ميونيخ (أ ف ب)
بعد عام على خيبة خسارة لقب الدوري الألماني لصالح بايرن ميونيخ في المرحلة الختامية وبفارق الأهداف، يسعى إدين ترزيتش إلى تدوين اسمه في تاريخ بوروسيا دورتموند، من خلال قيادته إلى لقبه الثاني فقط في مسابقة دوري أبطال أوروبا على حساب العملاق الإسباني ريال مدريد.
وبعمر الحادية والأربعين فقط، يقف ترزيتش على بعد فوز من الارتقاء إلى مستوى أسطورة النادي أوتمار هيتسفيلد الذي تمكن في 28 مايو 1997 من قيادة دورتموند إلى اللقب القاري المرموق للمرة الأولى والأخيرة في تاريخه، بفوزه في النهائي على الملعب الأولمبي في ميونيخ على يوفنتوس الذي كان يضم الفرنسيين زين الدين زيدان وديدييه ديشان، إضافة إلى أسطورة إيطاليا أليساندرو دل بييرو.


في «تلك الحقبة كنت في الرابعة عشرة من عمري ولسوء الحظ لم أكن في ميونيخ. لقد شاهدت المباراة في مدينتي على شاشة عملاقة، وشاهدتها مرّات عدة بعد ذلك»، وفق ما أفاد ترزيتش أخيراً، مضيفاً: «كان يوماً مميزاً لجماهير بوروسيا».
في اليوم التالي للمباراة النهائية، ذهب إلى المطار بصحبة شقيقه للترحيب بالفريق في خطوة متوقعة لهذا الطفل من الجدار الأصفر، وهو المدرّج الضخم الذي يحتضن 25 ألفاً من مشجعي دورتموند في ملعب «فيستفالنشتاديون».
وبعد 27 عاماً من تلك اللحظة التاريخية، يجد ترزيتش نفسه في المقلب الآخر، أي الطرف الذي يمكن أن يحظى بترحيب حار كبطل الأحد، في حالة تحقيق الانتصار في «ويمبلي» ضد ريال مدريد ومدربه الفذ الإيطالي كارلو أنشيلوتي.
مشاهد الابتهاج نادرة في بورسيجبلاتس، وهو المكان الذي يجتمع فيه مشجّعو دورتموند للاحتفال.
في العام الماضي، كان كل شيء جاهزاً لاستقبال ما بين 300 إلى 400 ألف شخص من أجل الاحتفال بلقب الدوري الألماني الأول للنادي منذ عام 2012، لكنه فشل في وضع حدّ لهيمنة بايرن الذي أحرز اللقب الحادي عشر توالياً نتيجة تلعثم منافسه الأصفر في المتر الأخير.
وتحوّلت الأجواء الاحتفالية إلى حزن وبكاء بعدما فشل دورتموند في تحقيق أكثر من التعادل مع ماينتس (2-2)، في حين كان بايرن يخطف هدف الفوز على كولن 2-1 في الدقيقة 88 عبر جمال موسيالا، ليحرز اللقب بفارق الأهداف عن فريق ترزيتش. 
كانت تلك الصدمة الكبرى الأولى في المسيرة التدريبية لابن «عائلة من العمال المهاجرين» من أب بوسني وأم كرواتية فرّا من البلقان في أوائل الثمانينيات، في أحد أيام شهر نوفمبر 1991، وقع إدين الشاب تحت سحر نادي دورتموند والأجواء المشحونة لملعب «فيستفالنشتاديون» خلال مباراة في الدوري الألماني ضد دويسبورج.
في منطقة الرور، كانت الخيارات متعدّدة بالنسبة لترزيتش بوجود أندية مثل شالكه ودويسبورج وبوخوم، لكنه فضّل بوروسيا دورتموند.
وُلد في مندن على الحدود الجنوبية - الشرقية لمنطقة دورتموند الحضرية عام 1982، بعد عامين فقط على انتقال والديه إلى ألمانيا.
تحدّث لمجلة «11Freunde» الألمانية في مايو 2021 عن حضوره المباراة الأولى لدورتموند ضد الجار دويسبورج عام 1991: «لا أتذكّر الكثير من طفولتي، لكن ذلك كان مذهلاً للغاية».
تُظهر صورٌ من نهائي كأس ألمانيا عام 2012، ترزيتش بين مجموعةٍ من المراهقين المشجعين لدورتموند في ملعب برلين الأولمبي، في ذلك اليوم، اكتسح دورتموند غريمه بايرن ميونيخ 5-2 وتوّج بثنائية الدوري والكأس في أوجّ عهد يورجن كلوب التدريبي مع النادي.
بعدما لعب في المستويات المتدنية الألمانية، انضم ترزيتش إلى دورتموند ككشّاف مواهب عام 2010. منذ ذلك الحين، لم يترك النادي سوى لفترتين قصيرتين مع بشيكتاش التركي ووست هام، حيث عمل تحت كنف المدرب الكرواتي سلافن يبيليتش.
عندما استُدعي لإنقاذ دورتموند في ديسمبر 2020 كي يحل بدل السويسري لوسيان فافر المقال من منصبه، نجح في إعادة التوازن إلى الفريق وقاده إلى حجز بطاقة لمسابقة دوري أبطال أوروبا وقبل كل شيء الفوز بلقب الكأس المحلية في مايو 2021، قبل أن يُعلَن عن التعاقد مع ماركو روزه.
بقيَ ترزيتش في النادي كمديرٍ فني واستلم تدريب الفريق قبل انطلاق موسم 2022-2023.
على الرغم من الحسرة على ضياع اللقب الموسم الماضي، شعرت إدارة دورتموند أنها وجدت ضالّتها وأبقت الرجل في منصبه، وهو قرارٌ أتى بثماره بوصول الفريق إلى نهائي دوري الأبطال للمرة الثالثة فقط في تاريخه بعد 1997 و2013 حين خسر بقيادة كلوب أمام غريمه المحلي بايرن.
يتحدّث عن رحلته مع دورتموند، قائلاً: «لم أكن مشجعاً وحسب، بل موظّفاً في النادي. الطريق إلى مقاعد التدريب والعالم الاحترافي لم أسلكه كمشجع، لكن كمدرّب للشباب، كموظّف، كمساعد»، وفق ما نقلت شبكة «دازون» للبث التدفقي.
بعدما كان مهدداً قبل عيد الميلاد نتيجة مشوار معقد في الدوري (7 نقاط من أصل 24 ممكنة)، ضمن «الحد الأدنى من الأهداف» للنادي من خلال تأهله إلى دوري الأبطال الموسم المقبل، وهو ما يمنحه فرصة مقاربة نهائي «ويمبلي» بصفاء ذهني وراحة بال. 

أخبار ذات صلة مسلسل سان جيرمان ومبابي ينتهي في «المحاكم»! بيلينجهام يتصدر قائمة أغلى 100 لاعب في العالم

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: دورتموند دوري أبطال أوروبا الدوري الألماني البوندسليجا ريال مدريد دورتموند فی

إقرأ أيضاً:

سلطة الصورة في توثيق الإبادة

(1)

نُشر على وسائط التواصل الافتراضي (فيسبوك) هذا الخبر العادي اليومي المتكرر حدوثه في غزة: «عائلة السلطان من بيت لاهيا استشهدوا جميعهم، ولم يبق منهم أحد».

تُظهر الصورة لحظة حميمة لعائلة فلسطينية دافئة حول موقد نار صغير، في فناء بيتهم البسيط، رغم تواضع المكان، يبدو الدفء الإنساني حاضرا: وجوه باسمة، أجيال مختلفة (الجد، الأبناء، والأحفاد)، التفاف حول النار لا لمجرد الدفء الجسدي، بل للدلالة على الترابط. صورة تشبه الحياة اليومية العادية لأي عائلة، قبل أن تتحول إلى سجل موتى.

ماذا يعني أن تباد عائلة بأكملها؟ مَن يكتب سجلهم؟ من يذكر أسماءهم؟ مَن سيحكي قصتهم. إنه محو للذاكرة والنسب والتاريخ، وهو ما يجعلنا نعود مجددًا إلى فكرة أن الصورة وثيقة كالسجل، تصبح أداة مقاومة ضد النسيان والمحو. لكن ما يجعل الصورة مفجعة، هو معرفتنا بما حدث لاحقا: كل مَن في الصورة استُشهد. ما كانت لحظة للتوثيق العائلي، تحولت إلى صورة وداع جماعي أخير.

(2)

سوزان سونتاغ الكاتبة والناقدة الثقافية الأمريكية، لها كتابان مهمان تناقش فيهما وظيفة صور الحرب والموت وما تخلفه آلة المحو الضروس من معاناة. الكتابان هما: «حول الفوتوغرافيا - 1977م»، و«بالنظر إلى ألم الآخرين - 2003م».

تطرح سوزان بعض تأملاتها فتكتب: «نحنُ نُخَدَّر بالصور، لكنها لا تخلق بالضرورة فهمًا أعمق». هذا ما يحدث معنا على نحو من الأنحاء إزاء نشرنا لصور مختلفة عن الإبادة في غزة. إننا لا نقاوم النشر في وسائط التواصل المتاحة، تارة نشعر أننا يجب أن نفعل ذلك، أن نتحدث عنهم، أن نذكرهم، لأن سلطة عمياء تريد لنا أن ننساهم. وتارة نشاهد مئات الصور من ضحايا التجويع والتهجير، دون أن نفعل شيئا. الخطر هو أن تكرار نشر الصور يصنع بلادة أخلاقية.

(3)

في سياق السياسة الحيوية Biopolitics لدى ميشيل فوكو، تفضح صور الإبادة مدى فاعلية أن «الصور ليست مجرد تذكارات، إنها أدوات للسلطة». مقولة سونتاغ تربطنا بسلطة الصورة في توثيق الإبادة بما طرحه فوكو.

يشير مصطلح السياسة الحيوية بحسب جوديث ريفال (معجم ميشيل فوكو- ترجمة الزواوي بغوره-2018م) إلى ضبط ومراقبة حياة السكان بعدد من الإجراءات الانضباطية. في الحروب الحديثة، السلطة لا تمارس نفسها فقط على الحياة، بل على قرار من يَستحق أن يعيش، ومَن يُمكن أن يُترك ليموت.

وفق صورة «عائلة السلطان من بيت لاهيا»، تغدو الصورة جزءًا من الحقل السياسي للدول... تصبح مرآة لقرار الدولة أو النظام القاضي بإخراج فئة بشرية وحرمانهم من الحق في الحياة.

يُبين فوكو أن السياسة الحيوية «تُمثِل لحظة الانتقال من السياسة إلى الأخلاق». تكشف الصورة عن قوة القرار السياسي والعسكري الذي يُمارس، ويَفرض سلطته في قتل من استبعد من الحق في الحياة. أما في سياق الحرب والأخلاق، تشير ريفال إلى عبارة (كلاوزفيتز)؛ المشهورة: «الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى»، فقَلَبَها ميشيل فوكو في سياق قطع العرب النفط على أوروبا عام 1973م بداعي الحرب على إسرائيل! إلى عبارة: «السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى».

(4)

صورة عائلة «السلطان من بيت لاهيا»، ستكون تذكارا سيستثمره المبدعون والرواة في الحكيّ عن بشاعة الساسة، وتحكّم رأس المال.

ستهتم السياسة الحيوية بإنتاج المعرفة القائمة على عدد الضحايا والمُصابين. إن استمرار الحرب يجعل استدامة عمل المؤسسات العسكرية والمصارف العالمية حيويا.

إن الحرب تقف وراء ميلاد الدّول (بولانفلييه)، ولا تقدر هذه التفكير في حالة الوجود في اللاحرب.

(5)

منذ بدء الحرب في غزة، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية، إن أكثر من 1200 عائلة أُبيدت بالكامل. لم ينجُ فردٌ واحد ليُكمل النَسب، أو ليحمل اللقب، أو ليوقّع في سجل الحضور اليومي للحياة. فكرة محو السجل العائلي من الوجود مرعبة. إن موت إنسان كنا نعرفه، نتأثر لغيابه، فما بالنا بفكرة غَلق القيد من السجل المدني دون ورثة. تحمل دفاتر العائلة، في ظاهرها، لغة بيروقراطية باردة: الاسم، تاريخ الميلاد، اسم الأم، رقم القيد. لكنها، في عمقها، سردية حياة كاملة: الاسم، الرقم المدني، مكان الميلاد، جهة الإصدار، التوقيع. يكوّن هذا فكرة عن امتداد العروق والأنساب في شجرة تضرب جذورها في الأرض، وتمتد أغصانها نحو المستقبل. حين تُباد عائلة فلسطينية بكاملها، لا يُمحى جسد فقط، بل تمحى سلالة، وشهادة ميلاد للغد.

في هذا السياق، تظهر أهمية مسرح الوثيقة السياسية؛ لون مسرحي مُهمل. لا يكتفي بالمخيلة الدرامية، بل يستنطق الوثائق الحقيقية: صور الشهداء، قوائم الأسماء، تقارير الطب الشرعي، شهادات الناجين، مقاطع الفيديو، السجلات الرسمية. لا يبتدع المسرح هنا حبكة، بل يُعيد ترتيب الفجائع بصريًا وسمعيًا، ليواجه الجمهور بحقائق مُجسّدة، محاكمًا البُنى السياسية والرمزية التي صنعت المجزرة وأخرى صمتت عن الإبادة.

في هذا السياق، أتذكر بعض الأمثلة التي وثقت المجازر وثائقيا: مسرحية The Investigation (التحقيق) لبيتر فايس، التي استندت إلى محاضر محكمة فرانكفورت التي حاكمت الضباط النازيين عن مجازر أوشفيتز. ومسرحية Ruined لين نوتيج، الولايات المتحدة التي وثقّت جرائم الاغتصاب الجماعي ضد النساء في الكونغو، بالاعتماد على شهادات حقيقية. ومسرحية «سبايا»، العراق/ألمانيا للمخرج أنس عبدالصمد، وتسرد مأساة الإيزيديات المختطفات من قبل داعش، معتمدة على شهادات حية.

إن تجربة المسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي Documentary Theatre العالمية من التجارب الأكثر نضجًا.

هناك عروض لفرقة Tricycle Theatre في المملكة المتحدة، استندت إلى مقابلات مع معتقلين ومحامين وأهاليهم، محولة الوثائق القانونية إلى دراما مكثفة تثير الرأي العام. وفي أمريكا اللاتينية، تميزت الأرجنتين بتجارب وثائقية مسرحية عن المفقودين خلال الحُكم العسكري، حيث استخدمت الأمهات في «ساحة مايو» المسرح كمنصة لرواية قصص أبنائهن، وعرض سجلات المفقودين حرفيًا، وقراءتها أمام الجمهور كفعل احتجاجي وطقسي معًا.

أريد الإشارة هنا، إلى تجربة الكاتبة مروة مهدي عبيدو، وتقديمها لفكرة «مسرح اللجوء»، و«فضفضة» وهو عبارة عن (ورش حَكي نسوي)، حيث يُسمع قصص نساء هاجرن بسبب الحروب، وعانين من أنواع مختلفة من الاضطهاد، في محاولة الاندماج في ألمانيا.

(6)

المسرح في فلسطين يواجه تحديا وجوديا كبيرا. إذ ليس عليه تقديم سردياته عن الحروب فقط، بل أن يوثق «الإبادة الجينية» التي تتعرض لها العائلات. أن يقف أمام سجل عائلة فارغة، ويمنع الصمت، ويجعل من الخشبة دفترًا جديدًا لتدوين الحياة. هناك تجارب مبدعة، مثل أعمال فرقة «عشتار» المسرحية التي اشتغلت على شهادات الأطفال، والشباب في المخيمات، ووثقت الحياة تحت الاحتلال من خلال حلقات عمل تشاركية. أيضًا، فرقة «الحرية» في جنين قدّمت عرضًا عنوانه «أوراق من جنين»، اعتمد على شهادات حقيقية من الانتفاضة الثانية، حيث تحوّل التسجيل الصوتي إلى مونولوج حي.

رغم حداثة تجربة «مسرح الوثيقة»، إلا أن هناك محاولات واعدة. بعض المخرجين العرب في العراق، ولبنان، والكويت، والبحرين، وعُمان، بدأوا في توظيف الوثيقة كشريك درامي، ليس فقط لتسجيل الشهادات، بل لطرح أسئلة سياسية وأخلاقية ووجودية.

في عُمان سأشير إلى تجربتي في كتابة عرض وإخراج «أبجدية البوح علياء» الذي قُدم في النادي الثقافي في 29 ديسمبر 2009م، بمناسبة القدس عاصمة للثقافة العربية، أدمجنا فيه بعض الوثائق، مع النص الدرامي، والفيديو.

فلتظل السجلات مفتوحة، ولتكن الخشبة كتابًا لا يُغلق.

مقالات مشابهة

  • الأمير يودّع ريال مدريد: نهاية أسطورة حاكت المجد بـ13 عامًا من الولاء
  • «المجد الأوروبي» يمنح «قبلة الحياة» لبقاء بوستيكوجلو مع توتنهام
  • تراجع عدد المهاجرين لبريطانيا إلى النصف في 2024
  • بايرن ميونيخ يحسم ضم فيرتز في نهاية الشهر الجاري
  • وزير التنمية الإدارية يبحث مع رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال سبل تطوير أداء العمال وفق متطلبات المرحلة
  • بايرن ميونخ يرغب في التعاقد مع نجم الأهلي
  • ماتياس سامر مستمر مع دورتموند ولكن في منصب جديد
  • الكاميروني أونانا.. من الفقر والحظر إلى المجد الكروي
  • سلطة الصورة في توثيق الإبادة
  • بمعدل أعمار 22 سنة و9 لاعبات تحت 20.. مسار يسيطر على الكرة النسائية تحت شعار "الشباب يصنع المجد"