ألقى عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية محاضرة تحت عنوان تقديس العمل في مصر القديمة . 

وقال إن تقديس العمل كان جزءًا مهمًا من الحضارة المصرية القديمة، كان العمل يُعد وسيلة للتعبير عن الولاء والتقدير للملك والدولة، وكذلك وسيلة لكسب رضا الآلهة، وكان المصريون يرون العمل كواجب ديني واجتماعي.


أضاف الدكتور عبد البصير يرجع الفضل الأكبر في استمرار وازدهار الحضارة المصرية القديمة ووصولها إلينا بهذا الشكل المدهش الذي ما يزال خيال العالم أجمع وكل من يزور أو يشاهد آثارنا المصرية القديمة في الداخل والخارج إلى إيمان المصري القديم بالعمل كقيمة عظمى في حياته الأولى وحياته الثانية الأبدية بعد الموت التي لم يكن من ورائها فناء.

تابع : ليس هذا فحسب فلقد آمن المصريون القدماء بأن اتقان العمل من الأشياء الطيبة المحببة التي يرضى عنها الرب ومن أجلها يكرم صاحب العمل المتميز في دنياه ويديم ذكراه بعد موته ويجعله من المخلدين في دار الآخرة حيث النعيم الأبدي.
 

وقال بالنظر إلى كل الآثار المصرية القديمة، على تنوعها وثرائها الأخاذ، فإن الشك لا يساور المتأمل منا لتلك الحضارة وإلى آثارها العظيمة في وجود نظام إداري محكم قام بالإيمان بالعمل كقيمة وتذليل كل العقبات أمام فريق العمل حتى يتجاوز مرحلة أداء العمل إلى الوصول إلى مرحلة الإبداع في العمل والاندماج فيه حتى تتحقق لنا تلك المعجزة المسماة بـ"مصر القديمة" التي لم تكرر أبدا ولن تكرر كثيرا ولا تضاهيها أية حضارة كانت في الماضي أو الحاضر.
 

اضاف، لقد كان الملك المصري القديم هو الحاكم الفعلي المتنفذ في إدارة شؤون البلاد منذ بداية توحيد مصر على يد الملك مينا– في حوالي عام 3200 قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام- إلى نهاية مصر القديمة في عام332 قبل الميلاد عندما احتل الإسكندر الأكبر مصر ثم دخول مصر المرحلة البطلمية من بعده وصارت مصر دولة يحكمها الغرباء لقرون عديدة.

تابع: وبصفة الملك رأس الدولة والسلطة المركزية متمثلة في جميع السلطات التشريعية والحربية والتنفيذية فضلا عن رئاسته للسلطة الدينية والكهنة، فقد كان دور الملك الأساس هو إدارة شؤون البلاد وتسيير الأعمال بشكل متناغم من أجل اتقان العمل وزيادة الإنتاج وإطعام الشعب وإمداد معابد الآلهة بالأوقاف المطلوبة من أجل استمرار الرخاء والأمن والأمان في طول البلاد وعرضها والدفاع عن مصر وحدودها وإقامة العدالة على أرضها الطيبة. وكان الملك المصري يحكم مصر نيابة عن آلهة مصر الكبار باعتباره ابن الآلهة والوريث الشرعي لهم على الأرض. وهكذا كان الحاكم المصري مصدر السلطات مجتمعة ورأس إدارة العمل.
 

أوضح الدكتور حسين عبد البصير لا يعنى العمل العمال الحرفيين أو الفنيين المهرة، كما يعتقد الكثيرون، وإنما كان يعنى بالعمل العمل على كل المستويات في الدولة المصرية العريقة ولا يستثنى من ذلك المستويات العليا لإدارة الدولة ممثلة في الملك كنائب عن الآلهة في إدارة البلاد والوزير ممثلا للملك ثم حكام الأقاليم ممثلين للسلطة التنفيذية، ولا يمكن أن ينسى في هذا السياق التعاليم العظيمة الموجهة من الملك للوزير والتي يجب أن يتقنها كي ينجح في إدارة الأعمال في البلاد مثلما جاء في تعاليم الملك تحتمس الثالث لوزيره المعروف رخميرع والموجودة في مقبرته رقم 100 في مقابر نبلاء البر الغربي لمدينة الأقصر في صعيد مصر الغالي علينا جميعًا. وفى تلك التعليمات يرشد الملك وزيره إلى كيفية وحسن إدارة العمل في البلاد وإقامة العدل وتجويد العمل. 

وحفلت النصوص والمناظر المصرية القديمة بالحث العمل وتقديسه. وفى تعاليم الوزير بتاح حتب عدد كبير من الإرشادات المتعلقة بالعمل وكيفية التعامل بين الرئيس في العمل وموظفيه التي تعد دليلا للمديرين الأذكياء إلى يومنا هذا. وكذلك الأمر في نصوص السيرة الذاتية لكبار الموظفين والتي امتلأت بالتأكيد على إعطاء العمال الذين عملوا في مقابر هؤلاء الموظفين أجورهم كاملة من الخبز والجعة. وألح الموظفون المصريون القدماء في تلك السير على تفانيهم في اتقان أعمالهم وإنجاز الأعمال التي كلفوا بها من قبل الملك على أكمل وجه كي ينعموا باستمرارية القرابين إلى مقابرهم بعد وفاتهم واستمرار ذكراهم الطيبة في وجدان الأجيال القادمة وضمان إحسان الآلهة إليهم في العالم الدنيوي والعالم الآخر حيث حياة أبدية سرمدية بلا موت.
أضاف الدكتور عبد البصير قائلاً لقد أمدتنا المدن المصرية القديمة الخاصة بالعمال في عدد من المواقع الأثرية المهمة مثل مدينة العمال بناة الأهرام في هضبة الجيزة من عصر الدولة القديمة واللاهون من عصر الدولة الوسطى وتل العمارنة في مصر الوسطى ودير المدينة في الأقصر من عصر الدولة الحديثة بمعلومات عديدة ووفيرة عن طرق العمل وتنظيمه والفرق التي كانت تعمل بها وطرق حياتها والأمراض التي حدثت لهم وأسباب وفاة بعضهم أثناء العمل. لقد كان تقسيم وإدارة العمل واتقانه في مشروع عملاق كبناء الهرم الأكبر عمل به عدد كبير من العمال على مدار زمني طويل هو المعجزة الكبرى والأهم وراء بناء تلك المعجزة المعمارية التي لا تكرر كثيرا، بغض النظر عن الإعجاز المعماري والفلكي والهندسي. 
في النهاية قال عالم الآثار الشهير الدكتور حسين عبد البصير ما أحوجنا في مصر اليوم لأن نقتدي بأجدادنا المصريين القدماء في حبهم واتقانهم للعمل حتى تصل مصر العظيمة إلى ما تحب وتصبو إليه وتنتصر على كل التحديات التي تواجه أم الدنيا حتى تصبح سيدة العالم كما كانت وستظل دائمًا وأبدًا.
من الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور حسين عبد البصير هو عالم آثار وروائي وكاتب مصري، وعضو اتحاد كتاب مصر، وحصل على درجة الليسانس في الآثار المصرية القديمة في كلية الآثار بجامعة القاهرة، وعلى درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية.

 وألف عددًا كبيرًا من الكتب والمقالات العلمية والروايات والقصص مثل "خنوم"، و"أوشتاتا"، و"سحر الإسكندرية"، و"كتاب الأسرار"، وغيرها. وألف باللغة الإنجليزية "الصورة والصوت في مصر الصاوية".

 وألف كتاب "العيش للأبد: تمثيل الذات في مصر القديمة" مع مجموعة من أهم علماء المصريات في العالم. ويكتب الدراما للسينما والتليفزيون. وكتب فيلم "زوسر وإيمحتب: ثنائية الملك والعبقري"، وشغل العديد من المناصب في الداخل والخارج، وشارك في العديد من الاكتشافات الأثرية المهمة التي أنتجتها الحفائر الأثرية الخاصة بالبعثات المصرية والأجنبية في مواقع أثرية عديدة مثل الجيزة وسقارة ودهشور والواحات البحرية وهليوبوليس ونبتة بلايا في الصحراء الغربية وغيرها.

 وكان مشرفًا عامًا على المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، والمتحف المصري الكبير بالجيزة، ومديرًا عامًا لمنطقة أهرامات الجيزة، والمقتنيات الأثرية، والمنظمات الدولية واليونسكو، وإدارة النشر العلمي بوزارة السياحة والآثار، وغيرها. ودرّس في جامعة جونز هوبكنز وجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية والجامعة الفرنسية (السوربون 4) وغيرها. وحصل مؤخرًا على تكريم المعهد الألماني للآثار بالقاهرة، ومُنِح عضوية دائمة بالمعهد وهي عضوية مهمة، تُمنَح فقط لأهم علماء الآثار في العالم. ويلقي المحاضرات الأثرية في مصر وخارجها. ويشارك دومًا في الأفلام الوثائقية التي تنتجها القنوات الأجنبية العالمية عن مصر القديمة وغيرها. ويشغل الآن منصب مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مكتبة الإسكندرية الحضارة المصرية القديمة الحضارة المصرية الحضارة المصريون القدماء المصریة القدیمة مصر القدیمة فی مصر

إقرأ أيضاً:

مركز الملك سلمان للإغاثة يُشارك في إطلاق صندوق الأمم المتحدة للسكان لتقرير العمل الإنساني لعام ٢٠٢٦م

شارك مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ممثلًا بمديرة إدارة الدعم المجتمعي الدكتورة جواهر بنت عبدالله آل مهنا -عبر الاتصال المرئي- اليوم في حدث إطلاق صندوق الأمم المتحدة للسكان لتقرير العمل الإنساني لعام ٢٠٢٦م.
وأوضحت الدكتورة جواهر آل مهنا بأن المملكة العربية السعودية تؤمن بالدور الحيوي الذي تقوم به فئة النساء في تخفيف المعاناة الناتجة عن الأزمات والنزاعات والكوارث، والإسهام في بناء السلام، وبهذا الصدد يصب مركز الملك سلمان للإغاثة جهوده على حماية النساء والفتيات المتأثرات بالأزمات.
واستذكرت تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة في شهر مايو 2015م، ليكون مركزًا دوليًا رائدًا في مساعدة المحتاجين وتقديم الإغاثة للمستفيدين في جميع أنحاء العالم دون تمييز، موضحة أن المركز يحرص على دعم وتمكين النساء عبر مختلف القطاعات الإنسانية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs)، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، حيث قدم المركز للنساء (1,169) مشروعًا بتكلفة إجمالية بلغت (3) مليارات و(800) مليون دولار أمريكي استفادت منه أكثر من (200) مليون امرأة في (79) دولة.
وأكدت آل مهنا أن النساء يواجهن تحديات كبيرة خلال فترات النزاعات بما في ذلك النزوح وفقدان المأوى الآمن، مما يترك العديد منهن كمعيلات لأسرهن، وعرضة لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، مما يؤثر مباشرة على حياتهن، بالإضافة إلى محدودية وصولهن إلى الخدمات الصحية، خصوصًا في مجال الصحة الإنجابية، فضلًا عن زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي والموجه ضدهن، ونقص حصولهن على الفرص التعليمية والعمل، مما يحد من مشاركتهن الفعالة في المجتمع.
وبينت الدكتورة جواهر آل مهنا أنه استجابةً لهذه التحديات، يقوم مركز الملك سلمان للإغاثة بتقديم تدخلات إنسانية شاملة لفئة النساء، وتشمل الحماية والمأوى والدعم النفسي والاجتماعي لهن، ورفع الوعي بشأن حقوق النساء، ومواجهة العنف، والإسهام في تعزيز التماسك الاجتماعي بين النساء النازحات والمجتمعات المضيفة.
وأشارت إلى أن المركز يوفر في الجانب الصحي عيادات متنقلة وخدمات طبية في مجال الصحة الإنجابية، وتدريب القابلات في المناطق النائية لتقليل وفيات الأمهات.
كما أنه في مجال مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي (GBV)، قدم المركز برامج الحماية والدعم القانوني والنفسي والاجتماعي، وتوفير مساحات آمنة للنساء والفتيات، وتدريب العاملين في هذا المجال لضمان الدعم الأمثل للناجيات، وزيادة الوعي لمكافحة العنف ضدهن.
وعلى الصعيد الاقتصادي أوضحت أن مركز الملك سلمان للإغاثة قدم أيضًا برامج تدريبية مهنية في مجال تمكين النساء اقتصاديًا، وأدوات للمهن، ودعم النساء في المناطق الريفية من خلال أنشطة الإنتاج الزراعي، مضيفة أن المركز يهتم تعليميًا بدعم الفتيات من خلال إعادة تأهيل مرافق المدارس وتوفير المستلزمات المدرسية لضمان استمرار الفتيات في التعليم.
وفي ختام كلمتها أكدت الدكتور جواهر آل مهنا أن المملكة العربية السعودية ممثلة بمركز الملك سلمان للإغاثة، تبدي حرصها على دعم كافة الجهود الرامية إلى الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته، لا سيما للنساء في البلدان المتضررة، معربة عن أملها في أن تتحد الجهود الدولية لتطوير حلول أكثر شمولًا واستدامة لمستقبل أفضل لجميع البلدان المتأثرة.

مقالات مشابهة

  • مركز الملك سلمان للإغاثة يُشارك في إطلاق صندوق الأمم المتحدة للسكان لتقرير العمل الإنساني لعام ٢٠٢٦م
  • تسرب مياه يضر مئات مجلدات الحضارة المصرية في متحف اللوفر بفرنسا
  • نهال طايل عن أزمة محمد صلاح: حكى عن عظمة الفراعنة
  • الأمير فيصل بن سلمان يرأس الاجتماع الرابع لمجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية
  • إربد واحدة من أجمل مدن الأرض
  • ترميم مبنى القبة الاثري لقناة السويس ببورسعيد
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا
  • جناح مُنفصل .. بيان عاجل من متحف اللوفر بشأن تسرب مياه بمكتبة الآثار المصرية
  • الأوقاف: زيارة المتنافسين في المسابقة العالمية للقرآن للمتاحف تعزز فهم الحضارة المصرية
  • الاحتلال يفتح جسر الملك حسين أمام حركة البضائع بعد ضغوط أميركية