شكلت الاستدامة في دولة الإمارات، منذ القدم نمط حياة لدى الأجداد والآباء، الذين نجحوا في التكيف مع محيطهم وبيئتهم، والمحافظة على مواردها الطبيعية، رغم اعتمادهم شبه الكلي عليها في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية.

وتحولت الاستدامة مع مرور الزمن إلى جزء أصيل في الموروث الثقافي والتراثي لدولة الإمارات، الذي حظي بعناية خاصة منذ عهد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولا إلى يومنا هذا بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يؤمن بأن حماية الإنجازات ومواصلة مسيرتها، تتطلب تحقيق التوازن بين الحداثة والحفاظ على الموروث من العادات والقيم الأصيلة للمجتمع.

وتمتلك الإمارات سجلا حافلا من المبادرات والممارسات البناءة، لتعزيز الاستدامة على المستوى المحلي والعالمي، توّجت بإعلان صاحب السمو رئيس الدولة عام 2023 عاما للاستدامة؛ لتسليط الضوء على موروث الدولة الغني في هذا المجال، ومن ثم توجيه سموه بتمديد مبادرة “عام الاستدامة” لتشمل عام 2024 أيضا.

وتسعى الإمارات جاهدة للمحافظة على إرث الاستدامة، ونقله بتفاصيله كافة للأجيال الحالية والمقبلة، عبر مجموعة من الطرق والوسائل من أبرزها المتاحف التي تزخر بالمقتنيات التي تجسد مكانة الاستدامة البيئية في المجتمع الإماراتي عبر التاريخ؛ إذ يوجد في دولة الإمارات نحو 55 متحفا حكوميا، فضلا عن العشرات من المتاحف الخاصة والقرى والأندية والجمعيات التراثية.

وتبرز المتاحف المنتشرة في أرجاء الدولة كواجهات ثقافية وتراثية مستدامة تعكس موروث وهوية أبناء الإمارات وتاريخها العريق الضارب في القدم، وهي تشكل في الوقت نفسه جسرا يربط الماضي بالحاضر، ومعالم حضارية تعكس مدى نجاح الإمارات في تبني وتطبيق أحدث التوجهات والأفكار العالمية في مفهوم الاستدامة الثقافية.

ومن أهم المتاحف في الدولة متحف الاتحاد، ويروي تاريخ الإمارات والمتحف البحري في أبوظبي، ومتحف ساروق الحديد الأثري، ومتحف الشارقة للفنون، ومتحف الشارقة للحضارة الإسلامية، ومتحف رأس الخيمة الوطني، ومتحف عجمان، ومتحف الفجيرة وأم القيوين.

وإلى جانب دورها في محاكاة التاريخ والتراث، تبرز متاحف الإمارات شغفا بالمستقبل وقوة الأفكار المتفردة لأبناء هذا الوطن المعطاء، إذ تمثل واجهات مستدامة ذات تأثير إيجابي في بنية مجتمع الألفية الثالثة، وتلعب دورا مباشرا في صنع وصياغة سياسات التعاون والتفاهم بين الشعوب، فضلا عن دورها في مد جسور التواصل الثقافي والمعرفي بين الشعوب وتعزيز قيم التسامح والحوار.

ويعد متحف اللوفر، في جزيرة السعديات بأبوظبي، منصة فريدة من نوعها لعرض أصالة الموروث المحلي والعربي، مع احتفائه بالحداثة والمعاصرة الفكرية في المنطقة، فيما تضم المنطقة الثقافية في الجزيرة، متحف “جوجنهايم” الذي سيكون حين تدشينه أحد المنجزات الرئيسة في المشهد الثقافي والفني والإبداعي في الإمارات.

بدوره، يحتفي متحف زايد الوطني، الجاري تطويره حاليا، بتاريخ دولة الإمارات الغني وثقافتها الثرية، كما تم إطلاق مشروع إنشاء متحف التاريخ الطبيعي في مارس 2022 الذي سيأخذ زواره في رحلة ملهمة عبر الزمن لاكتشاف 13.8 مليار سنة من التاريخ الطبيعي، تحكي قصة تطور عالمنا، ما يتيح لهم التعرف على نشأة الكون وصولا إلى إيجاد حلول لكوكب الأرض من منظور يحفز التفكير في الآفاق المستقبلية لكوكب الأرض وضمان مستقبل مستدام له.

ويصنف “متحف المستقبل” في دبي من ضمن أفضل متاحف المستقبل في العالم، ويعد أيقونة هندسية وتحفة معمارية تمنح زوارها مشهدا تخيليا عن الحياة في دولة الإمارات في عام 2071، وهو العام الذي ستحتفل فيه بمئويتها الأولى.

وفي موازاة اهتمامها بالموروث المادي، تعاملت الإمارات مع الموروث المعنوي على أنه كنز فكري وإبداعي، يعزز مفهوم الاستدامة، وأصبحت من هذا المنطلق الأولى عربيا والسابعة عالميا من حيث عدد العناصر المدرجة ضمن قوائم منظمة “اليونسكو” للتراث الإنساني غير المادي وسجلت 14 عنصرا خاصا بها مدرجا ضمن القائمة الأممية.

وأصدرت الإمارات العديد من التشريعات التي تعزز حماية واستدامة الموروث الثقافي والتراثي ومن أبرزها القانون الاتحادي رقم 11 لعام 2017 في الحفاظ على الآثار الثابتة بالدولة بغرض تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي والكشف عن الآثار والتنقيب عنها وحظر البناء في المواقع الأثرية وفرض عقوبات مشددة على العابثين والمتلاعبين والمتاجرين بالآثار بغرض إحياء وإثراء التراث الوطني للدولة.

وتضطلع العديد من الدوائر والهيئات الحكومية، بمهمة الإشراف على المواقع الأثرية والتراثية، وتوفير الحماية اللازمة، وتحرص على ترميمها، وتأهيلها، والعمل على ديمومتها واستدامة محتوياتها، فيما تواصل الجمعيات والقرى والنوادي التراثية المنتشرة في مدن الدولة دورها في الحفاظ على الموروث الإماراتي الأصيل بمختلف بيئاته البحرية والصحراوية والجبلية لأجيال المستقبل.

وتلقى مئات المبادرات الشخصية، في تحويل كثير من المواطنين أماكن سكنهم الخاص، إلى قرى تراثية ومتاحف شخصية كل ترحاب من الجهات المختصة، كونها تعبر عن شغفهم بالإرث الثقافي والشعبي لدولة الإمارات، ورغبتهم الصادقة بالمساهمة في استدامته.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

كلية التربية الفنية بجامعة حلوان: وجهتك المثالية لصناعة الجمال وتشكيل وعي الأجيال

تُعد كلية التربية الفنية بجامعة حلوان واحدة من أعرق المؤسسات التعليمية المتخصصة في إعداد معلمي التربية الفنية على المستويين المحلي والإقليمي، إذ تجمع بين التاريخ العريق والتطور الأكاديمي المستمر. ترجع بدايات الكلية إلى عام 1932 حين تم إنشاء قسم الرسم بمعهد المعلمات، تلاه تأسيس قسم مماثل بمعهد المعلمين عام 1935. 

وفي عام 1966/1967 تم دمج المعهدين تحت مسمى "المعهد العالي للتربية الفنية"، ثم تحول لاحقًا إلى "كلية التربية الفنية" مع تأسيس جامعة حلوان، وزادت مدة الدراسة بها إلى خمس سنوات للحصول على درجة البكالوريوس في التربية الفنية.

تسهم الكلية بدور فاعل في إعداد معلمي التربية الفنية لمراحل التعليم العام، بالإضافة إلى تأهيل المتخصصين في الأنشطة الفنية بالمؤسسات الثقافية غير النظامية مثل قصور الثقافة والمتاحف والمعارض. كما تنظم الكلية دورات فنية للأطفال، ودورات متخصصة في الجرافيك والدراسات الحرة لغير المتخصصين، مما يرسخ دور الفن في خدمة المجتمع.

تقدم الكلية في مرحلة البكالوريوس برنامجين أساسيين:
• برنامج إعداد معلم التربية الفنية لمؤسسات التعليم العام.
• برنامج التثقيف الفني لإعداد خبراء الأنشطة الفنية بالمؤسسات الثقافية.

كما تطرح الكلية عددًا من البرامج المتميزة، منها:
• دبلوم العلاج بالفن.
• دبلوم التربية الفنية باللغة الإنجليزية.
• دبلوم ستوديو التصوير باللغة الإنجليزية.
وفى مرحلة الدراسات العليا:تشمل برامج الدبلوم العالي:
دبلوم التربية الفنية.
الدبلوم التكميلي لخريجي كليات التربية النوعية.
الدبلوم التأهيلي لخريجي الكليات الفنية.
أما في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، فتتنوع التخصصات لتشمل:
الرسم والتصوير، التصميم، النحت، الخزف، الأشغال الفنية، أشغال المعادن، أشغال الخشب، الطباعة اليدوية، النسيج اليدوي.
مناهج وطرق تدريس التربية الفنية، أصول التربية الفنية، علم نفس التربية الفنية، تكنولوجيا تعليم التربية الفنية، النقد والتذوق الفني.
وتواصل الكلية رسالتها الأكاديمية والمجتمعية، عبر تطوير برامجها وتوسيع أنشطتها لتلبية احتياجات سوق العمل وتعزيز الثقافة البصرية في المجتمع.

مقالات مشابهة

  • لوحات عفراء الكتبي.. أصالة الموروث
  • العلم الروسي يضيء برج خليفة
  • برلماني: مصر تدعم فلسطين بمواقف راسخة.. وأمنها القومي ليس محل نقاش
  • النائبة حياة خطاب: السيسي أنقذ مصر من الظلام والفوضى في 30 يونيو
  • روائع موسيقار الأجيال في «وهابيات» بمعهد الموسيقى العربية
  • تراجع ملحوظ في حركات وقيم “إي فواتيركم” خلال أيار 2025
  • إقبال كبير على متحفي الموروث الشعبي والوطني خلال إجازة عيد الأضحى
  • كلية التربية الفنية بجامعة حلوان: وجهتك المثالية لصناعة الجمال وتشكيل وعي الأجيال
  • الإمارات تسلط الضوء في الأمم المتحدة على مبادراتها لتحسين حياة أصحاب الهمم
  • مطارات الإمارات تستقبل الحجاج بعد أداء الفريضة