بون شاسع بين المصطلحين، عقل المتلقى والعقل المتلقى، فعقل المتلقى هو الذى يقود الفكرة بمعنى يحللها ويناقشها وينقدها وبعدها يرى هل سيقبلها أم لا، فهو الذى يقود الفكرة لا الفكرة التى تقوده.
أما العقل المتلقى فهو العقل التقليدى التخزينى، كالوعاء الذى نملؤه بأنواع متعددة من المحتويات، سلة يجمع فيها السمك واللبن والبيض لا يستطيع حتى أن يقرر أيها يقبل.


نأتى إلى موضوعنا الحيوى والحساس فى هذا المقام.
سنتناوله بشكل مختلف بعض الشىء، سنتناوله بعين باصرة ناقدة مهمومة بقضايا واقعنا المعاصر، لعلنا نصل إلى حلول لها من خلال تقديم رؤية نقدية تعتمد على فكر وسطى مستنير، وهذا دأب كل مفكر مهموم بواقعه الذى يحياه وبقضايا وطنه.
لكن فى البداية دعونا نقدم تعريفاً للتطرف ومن هو المتطرف.
التطرف فى اللغة: هو حد الشىء وحرفه، وعلى عدم الثبات فى الأمر والابتعاد عن الوسطية.
ليس هذا وحسب بل هو خروج عن المألوف البشرى ومجاوزة الحد والابتعاد عن الجماعة، بمعنى أن المتطرف يسير بفكره فى اتجاه والقوم يسيرون فى اتجاه آخر، أى اتجاهه معاكس لما توافق عليه الجميع.
التطرف اصطلاحاً: هو الشدة أو الإفراط بشىء أو موقف معين أو النهاية والطرف أو الحد الأقصى.
أما المتطرف فهو الذى يتجاوز حد الاعتدال ويميل بكليته إلى ما ذهب إليه ضارباً عرض الحائط بآراء الجميع، وهذا هو التمادى فى الإفراط الذى يؤدى إلى حد السفه الذى يضر بصاحبه قبل أن يضر بالآخرين.
وهذا ما يمكننا أن نطلق عليه النظرة أحادية الجانب التى مبناها على عدم تقبل الطرف الآخر والاستبداد بالرأى.
ولعل من أبرز أسباب التطرف، الفقر الذى يتفشى بين أفراد المجتمع ويتم استغلاله من قبل المتطرفين، فيضربون على هذا الوتر الحساس مستغلين هؤلاء الفقراء وتجنيدهم فى أعمال عدوانية ضد أفراد المجتمع، ضد الدول، بل استغلالهم فى القيام بعمليات إرهابية تتسبب فى إزهاق أرواح الأبرياء مقابل إغرائهم بالأموال، فيشذون عما هو مألوف ويحيدون عن الطريق المستقيم ويصبحون قتلة وإرهابيين وسارقين، وحدث ولا حرج، بل يصبون جام غضبهم على المجتمع، ولماذا هؤلاء عندهم ونحن لا نجد حتى ما نتقوت به.
أيضاً من الأسباب المهمة التى تشكل شخصية المتطرف، الظلم الذى يتعرض له، كأن يعزل من عمله دونما سبب، أو لا يجد فرصة عمل وغيره من ذوى الوساطة والمحسوبية يجدونها بسهولة ويسر، أو قد يكون متفوقاً فى دراسته ولا يعين فى وظيفته المرجوة ويعين آخر أقل منه فى الكفاءة، فيشعر بظلم وقع عليه، ويشعر بالاضطهاد، فيبدأ بسلوك عدوانى متطرف، يضرب فى ناحيتين، ناحية نفسه، فينطوى ويعزل نفسه عن القوم وقد يصاب بالأمراض النفسية التى قد ينهى معها حياته بالانتحار وكل يوم نسمع ونشاهد حالات كثيرة وبالتحرى عنها نجد أنها تعرضت لظلم أو جور أو اضطهاد وقع عليها، فتضيق الأرض عليهم بما رحبت ولا يجدون وسيلة للخلاص إلا إنهاء حياتهم.
أما المنحى الثانى، فيصب جام غضبه على المجتمع، ويبدأ إثارة الفتن ونشر الفوضى بين الناس، كأن يقول وما الفائدة من التعليم، ولماذا نتعلم طالما أننا لا نقدر، ويقع فريسة سهلة ولقمة سائغة للمتطرفين يستغلونه أبشع استغلال.
الأزمات السياسية التى تتعرض لها الدول، ولم يكن ذلك جديداً فمنذ وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وبدأ النزاع حول الخلافة، فهناك من تطرف واعتزل الناس، وهناك الخوارج الذين أحدثوا شروخات وتصدعات فى جدار الدولة الإسلامية عن طريق إثارة الفتن التى حتى لم تنتهى بمقتل عثمان وعلى بل استمرت إلى الآن، فلكل عصر خوارجه ومتطرفوه.
أيضاً من الأسباب المهمة، المشاكل الاجتماعية التى تنتشر بين أفراد المجتمع التى تدعو لحصول حالات تطرف لدى إحدى الجماعات، ومشاكلنا الاجتماعية كثيرة لا يمكننا حصرها هنا، ولكن نضرب مثالاً بمشكلة البطالة، فمشكلة التسرب من التعليم، الزيادة السكانية وضوابط الاستفادة منها، الزواج المبكر وما يترتب عليه من بلايا ورزايا. مشكلة الأمية وما يترتب عليها من تفشى الجهل المرضى، وهذا تعبيرى، نعم لأن هناك جهلاً صحياً، بمعنى جهل يقود صاحبه إلى التعلم والبحث عن سبل تعليمه، أما الجهل المرضى، فهو استفحال مرض الجهل وتغلغله فى النفوس، فمهما حاولت تعليمه لا ولن يتعلم لأنه أصبح لدى الجاهل قناعات شخصية أنه هو كذلك متشبث بهذه القناعة ومتشبث برأيه وأنه هو الصواب، فهذا جهل مرضى.
 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

ندوة تناقش خطاب التطرف لدى تنظيم «الإخوان»

أبوظبي: ميثا الانسي
نظمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بمقرها في أبوظبي ندوة بعنوان «تنظيم الإخوان المسلمين: خطاب التطرف والتضليل»، ضمن ندواتها الفكرية الموجهة للمجتمع بهدف تعزيز الرؤى التي تتبناها دولة الإمارات، للحد من الأفكار الهدامة التي تتبناها التيارات المتطرفة، وتعزيز قيم التعايش والتسامح ونبذ الغلو والتطرف.
سلطت الندوة التي شارك فيها نخبة من أساتذة الجامعة، الضوء على خطاب الإخوان المسلمين، وكشفت توظيفهم للدين في خدمة مشاريع سياسية تتجاوز حدود الدولة الوطنية، وكشفت الرسائل المضللة التي ينتهجها تنظيم الإخوان المسلمين.
وأوضحت أثر التنظيم في تهديد بنية الدولة الوطنية وتقويض مفاهيم المواطنة، كما هدفت الندوة إلى تفكيك الأسس الفكرية التي يقوم عليها مشروع الإخوان من خلال تحليل مفاهيمه الدينية والسياسية، وتبيان مخاطر المشروع الإخواني على وحدة المجتمعات واستقرارها، إلى جانب دعم خطاب الاعتدال الديني والمؤسسات الدينية الرسمية في مواجهة الفكر المتطرف، وكشفت الندوة الممارسات الخطيرة التي يعتمد عليها تنظيم الإخوان في المجتمعات المسلمة.
وتناولت الندوة عدداً من الأوراق قدمها نخبة من أساتذة الجامعة، حيث جاءت الورقة الأولى بعنوان «الإخوان المسلمون وتحريف المفاهيم الدينية» قدمها الدكتور خليفة مبارك الظاهري مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أكد فيها أن دولة الإمارات تواصل جهودها في تعزيز قيم التسامح والمواطنة وفي مجابهة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، من خلال تفكيك بنيتها التنظيمية وضرب الأسس الفكرية للحفاظ على قيم السلام والوئام، وتعزز وعي المجتمع بما يقيه من الجهل والأفكار المغلوطة والشعارات الزائفة.
وقال إن الإسلام ليس نظرية سياسية ولا مشروع حاكمية ولا منظومة حزبية، فالإسلام دين محبة ورحمة وأخلاق جاء لتكريم الإنسان ونشر قيم السلام والوفاء والمحبة، وأضاف «نشأ تنظيم الإخوان الإرهابي متأثراً بالحركات العنيفة، مقتبسًا من النازية والسرية، فأسّس كتائب ومنظمات سرية، ونظَّر لفرض التغيير بالقوة تحت شعار تغيير المنكر.
وأشار الظاهري إلى أن الإخوان شبكة أيديولوجية ممتدة تتلون وتتشكل، تتخفى حينًا وتظهر حينًا آخر، لكنها تحتفظ بثوابت التخريب والانقضاض على الدولة مستغلة أزمات الشعوب، ومروّجة لخطاب الضحية، تارة باسم المظلومية، وتارة باسم الربيع.
وأضاف الظاهري أن جماعة الإخوان المسلمين قد ناصبت الدولة الوطنية العربية العداء منذ نشأتها، ورأت فيها عائقًا أمام مشروعها السلطوي، وحجر عثرة في طريق استيلائها على الحكم، ولم تعترف بأسس هذه الدولة ولا بمبادئها الحداثية، بل حاربتها، وعدّتها نقيضًا لتدينها المؤدلج، الذي اختصر الإسلام في رؤيتها الحزبية.
وأكد أنه لا ينبغي أن ننخدع بأي تبدل في خطابها، أو ما يُظهر من مرونة ظاهرية توحي بأنها تصالحت مع الدولة الوطنية أو قبلت بأسسها الحديثة، فذلك ليس إلا مظهرًا من مظاهر الخداع السياسي، والمخاتلة الأيديولوجية، غايته كسب التعاطف، واختراق المجتمعات، وتهيئة الطريق للوصول إلى السلطة.
وعرض الأستاذ الدكتور رضوان السيد عميد كلية الدراسات العليا في الجامعة ورقة بعنوان الدولة الوطنية ومواجهة التآمر الإخواني، لافتاً إلى أن جماعة جماعة الإخوان سعت منذ نشأتها إلى استخدام العنف بشتى أنواعه لبناء دولة الأمة على أنقاض الدولة الوطنية التي كانت ولا تزال خصمهم الرئيسي.
وقال إن الإخوان المسلمين تنظيم سياسي في جوهره يستغل المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في الدول، للوصول إلى السلطة وهدم الوطن تحت شعار تطبيق الشريعة وتحسين الأوضاع.
وأكد د.رضوان أن استخدام الدين ضد الدولة فيه ضرر على الدين والدولة معًا، وعلى الدين قبل الدولة.
إلى ذلك قدم الدكتور عدنان إبراهيم مستشار مدير الجامعة ورقة «الإخوان المسلمون والتهديد الفكري»، أوضح فيها أن تنظيم الإخوان يرى الدولة بمنظور عقائدي عابر للحدود لا يعترف بالوطن وحدوده الجغرافية، وهذا خلط خطير يقوم عليه الفكر المتطرف الذي يهدف لزعزعة الأوطان وقيم المواطنة. وقال «يجب على العلماء دعم حكوماتهم ودولهم في تعزيز الأمن والاستقرار والبناء والنماء وليس العكس، وعليهم مسؤولية فضح أسس الفكر المتطرف وتفكيكه وتحصين المجتمع ضده».
وتابع عدنان: تحرّك الجماعات الإرهابية المتطرفة دوافعُه الهيمنة والهوس بالسلطة، لا المشاريع الإصلاحية، وتنتهج في ذلك المراوغات الفكرية المضللة للتعبئة الحزبية.
وأشار إلى أن الفكر الإخواني المتطرف يفرض طاعةً عمياء تُفضي إلى سلب الحقوق، وإقصاء الآخر، ومصادرة الضمائر، وانتهاك حرمات الأوطان وتطبيق مبادئ الفكر الفاشي الإقصائي.
وفي ورقته بعنوان «مشروع الإخوان المسلمين التخريبي في المجتمعات المسلمة» قال الدكتور خالد الإدريسي عضو الهيئة التدريسية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، «ترتكز الدوغمائية السياسية الدينية للجماعات المتطرفة على العنف ومخالفة ضوابط التدبير الأخلاقي، والارتزاق الحربي الديني ومواجهة الدولة ومبدأ علانية العمل وسرية التنظيم»، وأضاف «تم إهمال التحليل الجيو-سياسي والجيو -ثقافي في دراسة الجماعات المتطرفة لفهم ومواجهة التهديدات التي تسببها هذه الجماعات».

مقالات مشابهة

  • ندوة تناقش خطاب التطرف لدى تنظيم «الإخوان»
  • محمد محمود يكتب: التصدعات بين الفيفا واليويفا.. تحركات إينفانتينو الـدبلوماسية وأولويات مثيرة للجدل
  • شيخ العقل اتصل بجنبلاط مطمئنا بعد حادث السير
  • أوانُ تعديلِ الهرمِ المقلوب
  • محافظ أسيوط: وعاظ الأزهر حصننا المنيع ضد الأفكار الهدامة
  • محافظ أسيوط يلتقي وعاظ وواعظات الأزهر.. ويؤكد: أنتم خط الدفاع الأول في مواجهة الأفكار الهدامة والمفاهيم المغلوطة
  • معركة هارفارد وضرب غزة بالنووي
  • صمت العقل
  • "التشريعات المُجتَزأة" وأثرها والبُعد الكلي للمنظومة التشريعية
  • الميراث.. "قصة حزينة"