يروى عن الفاروق عمر بن الخطاب أنه قال «يعجبنى من الرجل إذا سيم خطة ضيم قال: لا بملء فيه» فهذا يعنى أن الرجل هو من يقول «لا» فى وجه الظالم، فهو الذى لا يسكت عن السفهاء والحمقى إذا أساءوا إليه، فالرجل يجب ألا يسامح دائماً، ولكن عليه أن يقف فى وجه الظالم وأعوانه، وغير مقبول منه السكوت عن الظلم بحجة العجز، فالساكت عن الظلم أى ما كانت مبرراته لا ترفع عنه العتب أو الحرج أو المسئولية، فالساكت الذليل المستكين آثم قلبه مهما حاول أن يقول على عدم قدرته، فإنه بذلك يشارك الظالم ظلمه، حتى هؤلاء الذين يقولون نفسى ثم نفسى، ويقولون ما دام الظلم بعيداً عنى خلاص، ويتركون ناسهم للظالم، ويتناسون أن الأيام دول، وسوف يصلهم الظلم ويأتى عليهم الدور ويقعون فى حبائله، فالحق ظاهر والباطل زاهق، فالساكتون يرسخون واقعاً مليئاً بالجهل والانحراف، فالوقوف فى وجه الظالم وأعوانه هو طريق النجاة، من هنا جاءت تلك الكلمات من سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يقول لنا إن الرجل ليس هو ذلك الكائن الذى يتميز عن الإناث بالفروق الفيسولوجية فقط، إنما هو الرجل القادر على عدم السكوت عن الحق.
لم نقصد أحداً!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الرجل هو حسين حلمى
إقرأ أيضاً:
الجنون المختلق.. إستراتيجية للتلاعب بالخصوم وتحقيق تنازلات في المفاوضات الدولية
في ضوء تنافس القوى الكبرى نحو السيطرة والتوسع لكسب المزيد من مساحات النفوذ، وفي ظل المفاوضات الدولية الجارية لحل الكثير من الملفات العالقة، أصبحت نظرية "الرجل المجنون" تُوظّف بشكل لافت كنوع من اللاعقلانية بهدف تحقيق أهداف إستراتيجية عقلانية.
وتكتسي نظرية "الرجل المجنون" قيمتها من أنها تفترض أن المفاوِض الجريء في اتخاذ إجراءات مدمّرة لنفسه وللآخرين، يمكنه أن يخيف الخصوم ويدفعهم لتقديم تنازلات كبيرة، لم يكونوا مستعدين للقبول بها في الظروف العادية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الفساد والاقتصاد والتهميش.. 3 عوامل أشعلت احتجاجات جنوب آسياlist 2 of 2الانعطافة السورية الروسية.. الدوافع والفرص والعقباتend of listولتسليط الضوء على استخدام فكرة اللاعقلانية في المفاوضات الدولية من أجل تحقيق مطالب عقلانية، واستخدام نظرية الرجل المجنون، نشر مركز الجزيرة للدراسات قراءة مطولة تحت عنوان "عقلانية اللاعقلانية نظرية "الرجل المجنون" في المفاوضات الدولية".
الورقة -التي أعدتها الباحثة والكاتبة الصحفية المتخصصة في السياسة الدولية ونقد الظواهر الثقافية ندى حطيط- ناقشت الجذور التاريخية والأسس الفكرية للنظرية، واستعرضت نماذج قديمة من استخداماتها، ولفتت الأنظار حول الرجوع إليها مع الرئيس دونالد ترامب.
أثبت تاريخ الحروب والمفاوضات أن فكرة إخافة الخصم وإجباره على الخضوع هي مسألة جذابة نفسيا، خاصة للقادة الذين لديهم ميول نرجسي ويتوقون للسيطرة والهيمنة.
ومن هذا المنطق، تكون نظرية الرجل المجنون غالبا مرتبطة بسيكولوجية المفاوض أكثر من كونها حسابا إستراتيجيا ينظر في المآلات البعيدة.
ويشير الميول الرسمي لاستخدام هذه النظرية إلى أنها تروق لرغبة المفاوض في إيجاد حل سحري أو طريق مختصر لتحقيق أهدافه بالقوة القسرية أكثر من كونها تستند إلى منطق إستراتيجي سليم.
ولهذه النظرية جذور فكرية تمتد من فلسفات فن الحكم في عصر النهضة إلى تدوينها الرسمي خلال المواجهة النووية في الحرب الباردة، ولعل أول إشارة موثقة لها كانت ملاحظة نيكولو مكيافيلي، عام 1517، بأنه "من الحكمة أحيانا محاكاة الجنون".
إعلانبدأ التسلسل الفكري لهذه الرؤية مع مكيافيلي، الذي أسس للفكرة الجوهرية المتمثلة في الجنون المصطنع كأداة من أدوات فن الحكم لخلق حالة من عدم اليقين وردع الخصوم، ثم تحولت هذه الحكمة، إلى مفهوم أساسي في الفكر الإستراتيجي للحرب الباردة.
وفي هذا المنحى، ذهب كثير من المفكرين الإستراتيجيين بأنه إذا اعتقد الخصم أن القائد "مجنون" بما يكفي للمخاطرة بنتيجة كارثية، فإن التهديد بالتصعيد يصبح أكثر مصداقية، ويغيّر ديناميكية المساومة، وهذا هو مفهوم "عقلانية اللاعقلانية".
وانطلاقا من هذه الأفكار والتحليلات، يمكن القول إن هذه النظرية ليست مجرد تكتيك تفاوضي، بل هي إستراتيجية مصممة للتلاعب بالافتراضات الأساسية التي يقوم عليها التفاعل التفاوضي، وتسعى إلى خلق نفوذ عن طريق إدخال عدم اليقين الجذري في إطار عقلاني.
أول تطبيق للنظريةخلال الحرب الفيتنامية، حاول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون تطبيق نظرية الرجل المجنون لأول مرة، حيث ضغط على فيتنام الشمالية والاتحاد السوفياتي من أجل إنهاء الحرب.
أخبر نيكسون كبير موظفيه وقتها بوب هالدمان بخطته التي سماها "نظرية الرجل المجنون"، وأوعز إلى مساعديه بتسريب معلومات بأن يده على الزر النووي حتى يقتنع الفيتناميون الشماليون أنه يقد يفعل أي شيء لإنهاء الحرب.
في أكتوبر/تشرين الأول 1969، نفّذت الولايات المتحدة مجموعة إجراءات عسكرية كجزء من اختبار جاهزية هيئة الأركان الأميركية المشتركة، سُميت "عملية الرمح العملاق" أخذت شكل إنذار نووي عالمي سري مصمم ليكتشفه السوفيات الذين كانوا داعمين لفيتنام الشمالية.
تضمنت العملية وضع الجيش الأميركي في حالة تأهب قصوى لحرب عالمية، وبلغت ذروتها في استعراض للقوة حلّقت خلاله 18 قاذفة قنابل من طراز "بي 52" مسلحة نوويا باتجاه المجال الجوي السوفياتي لمدة 3 أيام.
ورغم تلك المناورات والاستعراضات العسكرية، فإن إدارة نيكسون فشلت في الحصول على أي تنازلات، واعتبرت موسكو أن كل ذلك نوع من المبالغات، واستمرت الحرب 4 سنوات أخرى.
وأوضح فشل نيكسون في إخافة الروس والفيتناميين الشماليين، أن الدبلوماسية القسرية وغير العقلانية قد لا تأتي بالنتائج المرجوة، لأنها قد تتضمن فجوات بين الرسالة التي يبعث بها المرسل ويقصدها وبين تفسير المتلقي لها.
تطبيق ترامب للنظريةشهدت الأشهر الأولى من العهدة الثانية للرئيس ترامب نوعا من عدم القدرة على التنبؤ حول الأدوات الدبلوماسية المركزية التي ينتهجها، مما يعكس تبنيه أكثر لنظرية الرجل المجنون، لأنه أظهر أن جميع الخيارات عنده مطروحة وواردة، إذ هدّد بضم غرينلاند، واقترح أن تصبح كندا الولاية الـ51 للولايات المتحدة الأميركية، كما فرض تعريفات جمركية باهظة على عشرات الدول.
وفي سياق التجارة، فإن ترامب وفريقه تبنوا نظرية الرجل المجنون بشأن المفاوضات المتعلقة بالتعريفات الجمركية بشكل صريح، خاصة مع كوريا الجنوبية التي أخبرها كبير المفاوضين الأميركيين بأن رئيسهم مجنون وقد ينسحب في أي لحظة.
وتضمنت إستراتيجية ترامب استخدام التهديدات بفرض تعريفات جمركية ضخمة لانتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي، وكندا، وكوريا الجنوبية، وكذلك الصين.
إعلانورغم أن هذا النهج أسفر عن بعض التنازلات الطفيفة قصيرة المدى، مثل تعديلات متواضعة على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا، فقد جاء في عمومه بتكلفة باهظة.
وعلى الصعيد العسكري والسياسي، نفّذ ترامب إجراءات ملموسة لتعزيز مصداقية خطابه، حيث قام بضربة مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية بعدما دعاها للمفاوضات.
ولم يكن الرئيس ترامب القائد الوحيد الذي استخدم هذه النظرية في الوقت الراهن، بل مارسها زعماء آخرون من ضمنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي هدد باستخدام السلاح النووي في سياق حربه مع أوكرانيا، بهدف ردع أي تدخل عميق من قبل حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
ونتيجة للعولمة وما فعلته من الترابط الاقتصادي والسياسي، فإن نظرية الرجل المجنون أصبحت سلبية، وفاعليتها أقل مما كانت عليه في فترة الحرب الباردة.
على محك النقدتتبّعا للمقاربات النقدية التي فكّكت هذه النظرية لفهم إمكاناتها، ومدى قدرتها على النجاح وخاصة في العصر الحديث، يلاحَظ أنها تنطوي على مشكلات بارزة أهمها:
ـ مشكلة المصداقية
وذلك لأن الجنون واللاعقلانية من الصعب تزييفهما بشكل عقلاني، ومن السهل على الخصوم اكتشاف الدور وما ينطوي عليه من خدعة.
وتفترض بعض القراءات أن قادة الاتحاد السوفياتي اكتشفوا محاولة الرئيس الأميركي خداعهم في كونه يريد استخدام النظرية خلال فترة الحرب الفيتنامية.
ـ مشكلة الالتزام
إذ يتجلّى الخلل الأساسي بالنظرية في أن الإكراه الناجح يتطلب التزاما ذا مصداقية، ولا يمكن لفاعل يُنظر إليه على أنه غير عقلاني أن يؤخذ عليه التزام.
ـ مشكلة تصنيف الجنون
ويرى بعض علماء السياسة أن فاعلية الجنون تعتمد على نوعه لأنه ليس صنفا واحدا، فبعضه قد يكون له طابع عقلاني، كما أنه قد يكون ظرفيا وليس حالة دائمة.
ـ مشكلة التكاليف المحلية
و تترتب على هذه الإستراتيجية أيضا تكاليف سياسية محلية كبيرة، فمن المرجح أن يواجه المفاوض الذي يُنظر إليه على أنه "مجنون" شكوكا من قبل جمهوره؛ ما قد يقوض رأسماله السياسي، وبالتالي، نفوذه في المساومة مع القادة الأجانب الذين يشككون في قدرته على الحفاظ على مصداقية التهديد.
انتهاك الأخلاقلا شك أن الخداع عنصر قديم ومثير للجدل في الدبلوماسية، ومع ذلك، فإن نظرية "الرجل المجنون" ليست مجرد كذبة بسيطة، بل هي خداع يوهم بالعقلانية ولكنه يفسح المجال لسيطرة الفرد.
ومن منظور الفلسفة الأخلاقية لكانط التي تركز على أخلاق الفعل دون البحث عن عواقبه، فإن الكذب والتهديد بالعنف يعد انتهاكا للواجبات الأخلاقية، وهذا يطرح تساؤلا حول ما إذا كان يمكن تبرير تهديد بفعل من غير اللائق أخلاقيا تنفيذه بالفعل.
وانطلاقا من هذه المعطيات، يمكن القول إن نظرية الرجل المجنون قد تسهم في تآكل الثقة المتبادلة، ما يجعل حل جميع المشاكل الدولية أكثر صعوبة ويسمم فضاء التعاون الدولي.
وقد أثبتت الخبرة المعاصرة أن القوة الحقيقية في التفاوض لا تأتي من ادعاء الجنون، بل من السعي الصبور والعقلاني لتفاهم يتجنب المخاطر ويحقق المصالح المشتركة.