شَهدت الأيام الماضية مبادرةً عُرِفَتْ " بمقاطعة شراء الأسماك "والغريب أنها بدأت من "بورسعيد" المدينة الساحلية الأعظم شهرة بوجود أكبر سوق لبيع الأسماك في مصر ثم امتدت إلى عدة محافظات. فما الذي دفع أهل بورسعيد إلى المقاطعة؟
أجاب أحد دُعاة المبادرة بأن المواطن البورسعيدي لم يَعُد قادرا بعد غلاء الأسعار على شراء كمية ونوع السمك الذي اعتاد أكله أكثر من مرة في الأسبوع.
وإن كانت الأسماك تُمَثِّل صنفا واحدا فباقي الأطعمة كاللحوم بأنواعها والألبان ومنتجاتها وكذلك بعض المنتجات الزراعية تشهد أيضا ارتفاعا متزايدا في أسعارها يتزامن مع اختفاء أو نُدرَةِ ما يُطرَح في الأسواق مما يزيد من معاناة المواطن وعجزه عن تدبير أمور حياته الأخرى لاسيما إذا أضفنا الأدوية كأحد الأصناف الضرورية.
فماذا تصنع الحكومة لمواجهة الغَلاء وجشع التُجَّار؟ هل تنصح بعدم شراء سلعة ارتفع سِعرُها و يعتاد المواطن على الحِرمان منها؟ أم أنها تعمل وتُسخِّر كل إمكاناتها لإيجاد حلولٍ مناسبة قد تتمَثَّلُ في القيام بعمليات الإنتاج الزراعي والحيواني بمساحاتٍ وكمياتٍ كافية تطرحُها في منافذٍ خاصة ( يحدث ذلك الآن بشكل غير منتظم وبكميات غير كافية) بحيت تكون الأسعار مخفضة تصل إلى حد التكلُفَة. وإذا كانت الحكومة مُقيَّدةً بقانونٍ يمنع فرض التسعيرة الجَبْرية فهي قادرةٌ -علي الأقل - على تحديد هامش ربح لا يتجاوزه التاجر ويتم إنذاره فإن خالفة أَغلَقَتْ مَحلَّهُ وفَرضَتْ عليه غرامةً رادعةً تتناسب مع حجم نشاطه. ويكون الربح مناسبا لقدرة المواطن الفقير أولا مع استمرار استطاعة التاجر مزاولة نشاطه دون خسارةٍ أو انخفاضٍ كبير في مستوى معيشتهِ الذي اعتاده.
نعود للمقاطعة فهي لا تصلُح مع السلع الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها وليس لها بديل، ولا تصلُح مقاطعة أي سلعة إلاَّ بتكاتفِ الفئات القادرة مع غير القادرة والالتزام بالفترة المُحدَّدة. فهناك فئةٌ لا تُضْطَرللمقاطعةِ بسبب قُدرتِها على الشراء وبكميات كبيرة مهما ارتفعت الأسعار بل يُمكنها استجلاب أطعمتها من خارج مصر طازجةً بطائراتهم الخاصة. فالمقاطعة لا تنجح تمامًا إن كانت من جانب الفقراء وحدَهُم فهي في هذه الحالة تكون اضطرارًا وليست قرارًا.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
غزل وانبهار.. ترامب يعترف: ماذا لو كانت أمريكا مثل الخليج!
في واحدة من أبرز المحطات الرمزية والجيوسياسية في فترته الرئاسية الثانية، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعجابًا بالغًا بالنموذج التنموي والسياسي الذي تمثله دول الخليج، مؤكداً في خطابه بالرياض أن ما تشهده المنطقة هو "عصر ذهبي" يمكن أن يسير بالتوازي مع "عصر النهضة الأمريكية الجديدة"، في إشارة واضحة إلى الدور الصاعد والمتنامي لدول الخليج في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد والسياسة الإقليمية والدولية.
من قلب الرياض، حيث استُقبل ترامب بحفاوة واحتفاء يعكسان متانة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، أشاد الرئيس الأمريكي بما وصفه بـ"التحولات المذهلة" التي تشهدها مدن مثل دبي، وأبو ظبي، والدوحة، ومسقط، مشيراً إلى أن قادة الخليج الجدد باتوا يكتبون فصلًا جديدًا في تاريخ المنطقة، يتجاوز الصراعات القديمة نحو عالم تُهيمن عليه التجارة والتكنولوجيا بدلًا من الفوضى والتطرف.
يكشف التحليل الذي نشرته شبكة “سي إن إن” عن إدراك أمريكي متزايد بأن شركاء واشنطن الحقيقيين لم يعودوا محصورين في حلفاء أوروبا التقليديين، بل باتت العواصم الخليجية — من الرياض إلى الدوحة وأبو ظبي — تمثل مفاتيح أساسية في الأمن والاستقرار العالميين، ليس فقط عبر الاستثمار والتسليح، بل من خلال الدبلوماسية الفاعلة والقدرة على الوساطة في أصعب الملفات الدولية.
في محور التقرير، تحضر قطر كدولة صغيرة بحجمها الجغرافي، لكنها ذات وزن ثقيل في ميزان السياسة الدولية، حيث أصبحت بفضل دبلوماسيتها المتعددة القنوات — سواء في الملف الأفغاني أو الأزمة الأوكرانية أو حرب غزة — بمثابة "صندوق أدوات دبلوماسي" للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقناة خلفية فعالة بين الخصوم الدوليين.
في المقابل، تظهر السعودية والإمارات كقطبين راسخين يقودان مسيرة التحول الخليجي، عبر المشاريع الضخمة والاستثمارات العابرة للحدود، ودورهما في الوساطة الدولية، إضافة إلى التقدم في القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، والرياضة، والسياحة، ما يجعل منهما شريكين استراتيجيين لا غنى عنهما لأي إدارة أميركية تسعى لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط.
ولم يخفِ ترامب إعجابه الواضح بزعماء الخليج، خصوصًا الأمير محمد بن سلمان، مؤكدًا في خطاب صريح: "أحب هذا الرجل كثيرًا، وربما لهذا السبب نعطي الكثير.. أحبك كثيرًا".
كلمات تعكس طبيعة العلاقة الشخصية والسياسية التي تربط إدارة ترامب بقادة الخليج، والمبنية على رؤية براغماتية تشجع على الاستثمار، وتقلل من التدخل في الشئون الداخلية.
خلافًا لما يروجه بعض المنتقدين في الغرب، ترى العواصم الخليجية أن علاقتها بواشنطن مبنية على الندية والاحترام المتبادل، فهي شريك فاعل في الأمن العالمي، ولاعب أساسي في ملفات إقليمية معقدة، من اليمن إلى فلسطين، ومن الطاقة إلى الأمن السيبراني.
وفي هذا السياق، فإن الترحيب الخليجي بزيارة ترامب لا يعكس فقط عمق العلاقة التاريخية، بل أيضاً مكانة الخليج الجديدة كصانع قرار دولي.
ما بين الإعجاب الأمريكي المتصاعد والنفوذ الخليجي الآخذ في التوسع، يبدو أن واشنطن باتت تنظر إلى الخليج ليس فقط كمصدر للطاقة والثروات، بل كمنظومة سياسية واقتصادية تمتلك من المرونة والرؤية ما يجعلها نموذجاً مغرياً لقيادات العالم.
وربما كان ترامب أول من عبّر عن ذلك بوضوح، لكن المؤشرات تدل على أن من سيأتون بعده سيجدون في الخليج الحليف الأكثر قدرة على ترجمة الطموحات إلى نتائج.