كشفت منظمة الصحة العالمية، الأسبوع الجاري، أن السلطات الصحة السعودية سجّلت 3 إصابات بشرية جديدة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) في الفترة من 10 إلى 17 أبريل الجاري، من بينها حالة وفاة واحدة.

وأوضحت الوزارة، بحسب المعطيات التي نقلتها المنظمة الأممية، أن الحالات الثلاث هي لرجال من العاصمة الرياض تتراوح أعمارهم بين 56 و60 عاما، ولديهم جميعا ظروف صحية مزمنة، مشيرة إلى أنهم ليسوا من العاملين في القطاع الطبي.

 

كما أفادت الوزارة بأن هناك ارتباطا وبائيا محتملا بين الحالات الثلاث، حيث يُعتقد أن التعرض للفيروس قد حدث داخل إحدى منشآت الرعاية الصحية في مدينة الرياض

وبهذه الحالات يرتفع إجمالي الإصابات المبلغ عنها في السعودية منذ مطلع 2024 إلى أربعة، توفي منها اثنان. ورغم ذلك أكدت منظمة الصحة العالمية أن هذه المستجدات لم تغير من تقييمها العام لخطورة الفيروس، والذي لا يزال في درجة "معتدلة" على المستويين الإقليمي والدولي.

ما هي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

وتعد متلازمة الشرق الأوسط التنفسية مرضا تنفسيا فيروسيا يتسبب فيه فيروس كورونا، وجرى اكتشافه لأول مرة في السعودية في عام 2012.

وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية فيروس حيواني المصدر، مما يعني أنه ينتقل بين الحيوانات والبشر. وثبت ارتباطه بالعدوى البشرية في الجِمال العربية في العديد من الدول الأعضاء في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.

الأخصائي في علم الوبائيات، الدكتور أحمد الطسة، يؤكد أن متلازمة الشرق الأوسط، أحد أنواع الكورونا، وأصلها مثل جميع فصائل كورونا الأخرى من الخفاش، لكنها انتقلت إلى الجمال قبل أن تنتقل إلى الإنسان.

ويوضح الطسة في تصريح لموقع "الحرة"، أن آخر موجة لهذه المتلازمة "كانت حادة جدا، أكثر من كوفيد 19 التي شهدناها"، وتتسبب في نسب وفيات عالية.

وتوفي ما يقرب من 35 بالمئة من الحالات المصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي أُبلغت بها منظمة الصحة العالمية.

وعالميا، تم الإبلاغ عن 2204 حالة و860 حالة وفاة، وفقا للمصدر ذاته. وسجلت الغالبية العظمى، أكثر من 80 بالمئة في السعودية.

فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية

وتشمل الأعراض النمطية للإصابة بهذا المرض الحمى والسعال وضيق التنفس. ويعد الالتهاب الرئوي شائعا، بيد أن مرضى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية قد لا يصابون دائما بهذه الحالة الصحية. كما أُبلغ عن أعراض مَعدية معوية، بما فيها الإسهال، لدى مرضى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

ويبقى انتقال العدوى من البشر إلى البشر أمرا ممكن الحدوث، وقد جرى بشكل أساسي بين المخالطين المقربين وفي أماكن الرعاية الصحية. أما خارج أماكن الرعاية الصحية، فقد كان الانتقال من البشر إلى البشر محدودا، وفقا للمنظمة الأممية.

وبشأن طريقة انتقال عدوى هذه المتلازمة، يقول الخبير الطبي، إنها مماثلة للتي نعرفها عن فيروس كورونا، ولكن بسبب حديتها العالية، فهي تمثل "مشكلة خطيرة على الطواقم الطبية".

ويضيف أنه في حال إصابة عدد كبير من الطواقم الطبية وكانت نسب الوفيات عالية، فإن ذلك من شأنه أن يحدث هلعا كبيرا لدى هذه الطواقم خاصة إذا لم تكن مجهزة بالشكل المطلوب، مما يؤدي إلى تراكم حالات المرضى.

ولا يتوقع الطسة، أن يكون الانتشار الحالي مماثلا للموجات السابقة، مرجعا ذلك إلى الأنظمة والطواقم الصحية وخاصة في الدول الخليجية أصبح لديها الخبرة والتجربة في التعامل مع موضوع الأوبئة والفيروسات.

غير أنه يقول إن المشكلة بأي موجة فيروسية ترتبط بالمتحورات، حيث لا نعرف إن كانت ستكون أكثر فتكا أم لا.

ويضيف الخبير الصحي، أن منظمة الصحة العالمية "تتوقع أن مرضا أو فيروسا عالميا جديد بطريقة أو بأخرى"، والسؤال لم يعد إن كان سيأتي أم لا، بل بتوقيته وبسؤال "متى؟".

ويقول المتحدث ذاته، إن الأسئلة المطروحة هي إن كانت الفيروسات المقبلة، سواء متلازمة الشرق الأوسط أو غيرها، ستكون حديتها أعلى من كورونا، لأنه في هذا السيناريو سنتحدث عن نسب عالية أيضا من الوفيات.

تفاصيل الحالات الأخيرة

وأبلغت وزارة الصحة السعودية منظمة الصحة العالمية عن 3 حالات إصابة بالمرض في الرياض بين 10-17 أبريل 2024، من بينها حالة وفاة. جميع الحالات مرتبطة بمنشأة صحية واحدة، واثنتان منها تم تحديدهما من خلال تتبع المخالطين للحالة المرجعية.

وكانت هذه الأخيرة لمدرس سعودي يبلغ 56 عاما يقيم في الرياض، ظهرت عليه أعراض في 29 مارس وتم تأكيد إصابته في 6 أبريل. لديه أمراض مزمنة ولا يوجد تاريخ واضح للتعرض لعوامل خطر ميرس النمطية. أسفر تتبع المخالطين عن تحديد حالتين ثانويتين، وتوفي في 7 أبريل.

الحالة الثانية لرجل سعودي متقاعد يبلغ 60 عاما، تم نقله لنفس المستشفى وتقاسم غرفة مع الحالة المرجعية. ظهرت عليه الحمى في 6 أبريل وتأكدت إصابته في 8 أبريل. لديه أمراض قلبية وهو مدخن، ويشتبه بأنه التقط الفيروس أثناء تلقيه الرعاية الطبية في المستشفى.

تأهب صحي في السعودية بسبب مرض مرتبط بفيروس كورونا تسابق الوكالات الصحية الزمن لتحديد أصول تفشي فيروس "ميرس" في السعودية، وذلك إثر ظهور ثلاث حالات مؤكدة بالعدوى لدى أشخاص لم يكن لهم احتكاك مباشر مع الإبل، التي تُعد المصدر الرئيسي المعروف لهذا الفيروس، حسبما نقلته صحيفة "تلغراف" البريطانية.

وتعود الحالة الثالثة لرجل عسكري متقاعد يبلغ 60 عاما،  قد تعرض للحالة المرجعية أثناء وجودهما معا في قسم الطوارئ بالمستشفى. وظهر على المريض ضيق تنفس في 10 أبريل، وتأكدت إصابته في 15 أبريل. ويعاني من فشل كلوي مزمن وأورام وأمراض كبد، ويشتبه أيضا بأنها حالة مرتبطة بالمخالطة الصحية.

وحتى 21 أبريل، لا تزال الحالتان الثانية والثالثة بالعناية المركزة وعلى أجهزة التنفس الصناعي. التحقيق جار لتحديد مصدر العدوى، حيث لم يتم تحديد أي تاريخ لتعرضهما للإبل.

كما تجرى متابعة لـ 14 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ولم يتم تحديد أي حالات إضافية حتى الآن، بحسب ما نقلت المنظمة.

أستاذ العلاج الدوائي السريري في جامعة البترا الدكتور، ضرار حسن بلعاوي، يقول إن انتقال متلازمة الشرق الأوسط "لا يكون سريعا كما أن قدرته على التحور بطيئة"، عكس فيروس كوفيد 19 الذي تسبب في جائحة كورونا.

ويضيف بلعاوي أن الحالات التي تظهر بالسعودية تبقى قليلة جدا حيث أنه في ظرف نحو 7 أو 8 أشهر كانت هناك نحو 4 حالات للإصابة مما يعني أنه تتم السيطرة على الفيروس، مشيرا إلى أن التوقعات كانت تتوقع ظهور هذه الحالات الجديدة.

وفي حين أن العديد من علاجات ولقاحات ميرس قيد التطوير السريري، على عكس كوفيد-19، لم يتم تمرير أي منها عبر التجارب السريرية والموافقة عليها من قبل الجهات التنظيمية.

في هذا الجانب، يقول بلعاوي في تصريح لموقع "الحرة"، إن لا يتوفر إلى اليوم لقاح أو علاج لهذا المرض، مشيرا إلى أنه كانت هناك أبحاث ودراسات، لكن بسبب قلة الحالات المسجلة لم يتم استكمالها.

وكان لافتا في الحالات الأخيرة، أن المصابين الثلاث لم يكن لهم احتكاك مباشر مع الجمال، التي تُعد المصدر الرئيسي المعروف لهذا الفيروس.

في هذا الجانب يقول الطسة، إن من السابق لأوانه معرفة طريقة انتشار الفيروس، مشيرا إلى أنه في الحالات السابقة تم ربط الانتشار بالإبل، بعد أن انتقل إليها الفيروس عبر خفاش، وكانت دور الحيوان الناقل إلى الإنسان.

ويضيف أنه، يمكن أن يكون الفيروس أصاب أحد الحيوانات المعينة الجارحة وأكلها الإنسان مثلا بدون طبخ أو تعامل معه بطريقة قريبة، بالتالي تتواصل الدراسات والأبحاث لمعرفة مصدره والسيطرة عليه، لكن هذه فقط مسألة وقت لأنه يتم تتبع كل حالة بحالة لإيجاد النقطة الصفر التي بدأ منها المرض.

من جهته، يقول الدكتور بلعاوي، إن الانتقال لا يكون دائما بمخالطة مباشرة مع الإبل، بلقد يكون المصابين به خالطوا أشخاصا مصابين ونقلوا إليهم العدوى، مؤكدا أن هذا "أحدث تأهبا بالسعودية من أجل تتبع وتعقب المخالطين من أجل جرد كل الحالات".

وبشأن قراءته لمستقبل الفيروس، يؤكد المتحدث ذاته، أنه إلى حدود اللحظة يظهر أن هذا المرض لا يمكن أن يتحور  بنفس طريقة تحور وانتشار كوفيد، مما تسبب في حدوث الجائحة العالمية، حيث أن معدل وطريقة تحوره خلال 12 عاما الماضية كانت بطيئة وغير حادة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمیة الرعایة الصحیة فیروس کورونا فی السعودیة لم یتم أنه فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

كيف تُعيد حرب إسرائيل وإيران تشكيل الشرق الأوسط؟

 

إذا كان مستقبل أي منطقة عادةً ما يرتبط بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وغيرها، فإن مستقبل الشرق الأوسط اليوم يرتبط بعامل رئيسي، وهو الآثار والتداعيات المترتبة على الحرب بين إسرائيل وإيران التي بدأت في 13 يونيو 2025، ووضعت أوزارها مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين في 24 يونيو الجاري. فالطريقة التي وضعت نهاية الحرب، سوف تطرح تأثيراتها في شكل المنطقة، وتوازن القوى بين دولها، ومستقبل علاقاتها الدولية.

فقد تم إعلان وقف إطلاق النار بعد يومين من الهجوم العسكري الأمريكي ضد مواقع البرنامج النووي الإيراني؛ أي أنها انتهت بعد عملية عسكرية أمريكية تُعد الأكبر من نوعها منذ عدة عقود. وأعقب هذا الهجوم يوم من العمليات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، فقامت إسرائيل بتوسيع مجال أهدافها، ليشمل المطارات، ومراكز الحرس الثوري، والباسيج، والسجون، والمطارات، والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية؛ وذلك في سياق سيطرة شبه كاملة واستباحة للمجال الجوي الإيراني. بينما قامت إيران، في نفس اليوم، بهجوم بالصواريخ على إسرائيل، استهدف مدن تل أبيب وحيفا وبئر السبع، وآخر على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، بعد أن كانت قد أبلغت السلطات الأمريكية بموعد الهجوم وهدفه؛ مما قلل للغاية من آثاره واستدعى شكر الرئيس ترامب لها.

وحتى الآن، لا أحد يعرف على وجه الدقة حجم الأضرار الناجمة عن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، ومدى استقرار وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حكومتا إيران وإسرائيل أو نص الاتفاق، وعن شكل وطبيعة ما سوف يترتب عليه من إجراءات سياسية، والمفاوضات التي من المُتوقع حدوثها، ونتائجها. ومع ذلك، يثور السؤال عما هو مستقبل الشرق الأوسط؟ وكيف يؤثر ما حدث في إعادة تشكيل وتوزيع عناصر القوة فيه؟

مواقف الأطراف:

على المستوى الجيوبولوتيكي، تبدو هناك أكثر من إجابة لهذا السؤال، فقد تسعى إسرائيل إلى تصدر المشهد الإقليمي واستكمال إعادة تشكيله وفقاً لرؤيتها ومصالحها، وقد ينشأ توازن للقوى بين إسرائيل وإيران تحت إدارة أمريكية وربما بتنسيق مع تركيا، أو أن تتحرك عدد من الدول العربية وتركيا لبناء توافق إقليمي لا يعتمد فقط على العلاقات بين إسرائيل وإيران. وسوف يُسهم سلوك دول الإقليم في ترجيح الاتجاه إلى أي من هذه الصور.

فقد انتهت الحرب بعد أن اتضح بجلاء الاختلال النوعي في ميزان القوى بين إسرائيل المدعومة أمريكياً، وإيران التي حاربت منفردة. ويمكن توضيح مواقف الأطراف الأساسية في التالي:

1- إسرائيل: سوف تسعى تل أبيب إلى الاستفادة من هذا الوضع وتحقيق أكبر قدر من أهدافها التي تتضمن القضاء على البرنامج النووي والصاروخي لإيران، والعمل على خلق الظروف لتغيير النظام الحاكم في طهران، فضلاً عن هدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي تحدث عنه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عدة مرات على مدى عامين، للتخلص من أي مصدر للتهديد العسكري ضد إسرائيل قادر على إلحاق الضرر والأذى بها، وفقاً لرؤيته، على نحو ما حدث في فلسطين وسوريا ولبنان. يُضاف إلى ذلك، هدف الإسراع في تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والضغط على الدول المجاورة لقبولهم تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، وكذلك هدف تشجيع الأقليات في بعض الدول العربية ضد حكوماتها ودعمها لإضعاف التماسك الوطني فيها.

ومن المُتوقع أن يؤدي هذا السلوك الإسرائيلي إلى استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وسوف تظل إسرائيل متابعة ومراقبة لجهود إيران لإحياء مشروعها النووي والصاروخي، والتزامها ببنود الاتفاق الذي سوف تتوصل إليه طهران مع واشنطن، أو أي نشاط لها لإحياء دور أذرعها في المنطقة.

وقد يترتب على ذلك، ازدياد شكوك دول المنطقة في توجهات إسرائيل وتطلعاتها إلى مد نفوذها وسيطرتها؛ وبما يقود إلى زيادة التعاون بين مجموعة من الدول العربية متقاربة التوجهات والمشاغل؛ ومن ثم تصبح عنصراً فاعلاً في توازن القوى الإقليمي.

2- إيران: بالرغم من أن طهران رفضت “الاستسلام غير المشروط” الذي اقترحه ترامب، وأثبتت قدرتها على استهداف المدن الإسرائيلية حتى آخر أيام القتال؛ فإنه لم يكن من الوارد أن تدخل في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة، فقررت قيادتها أن المصلحة الوطنية لبلادها تكمن في إنهاء الحرب.

وتبقى إيران بعد الحرب قوة إقليمية جريحة وضعيفة نسبياً، وخاصة بعد تآكل أذرعها في المنطقة. والأرجح أن إيران سوف تسعى إلى ترميم نظامها الدفاعي لتعويض خسائرها، وإعادة بناء قدراتها العسكرية، وربما تصل إلى الاقتناع بأن الوصول إلى القنبلة النووية هو أهم ضمانة لحماية أمنها في المستقبل كما حدث في حالة كوريا الشمالية. وإلى حين حدوث ذلك، سوف تتبع تكتيكات غير متناظرة لإدارة الصراع مع إسرائيل.

وتتوقع إيران أن تُسفر المفاوضات مع الولايات المتحدة عن إنهاء بعض العقوبات الاقتصادية أو الإفراج عن أرصدتها المالية المُجمدة؛ مما يتيح للاقتصاد الإيراني فرصة للانتعاش، وزيادة صادراته من النفط. في المقابل، فإنه إذا قبلت الحكومة الإيرانية المطلب الأمريكي بعدم تخصيب اليورانيوم على أراضيها، واستخدمت المعارضة المعلومات المتاحة عن إبلاغ طهران السلطات الأمريكية عن موعد وهدف الهجوم على قاعدة العديد؛ فإن الرأي العام في طهران قد ينفض عنها وينقلب عليها، ويختار حكومة من التيار المتشدد في الانتخابات القادمة.

3- الولايات المتحدة: أثبت واشنطن أنها القوة الدولية الوحيدة القادرة على حسم الصراعات في الشرق الأوسط، وشريك أساسي في توجيهها بما يتفق مع سياساتها ويخدم مصالحها، وذلك مقارنةً بالدور المحدود لكل من روسيا والصين. ومن المُرجح أن واشنطن سوف تسعى لفرض وجهة نظرها على طهران في القضايا محل الخلاف مثل تخصيب اليورانيوم، ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرقابة والتفتيش؛ وذلك مقابل حوافز مالية واقتصادية.

4- الدول العربية: أدانت الدول العربية الهجوم الإيراني على قطر، واعتبرته مساساً بسيادتها، وربما أدى هذا إلى إحياء الشعور في بعض العواصم العربية بخطر القوة العسكرية الإيرانية واحتمال استخدامها ضد العرب أو على الأقل كعنصر مساند لتدخلها في الشؤون الداخلية العربية. وسبق ذلك إدانة الدول العربية للهجوم الإسرائيلي على إيران، واعتباره عدواناً على دولة ذات سيادة، فضلاً عن دعواتها المُتكررة إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، والمطالبة بعدم تصعيد الصراع، والعودة إلى مائدة المفاوضات. وبالفعل رحبت الدول العربية بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لإنهاء أعمال التدمير ومنع مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، ومنها المخاوف من توظيف أنصار تنظيمات الإسلام السياسي التي تؤمن باستخدام العنف، للأوضاع الإقليمية الحالية في نشر أفكار التطرف والإرهاب، وتهديد الاستقرار السياسي في المنطقة.

مستقبل المنطقة:

ترسم هذه الملامح صورة قلقة، وغير مريحة لمستقبل الشرق الأوسط في الأجل القصير، فالطرفان المتحاربان احتفل كل منهما بالنصر في الميادين العامة، وما زالت التصريحات المتشددة تتردد على ألسنة قادة إسرائيل وإيران. وعمقت الحرب مشاعر الشك وعدم الثقة، وأوجدت مصادر لعدم الاستقرار الإقليمي، وسوف يزيد من ذلك شعور إسرائيل بالزهو بتحقيق الانتصار وسعيها لفرض ما تعتقده على إيران ودول المنطقة. ويبدو أن العنصر الحاسم في هذا الشأن هو موقف الرئيس ترامب وقدرة ممثليه على إدارة المفاوضات بشكل متوازن. ومن المُرجح أن يكون للدول العربية القريبة من واشنطن دور مهم في دعم هذا التوجه.

واتصالاً بذلك، ربما يؤدي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران إلى إعطاء دفعة للإسراع بعقد اتفاق مماثل يُنهي القتال والتدمير في قطاع غزة، ويضع الأساس لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره مصدراً لكثير من التوترات في الإقليم.

ويعتبر كثير من الدبلوماسيين والخبراء والباحثين، ومنهم هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الراحل، أن منطقة الشرق الأوسط هي “مرجل الصراعات في العالم”، والتي يتسم كثير منها بأنها صراعات اجتماعية ممتدة، تبدو مستعصية على الحل، واستمرت هذه السمة لصيقة بالمنطقة، على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم فإن الحديث عن عدم استقرار المنطقة واستمرار مصادر الخطر والتهديد فيها، ليس جديداً؛ لكن الجديد هو حجم الخسائر المادية والبشرية المترتبة عليها، ووجود مجموعة من دولها التي قررت الاستثمار في التنمية والسلم.

ختاماً، ربما يكون من المناسب الآن إثارة موضوع الحاجة إلى وجود نظام أمن جماعي إقليمي، يتضمن إجراءات وآليات بناء الثقة بين دول المنطقة، وبحث جذور الصراعات المزمنة التي تستخدم كمرجعية في إطار صراعات أخرى.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • تقرير ألماني يسلط الضوء على مخاطر حروب الشرق الأوسط وتهديدها لكنوز التاريخ
  • أكسيوس: الجيش الأمريكي غير قادر على الانسحاب من الشرق الأوسط
  • اليونيسف: طفل يُقتل أو يُشوه كل 15 دقيقة في الشرق الأوسط
  • كيف تُعيد حرب إسرائيل وإيران تشكيل الشرق الأوسط؟
  • الصحة: إصابات “الروتا” ضمن المعدلات الطبيعية رغم تزايدها بين الأطفال
  • الخارجية الأميركية: الشرق الأوسط تغيّر جذريًا .. وترامب يضغط لوقف إطلاق النار في غزة
  • الخارجية الأمريكية: الشرق الأوسط تغير جذريا إلى الأبد قبل أسبوعين
  • وَهْم "الشرق الأوسط الجديد" بدون مقاومة
  • محل الأطفال يطلق مجموعة نونا × بي إم دبليو حصرياً في الشرق الأوسط
  • بيان جديد من طيران الشرق الأوسط... إليكم تفاصيله