أسقط “طوفان الأقصى”، أي قول بعدالة قيم التصنيف الغربية، وظيفيًا وعمليًا. يمكننا الآن الجزم بأن قوة الجيوش لا تعتمد على توافر المعدات ولا عدد المقاتلين ولا محيط الانتشار. في موقع “غلوبال فاير باور” المتخصص في “تقييم” الجيوش طبقًا لأسلحتها وكفاءتها وقدراتها وترتيبتها، لن تجد مقارنة بين الجيش اليمني والأمريكي.
شيء من هذا القبيل يمكن قراءته في تفاصيل معركة رفح الرهيبة التي كانت معركة أراد فيها الصهيوني تغطية عورته بسحق كل قوات المقاومة فيها، فإذا بها تقلب الشارع والحكومة على نتنياهو الذي بدأ حملات التراشق مع جنرالات جيشه حول المسؤولية عن الفشل في رفح. بالطبع لن يعترف العدو الصهيوني بالهزيمة –فهي بالنسبة له أمر يمس أعصاب وجوده- لكن عجزه يفضح أي محاولة بائسة للهروب من شبحها.
للتوضيح فقط ببعض الأرقام التي مهما كانت طبيعتها جافة جامدة، فإن لها أن ترسم صورة معينة لما كان عليه الحال في غزة قبل انطلاق عملية رفح. شهدت مدينة غزة ذات المساحة المحدودة جدًا -360 كيلومترًا مربعًا- والمحاصرة من الشقيق، استخدام العدو لـ 79 كيلو طناً من الذخائر والمتفجرات والقذائف، ولتوضيح هول الرقم فإن مدينة هيروشيما اليابانية -905 كيلومترًا مربعًا- قد نالت ضربة نووية أميركية تكافئ 13 كيلو طنًا فقط من المتفجرات، بينما شقيقتها ناجازاكي -406 كيلومترًا مربعًا- قدرت القوة الانفجارية للقنبلة النووية عليها بـ 21 كيلو طنًا فقط، وغزة وحدها تتفرد في التاريخ الذي نعرفه بإنها المدينة التي تعرضت لقوة نيران تساوي 219.4 طن من المتفجرات لكل كيلومتر مربع واحد فيها.
في معركة رفح بالذات ظهرت الروح الجديدة للمقاومة العربية والفلسطينية، مع إسناد الجبهات الذي يشعر المقاتل بحرارة الدعم ومدد الجبهات، مهما كانت بعيدة، في رفح وقف الفلسطيني بعد 8 شهور من قصف لا يتوقف ويطال كل شيء على قدمين ثابتتين يرد حشود العدو بالنار، في رفح حيث المجاعة والعدوان لـ 260 يوم قتال لم تعرف هذه الأمة له مثيلًا أثبت الإنسان العربي بسالته وقدراته. اليوم لا يزال المقاتل على الأرض المحروقة قادرًا على استهداف القلعة الفولاذية المتحركة التي تسمى ميركافا 4 ودحرها وتدميرها، اليوم فقط من جبهات لبنان واليمن وغزة تعلمنا أن الموت في حد ذاته ليس الشجاعة المطلوبة، بل إن الموت هو فتح مئة بوابة حياة، اليوم في جبهات الشرف نفهم بالعين والروح والقلب بعض دروس كربلاء.
إذًا، لم يعد باقيًا أمام حكومة مجرمي الكيان سوى خيار واحد أخير، وهو إعلان نصر ما في غزة، والانتقال إلى جبهة جنوب لبنان التي تعد اليوم هي السيف المصوب نحو القلب الصهيوني، والتي تمنع واقعيًا عودة مئات آلاف النازحين إلى مناطقهم في الشمال، وهي جبهة يعرف الصهاينة جيدًا أن خطرها لن يكون ممكنًا حصره باتفاق تهدئة، والجرأة التي بلغها حزب الله في ضرب الكيان خلال معركة طوفان الأقصى تجعل نفوسهم السوداء أكثر غلًا وشرًا وحقدًا.
يريد الكيان تحقيق الاستفادة القصوى من الظرف الدولي المربك، بشن ضربة حاسمة على لبنان، يشيعون بأنهم سيستخدمون فيها أسلحة لم تظهر في ساحات المعارك من قبل، والهدف: هو تدمير جزء معتبر من جنوب لبنان، ليخرج صراخ ونعيق غربان الداخل مستجدياً الرحمة، ليتدخل مجلس الأمن الدولي بأوامر واشنطن، ويطلب وقف الحرب مقابل تمرير قرار يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وهذا هو الهدف الأساس من الحرب، سيكون النصر كما يوسوس الشيطان في قلب نتنياهو.
لكن السؤال المعلق بالموقف كله يبقى: هل فتح بوابات حرب شاملة مع حزب الله هو أمر بالغ البساطة واليسر كما يروج هؤلاء؟
ما نعرفه –ونؤمن به- ونصدقه من الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أن الكيان سيواجه ما لم يخطر له على بال. حرب بلا سقوف ولا خطوط حمراء. ما سيفعله نتنياهو واقعاً هو أنه سيكسر ختم قمقم لا يعلم عنه شيئًا، وسينطلق المارد من عقاله دون أي فرص للسيطرة عليه أو تطويعه وتحديده، وسيرى المجرم في مدن الكيان المحتلة “صورة غزة” المتكررة. سيول من حمم ملتهبة، وشلالات دم مهدور، وأكوام أشلاء أدمية ممزقة ومطحونة.. نحن صدقنا السيد حين قالها لبوش وأولمرت “أنتم لا تعرفون من تحاربون”، ونحن نصدقه اليوم أكثر، من أعماق قلوبنا نصدقه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أحمد الشرع: الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم
سوريا – ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع مساء الخميس، كلمة بمناسبة إطلاق الهوية البصرية الجديدة للبلاد، مؤكدا أن “احتفال اليوم عنوان لهوية سوريا وأبنائها بمرحلتها التاريخية الجديدة”.
وفي ما يلي، أبرز ما جاء في كلمة أحمد الشرع خلال الحفل:
في يوم من الأيام وفي غابر الزمان، ولدت حكاية مدينة اجتمع فيها معشر من الناس، يُقال إن سيرة أوائل الخلق بدأت فيها، وتكاثر الناس، ولكثرتهم بدأت البشرية تحتاج إلى بناء السلوك المنضبط، زرعوا وصنعوا وبنوها، وهكذا حتى بنوا أول عاصمة عرفتها البشرية، إنها دمشق. من يستعرض التاريخ يجد أن الشام بداية حكاية الدنيا ومنتهاها، ويتبين له أن ما عشناه في زمن النظام البائد أذلّ حقبة في تاريخ الشام. أيها الشعب السوري إن حكاية الشام تستمر بكم فيحكي التاريخ أن عصر أفولكم قد ولى وأن زمان نهضتكم قد حان، ودماءكم لم تذهب سدى، عذاباتكم لاقت آذانا مصغية، وأن هجرتكم قد انقطعت وسجونكم قد حُلت وأن الصبر أورثكم النصر. أيها الشعب السوري إن احتفال اليوم عنوان لهوية سوريا وأبنائها بمرحلتها التاريخية الجديدة، هوية تستمد سماتها من هذا الطائر الجارح، تستمد منه القوة والعزم والسرعة والاتقان والابتكار في الأداء. شعبنا العظيم إن الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، سوريا الواحدة الموحدة، وإن التنوع الثقافي والعرقي عامل إغناء وإثراء لا فرقة أو تنازع. الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثا عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج. لا يمكننا أن نحتفي بهذه المناسبة دون أن نوجه تحية صادقة ممتنة لكل الشباب السوري الذين ساهموا في بناء هذه الهوية، ولكل من شارك فيها داخل البلاد وخارجها مبادرين ومبدعين ومتحدين الظروف ومؤمنين بأن سوريا الحبيبة تستحق المزيد ومعلنين القطيعة بذلك مع منظومة القهر والاستبداد. لقد أثبتم جميعا أن سوريا لا تنقصها المواهب بل تحتاج فقط إلى ثقة واحتضان وها نحن نبدأ معكم ومنكم صفحة جديدة تكتب بنور لا ينطفئ.المصدر: “سانا”