لجريدة عمان:
2025-07-05@13:39:50 GMT

الحربُ الملوَّنةُ في «أبوكاليبس»

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

لطالما أحببتُ فكرة إعادة التلقي؛ كأن أعيد قراءة كتبٍ قرأتها أو مشاهدة أفلام شاهدتها، خاصة تلك التي اكتشفتُها لأول مرة في فترة ما من طفولتي فصارت جزءًا من معالم أَمسي وعالمه. بمرور الوقت تحولت الإعادة إلى عادة، وأصبحت طريقتي الخاصة التي أختبر من خلالها سعادةَ القراءة الثانية بوعي جديد وفي ظروف مختلفة، وهي عادةٌ غالبا ما يكون الحنين باعثها الأول.

أكتب هذه السطور خارجا من أمسيات الأسبوع الماضي التي قضيتها في إعادة مشاهدة الأجزاء الستة من السلسلة الوثائقية الشهيرة «أبوكاليبس: الحرب العالمية الثانية» للمخرجَين الفرنسيين دانيال كوستال وزوجته إيزابيل كلارك. وهي سلسلة فرنسية كنت قد شاهدتها قبل نحو عقد ونصف حينما أعلنت شبكة ناشونال جيوغرافيك عن نسختها المدبلجة إلى العربية عام 2009، مع حذف كبير طال جميع المشاهد المتعلقة بمحنة يهود أوروبا في ذلك التاريخ وكل ما هو متعلّق بالهولوكوست. أما الكتابة الرائعة لنص الفيلم، والتي لا زالت تدهشني في كل مرة، فقد تجلَّت قراءتها العربية بالصوت الفخم للمعلِّق الإذاعي السوري محمد عارف السعيد. للأسف كان ذلك قبل ثلاث سنوات فقط من حادث اختطافه في إحدى المناطق السورية كما قرأتُ فيما بعد، حيث تمَّت تصفيته في ظروف غامضة في يوم من أيام يوليو عام 2012!

شاهدت الفيلم عدة مرات منذ عرضه الأول، وظلَّ يمثل بالنسبة لي أول معرض بصري عن الحرب العالمية الثانية. وفي كل مشاهدةٍ ألتقطُ منه تفصيلا جديدا غاب عن انتباهي خلال المشاهدة السابقة. وقد حرصت هذه المرة على مشاهدة نسخته الكاملة بلا حذف، فاستعنت بنسخة غير أصلية متاحة على يوتيوب اجتهد مُعدُّها في أخذ المشاهد المتعلقة بالهولوكوست من النسخة الإنجليزية الكاملة وإلصاقها في النسخة العربية محلَّ المشاهد المحذوفة، والتي بالمناسبة تكاد تكون هي المشاهد الوحيدة بالأبيض والأسود، إذ اعتقد صانعوا الفيلم بضرورة عرض المشاهد المتعلقة بالهولوكوست كما هي، دون ترميم لوني.

إلى جانب الأرشيف الضخم من المشاهد المرممة بالألوان يعتمد الفيلم على استعراض الوقائع التاريخية بأسلوب سردي يحافظ على توازنه الدقيق بين التاريخ والأدب، دون أن تقع سرديته -كما أرى- في حبائل المكيدة والإغواء بين ما هو تاريخي وما هو أدبي فني، رغم أن بعض نقاده اتهموه بشيء من الاجتزاء والانتقائية التي لا بدَّ أن تؤدي بالسياق، في النهاية، إلى بعض الانزياحات الطفيفة عن الموضوعية التاريخية. كما أن الشخصيات التاريخية المحركة للأحداث الكبرى، كزعماء الدول وجنرالات الحرب، لم تكن وحدها محط اهتمام الفيلم. لقد عرَّفنا الفيلم على روز جولاند مثلا، طفلة بريطانية في إحدى ضواحي لندن حيث ستقضي أولى سنوات طفولتها في الحرب، لكنها ستنجو لتكتب بعد أيام من استسلام إمبراطور اليابان كلمةَ «النهاية» على قنبلة. كما يتابع الفيلم سرد أحداثه من خلال العودة إلى ما دوَّنه جنود مُهمَلون من يومياتهم خلال المعارك ويستشهد بمذكراتهم التي شرعوا بكتابتها بعد الحرب، كما هو الحال مع الملازم الألماني أوغست فون كاجنيك، والذي خدم في صفوف «الفيرماخت» كقائد دبابة في الجبهة الشرقية، قبل أن يتعرض لإصابة بالغة عام 1942 في ذلك الصقيع الروسي، والتي سيُنقل على إثرها إلى ألمانيا. يقتبس الفيلم من مذكرات الملازم ووصفه لتلك المأساة حيث كتب: «اختفى الإيمان، وأصبح الشكُّ مسيطرا. أصبح الموتُ أعز صديق، وهو صديق الإنسان الوحيد، لأنه سوف يخلصك من معاناتك». وببحثٍ سريع عن فون كاجنيك سنعرف أن هذا الشاب، ذا التسعة عشر عاما، والذي التحق في صباه بما عُرف آن ذاك بـ«شبيبة هتلر»، سيبدأ بعد الحرب حياته المهنية كصحفي، حيث سيتفرغ للكتابة كالكثير من النازيين التائبين.

«أبوكاليبس» كلمة يونانية قديمة، أصبحت تشير اليوم إلى فكرة نهاية العالم. أراد الزوج كوستال وكلارك أن يجعلا من عملهما المشترك ألبوما ملونا لحرب بشعة بلا ألوان راح ضحيتها، حسب التقديرات، خمسون مليون إنسان ينتمون إلى رقعة واسعة من جغرافيا العالم، بين أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا. كانت حربا عالمية بالفعل، وليس في هذا المصطلح أي شبهة للمجاز كما قد يشكك البعض. فهل تستطيع «القوة التربوية» لفيلم كهذا، على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي دومينيك وولتون، أن تسهم في إنقاذ عالم ينسى من آفة النسيان؟!

في ختام حلقته الأخيرة «الجحيم» يهدي هذا الفيلم تحية مستحقة لمصوري الحرب: «فلنكن ممتنين للمصورين والأبطال المبتوري الأذرع الذين صوروا هذه المعارك لأجل الأجيال القادمة، وإلى جميع من قام بتصوير هذه الحرب بكل ما فيها من بشاعة وقلة احتشام». ولكن لا يبدو أن أحدا يتعلم من الأمس كما ينبغي، وليس في الألوان ما يكفي من طاقة لمقاومة شمس النسيان التي تطلع على التاريخ كل يوم فتبعدنا عنه أكثر. كأن تعلُّم درس الماضي لا يجوز بلا ألم جديد، وكأن زعماء هذا العالم يفضلون إعادة تكرار التاريخ على أرض الصراع، بكلفة الدم الطازج، بدلا من إعادة قراءته في بطون الكتب أو إعادة مشاهدته مرة، مرتين، في شريط وثائقي ملوَّن كهذا.

التحية في الختام لروح المغدور محمد عارف السعيد، ولصوته الذي لن يذهب سدى في الريح.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الهلال يحلم بمعانقة التاريخ في «مونديال الأندية»

 
نيويورك (د ب أ)

أخبار ذات صلة الفيفا: «مونديال الأندية» يجذب المليارات في دور الثمانية! ربع نهائي «مونديال الأندية».. حرب بين 3 قارات!


تتجه الأنظار إلى ملعب كامبينج ورلد في أورلاندو، حيث يستضيف مواجهة قوية في دور الثمانية من كأس العالم للأندية لكرة القدم المقامة حالياً في الولايات المتحدة، ويحلم فيها الهلال السعودي بمعانقة التاريخ، حينما يلتقي بفلوميننسي البرازيلي، الجمعة.
وكان الهلال حديث العالم في الأيام القليلة الماضية، بعدما نجح في إقصاء مانشستر سيتي الإنجليزي، أحد المرشحين للفوز بالبطولة وبطل الدوري الإنجليزي أربع مرات في آخر خمسة مواسم، والفائز بالثلاثية التاريخية «الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا» في موسم 2022-2023، بعدما تغلب عليه 4-3، في دور الستة عشر.
ولم يكن الهلال المرشح الأوفر حظاً للفوز بالمباراة، لكنه قدم أداءً كبيراً وبطولياً أمام رجال المدرب الإسباني جوسيب جوارديولا، ليخطف بطاقة التأهل بعد امتداد اللقاء لوقت إضافي.
ويتسلح الهلال بخبرة نجومه وروحهم المعنوية العالية، حيث أثبت تفوقه رغم فارق الإمكانيات مع مانشستر سيتي، كما أنه ترك انطباعاً جيداً للغاية لدى الجماهير في البطولة، بعدما سبق له وأن تعادل مع ريال مدريد الإسباني في الجولة الأولى بدور المجموعات، ليواصل طريقه بنجاح، ويقترب من إنجاز تاريخي كبير.
وفي حال فاز الهلال على فلوميننسي، سيكون أول فريق عربي وآسيوي يصل إلى الدور قبل النهائي في البطولة بنظامها الجديد المكون من 32 فريقاً، كما أنها المرة الثانية التي يصل فيها إلى ذلك الدور، بعدما سبق له الوصول إلى المربع الذهبي في نسخة عام 2021 بالنظام القديم بمشاركة ستة أندية، ليخسر أمام تشيلسي الإنجليزي، قبل أن يحصل على المركز الرابع في البطولة، وهو أكبر إنجاز للهلال.
وتألق الحارس المغربي ياسين بونو في مواجهة مانشستر سيتي، وتصدى للعديد من الفرص الخطيرة أمام هالاند ورفاقه، كما انتزع السنغالي كاليدو كوليبالي، مدافع الهلال، الإعجاب بسبب الأداء الدفاعي القوي ونجاحه في إبعاد الكثير من الهجمات الخطيرة عن مرمى الهلال، وكذلك تسجيله هدفاً في شباك مانشستر سيتي في الشوط الإضافي الأول.
كما تألق المهاجم البرازيلي ماركوس ليوناردو وسجل هدفين في المباراة، بالإضافة إلى هدف زميله ومواطنه مالكوم، ليكون ذلك الرباعي أمل الفريق السعودي في المضي قدماً في البطولة.
ولم يكن محترفو الهلال، ومنهم الصربي سيرجي ميلنكوفيتش سافيتش، لاعب الوسط، هم فقط أصحاب الفوز في مواجهة السيتي، بل تألق لاعب الوسط محمد كنو، والمدافع علي لاجامي، الذي أنقذ فرصة خطيرة في الشوط الثاني في مواجهة السيتي من على خط المرمى.
كما يقود الإيطالي سيموني إنزاجي الهلال إلى تحقيق إنجاز فريد من نوعه، كما أشادت الصحف العالمية ووسائل الإعلام بالدور الكبير الذي يقدمه مدرب إنتر ميلان السابق مع فريقه الجديد، رغم حداثة عهده بالكرة السعودية والعربية بشكل عام وفارق الإمكانيات مع المنافسين.
على الجانب الآخر، يمثل فلوميننسي تهديداً كبيراً لآمال الهلال في الوصول إلى المربع الذهبي، وبقيادة مدربه ريناتو جاوتشو، يعد الفريق البرازيلي، إلى جانب مواطنه بالميراس، آخر الممثلين للكرة الأميركية الجنوبية في البطولة، بعد خروج بوتافوجو على يد بالميراس، وخروج فلامنجو على يد بايرن ميونيخ الألماني، وتوديع الثنائي الأرجنتيني ريفر بليت وبوكا جونيورز البطولة من دور المجموعات.
وقدم فلوميننسي أداءً جيداً في دور المجموعات، وصعد ثاني المجموعة الخامسة خلف بوروسيا دورتموند الألماني، بعدما تعادل معه سلبياً، ثم فاز على أولسان الكوري الجنوبي 4-2، وتعادل سلباً مع صن داونز الجنوب أفريقي في الجولة الثالثة من دور المجموعات.
وفي دور الستة عشر، قدم فلوميننسي مفاجأة مماثلة لما قدمه الهلال، بعدما نجح في إقصاء إنتر ميلان الإيطالي بالفوز عليه بهدفين.
وتأتي المواجهة بين فلوميننسي والهلال بمثابة مفاجأة كبيرة، حيث توقع الكثيرون أن تكون مواجهة دور الثمانية بين إنتر ميلان ومانشستر سيتي.
وسيتأهل الفائز من مواجهة فلوميننسي والهلال لمواجهة الفائز من لقاء بالميراس البرازيلي وتشيلسي الإنجليزي.

 

مقالات مشابهة

  • شاهد.. كمين لسرايا القدس يستهدف 30 جنديا في الشجاعية
  • «اللوفر أبوظبي» يطلق مشروع «رحلة عبر التاريخ»
  • الصحة العالمية: سنبقى في غزة ونعمل على إعادة تأهيل النظام الطبي بعد الحرب
  • تقرير ألماني يسلط الضوء على مخاطر حروب الشرق الأوسط وتهديدها لكنوز التاريخ
  • 37 لاعباً برازيلياً يكتبون التاريخ في الهلال!
  • ترامب: نفذنا أعظم الضربات الجوية في التاريخ ضد إيران
  • وزير الخارجية: توجت جهودنا برفع العقوبات ورفع علم سوريا في مقر الأمم المتحدة، سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري، والرمزية السورية اليوم أكثر انفتاحاً ترمز إلى الإنسان السوري وثقافته وأرضه
  • الهلال يحلم بمعانقة التاريخ في «مونديال الأندية»
  • الإنسان العُماني.. سلوكٌ مُتّزن يعكس حكمة التاريخ
  • رجال غزة.. حُماة الثغور عبر التاريخ