على حافة الغابة البدائية: الحلقة (1)
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
الفصل الاول
على حافة الغابة البدائية: الحلقة (1)
تجارب وملاحظات طبيب الماني في أفريقيا الاستوائية
كتبها: ألبرت شفايتزر
نقلها من الانجليزية د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري - السودان
مقدمة:
تعرفنا الى كثير من الجوانب المظلمة في الحقبة الاستعمارية التي تكالب فيها الاستعمار الاوربي على افريقيا. وقد توالت الأحداث الجسام من تهجير وقهر وقتل وسحل من المستعمر الابيض، ليفرض سطرته على انسان افريقيا ومقدراته وموارده التي نهبت- ردحاً من الزمن - ليعمّر بها العالم الاوربي، بينما يرزح الافريقي صاحب كل ذاك الخير في فقر لا يدانيه فقر.
كانت سيرة الاستعمار طوال وجوده في افريقيا، ليست بالسيرة العطرة، غير أنه قد تخللت هذه السيرة غير المحبوبة، بعض الفضاءات المضيئة من أفراد بيض، آثروا أن يغلّبوا الجانب الانساني في علاقتهم بالانسان الاسود، بطرق عديدة، كالخدمات الطبية التي قدمها الطبيب والفيلسوف الالماني ( البرت شيفايتزر) وزوجه للانسان الافريقي في الجابون الحالية، ببناء مستشفى لخدمة السكان المحليين ، مما أهله في الحصول على جائزة نوبل مقابل هذا العمل الانساني الكبير. هذه الصفحات هي ترجمة لمذكراته التي صدرت في كتاب باسم (On the Edge of the Primeval Forest)
كيف أصبحت طبيباً في الغابة
• الأرض والشعب في أوجوي
غادرت منصبي، أستاذاً في جامعة ستراسبورغ، وتركت عملي الأدبي، وعزفي على الأورغن، من أجل الذهاب طبيباً إلى أفريقيا الاستوائية. فكيف حدث ذلك؟
كنت قد قرأت عن المآسي المادية المحسوسة للسكان الأصليين في تلك الغابات البكر، وقد سمعت عنها من المبشرين، وكلما فكرت في ذلك كلما بدا لي الأمر أكثر غرابةً. اذ يبدو لي، أننا نحن الأوروبيين لا نهتم كثيراً بالمهمة الإنسانية العظيمة التي تعرض نفسها لنا في تلك البلدان البعيدة. بدت لي حالنا أشبه بحال الغني والفقير في قصة ديفيس واليعازر التوراتية، وكأن الخطاب يعينينا بصورة مباشرة! اذ من خلال تقدم العلوم الطبية، صرنا نعرف الكثير عن المرض والألم، ولدينا وسائل لا حصر لها لمقاومتهما: مع العلم، باننا نتمتع بالطبع بالمزايا التي لا حصر لها والتي أتاحتها لنا هذه الثروات الجديدة! بينما يجلس هناك في المستعمرات اليعازر المعذب، ونقصد به الافارقة الملونين، الذين يعانون من المرض والألم بقدر ما نعاني، بل أكثر من ذلك، وليس لديهم أي وسيلة على الإطلاق لمحاربتهما. وكما أخطأ ديفيس في حق اليعازر الرجل الفقير، الذي كان يقبع عند بابه وياكل فتات طعامه، لأنه لم يضع نفسه في مكانه، ليدع قلبه وضميره يخبرانه بما كان ينبغي عليه فعله، فنحن نخطئ أيضاً ضد الرجل الفقير عند بابنا، كما أخطا ديفيس الغني في حق اليعازر الفقير.
* * * * *
فالأطباء الذين توفر الدول الأوروبية خدماتهم في العالم الاستعماري، ويبلغ عددهم المئات، لا يمكنهم تنفيذ سوى جزء ضئيل جدًا من المهمة الضخمة - (وكنت احدث نفسي) - حتى لو كانت الغالبية منهم ليست هناك الا بغرض خدمة تلك المجموعة من المستعمرين البيض والجنود، في المقام الأول. يجب على المجتمع بشكل عام أن يدرك أن هذا العمل الإنساني هو مهمته، ويجب أن يأتي الوقت الذي ينبغي أن يخرج فيه الأطباء إلى العالم بإرادتهم الحرة، لكن بتوجيه ودعم من المجتمع، وبأعداد تتناسب مع الحاجة اليهم، للعمل لصالح السكان الأصليين وحينها فقط، سنكون قد أدركنا وبدأنا الشعور تجاه هذه الجماعات البشرية الملونة، بالمسؤولية التي تقع على عاتقنا - كورثة لحضارة العالم.
• ملاحظة جانبية: القرار
حركتني هذه الأفكار لأقرر، وأنا بالفعل في الثلاثين من عمري، أن أدرس الطب وأضع أفكاري للاختبار هناك. تخرجت طبييباً في بداية عام 1913 ، وبدأت رحلتي في نفس الربيع مع زوجتي، التي كانت قد تأهلت هي الاخرى ممرضةً، نحو نهر أوجو في أفريقيا الاستوائية، للبدء في مهمتي الفعلية.
اخترت هذا الموقع لأن بعض المبشرين الألزاسيين الذين يخدمون في البعثة الإنجيلية الباريسية كانوا قد أخبروني أن هناك حاجة ماسة لطبيب بسبب انتشار مرض النوم المستمر. كانت البعثة مستعدة أيضاً لتوفير إحدى المنازل في محطتها في لامبارين والسماح لي ببناء مستشفى في أراضيها، مع وعد بتقديم المساعدة في العمل.
أما نفقات المشروع الفعلية، فكان علي أن أوفرها بنفسي، وقد كرست كل ما كنت كسبته من حفلات عزف على الأورغ، جنباً إلى جنب مع أرباح كتابي عن باخ، الذي ظهر باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية. وبهذه الطريقة، ساعدني السيد يوهان سيباستيان، نفسه من لايبزيغ، في بناء مستشفى للسود في تلك الغابة البكر،كما تبرع أصدقاء خيرون في ألمانيا وفرنسا وسويسرا بالمال. وعندما غادرنا أوروبا، كان المشروع قد تم تمويله بالكامل وبصورة آمنة لمدة عامين، وكانت النفقات - باستثناء الرحلة ذهاباً وإياباً – قد بلغت حوالي 15،000 فرنك سنوياً، وقد تبين أن هذه الحسابات قد كانت تقريباً سليمة. تولى أصدقاء متفانون في ستراسبورغ إدارة الحسابات وتنظيم كل الأشياء اللازمة، وتم إرسال الحقائب عند تعبئتها إلى أفريقيا من قبل البعثة بوسائلها الخاصة.
كان عملي آنذاك - ولأستخدم مصطلحاً علمياً - يتماشى متوازناً مع أهداف البعثة الإنجيلية الباريسية، لكنه في حد ذاته، كان غير معترف به حسب التوجه الديني والدولي. وكان، ولا يزال، اعتقادي أن العمل الإنساني الذي يجب أن يُنجز في العالم؛ ينبغي أن يستدعينا بصفتنا بشراً، وليس بالضرورة أعضاء في دولة معينة أو أي هيئة دينية. يتبع
[email protected]
//////////////////////\
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.