أول تجربة عربية تنطلق من فلسطين، من خلال التوعية برموز الفن التشكيلي، حيث يتم تشجيع طلبة فلسطين في المدارس على الاطلاع على أعمال أحد الفنانين، وبالتالي محاكاتها؛ بما يؤسس للتربية على الفن. إنها السنة الثالثة على التوالي، والتي بدأت تتبلور، وتمنح آفاقا للبناء الفني، عبر اختيار المواهب وتشجيعها، من خلال التذوق الفني وصقل الموهبة عبر معلمي ومشرفي الفنون.
وتكتسب حالة فلسطين المحتلة خصوصية معينة، من حيث جعل العمل الإبداعي هدفا جماليا، وأسلوب توعية الطلبة بالقضية الوطنية والهوية وتعميق الانتماء والبقاء الإبداعي المقاوم.
يدفعنا معرض طلبة فلسطين الموهوبين/ات «واقعية الحضارة والتراث في محاكاة طلبة المدارس لأعمال الفنان نصر عبد العزيز» ليس إلى تأمل لوحات المحاكاة، بل إلى الاطلاع أكثر فأكثر على إبداع فنان تشكيلي فلسطيني، يعد أحد أهمم القمم الفنية في الفن الفلسطيني المعاصر.
ندخل قاعات مركز بلدنا الثقافي، فنرى عشرات اللوحات الجميلة، لكننا ونحن نقترب منها، نتفاجأ بأننا نعرف تلك اللوحات، والتي هي جزء من تكويننا الثقافي؛ إننا في عالم الفنان الكبير نصر عبد العزيز. لم يكن صعبا اكتشاف أسلوب هذا المعرض، الذي قام على إدخال طلبة فلسطين إلى فضاء الفن التشكيلي الفلسطيني، ثم تشجيعهم على مشاهدة اللوحات والقراءة عنها، بنية اختيار لوحة أو عدة لوحات منها لرسمها من جديد.
لقد رأت قيّمة المعرض الفنانة التشكيلية رانية العامودي أن التأسيس الفني منظومة متكاملة العناصر، من خلال تعليم أساسيات الفن، من ألوان وخطوط، بمراعاة المرحلة العمرية، دون السطو على طريقة رسم الأطفال في المراحل المبكرة. وهي في هذا السياق تتحدث من واقع حياتها كطفلة موهوبة، وكيف رأت تعليم الفنون ومدى أثره وجدواه.
كذلك، فإنها برفق تدفع الطلبة إلى الاهتمام والاطلاع، وجدية تعلم المهارات، والتفاعل مع الفنانين والفنانات القريبين منهم، عبر استضافتهم. إن تعامل الطلبة مع الفنانين يختصر الكثير عليهم. وعلى ذلك، وكما شاهدنا في معرض وزارة التربية والتعليم، فقد كانت البداية متسقة مع تعليم الفنون والأدب، حيث يبدأ الأطفال عادة برسم ما هو موجود بالفضاء، إضافة إلى محاكاة الرسومات واللوحات التي يحبونها.
تلك هي نظرية المحاكاة في مراحل التأسيس، بحيث يبدأ الطفل بتقليد ما هو كائن، ومن ضمن ذلك لوحات يحبها؛ حيث إن تعلم الرسم يشبه تعلم اللغة، لكن ذلك وفقًا للعامودي لا يجب أن يستمر، بل سيجد الفتى نفسه والفتاة نفسها من الموهوبين والموهوبات، خصوصا بعد التخرج من المدرسة، يتجهون إلى التعبير عن أصواتهم الخاصة، وهذا أصلا هو هدف تعليم الفنون.
لقد أفرد أرسطو فصلًا مهمًا عن نظرية المحاكاة ومستوياتها، ولعل الفنانة العامودي أيضًا قد اطلعت على ذلك، لكن دومًا هناك مجال لزيادة الاطلاع، لتعميق التربية على الفنون.
تعليم الفنون يختلف عن تعليم مباحث أخرى، لأنه غير نمطي، لذلك فإن هناك ضرورة لتأهيل معلمي الفنون، خاصة في أمرين: التعامل مع خيال الطفل، وتعليم مهارات الرسم والتلوين، فاختيار الألوان الباردة والحارة يمنح الأعمال الفنية المزيد من الجدية، بل ويسهم في تمكين الطلبة في قراءة اللوحات في المعارض، وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة، تقع داخل منظومة البناء الفني، ألا وهي بناء جمهور جديد؛ فالطلبة المشاركون جميعا سيصبحون مواطنين قريبا، وبالتالي سيستمر عندهم الاهتمام الفني، بحيث نضمن زياراتهم للمعارض الفنية.
اختار طلبة المدارس عدة لوحات من أعمال نصر عبد العزيز، وقاموا بإعادة رسمها من جديد، بمستوى فني جميل، وقد كانت فرصة لتأمل تجارب المحاكاة للوحة نفسها، من حيث مستويات اللون وطرق المحاكاة، وفي الوقت نفسه ظهر ما هو متشابه في التركيز على النزعة الوطنية المناهضة للاحتلال.
محاكاة الفنان نصر عبد العزيز هذا العام جاء بعد محاكاة لوحات الفنانين نبيل عناني وسليمان منصور في العامين السابقين، حيث أصبح هناك تراكم للتجربة، لذلك فإن الاستمرارية في هكذا نشاط إبداعي، سيؤسس لنشر الفن التشكيلي والتوعية عليه، بما يخدم الهدف الجمالي والوطني معا.
وفقت الفنانة رانية العامودي في اختيار شخصية العام الفنية لطلبة مدارس فلسطين؛ فنصر عبد العزيز الذي كان معرضه الأول عام 1972، درس عدة فنون، ورسخ اسمه في الفن من خلال نوعية ما يقدمه. لقد حفلت أعماله بثيمات تتعلق بالهوية والوطن، وقد أبدع في توظيفها، كالمرأة والأطفال والخيل والبندقية. إن المرأة بشكل خاص هنا له دور رائد وأساسي في الصمود. إن لوحاته عن استرسال شعر النساء التي اختارها أطفال فلسطين للرسم، تدل على سحرية جمالية ووطنية عالية، كذلك الخيل والفارس، كذلك كان وقوف المرأة جاذبا بما له علاقة بالثبات والطفل كرمز لاستمرار البقاء المقاوم. لقد جذبت البيئة الفنان فعبر عنها، وهكذا فعل طلبة فلسطين ما يعني هنا تنوير الطلبة وتوعيتهم عبر الفن.
والمهم هنا في الفن والأدب هو توطين المكان الفلسطيني بما يحمل من واقع وطموح وجمال، فانتباه الطفل لمكانه ورسمه، والتعبير عنه يمنح الخصوصية والمحلية المميزة لفلسطين، فالفن والأدب هنا يمنحان الطلبة التفاعل مع المكان؛ فقد كانت قراءاتنا ومشاهدتنا للوحات الفنية فرصة لرؤية فلسطين.
أما الزاوية الثانية في المعرض والتي تلفت نظرنا، فقد كانت تجليا لأحلام الأطفال. «أرسم حلمي»، حيث طُلب من الطلبة من المرحلة العمرية الصغرى رسم أحلامهم الليلية. رسم الأطفال أحلامهم المتعلقة بالمكان، كحلم وصول مدينة القدس بسبب الحواجز. كما رسموا الأطفال في بيئة سلام، كذلك رسموا أحلام هدم جدار الفصل العنصري، كذلك حضرت الحرب الهمجية على غزة في أحلامهم. وحلم طفل بأنه يضع علم فلسطين على سطح القمر. والمميز وجود لوحة تجريدية غاية في الجمال مرسومة باللون الذهبي لإنسان في الفضاء.
وهذه اللوحات مجتمعة دلالة صادقة وجميلة على أحلام طلبة فلسطين في حب الحياة والوطن وقوس قزح والعلم والحرية.
تشكل النشاطات الطلابية مجالا لاكتشاف المواهب ورعايتها، ثم إعدادها للالتحاق بكليات الفنون الجميلة، لذلك فكما قلنا، إن التربية على الفنون منظومة متكاملة. بقي أن نشير إلى أن المعرض سمح للطلبة بالاحتفاظ بأعمالهم التي تم تأطيرها بشكل جميل، كذلك منحهم فرصة بيع تلك اللوحات، ما يؤسس ويشجع الأهالي والأطفال للنظر إلى الفنون من أجل التعاطي الجاد معها.
تعمل الفنانة التشكيلية الفلسطينية رانية العامودي مسؤولة للنشاط الفني. درست العامودي الفن التشكيلي وأقامت 4 معارض شخصية، كما شاركت في عدة معارض. تهتم بشكل خاص بأصالة العمل الفني والفكرة المبتكرة. تأخذ موضوعات الوطن والهوية معاني إنسانية ووطنية معا، عبر الاعتناء الجمالي والجدية والفكر الحاضن للعمل الفني.
وأخيرا فإنني أجد أن هناك ضرورة لعقد ورشة فنية تتناول هذه التجربة التي امتدت لعامين متتاليين، باتجاه تطويرها في الأعوام القادمة، بالتعاون البناء والإبداعي بين التربويين والفنانين.
نحن بحاجة لدراسة معنى المحاكاة التي لن يتيسر لنا في هذه العجالة الحديث عنها، لكن لعل الأكثر معرفة واختصاصا يدلون بآرائهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نصر عبد العزیز الفن التشکیلی تعلیم الفنون طلبة فلسطین فی الفن من خلال
إقرأ أيضاً:
مقرب من العثماني يروي قصة ما حدث له مع طلبة يساريين في تطوان
روى نزار خيرون، القيادي الشاب في حزب العدالة والتنمية، والمقرب من سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق، القصة الكاملة لنسف محاضرة هذا الأخير في الشمال منذ بدايتها وحتى نهايتها.
وبدأ خيرون حديثه بطرح تساؤلات، من قبيل هل طُرد العثماني من كلية تطوان؟ لا … هل نُسفت محاضرته حول الصحة النفسية ؟ لا.
بالنسبة لخيرون الجواب عن السؤال الأخير، « هو الذي هيَّج « طلبة » ما يُسمّى بالنهج القاعدي، لأنهم كانوا مُصرّين على نسف المحاضرة ولكن ذلك لم يكن لهم ».
خيرون عاد وروى حقيقة ما جرى وقال إن « الدكتور سعد الدين العثماني التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل صباحاً، وكانت الأوضاع عادية جدا، وكان بعض من « طلبة » ما يسمى النهج القاعدي أمام القاعة التي كانت من المقرر أن تحتضن النشاط قبل أن تغيرها إدارة الكلية، بمعنى أن الدكتور سعد الدين العثماني التحق منذ البداية بالقاعة التي تقرر أن تحتضن النشاط أخيرا، ولم تتم عرقلته ولم يتم طرده كما يدعون، وكان في القاعة السيد العميد ونائبه وعدد من أطر الكلية، وعدد من الطلبة حتى بقي البعضُ واقفا لم يجد مكانا للجلوس.
وأضاف خيرون كاشفا ما حدث بقوله: « تمت المحاضرة في أجواء جيدة، قدم العميد كلمته، ومنسقة شعبة علم النفس الإكلينيكيّ كلمتها، ثم كلمة مدير دار النشر الخيام، بعدها عرض الدكتور سعد الدين العثماني، ولقيت المحاضرة تفاعلاً جيداً، وتم تكريم الدكتور في النهاية ».
يحكي خيرون أن العثماني « في طريقه للخروج، ولأن هؤلاء « الطلبة » كانوا يبحثون عن أي صورة يجسدون فيها « فتوحاتهم »، اعترضوا السيارة التي كانت ستقل الدكتور ومن معه إلى خارج الكلية، فاعترضوا سبيلها وتمدد بعضهم في الأرض أمامها ( لهذا روجوا محاولة دهس) ومنعوها من الخروج فنزل الدكتور وخرج على قدميه إلى خارج الكلية وهم يحاولون الاعتداء عليه وعلى من معه من حراس الكلية ».
قبل أن يستدرك نزار خيرون في تدوينة له على صفحته الرسمية على « فايسبوك »، بقوله « نسيتُ أن أشير إلى أن هؤلاء « الطلبة » أمام القاعة الأولى (وليست التي نظم فيها النشاط) رفعوا شعارات لمدة ساعة ضد الإسلاميين، ومناصرة لبنعيسى أيت الجيد رحمه الله، وغيرها من الشعارات الناقمة على كل ما هو إسلامي، بالإضافة إلى شعارات أخرى ضد « الاعتقالات السياسية »، بالإضافة إلى السب والشتم، وحينما لم يجدوا أي تعاطف رفعوا شعارات منددة بالتطبيع، وألبسوا وقفتهم لبوس مناصرة القضية الفلسطينية، ليكون ذلك الإخراج عند خروج الدكتور ».
بالنسبة لخيرون « المثير في الأمر هو كان معهم رجل من خارج الجامعة يوجّههم ويفتي عليهم ما يفعلونه، يقف أمام الكلية في الشباك، ومن يتزعم الوقفة يذهب إليه ويعود ».
وختم خيرون القيادي الشبابي في حزب العدالة والتنمية تدوينته « عارٌ ثم عارٌ وأمرٌ مخزي ومؤسف أن يكون هؤلاء ينتمون إلى الجامعة التي عرفناها فضاءً للاختلاف والتسامح والحوار… للأسف أساؤوا لأنفسهم وفقط، ولم يسيؤوا للدكتور العزيز سعد الدين العثماني قط، وهو الكبير بعلمه وتواضعه وأخلاقه، ومهما قلت فيه لن أوفيه حقه ».
قبل أن يختم أيضا حديثه « لا أنسى شكر العميد وأطر وأساتذة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ورئاسة الجامعة على حفاوة الاستقبال التي خصصوها للدكتور سعد الدين العثماني، وعلى كرم الضيافة ».
كلمات دلالية العدالة والتنمية القاعديين سعد الدين العثماني محاضرة مرتيل نزار خيرون نسق