تشو شيوان **

شهدتْ الدبلوماسيَّة الصينية تطورات مهمة خلال الأيام القليلة الماضية؛ حيث زار الرئيس الصيني شي جين بينج عدة دول من أوروبا -الزيارة الأولى له كانت منذ خمس سنوات- فخلال الزيارة زار الرئيس شي كلًّا من: فرنسا وصربيا والمجر، كما حضر القمة الثلاثية بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وقد استغرقت الزيارة ستة أيام، مُحقِّقة سلسلة من النتائج المثمرة؛ أهمها: تعزيز العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، وضخ عوامل استقرار جديدة للعالم، خصوصًا وأن الصين بثقلها وتأثيرها الاقتصادي والسياسي العالمي بات له وزن وقيمة أكبر، ونحن نتحدث هنا عن زيارة الرئيس شي الذي بات حضوره محط أنظار العالم.

الرحلة إلى أوروبا هذه المرة هي أول زيارة خارجية للرئيس شي جين بينغ هذا العام، وهي أيضًا زيارته الثالثة إلى فرنسا، والزيارة الثانية إلى صربيا، والزيارة الأولى إلى المجر، واختيار الدول المستهدفة يعكس خصائص دبلوماسية القوى الكبرى الناضجة، والتخطيط الشامل للعلاقات التاريخية الثنائية والتعاون العملي بين الصين والدول الأوروبية، وحضوره القمة الثلاثية يؤكد أن تحركات الرئيس شي وزياراته مدروسة وضع أساسًا صلبًا لعلاقات الصين الخارجية.

ومن ناحية أخرى، أجد أن رحلة الرئيس شي تتزامن مع مساعي كبرى لإعادة تنظيم هيكل القوة السياسية والاقتصادية العالمية، وعلى هذه الخلفية، يمكن اعتبار زيارة الرئيس شي إلى أوروبا بمثابة زيارة عودة لعلاقات الصين الرسمية مع الدول الأوروبية الكبرى وكبار الشخصيات في الاتحاد الأوروبي، وتظهر أنَّ الصين والاتحاد الأوروبي؛ باعتبارهما من القوى السياسية والاقتصادية الرئيسية في العالم قد توصَّلا إلى درجة عالية من التوافق بشأن البحث عن أرضية مشتركة للتفاهم فيما بينهم، وتنحية الخلافات جانبًا، والسعي إلى التنمية المشتركة وتقاسم المسؤولية لبث روح الاستقرار العالمي؛ سواءً الاقتصادي والسياسي، وأجد أن الصين والدول الأوروبية لديهم كافة الفرص للمضي قدمًا في تطوير علاقتيهما ببعضهم البعض على كافة الأصعدة.

إنَّ زيارة الرئيس شي إلى فرنسا هي أمرٌ طبيعي، ويصادف هذا العام الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، وليست فرنسا أول دولة غربية كبرى تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية فحسب، بل هي أيضًا قوة أوروبية تنتهج دائمًا الدبلوماسية المستقلة، ونجد أن الصين قد اهتمت اهتمامًا بالغا بتطوير العلاقات الثنائية مع فرنسا، حيث قام الرئيس شي بزيارة فرنسا خلال الذكرى الخمسين والذكرى الخمسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، وخلال هذه الزيارة، تم توقيع الجانبين 4 بيانات مشتركة و18 اتفاقية تعاون، من أجل توسيع وتعميق علاقات التعاون الثنائي وآفاق التنمية بشكل شامل. واستنادًا لعلاقات دولية ومفاهيم دبلوماسية مماثلة، حافظتْ الصين وفرنسا دائمًا على تفاهم ضِمني بشأن العديد من القضايا الدولية الساخنة، وبشأن الأزمة الروسية الأوكرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقضية النووية الإيرانية، فتدعو الصين وفرنسا بشكل مشترك إلى وقف عالمي لإطلاق النار خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس، وتحقيق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين في أسرع وقت ممكن.

لا تقتصر أهمية زيارة الرئيس شي إلى فرنسا على العلاقات الثنائية، بل أيضا على دعم القمة الثلاثية بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي؛ حيث التقى الرئيس شي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وتمَّ إجراء تبادلات ودية وتفاعلات صريحة بين القادة الثلاثة حول العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي. ومن الواضح أن فون دير لاين خفَّضت لهجتها وأعطت تأكيدًا إيجابيًا على تطوُّر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع "فك الارتباط وقطعه" مع الصين، ناهيك عن خسارة عملية صنع القرار الإستراتيجي في الصين.

كما جَذَبت زيارة الرئيس شي إلى صربيا الكثير من الاهتمام، وخلال هذه الزيارة وقَّعت الصين وصربيا بيانًا مشتركًا حول تعميق وتعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، وبناء مصير مشترك بين الصين وصربيا في العصر الجديد، إضافة إلى توقيع 28 وثيقة تعاون. وخلال عملية البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق -التي استمرَّت 10 سنوات- قدَّمتْ صربيا نموذجًا للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي في التنمية متبادلة المنفعة. ومن المؤكد أنَّ هذا التفاعل التاريخي سيلعب دورا قياديا أفضل في تعميق التعاون بينهما (الصين وأوروبا).

تَتَزامن زيارة الرئيس شي الأولى إلى المجر مع الذكرى الخمسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ولم تكن المجر واحدة من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في أكتوبر 1949 فحسب؛ بل كانت أيضًا أول دولة أوروبية توقع اتفاقية البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق مع الصين، حتى إنَّ رئيس وزراء المجر أوربان فيكتور شارك في "منتدى الحزام والطريق" للتعاون الدولي 3 مرات. وتتمتع الصين والمجر بتبادلات متكررة رفيعة المستوى وتعاون عملي قوي وتبادلات ثقافية غنية، مما يجعل المجر محورًا لآلية التعاون "17+1" بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا. وفي أول زيارة للرئيس الصيني منذ 20 عاما، استقبلته المجر أيضا استقبالا رفيع المستوى، وتم ترقية العلاقات الثنائية إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة في كل الأحوال في العصر الجديد، إضافة لتوقيع 18 اتفاقية تعاون.

وختاما.. يُمكننا القول إنَّه وفي هذه الفترة الخاصة من الأحداث والاضطرابات العالمية المتشابكة، وضعت رحلة الرئيس شي إلى أوروبا نقطة انطلاق جديدة للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي للوصول إلى مستوى أعلى؛ مما يوفر جوًّا جديدًا مشرقًا لدبلوماسية الصين تجاه الدول الأوروبية.

*** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية-العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تتغلب الصين على الغرب في حرب المعادن؟

حاول الغرب، على مدى السنوات القليلة الماضية، كسر قبضة الصين على المعادن التي تشكل أهمية بالغة للدفاع والتكنولوجيات الخضراء، ورغم جهودها، أصبحت الشركات الصينية أكثر هيمنة.

في المقابل تحاول الصين توسيع عملياتها وزيادة العرض؛ ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، ولا تستطيع الأطراف الأخرى المنافسة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مؤشر أبو ظبي عند أدنى مستوى في عامينمؤشر أبو ظبي عند أدنى مستوى في ...list 2 of 2النفط يواجه ضغوط الإبقاء على الفائدة مرتفعةالنفط يواجه ضغوط الإبقاء على ...end of list مراكمة الاستثمارات

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مدير معهد باين في كلية كولورادو للمناجم، مورغان بازيليان، قوله: "الصين لا تقف مكتوفة الأيدي في انتظار أن نلحق بها.. إنها تزيد استثماراتها الضخمة بالفعل في جميع جوانب سلسلة توريد المعادن المهمة".

وأضاف: "خذ النيكل على سبيل المثال، وهو ضروري لبطاريات السيارات الكهربائية. تضخ مصانع المعالجة الصينية المنتشرة في الأرخبيل الإندونيسي كميات هائلة من المعدن من منشآت جديدة ومتوسعة، مما أثر في السوق بصورة كبيرة".

وفي الوقت نفسه، علقت شركة التعدين العملاقة غلينكور ومقرها سويسرا عملياتها في مصنع النيكل التابع لها في كاليدونيا الجديدة، وهي أرض فرنسية، وخلصت إلى أنها لا تستطيع البقاء على الرغم من عروض المساعدة المالية المقدمة من باريس. كما قالت شركة هوريزونتي مينيرالز البريطانية -التي كان متوقعا أن يصبح منجمها البرازيلي الجديد مصدرا غربيا رئيسيا- الشهر الماضي إن المستثمرين أنقذوا البلاد، مستشهدين بزيادة العرض في السوق. وتم إغلاق ما لا يقل عن 4 مناجم للنيكل في غرب أستراليا. وتم تأجيل أو تعليق مشاريع الليثيوم في الولايات المتحدة وأستراليا بعد زيادة الإنتاج الصيني في الداخل وفي أفريقيا جنوب الصحراء. كما أوقف منجم الكوبالت الوحيد المخصص في الولايات المتحدة عملياته العام الماضي، بعد 5 أشهر من حضور كبار الشخصيات المحلية حفل افتتاحه، ويقول أصحابها إنهم يكافحون ضد الإنتاج الكبير من الصين من إندونيسيا والكونغو الديمقراطية. الإنتاج الصيني

وفي العام الماضي، انخفض الإنتاج غير الصيني من الكوبالت المكرر إلى أدنى مستوى له منذ 15 عاما، وفقا لشركة دارتون كوموديتيز، في حين ارتفعت حصة تعدين الليثيوم داخل الصين أو من قبل الشركات الصينية في الخارج من 14% في عام 2018 إلى 35% هذا العام، وفقا لشركة فاست ماركيتس، وهي شركة تقدم معلومات السلع.

وفي الوقت نفسه، زادت معالجة الليثيوم داخل الصين من 63% عام 2018 إلى 70%، وفقا للشركة.

وقد هاجم التوسع الصيني السريع المنتجين الغربيين، الذين يقولون إن الاقتصاد المحلي الصيني لا يستطيع دائما استيعاب تدفق المعادن الذي تجلبه شركاتها إلى السوق.

وكان نمو مبيعات السيارات الكهربائية في الصين بشكل أبطأ من المتوقع في العام الماضي، وهو ما يعني أن ثمة عددا أقل من المشترين لإنتاج المعادن في الصين، ما ساهم في تراجع الأسعار العالمية.

ويقول رئيس أبحاث المعادن الأساسية في فاست ماركيتس، وليام آدامز: "إنها الطريقة التي تفعل بها الصين الأشياء.. لقد اتجهوا إلى بناء المزيد من القدرات سواء كان ذلك في الألومنيوم أو الأسمنت أو النيكل".

وأضاف أن الشركات الصينية "تسعى جميعها للحصول على حصة في السوق، والنتيجة هي الحصول على فائض في العرض".

ويدق المسؤولون الغربيون أيضا ناقوس الخطر؛ فردا على سؤال الشهر الماضي حول هيمنة الصين على النيكل، قالت كريستيا فريلاند نائبة رئيس الوزراء الكندي، إن السوق غُمرت، وهو ما أفقد الشركات في الأسواق الحرة الجدوى الاقتصادية.

وأضافت: "نعتقد أن هذا السلوك يمكن أن يكون متعمدا، ويمكن أن يحدث بغرض دفع الشركات في بلادنا، ولدى حلفائنا، إلى التوقف عن العمل".

وتستمر الشركات الصينية في النمو، وذلك بفضل سنوات من عمليات الاستحواذ القوية. وقالت شركة زيجين ماينينغ، وهي شركة صينية مدعومة من الدولة، إنها ستزيد إنتاج الليثيوم بنحو 85 مرة هذا العام من قاعدة منخفضة، وبـ5 مرات أخرى في العام المقبل.

وينبع النمو المتوقع من شرائها عام 2022 لأصول غربية في منجم غير مستغل في الأرجنتين، من المقرر أن يبدأ في ضخ الليثيوم هذا العام.

مقالات مشابهة

  • تقرير .. الحرب في غزة خلقت فجوة مواقف بين أوروبا والولايات المتحدة
  • فرنسا تعتمد التدريج في زيارات كبار المسؤولين إلى الرباط قبل مجيئ ماكرون
  • كيف تتغلب الصين على الغرب في حرب المعادن؟
  • بحث التعاون بين ليبيا والاتحاد الأوروبي
  • ملك البحرين يزور روسيا الاتحادية اليوم
  • التوافق الصيني الروسي في عالم مضطرب
  • ممثل العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي: لا شك لدينا في شرعية زيلينسكي
  • في زيارة غير مخطط لها.. ماكرون في كاليدونيا الجديدة تأكيدا لسيادة فرنسا
  • فون دير لاين تنفي وجود حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين
  • الرئيس الصيني يهنئ جوردانا دافكوفا بتوليها منصب رئيس مقدونيا الشمالية