رام الله - خــاص صفا

أكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة اقتصادية عميقة ومركبة، تختلف عن سابقاتها من الأزمات المالية.

وأوضح عبد الكريم، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاقتصاد الفسطيني يعاني ضغوطا كبيرة ويتعرض لاستنزاف مستمر بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية على مدار عقود، من تقييد لحركة المواطنين والتغول الاستيطاني الكبير، الذي عطّل بدوره الحياة الاقتصادية في مختلف محافظات الضفة، إلى جانب الاقتطاع من أموال المقاصة.

ومنذ نوفمبر/ تشرين ثاني من عام 2021، لم تتمكن السلطة من دفع كامل أجور موظفيها، والتزمت بدفع 80%-85% منها، حتى بداية العدوان على غزة في أكتوبر/ تشرين أول الماضي.

وأضاف عبد الكريم أن إجراءات الاحتلال العقابية اشتدت قساوة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول، إذ تم منع أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من العمل في الأراضي المحتلة، وأغلق الاحتلال كافة حواجزه العسكرية مع الضفة، منذ دخول الحرب على غزة.

وبيّن أن منع العمال الفلسطينيين من العمل في الداخل أدى إلى فقدان ما يقارب مليار ونصف شيكل شهرياً، وشح السيولة النقدية المتاحة، التي انخفضت بأكثر من ٦٠٪.

وأشار إلى أن حجز 40% من أموال المقاصة، أي ما يعادل نحو 300 مليون شيكل، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العدوان على غزة، ومن ثم كامل المقاصة، أدى إلى فقدان أكثر من 70 % من السيولة التي كانت تضخها في الاقتصاد شهرياً.

وقال إن الاحتلال كان ينتهج خطة الأمن مقابل الاقتصاد سواء في غزة أو الضفة، لتقليل التهديدات الأمنية التي تتعرض لها، وفق رؤية تعتقد أن الرخاء المادي يقلل الاضطرابات، واحتواء وتيرة المقاومة سيؤدي إلى الاستقرار الأمني، إلا أن ما حدث في 7 أكتوبر نسف كل هذه النظريات.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الأزمة الحالية عميقة ومرتبطة بموضوع سياسي، لافتاً إلى أن حكومة الاحتلال لديها نية مبيتة فيما يخص مستقبل الصراع، تهدف إلى تقويض فكرة إنشاء دولة فلسطينية، وفصل غزة عن الضفة وتغيير شكل السلطة الفلسطينية.

وكان جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) حذر المستوى السياسي في الكيان من انهيار السلطة الفسطينية بفعل الإجراءات التي استهدفتها مؤخراً، ومن بينها حجز أموال المقاصة التي تشكل نسبتها 65% من إجمالي الإيرادات المالية للسلطة.

وذكر عبد الكريم أن السلطة قادرة على الاستمرار بسبب إيجادها مصادر تمويل بدون تكلفة، عن طريق الاستدانة من رواتب الموظفين، وعدم دفع مستحقات القطاع الخاص إلى جانب الاقتراض، وغيرها من المصادر التي تحقق لها نقل الأعباء المالية دون سدادها، موضحاً أن باستطاعة الحكومة الاقتراض من البنوك لفترات قصيرة ومحدودة، لأن البنوك لن تستطيع تحمل مخاطر أكبر.

وأدى احتجاز المقاصة إلى جانب تراجع المنح الخارجية إلى مفاقمة أزمة السلطة المالية، ودفعها إلى التوجه للاقتراض من البنوك المحلية، ليصل الدين العام إلى 14 مليار شيكل مع نهاية الربع الأول لعام 2024.

وحول احتمالية أن تخلق هذه الأزمة المالية حالة تذمر في الشارع الفلسطيني، قال عبد الكريم إن غالبية المواطنين الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة حالياً غير قادرة على دفع رواتبهم بسبب إجراءات الاحتلال، وأن التذمر ضد السلطة يعني تذمراً ضد الضحية.

وبيّن أن الخيار المطروح أمام السطلة للخروج من المأزق، هو وقف العدوان ووضع أفق سياسي لتحقيق "حل الدولتين" وتوحيد الصف الفلسطيني ووقف الإجراءات المالية العقابية من الاحتلال.

وقال إن تراجع الدعم العربي والدولي، يعكس أن هذه الدول ترتقب ترتيبات سياسية جديدة، مؤكدًا أن "الدول المؤيدة للسلطة والحريصة على بقائها، قادرة على إنقاذها وحل الأزمة".

ولفت إلى ضرورة وضع خطة تقشف وإصلاح إداري ومالي، كفيلة باستعادة الثقة بين المواطنين والحكومة، دون المبالغة في الاعتماد على نتائجها وحدها.

وتشهد المنح الخارجية للميزانية الفلسطينية تراجعاً كبيراً، حيث تدهور الدعم من 1.2 مليار دولار في عام 2012، إلى أقل من 350 مليون دولار في نهاية 2023.

وأموال المقاصة هي الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون على السلع المستوردة من "إسرائيل"، أو من خلال المعابر الحدودية بمتوسط شهري 220 مليون دولار.

ويصل إجمالي اقتطاع الاحتلال السنوي من أموال المقاصة إلى 1.5 مليار دولار، ما يعادل تقريباً 50% من إجمالي أموال المقاصة، ونحو 25% من إجمالي الموازنة الفلسطينية السنوية.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: السلطة الفلسطينية أموال المقاصة عبد الکریم قادرة على

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: الاحتلال يسرع عملية التدمير ومعركة المساحة مستمرة

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تسريع عملية التدمير الممنهج في قطاع غزة ضمن خطة واضحة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، بالتزامن مع تقليص أي كلفة بشرية لقواته.

وأوضح حنا في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة أن المناطق التي تشهد عمليات عنيفة كبيت لاهيا، والشجاعية في الشمال، وشرق خان يونس في الجنوب، تعد ساحات اشتباك مستمرة، وهي في صلب الإستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى فرض واقع ميداني جديد قبل أي اتفاق سياسي محتمل.

وأضاف أن الاحتلال يعتبر خان يونس مركزا محوريا في عملياته، ويهدف إلى الدفع باتجاه تقسيم القطاع إلى منطقتين معزولتين، إحداهما في غزة والأخرى جنوبا في المواصي، بحيث يتم حصر المدنيين الفلسطينيين ضمن هاتين المنطقتين.

وأشار إلى أن القتال الدائر في بيت لاهيا والشجاعية وخان يونس يصب في هدف توسيع "المنطقة العازلة"، وهي جزء من تصور إسرائيلي أمني مرتبط بمراحل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف.

وتابع أن اليوم الأول من الاتفاق يتضمن إعادة انتشار قوات الاحتلال في الشمال، مع استحضار خرائط ميدانية جديدة، في حين يتوقع أن يشهد اليوم السابع إعادة انتشار في الجنوب، بما يكرس السيطرة الإسرائيلية على الأرض.

إعلان خرائط جديدة

وقال حنا إن المقاومة الفلسطينية تدرك هذه المعادلة، ولذلك تحرص على منع الاحتلال من التمركز وفرض أمر واقع عبر القتال المتواصل في نقاط التماس، ما يمنع تثبيت خرائط جديدة على غرار تلك التي طُرحت في يناير/كانون الثاني الماضي.

واعتبر أن الشجاعية تمثل مركز ثقل عسكريا، تماما كما بيت لاهيا وجباليا، ولذلك يتعمد الاحتلال اتباع سياسة تدميرية شاملة فيها، مستدلا بتصريح قائد لواء إسرائيلي أشار إلى تدمير نحو ألف منزل يحجب أي رؤية عن مستوطنة نحال عوز.

وأضاف أن مقتل متعاقد مدني في الشجاعية، مكلف بهدم منازل البنية التحتية، يعكس استعجال الاحتلال في تنفيذ تدمير واسع بدل اللجوء إلى وسائل تفجيرية تقليدية باتت محدودة لديه، في ظل ضغط الوقت واستنزاف الموارد.

وأكد حنا أن التدمير في شرق خان يونس، وخزاعة تحديدا، يأتي ضمن محور هجوم رئيسي ينطلق من كيسوفيم إلى القرارة ثم إلى عمق خان يونس، مع إمكان التمدد شمالا إلى وسط القطاع، وهو ما يفسر إعلان خزاعة منطقة منكوبة بالكامل.

وأوضح أن العمليات في عبسان، لا سيما حول محور موراغ، تؤكد أن الاحتلال يسعى إلى توسيع بقع التوغل، وهي مناطق تشمل ما يسميه "الحزام الأحمر" الذي يحاول تثبيته كأمر واقع يخدم خطته الكبرى.

معركة المساحة

وأشار إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير تحدث في وقت سابق عن خطة تمتد 3 أشهر للسيطرة على القطاع و9 أشهر لتفكيك المقاومة، مؤكدا أن هذه التصريحات تعكس إصرار الاحتلال على خوض معركة "المساحة".

وأوضح أن معركة المساحة تعني فرض واقع على الأرض بالقوة، وتثبيت مناطق السيطرة من دون الاضطرار لدفع ثمن بشري مرتفع، وهو ما يقود إلى اعتماد إستراتيجية "القضم المتدرج" بدل المواجهة الشاملة.

ورأى حنا أن الاحتلال يراهن على الضغط التدريجي على المقاومة بالتوازي مع مفاوضات يتكوف، بحيث يتم انتزاع مكاسب ميدانية تراكمية تضعف أوراق المقاومة وتدفعها إلى القبول بخرائط جديدة تكون مجحفة بحقها.

إعلان

وأضاف أن المتعاقد الذي قتل في بيت لاهيا كان مكلفا بتدمير بنى تحتية للمقاومة، ما يكشف بوضوح أن عمليات التدمير ليست عشوائية، بل ضمن خطة مدروسة تهدف إلى تجريد المقاومة من قدرة التجدد مستقبلا.

وتابع أن إيال زمير حين تحدث عن رفضه لحرب أبدية، كان يحاول التوفيق بين الإمكانات العسكرية المتاحة وبين الطموحات السياسية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يرفع سقف الأهداف رغم محدودية القدرة على الإنجاز.

ويرى العميد حنا أن الواقع الميداني الذي يعيشه الجيش الإسرائيلي اليوم، لا سيما في الشمال، شكّل دافعا لتحول في لهجة القيادة العسكرية، وباتت الأولوية لديهم موازنة الأهداف مع القدرة على تحمّل التكاليف.

مقالات مشابهة

  • اللاعبون قاطعوا التدريبات.. الصقور يواجه أزمة كبيرة سببها المستحقات المالية
  • وزير المالية: كل المؤشرات الاقتصادية تدعم التعاون مع صندوق النقد الدولي
  • خبير عسكري: هذا ما تريده إسرائيل من توسيع نطاق عمليتها في غزة
  • أزمة مياه تخنق أهالي تعز.. وسلطة تعز تقيل مدير المؤسسة
  • انتخابات غير مسبوقة بالمكسيك لاختيار جميع قضاة البلاد
  • السياسات الاقتصادية الناجعة نحو الاستدامة المالية
  • الجهاد تتهم السلطة بقتل أحد عناصرها
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • خبير عسكري: المعركة في غزة استخباراتية بامتياز والمقاومة صامدة
  • خبير عسكري: الاحتلال يسرع عملية التدمير ومعركة المساحة مستمرة