هل تحرف “ثورة” الحوثيين نزعة اليمن إلى الجمهورية عن مسارها التاريخي؟
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
المصدر: أمواج ميديا/ مأرب الورد
على الرغم من أن حركة أنصار الله المعروفة باسم الحوثيين تحكم أكثر من ثلثي السكان في اليمن، نادرًا ما تتم مناقشة تفاصيل نموذج القيادة في هذه الحركة. بالنسبة للخبراء المطلعين على الموضوع، فإن الطريقة التي تحكم بها الجماعة هي مزيج بين نظامين ثيوقراطيين مختلفين.
يستقي النظام الأول جذوره من أجداد الحوثيين؛ الأئمة الزيدية، وهي مدرسة فكرية إسلامية شيعية حكمت شمال اليمن لعدة قرون.
ويشكل مزيج من هذين النظامين العمود الفقري لنموذج قيادة الحوثي، الذي تهدف جماعته إلى توسيعه في جميع أنحاء اليمن. ومنذ الاستيلاء على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 فيما تمّ تصويره على أساس أنه ثورة، قامت الجماعة بترقية زعيمها السياسي والروحي الأعلى عبد الملك الحوثي على غرار الطريقة التي يتم بها التعامل مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في إيران.
هذه الديناميات تثير تساؤلات حول مستقبل الجمهورية في اليمن، والتي كانت عند تأسيسها بعد ثورة 1962 بمثابة بداية النهاية للإمامة الزيدية. كما أنها تلقي بظلال من الشك على آفاق الديمقراطية والتعاون السياسي بين الحوثيين وخصومهم اليمنيين في مرحلة ما بعد الحرب.
وفي هذا السياق، أثار تصريح مزعوم لعضو المكتب السياسي للحوثيين، عبد الملك العجري، في مقابلة نادرة مع وسيلة إعلام غربية في مارس/آذار، قال فيه إن زعيمهم سيبقى السلطة السياسية العليا في اليمن في ظل أي حكومة مستقبلية، أثار موجة من الانتقادات، ما دفع العجري إلى الادعاء بأن اقتباسه تعرّض للتحريف، وأوضح أن نفوذ وتأثير زعيمهم يعتمد “على ما له من كاريزما شخصية وإلهام وموثوقية جماهيرية أكثر مما يعتمد على الموقع الرسمي”.
النظرية السياسية الحوثية
وضع مؤسس حركة أنصار الله، حسين بدر الدين الحوثي (1959-2004)، الأساس الأيديولوجي والسياسي الذي لا يزال يوجه الفكر الحوثي. وبعد مقتله في إحدى الحروب ضد حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح (1978-2011) مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تولى شقيقه عبد الملك الحوثي قيادة الجماعة.
لفهم عقلية الحوثيين، من المهم أن نأخذ في الحسبان أن هناك مدرستين لاهوتيتين رئيسيتين تسودان داخل نظام المعتقد الزيدي: الهادوية والجارودية. وتنص العقيدة الهادوية، الأكثر انتشارًا والأقرب إلى الإسلام السني، على أن الزعيم الروحي للمسلمين يجب أن يكون أيضًا الحاكم الأعلى، أو الإمام. علاوة على ذلك، فهي تؤكد على المؤهلات العلمية للإمام، وتفضل من دون اشتراط أن يكون هاشميًا.
وعلى عكس الزيدية التقليدية، فإن الجارودية التي يتبناها الحوثيون تبدو أكثر صرامة. فعندما يتعلق الأمر بالقيادة السياسية والروحية، على سبيل المثال، فإنها تتطلب النسب المباشر لسلالة النبي كشرط مسبق. علاوة على ذلك، تعدل أيديولوجية الحوثي مفهوم العَلَم، وهو مصطلح من التعاليم الإسلامية يُستخدم تقليديًا لوصف شخص ذي معرفة عالية يصبح قائدًا، وتعيد تعريفه ليصبح كل فرد يعينه الله من خلال النبي محمد “لإرشاد الأمة وتعليمها”. ويشار إلى عبد الملك الحوثي في السياق الحالي باسم العالِم.
وأثارت إعادة تعريف العلَم مزاعم بأن الجماعة تستغل سلطتها الدينية، وأن احتكار عائلة الحوثي للسلطة ينتهك مبادئ الإمامة. وسلط النقاد الضوء على تصريحات المسؤولين الحوثيين مثل يوسف الفيشي، الذي صوّر الجماعة على أنها “هدية من الله لشعب اليمن” وأعلن كذلك أنه في ظل قيادة عبد الملك الحوثي، فإن شكل الحكم “سيظل قائما” من دون تغيير، حتى مع المنافسة الانتخابية، لأن هذه القيادة تحمي أجيالنا القادمة من الصراع على السلطة”.
وبحسب محمد عزان، الباحث الزيدي وأحد مؤسيي منتدى الشباب المؤمن، فإن الحوثيين يهدفون إلى “الالتفاف على شروط الإمامة عند الهادوية مثل الكمال العِلمي وهو ما لا يتمتع به [الزعيم] الحوثي ولا مَن يُتوقع أن يخلفه”.
التكيف مع النموذج الإيراني؟
ويعكس تصور الحوثيين لأنفسهم أنهم يستمدون الشرعية جزئيًا من أوراق اعتمادهم الثورية تأثير النموذج الإيراني. وبالنظر إلى أن القادة السابقين والحاليين للجماعة سافروا إلى إيران خلال الثمانينيات والتسعينيات، فإن هذا لا يشكل مفاجأة. فبعد عودته إلى اليمن، بدأ حسين بدر الدين الحوثي يعترف بآية الله روح الله الخميني (1900-1989)، زعيم الثورة الإسلامية في إيران، باعتباره بطل المقاومة ضد الاستعمار والصهيونية. كما تبنى المؤسس الراحل لأنصار الله شعار “الموت لأميركا” من الثورة الإيرانية، والذي أصبح فيما بعد جزءًا من الشعار الرسمي للحوثيين.
ومع تولي عبد الملك الحوثي اليوم منصب “زعيم الثورة”، يبدو تأثير النموذج الإيراني أكثر وضوحًا. ومع ذلك، هناك اختلافات رئيسة. على سبيل المثال، تعمل جماعة أنصار الله خارج النظام السياسي الجمهوري الذي تدعي أنها تحكمه. في المقابل، يعد المرشد الأعلى جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي الإيراني، فهو منتخب ويشرف عليه اسميًا مجلس الخبراء.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فقد سعى الحوثيون بوضوح إلى محاكاة هياكل الحكم الراسخة في إيران. فـ”المشرفون” أو “المراقبون” المعينون من قبل المسؤولين الحوثيين يشرفون على جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية. ويرى بعض المراقبين أن دورهم يماثل دور مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني من حيث سلطتهم الرقابية. والجدير بالذكر أن “المشرفين” ينحدرون دائمًا من نسل النبي محمد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللجنة الثورية العليا مكلفة بضمان استمرار الثورة التي يقودها الحوثيون. ويرى بعض الخبراء أن هذا انعكاس لدور مجلس صيانة الدستور الإيراني، الذي يعمل كمجلس أعلى للبرلمان ومحكمة دستورية. وأخيرًا، فإن اللجان الشعبية، وهي هيئة عسكرية موازية منفصلة عن القوات المسلحة التقليدية للحوثيين، تشبه الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وقوات الباسيج شبه العسكرية التابعة له.
مستقبل الديمقراطية في اليمن
خلاصة الأمر، يؤكد الحوثيون أنهم لا يرغبون في تقويض النظام الجمهوري وإعادة حكم الإمامة لكن منطلقاتهم الفكرية وتجربة حكمهم حتى اليوم تشير إلى أنهم يقبلونه في الشكل ويرفضونه في المضمون.
وكما قال الباحث أحمد علي الأحصب، فإن “الحوثيين يسعون إلى صيغة زيدية لولاية الفقيه تتيح لهم تجاوز عوائق ومخاطر تبنّي فكرة الإمامة الزيدية التقليدية صراحة”. بعبارة أخرى، تسعى الجماعة إلى الحصول على نسخة معدلة لكيفية إنشاء منصب المرشد الأعلى في إيران، من دون أن تصل إلى حد إعلان العودة إلى ماضي اليمن.
وفي هذا السياق، أوضح عادل الأحمدي، رئيس مركز نشوان للدراسات والإعلام في اليمن لموقع أمواج.ميديا أن الحوثيين “يسعون إلى صيغة تجمع بين الإمامة الزيدية ونظام ولاية الفقيه، وهو ما يكرّس أسرة الحوثي مرجعية وحيدة مما يزعج بقية الأسر الهاشمية”. أما الباحث السياسي ثابت الأحمدي، فقال لأمواج.ميديا إن “فكرة الإمامة نفسها تناقض الجمهورية [كنظام حكم] وإن الشعب يرفض هذه الفكرة الرجعية”.
وتؤكد الشعارات التي يرددها الطلاب في مناطق سيطرة الحوثيين أن الله أمر عبدالملك الحوثي بقيادة الحركة والبلاد. ويقول عزان في هذا السياق إن هذا يوضح كيف حذر حسين بدر الدين الحوثي من الديمقراطية منذ بداية حركة أنصار الله، معتبرًا أنها تتعارض مع عنصر الاختيار الإلهي الأصيل.
وأكد الكاتب والباحث السياسي اليمني نبيل البكيري، في حديث لأمواج.ميديا، أن “تصور زعيم الحوثيين بأنه فوق كل الأطر السياسية يعيق أي تسويات سلمية محتملة مع الجماعة”. وأشار إلى أن ذلك “يعكس رفض الحوثيين الصريح لكل من النظام الجمهوري والتعددية السياسية الديمقراطية”.
على هذه الخلفية، طالما أن الحوثيين لم يعلنوا عن تخليهم عن نظرية الولاية في الحكم، فمن المرجح أنه لن يكون هناك جدوى من أي اتفاقات أو شراكات سياسية معهم، وإن حصلت فلن تكون سوى مجرد تدابير مؤقتة لتهدئة العنف قبل أن يشتعل الصراع من جديد.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
الله يصلح الاحوال...
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر 3 یونیو عبد الملک الحوثی أنصار الله فی الیمن فی إیران أن یکون فی هذا
إقرأ أيضاً:
الدكتور الضوراني لـ»الثورة «: ذبح الإناث وصغار الحيوانات “خطر” يهدِّد الثروة الحيوانية في اليمن
الثورة /يحيى الربيعي
أكد الدكتور محمد الضوراني، الاستشاري في الصحة الحيوانية بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، أن الثروة الحيوانية في اليمن تُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصادي في اليمن، حيث توفر مصدراً للدخل للعديد من الأسر وتساهم في تلبية احتياجات المجتمع من اللحوم والألبان ومشتقاتها. ومع ذلك، تواجه هذه الثروة تحديات جسيمة، من أبرزها ظاهرة ذبح الإناث وصغار الحيوانات، والتي تُشكل خطراً داهماً يهدد مستقبل تنمية الثروة الحيوانية واستدامتها في البلاد.
وأوضح أن الإقبال على ذبح الإناث والصغار من المواشي، مع قدوم عيد الأضحى المبارك خاصة الأبقار والأغنام والماعز، ينبع من عدة عوامل، أبرزها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تدفع المربين إلى بيع ما يملكون لتوفير السيولة النقدية، أو نتيجة لغياب الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الفئات لضمان استمرارية القطيع. وتتمثل خطورة هذه الظاهرة في الآتي:
– تمثل الإناث النواة الأساسية لعملية التكاثر وزيادة أعداد الحيوانات. فذبح الإناث يؤدي إلى نقص حاد في الأمهات المنتجة، وبالتالي تراجع معدلات المواليد وانكماش حجم القطيع بمرور الوقت. هذا التراجع لا يؤثر فقط على الكمية المتاحة من اللحوم والألبان، بل يضرب في الصميم قدرة القطيع على التعافي والنمو.
– كما أن صغار الحيوانات هي جيل المستقبل الذي يحمل الجينات الوراثية للقطيع. ذبحها قبل بلوغها سن النضج الجنسي أو الإنتاجي يعني خسارة للأصول الوراثية الواعدة، والتي يمكن أن تساهم في تحسين السلالات وزيادة إنتاجيتها. هذا الاستنزاف يُعيق أي جهود مستقبلية لتطوير الثروة الحيوانية.
وحذر الضوراني من أن انخفاض أعداد الإناث المنتجة والصغار التي ستحل محلها، يتسبب في تناقص إجمالي الإنتاج من اللحوم والحليب والصوف وغيرها من المنتجات الحيوانية. مشيراً إلى أن هذا التراجع يؤدي إلى ارتفاع في أسعار المنتجات الحيوانية في الأسواق، مما يزيد من العبء على المستهلكين ويهدد الأمن الغذائي.
ولفت إلى أن العديد من الأسر الريفية في اليمن تعتمد، بشكل مباشر، على الثروة الحيوانية كمصدر رئيسي للدخل. انكماش القطيع بسبب ذبح الإناث والصغار يؤدي إلى تدهور سبل عيش هذه الأسر، ويُفاقم من مستويات الفقر، ويدفعهم نحو البحث عن مصادر دخل بديلة قد لا تكون متوفرة.
وشدد «في ظل الأوضاع الراهنة في اليمن، يُمثل توفير الغذاء تحدياً كبيراً. ذبح الإناث والصغار يقلل من حجم الثروة الحيوانية المتاحة، وبالتالي يُهدد قدرة البلاد على تأمين احتياجاتها من البروتين الحيواني، مما يُفاقم من مشكلة سوء التغذية، خاصة لدى الفئات الأكثر ضعفاً».
وأشار إلى أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود من مختلف الأطراف الحكومية والمجتمعية، قائلاً: إن من أهم سبل المعالجات الممكنة لهذه الظاهرة الخطيرة، تتمثل بإطلاق حملات توعية مكثفة للمربين والمجتمع حول خطورة ذبح الإناث والصغار على المدى الطويل، وأهمية الحفاظ عليها لضمان استمرارية الثروة الحيوانية ،وتوفير حوافز ودعم للمربين، مثل القروض الميسرة، وتوفير الأعلاف بأسعار معقولة، وتقديم الرعاية البيطرية للحد من الأسباب التي تدفعهم إلى الذبح المبكر.