كثيراً ما يظلم قطاع من الجمهور فن الكوميديا باعتباره درجة ثانية من الفنون، مفضلين عليه التراجيدى والميلودراما على الرغم من كونها فروعاً رئيسية للدراما بكل أشكالها المقدمة فى الأدب والمسرح ثم الإذاعة وبعدها السينما والتليفزيون، ومن خلالها تتفرع أنواع أخرى تبعاً لقدرات ورؤى صُناعها، منها كوميديا الفارص والكوميديا السوداء والروم-كوم التى تجمع بين الرومانسية والكوميديا، وغيرها الكثير، والتى ظهرت كنتيجة للتطور الحادث فى الكتابة لأى من الأشكال الفنية سابقة الذكر.

وعلى نفس المقياس يجرى التعامل مع صُناع الكوميديا، فلا نجد تمثيلاً كبيراً لهذا الفرع فى الجوائز والمهرجانات السينمائية بنفس القدر الذى تحظى به الأفلام من الفروع الأخرى، حيث تُقدَّم مثلاً الأفلام التاريخية على الكوميدية فى التعامل معها بجدية، وباستثناء نوعية فرعية، وهى الكوميديا السوداء، لن نجد تمثيلاً مكثفاً للكوميديا فى المنافسات الكبرى، حتى إن الممثلين الكوميديين يحظون بالاحتفاء الأكبر عندما يقدمون عملاً ميلودرامياً أو تراجيدياً، خلافاً لتقديمهم عملاً كوميدياً، وذلك على الرغم من أهمية الكوميديا كفرع رئيسى فى التعبير عن أفكار المبدعين والمساحة الكبيرة الممنوحة من خلاله لنقد المجتمع بعاداته وسلوكياته.

فى مصر أكبر الأسماء فى فرع الكوميديا تتلقى هذه النظرة مهما بلغت قدراتها التمثيلية وموهبتها، وتُقدَّر أعمالهم التراجيدية والميلودرامية أكثر، ومن منهم يخلص لفن الكوميديا يتم التقليل من منجزه الإبداعى، هذه السهام أصابت نجيب الريحانى بقدر أقل من تلميذه فؤاد المهندس الذى تلقَّى أكثر السهام من أبناء جيله مثل عبدالمنعم مدبولى وأبوبكر عزت على سبيل المثال، وتلقَّى خريج مدرسته الكوميدية عادل إمام سهاماً أكبر وأقوى فى نقده والتعامل مع منجزه للحد الذى بلغ التقليل من قدراته التمثيلية ومن رؤيته الإبداعية ومشروعه الذى ظل ممسكاً بإطاره طيلة حياته الفنية ولم يحد عنه حتى فى أدواره الثانية قبل البطولة المطلقة وتربعه على عرش النجومية لسنوات تخطت الخمسين عاماً، نال خلالها لقب «الزعيم» وأصبح مرادفاً لاسمه.

تأثير عادل إمام لم يكن قليلاً أو محدوداً بوقت وزمن معين، بل امتلك القدرة على الصمود باختياراته وذكائه كفنان فى مواجهة أكثر من جيل تلاه، شهد صعوداً قوياً لبعض أسمائه، سواء على المستوى النقدى أو الجماهيرى، على العكس كانت انطلاقة بعضهم من خلال أعماله، والآخرون يحملون له كل التقدير كواحد من أبرز فنانى الكوميديا فى المنطقة العربية، ليصل تأثيره وتأثير أعماله لأجيال صغيرة فى السن، يتفاعلون معها وكأنها وليدة اللحظة ولم تُنتَج قبل عشرين أو ثلاثين عاماً.

عادل إمام المخلص للكوميديا التى تُعد سلاحه لمواجهة الأفكار السياسية والسلوكيات الاجتماعية التى يقف ضدها ويعارضها، قدّم أشكالاً وألواناً مختلفة منها، فى رحلته الطويلة نقد الاتجاه الفكرى والسياسى الذى تبناه فى مراهقته، وتصدّى لموجات الإرهاب الدينى من خلال أعماله وبنفسه معرِّضاً نفسه للتهديدات، كما مثَّلت أعماله نقداً لواقع مجتمعى وسلوكيات ظهرت بعد وخلال هزات سياسية فى مصر، وكذلك الحال حتى مع رؤيته للعلاقات العاطفية والأسرية، وحتى مع أعماله المنتمية لأقل نوع فرعى للكوميديا فى التقدير النقدى عند البعض، وهو كوميديا الفارص، سنجد نقداً اجتماعياً واضحاً، وعلى الرغم من طبيعة أفلامه من هذا النوع والتى تحمل صبغة تجارية واضحة وتغازل شباك التذاكر، سنجد مشاهد ومواقف للشخصية الرئيسية تبعث برسائل وأفكار صُناعه للجمهور دون ضجيج أو محاولة لمغازلة مشاعر وأفكار جمهور الشباك بشكل سطحى ومقحم.

خلال مسيرة الزعيم الطويلة عاصر صعود وهبوط عشرات الفنانين، وكذلك الموجات الفنية، وظل منهجه محافظاً على استقلاليته حسب وجهة نظره، ففى ذروة توهج نجوميته ظهرت موجة الواقعية الجديدة، وسار نجاحهما بشكل متوازٍ، تمازج كلاهما من خلال فيلمى «الأفوكاتو» مع المخرج رأفت الميهى عام 1983 و«الحريف» مع المخرج محمد خان عام 1984، ونظراً للاختلاف فى المنهج فيما يتعلق بالنقد المجتمعى ونوعية الأفلام لم يجتمعا، وإن قدّم عادل إمام فى هذه الفترة أفلاماً تراجيدية صرفة ناقدة لتحولات المجتمع المصرى بعد الانفتاح الاقتصادى مثله مثل موجة الواقعية الجديدة، لكنها لم تخلُ من السخرية وكوميديا الموقف كجزء واضح من إخلاصه لهذا الفرع المهم من وجهة نظره، لتسلم الدفة بعدها إلى نقطة تحول جديدة فى مسيرة عادل إمام فى تسعينات القرن العشرين مزج فيها الكوميديا مع الحركة، ودُرة التاج فيها هى أفلام كوميديا الموقف والكوميديا السوداء من خلال خماسية الأفلام التى شهدت تعاون الثلاثى وحيد حامد مؤلفاً وشريف عرفة مخرجاً وعادل إمام ممثلاً.

ومع دخول عقد جديد وظهور المضحكين الجدد تحول عادل إمام بشكل واضح لكوميديا الفارص متعاوناً مع يوسف معاطى، ثم عودته للتليفزيون مرة أخرى فى العقد الثانى من الألفية الثالثة، كل هذه التحولات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام فنان فذ عابر للأجيال والزمن، وإخلاصه للكوميديا على الرغم من كل ما يثار حولها وحوله كقيمة فنية مثال يُحتذى به، والأكبر من هذا وتلك هو المنهج الذى حافظ عليه عادل إمام مع تغير الصُناع وقدرته على الحفاظ على بوصلة موجهة للأمام دائماً، مكتشفاً فنانين ومواجهاً لأفكار وسلوكيات سلبية بالشكل الذى يجعله فى مرتبة واحدة مع المفكرين وصُناع الرأى مستخدماً أداة أخرى فى مخاطبة الجمهور وهى الكوميديا

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: عادل إمام عيد ميلاد عادل إمام أفلام عادل إمام جوائز عادل إمام محمد إمام رامي إمام على الرغم من عادل إمام من خلال

إقرأ أيضاً:

راديو فرنسا يقيل ممثلا كوميديا وصف نتنياهو بـالنازي

أقالت الإذاعة العامة الفرنسية الممثل الكوميدي غيوم موريس على خلفية وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"النازي" خلال فقرة كوميدية ساخرة قدمها عبر الإذاعة.

وبحسب بيان الإذاعة، فقد قام موريس بتكرار أداء الفقرة رغم  التحذيرات التي تلقاها واتهامه بمعاداة السامية، كما رفض الاعتذار علنا للمستمعين.

FRANCE INTER : L’humoriste de la radio publique Guillaume Meurice est licencié par Radio France, pour avoir qualifié Benyamin Nétanyahou, dans un sketch, de "nazi sans prépuce" (AFP). pic.twitter.com/jK8b4BZS0m

— Infos Françaises (@InfosFrancaises) June 11, 2024

وعلق الممثل الكوميدي – الذي يعمل في الإذاعة منذ 2012 – عبر حسابه على منصة "إكس" قائلا: "هذا النصر هو لكم قبل كل شيء" في إشارة إلى عددٍ من الإعلاميين والسياسيين الفرنسيين.

Bravo à @PascalPraud, @ZemmourEric, @MLP_officiel, @EugenieBastie, @ELevyCauseur, @rabbidelphineH etc… Cette victoire, c’est avant tout la vôtre ! ???????? https://t.co/tnjNDrQOub

— Guillaume Meurice (@GMeurice) June 11, 2024

وأشار موريس في تصريحات صحفية أن الإذاعة أخطرته بالاستغناء عن خدماته بسبب "سوء السلوك الجسيم"، وتم إيقافه بالفعل منذ بداية مايو/أيار الماضي.

وقام فريق الإذاعة الفرنسية وفريق التحرير بالإضراب، فيما طالبت نقابة صحفية راديو فرنسا بالتراجع عن هذا "القرار الذي يشكل حالة خطيرة لحرية التعبير".

وجاء القرار الذي تم الإعلان عنه اليوم الثلاثاء وأصدرته اللجنة التأديبية لراديو فرنسا، بعد شهر من فتح تحقيق بحق الإعلامي الفرنسي وإحالته إلى لجنة تأديبية.

وأرجعت رئيسة إذاعة فرنسا سيبسل فيل القرار إلى "عدم الولاء المتكرر للإذاعة"، متهمة موريس بـ"تأجيج الجدل"، ورافضة الاتهامات المتعلقة بالتأثير على حرية التعبير أو الفكاهة.

من جانبه، رفض موريس كافة الاتهامات المتعلقة بإثارة العنف والكراهية ومعاداة السامية.

وغيوم موريس هو أحد الشخصيات الكوميدية في برنامج "مساء الأحد العظيم" (Le Grand Dimanche soir)، الذي تقدمه شارلين فانهوناكر.

وفي الحلقة التي بثت يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصف موريس نتنياهو بـ"النازي"، فاتهم بمعاداة السامية، وتلقى راديو فرنسا تحذيرا من شركة "أركوم" المنظمة للمواد السمعية والبصرية في البلاد.

وقالت رئيسة الإذاعة إن موريس تجاهل التحذير الذي تلقاه، وتحذير شركة "أركوم"، لذلك "لم يترك لنا خيارا آخر سوى استخلاص عواقب عناده وعدم ولائه المتكرر".

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده الـ92.. أسرار جديدة عن إمبراطور الكوميديا محمد عوض
  • نوستالجيا... سر رفض فاتن حمامة العمل مع عادل إمام وسبب غيرتها من سناء جميل
  • راديو فرنسا يقيل ممثلا كوميديا وصف نتنياهو بـالنازي
  • "اللعب مع العيال".. هكذا يروج محمد إمام لأجدد أعماله السينمائية
  • محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»: انتظروني يوم الخميس
  • "اللعب مع العيال".. هل ينجح شريف عرفة مع محمد إمام ويستكمل مسيرة الزعيم؟
  • عايدة رياض: تكريم «تطوير مصر» من أسعد اللحظات.. وأحضر لفيلم وثائقي عن حياة عادل إمام
  • منى زكي تعود للكوميديا بفيلم «رزق الهبل»
  • فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا
  • محمد فودة يكتب: ارفعوا أيديكم عن عمرو دياب