بفوز تاريخي غير مسبوق، صوّت ما يقارب 60% من الناخبين في المكسيك لمرشحة الحزب الحاكم للرئاسة، كلوديا شينباوم، لتُتوّج بهذا، بلقب أوّل امرأة وأول يهودية في منصب رئاسة المكسيك. وقد تعزّزت هذه النتيجة بفوز مُريح للحزب الحاكم وحلفائه، على مستوى الانتخابات التشريعية بغرفتيها، وفوز نوعيّ في الانتخابات البلدية، التي انتظمت كلها الأحد الماضي.

ورغم أن فوز شينباوم بالرئاسة يمثّل مكسبًا للتيارات اليسارية أينما كانت، فإن الرأي العام العربي يبقى متوجّسًا من هذا الفوز لاعتبارات سنشرحها تباعًا.

قطبية حزبية

تعتبر المكسيك، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة أميركا اللاتينية وبحر الكاريبي، بعد البرازيل، وتتمتّع بمكانة تاريخية وثقافية متميزة في القارة الأميركية، غير أنّ إدارة هذا البلد تواجه معضلات عويصة، وعلى رأسها تجارة المخدِّرات والهجرة غير النظامية، باعتبار موقعها الجغرافي المتاخم للولايات المتحدة.

ورغم تداول الحكومات على حكم المكسيك منذ بداية التجربة الديمقراطية في 1824، فإنها ارتهنت في العقود الأخيرة لقطبية حزبية محافظة، أجّجت مستوى الغضب الشعبي بشكل تدريجي. وقد مثّل حزب "مورينا" اليساري التقدمي الذي أسّسه الرئيس المنتهية صلاحيته أندريس لوبيز أوبرادور والمنتخبة حديثًا شينباوم في 2012، فكرة ناضجة ومكتملة الملامح، لكسب ثقة المكسيكيين.

وتُوجت تلك الفكرة بانتخاب الرئيس أندريس أوبرادور المعروف أكثر بـ "أملو" في 2018، وكسبت إدارته للبلاد ثقة أكبر لتجعل منه أول رئيس تنتهي ولايته بمستوى شعبية يشارف على 68%. وهو ما جعل أغلب الرأي العام  يعتبر فوز شينباوم، مرحلة ثانية من حكم الرئيس "أملو"، مع العلم أن الرئاسة في المكسيك تمتد لست سنوات ولا تسمح بفترة ثانية. وهناك نقاط مشتركة عديدة في الحقيقة، لاسيما الأيديولوجية التي تجمع بين الرئيس "أملو" وخليفته القادمة شينباوم، لكن الفوارق بينهما، لا تمثل نقاط اختلاف، وهو ما يجعل الاستبشار بتواصل الإدارة الموفقة للبلاد، مشروعًا.

وللفوارق بين الشخصيتين، دلالات جديرة بالمتابعة، جعلت بعض المحللين يرون في التجربة المكسيكية الحالية، محاكاة للتجربة البرازيلية بين الرئيس لولا دا سيلفا خلال فترة رئاسته السابقة وخليفته الرئيسة ديلما روساف، وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع والاقتصاد البرازيلي، لولا مكائد اليمين والجيش اللذين وأدا حلمَيهما، لفترة انتخابية جديدة. بعضٌ آخر، يرى أن شينباوم هي أنجيلا ميركل المكسيك، لما تتمتّع به شخصيتهما من ثقة بالنفس ورؤية علمية لعالم السياسة، والأكثر من كل ذلك، تخصصهما في الفيزياء.

فشينباوم، المنحدرة من عائلة يهودية هاجرت من أوروبا في أربعينيات القرن الماضي إلى المكسيك، حاملة مشعل مواهب والديها العلمية واهتماماتهما النضالية الاجتماعية، فوالدتها عالمة أحياء ووالدها مهندس كيمياء، اقترن اسماهما بحركات الكفاح اليساري. وقد سطع نجم الابنة كلوديا شينباوم منذ مرحلتها الجامعية، بحصاد علمي متميز ومسيرة نضالية منحتها سبقًا في مناصب سياسية لم تبلغها امرأة قبلها، على غرار رئاستها بلدية مكسيكو العاصمة، وهاهي اليوم تُتوّج بلقب أول رئيسة للبلاد.

دعم شعبي واسع

وبعيدًا عن النجاحات التي حققتها شينباوم، في إدارتها للمناصب السابقة، برؤية علمية مخلوطة بأبعاد إنسانية، يبقى موقفها من القضية الفلسطينية، وبالتحديد من أحداث غزة الأخيرة، نقطة استفهام مُثيرة للانتباه. فهي تحظى بدعم حزام شعبي عريض، ولطالما انشغلت بقيم يسارية حميدة، على غرار العدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم والاضطهاد، لكنها التزمت الصمت أمام جرائم الإبادة الممنهجة التي تقودها الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

واكتفت بتصريح يتيم، على إثر انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، قالت فيه حرفيًا: "يجب أن ندين كل أشكال العنف وخاصة هذا النوع من العنف ومهاجمة المدنيين الأبرياء"، دون الإشارة إلى هوية الأبرياء. ودعت في الوقت نفسه، إلى ضرورة وقف العنف، مُبدية موافقتها على الاعتراف بالدولتين، ومؤكدة "فلنسعَ إلى إيجاد السبيل الفوري لتهدئة هذه المنطقة من العالم".

وقد جاء ذلك التصريح، مشابهًا لموقف رفيقها الرئيس المكسيكي "أملو"، الذي بدا في ذلك الوقت دون الانتظارات، مقارنة بمواقف حكومات اليسار اللاتيني الشجاعة، على غرار الرئيس الكولومبي ونظيره البوليفي والبرازيلي.

ورغم تقديم حكومة الرئيس "أملو" نهاية الشهر الماضي، طلبًا لمحكمة العدل الدولية بالانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، على خلفية الحرب في قطاع غزة، فإن هناك تفاصيل، تجعل بعض الحقوقيين يتهمون حكومة المكسيك باللعب على الحبال، في موقفها مما يحدث في غزة.

فالرئيس "أملو"، كان حريصًا بعد طلب الانضمام على عدم إطلاق لفظ "الإبادة"، على ما تقوم به إسرائيل، وأجاب عن سؤال صحفي واجهه بذلك، بالقول: إنه لا يريد الدخول في متاهة "اتهامات" خلافية المعاني، مبرّرا أن ذلك اللفظ قوّي ويفرض مسؤولية قانونية معقّدة على من يتفوّه به.

مواقف ضبابية

إضافة إلى ذلك، يتّهم بعض الحقوقيين، الرئيس أملو، وغير بعيد عن موقف رفيقته في الحزب وخليفته في المنصب، بأنه يتهرّب من خطوة الاعتراف بدولة فلسطين، حتى في غمرة الاعتراف الجماعي الذي أقدمت عليه إسبانيا والنرويج وأيرلندا الأسبوع الماضي. حيث قالها صراحة: إنه يُفضّل انتظار اتخاذ قرار بشأن تلك الخطوة، وكأنه يلقي بالكرة في ملعب خليفته المنتخبة حديثًا شينباوم، التي ستبدأ مدتها الرئاسية يوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول القادم.

ورغم هذا الموقف الضبابي للحكومة المكسيكية، فإنها تتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع نظيرتها الفلسطينية، كما أن بعثتها الرسمية لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تفوّت أي مناسبة للتصويت لصالح قرار العضوية الكاملة لفلسطين.

وفي نفس السياق، استبعدت حكومة الرئيس "أملو"، أمر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، على غرار ما فعلته بعض الحكومات الصديقة في المنطقة، وفي نفس الوقت، لم تنجرّ إلى وصف حماس بالإرهابية، كما فعلت حكومات أخرى، احترامًا للحياد، كما يرى الرئيس "أملو" ذلك.

ترى المنسّقة الدولية لمرصد حقوق الإنسان بالمكسيك، دانييلا لوبيز، أن موقف الفائزة برئاسة المكسيك عن الحزب الحاكم، كلوديا شينباوم، لن يكون مغايرًا كثيرًا لموقف سلفها الرئيس "أملو"، فكلاهما يعتمد الحياد، وربما سيكون موقفها هي أكثر برودًا، رغم تنديدها بالظلم والاضطهاد في بلدها، غير أن الأمر مختلف الآن، مراعاة لحساسية هويتها ومسؤوليات منصبها الجديد. ويجري كل ذلك على خلاف مواقف قواعد الحزب المنتفضة للحق الفلسطيني، في الجامعات وفي شوارع المكسيك التي تبلغ الجالية الفلسطينية فيها ما يقارب 40 ألفًا، مقابل 30 ألفًا من أصول يهودية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ا شینباوم على غرار

إقرأ أيضاً:

المسلماني: إطلاق قنوات رقمية تابعة لماسبيرو قريبًا لمواكبة الإعلام الحديث

كتب- عمرو صالح:

أعلن الكاتب أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أن الهيئة تستعد لإطلاق قنوات رقمية جديدة تتبع ماسبيرو، وذلك في إطار التفاعل مع الحراك المتسارع في مجال الإعلام الرقمي.

وقال المسلماني، خلال لقاء تليفزيوني مع قناة الكويت على هامش ملتقى الإعلام العربي، إن مجلس إدارة الهيئة أقر رسميًا إطلاق هذه القنوات، مؤكدًا أنها ستخضع للوائح القنوات التلفزيونية التابعة للهيئة، بما يعزز من قدرة ماسبيرو على مواكبة التطور الكبير في المشهد التليفزيوني العالمي.

ويأتي هذا الإعلان استكمالًا لمشروع طموح سبق أن أطلقته الهيئة لتدشين منصة رقمية حديثة، والعمل على أرشفة ونقل محتوى ماسبيرو التاريخي، الذي يمتد لعقود، إلى وسائط رقمية تواكب العصر.

اقرأ أيضًا:

مفاجأة.. قانون العمل الجديد يتيح فصل العاملة بعد إجازة الوضع في هذه الحالة

نقيب الصحفيين يخاطب رئيس "النواب" لحذف عقوبة الحبس في النشر بقانون الفتوى

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

أحمد المسلماني الهيئة الوطنية للإعلام ماسبيرو

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة بالأسماء.. تشكيل اللجنة العليا لمنتدى القاهرة للإعلام أخبار تكريم رواد الإذاعة والتلفزيون.. المسلماني:عودة عيد الإعلاميين بعد غياب أخبار المسلماني يهنئ خالد البلشي بعد فوزه بمقعد نقيب الصحفيين لدورة ثانية أخبار المسلماني: ماسبيرو يمتلك رؤية لأفريقيا ولدينا أفضل الكفاءات أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

المسلماني: إطلاق قنوات رقمية تابعة لماسبيرو قريبًا لمواكبة الإعلام الحديث

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

البنزين المغشوش.. البترول: 2000 جنيه للمتضرر من تلف الطرمبة لكن بشرط 870 شكوى.. البترول تعلن نتائج تحاليل "البنزين المغشوش" على مستوى الجمهورية 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.
  • الرئيس تبون يجري محادثات على انفراد مع رئيسة جمهورية سلوفينيا
  • شحادة اطلع الرئيس عون على خطة وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والمشاريع التي تعمل عليها
  • قرار رسمي فلسطيني برفع الحظر عن قناة الجزيرة
  • انهيار المعجبات بعد رؤية مشعل تمر في المكسيك .. فيديو
  • بعد الحديث عن اشكال في قصر عدل طرابلس.. هذا ما فعله مطر
  • الصّدي يوضح: الحديث عن تلكؤ الحكومة هو مجرد إفتراء
  • المسلماني: إطلاق قنوات رقمية تابعة لماسبيرو قريبًا لمواكبة الإعلام الحديث
  • مدبولي: تكافل وكرامة أحد أعظم برامج الدعم الاجتماعي في تاريخ مصر الحديث
  • شيخة المزروع.. صوت التشكيل الإماراتي الحديث