في الطبقة السياسية العراقية، إن وجدوا، أن يتعلموا من دروس الماضي، وأن يصححوا الخطايا التي ارتكبوها؛ بينها خطيئة صناعة الدولة الموازية التي شكلتها هذه الميليشيات، وأن الإصرار على استمرار هذه الخطايا لغرض فرض الحاكمية الشيعية، وتقويض الدولة، لا يمكن إلا أن يكون إصرارا على الخراب.
القدس العربي