يشعر يورغن نيسن ضابط الشرطة الذي يرأس فريقا من محققي جرائم الاتجار بالبشر في مدينة "فلنسبورغ" الألمانية بالضجر لعدم تمكنه من اعتقال كبار المهربين أو وقف تدفق اللاجئين.

ويتذكر ضابط الشرطة الألماني -في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية- أنه في تسعينيات القرن الماضي كان معظم المهاجرين إلى ألمانيا من الفلسطينيين، ثم جاء مهاجرون من الصين وإريتريا، أما الآن فإن الغالبية من السوريين والعراقيين الفارين من الحرب بحثا عن حياة أفضل.

ويقيم زعماء تجارة البشر -الذين يسعى نيسن لاعتقالهم- داخل سوريا، غير أنه لا يعرفهم ولا يعرف منهم سوى اثنين يعيشان في بلدة صغيرة على الحدود السورية مع تركيا، وهما من بين المخططين الرئيسيين لأعمال التهريب.

ويوضح نيسن أن الرجلين لديهما علاقات في جميع أنحاء أوروبا ومكاتب في سوريا وتركيا وكذلك وسطاء في بلغاريا، كما لديهما شبكة خاصة وقدرات لوجستية لنقل اللاجئين إلى أوروبا عن طريق البر والبحر.

وينظم المهربان وسائل النقل والإقامة للمهاجرين ويخططان لطرق السفر، ويتقاضيان بالمقابل 10 آلاف يورو عن الشخص الواحد، ويمتلكان اليوم ثروة طائلة من وراء تجارتهم.

وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر، الذي صدر الاثنين الماضي، قد أدرج سوريا ضمن القائمة السوداء التي تضم دولا يتهم التقرير حكوماتها بالتورط المباشر في هذه الجرائم.

مهاجرون غير نظاميين يستقلون الحافلات للتحرك نحو الحدود التركية مع اليونان (الأناضول) تدفق اللجوء رغم المخاطر

ويشكك مراقبون بإمكانية توقف عمليات لجوء السوريين إلى أوروبا أو الحد منها، رغم الصعوبات التي يواجهونها بسبب قيود صارمة فرضها الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق موجات جديدة.

وترى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن إغلاق قنوات الهجرة النظامية أمام معظم من استدعتهم الظروف للهرب من بلادهم فلا يجدون سوى القليل من المسارات الآمنة ولا خيار أمامهم سوى إشراك المهربين لمساعدتهم على عبور الحدود.

وأشارت اليونيسيف إلى أن الذين تتم رحلاتهم عبر البحر الأبيض المتوسط يكونون أكثر عرضة لخطر الاتجار والاستغلال، ومن المرجح أن أغلب الشباب يتعرضون للاستغلال، لأنهم غالبا ما يسافرون بمفردهم ويقضون وقتا أطول في العبور ويكون وصولهم إلى أنظمة الحماية أقل.

وبينما لا تزال سفن ومراكب نقل اللاجئين والمهاجرين السوريين تنطلق من سواحل عدة دول شرق أوسطية إلى أوروبا، سجلت مدينة طرطوس على الساحل السوري في الآونة الأخيرة نشاطا متزايدا في عمليات تهريب السوريين لخارج البلاد.

ويشهد الاتحاد الأوروبي ارتفاعا في حالات الوصول غير النظامية إلى أراضيه، فضلا عن ازدياد عدد طلبات اللجوء. ورصدت وكالة فرونتكس في عام 2023 أكثر من 355 ألف محاولة عبور لحدوده، في حين تخطت طلبات اللجوء مليون طلب، وفق وكالة اللجوء التابعة للاتحاد.

ويقول الخبير الحقوقي فايز الزعبي -في حديث للجزيرة نت- إن خيار الهجرة لن ينتهي، وطالما استمرت الأوضاع في سوريا على هذا النحو من الرعب والهشاشة الاقتصادية فسيستمر تدفق المهاجرين وسيبقون عرضة لانتهاك حقوقهم على يد تجار ومهربي البشر ولمخاطر متعددة كسوء معاملة حرس الحدود على الشواطئ التي يصلون إليها.

مدينة طرطوس سجلت في الآونة الأخيرة نشاطا متزايدا في عمليات تهريب السوريين لخارج البلاد (الفنرسية) أوضاع صعبة وخيارات محدودة

وتظهر بيانات مسح أجرته المنظمة الدولية للهجرة لأكثر من 16 ألف مهاجر في 7 بلدان أوروبية أن 73% من الذين تمت مقابلتهم قدموا مؤشرا واحدا على الأقل يدل على استغلالهم، في حين قال 37% إن لديهم تجربة شخصية تشير إلى وجود اتجار بالبشر أو ممارسة استغلالية تعرضوا لها أثناء رحلتهم عبر طريق البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، وفقا للمنظمة، لا يزال عدد كبير من المهاجرين يخاطرون بحياتهم عند عبورهم البحر في طريقهم إلى أوروبا، وغالبا ما يتحملون رحلات طويلة محفوفة بالمخاطر تقدم وقائعها أدلة متزايدة حول حجم ونطاق الاستغلال الذي يتعرضون له.

ويرى الزعبي أن معظم دوافع هجرة السوريين حاليا "تتجاوز مسألة بطش آلة النظام الأمنية والعسكرية" ويعود أغلبها لأسباب اقتصادية ومعيشية، فمعظم المهاجرين في الوقت الراهن من المناطق التي يسيطر عليها الأسد ضربهم الفقر وأصاب مجتمعات النازحين في الداخل واستنزف مصادرهم المالية، ولم يبق أمام الجميع سوى خيارات صعبة وبعضها مأساوي.

من الهرب على ظهر الدواب إلى شبكات عابرة للحدود

يرجع متابعون بدء أنشطة تجارة وتهريب السوريين إلى خارج الحدود، إلى فترة حكم الرئيس حافظ الأسد (1970-2000)، وهي الفترة التي اتفق محللون على أن "البلاد تحولت إلى دولة بوليسية وعانت فيها من حكم فردي اختفت فيه مظاهر الحياة السياسية والبرلمانية والتشاركية".

وفي حديثها للجزيرة نت، تحكي زوجة معارض سوري لجأ في عام 1980 إلى لبنان وتوفي قبل سنوات، أن زوجها استعان بأدلاء من البدو نقلوه إلى بلدة متاخمة للحدود السورية اللبنانية على ظهر دابة حملته عدة كيلومترات تحت جنح الظلام، ولم يتقاض غير مبلغ زهيد قياسا على أجور اليوم.

وتابعت كانت الرحلة شاقة لعدم توفر آليات نقل حديثة آنذاك، كالسيارات والدراجات النارية التي تساعد حاليا في تهريب اللاجئين عبر المنافذ ذاتها.

وهرب بالطريقة نفسها -على خلفية مطاردة أجهزة المخابرات لهم- مئات السوريين من مدن حمص وحماة ودمشق في مطلع الثمانينيات إلى لبنان والأردن والعراق.

وشهد العقدان الأخيران تطورا تدريجيا في عمل "المهرب الدليل"، كما تطورت طريقة الرحلة وأدواتها، بعد أن انضم ألوف من المتظاهرين ضد حكم الرئيس بشار الأسد في منتصف عام 2011 إلى قائمة المطلوبين على لوائح أجهزة المخابرات، وخضع تهريب السوريين لشبكات تهريب عابرة للحدود منظمة ومعقدة تضم مئات المهربين.

المهاجرون عبر البحر الأبيض المتوسط أكثر عرضة لخطر الاتجار والاستغلال (أسوشيتد برس)

وتقول الشرطة الإسبانية إنها وبالتعاون مع يوروبول والشرطة الفدرالية الألمانية فككت العام الماضي البنية اللوجستية لواحدة من تلك الشبكات كانت متخصصة بتهريب السوريين مقابل 20 ألف يورو تقريبا للشخص الواحد.

ويفيد بيان الشرطة بأن التحقيقات مع العناصر المقبوض عليهم دلت على تعاون الشبكة مع منظمات في دول أخرى، وكانت تتلقى أموالا من خلال "حوالات" مكنتها من جني نحو 2.5 مليون يورو.

وتوصلت التحقيقات إلى أن طريق الرحلة يبدأ من لبنان، حيث يسافر السوريون من مطار بيروت إلى مطار القاهرة مقابل 4 آلاف يورو، ثم يعبرون برا إلى ليبيا وتونس والجزائر، مقابل 3500 يورو، وينقلون لاحقا في قوارب إلى الساحل الإسباني مقابل 10 آلاف يورو.

وبمجرد وصولهم إلى إسبانيا، يعبر المهاجرون بالسيارة إلى مدريد ويختبئون في ظروف مزرية مقابل 250 يورو في الأسبوع، وبمجرد حصولهم على الوثائق، سيتمكنون من مغادرة إسبانيا إلى ألمانيا أو النرويج مقابل 1000 إلى 2000 يورو.

وتتراوح تكلفة الرحلة من الأراضي السورية إلى الداخل التركي بحسب متابعين نحو 5 آلاف دولار أو أكثر أحيانا، بينما تكلف الرحلة بحرا من تركيا إلى اليونان نحو 15 ألف يورو.

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية في فترة سابقة، عقوبات على المواطن السوري ناصيف بركات المقيم في مدينة حمص، وسط سوريا، على خلفية إدارته شبكة عالمية من مهربين محترفين يقومون بتهريب البشر بصورة "غير مشروعة" إلى الولايات المتحدة، ويتقاضون مبلغا يتجاوز 20 ألف دولار للشخص الواحد.

ووصفت الوزارة الشبكة بأنها منظمة إجرامية عابرة للحدود، وأن مالكها يقيم في سوريا، ويشغل شبكة عالمية من مهربي البشر، بالإضافة إلى تورطه في عمليات رشوة لتسهيل هذه الأعمال.

وتجري عمليات التهريب عبر منح الأشخاص الراغبين بالسفر وثائق مزورة تشمل جوازات سفر أوروبية، وغالبا ما يسافرون عبر لبنان أو تركيا أو الإمارات أو دول أميركا الجنوبية، وفق بيان الوزارة.

تجار التهريب يقومون ببيع جوازات سفر ووثائق مزورة مقابل مبالغ باهظة (شترستوك) ادفع وسوف ننقلك لقبرص

ويرى زاهر (18 عاما) نفسه من بين الشباب المحظوظين، ويقول إنه عاش لحظات ظن فيها أنه لن يتمكن من الوصول إلى قبرص بعد أن ضربت الأمواج القارب الذي كان على متنه مع مجموعة من الشباب المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية.

غادر زاهر ساحل مدينة طرطوس سرا رفقة 20 مهاجرا شابا من مختلف المحافظات على متن قارب خشبي باتجاه سواحل قبرص، وهي الوجهة البحرية الأقرب بالنسبة لمهربي البشر المحليين.

ووصف في حديث للجزيرة نت بلاده "بالمكان السيئ حيث لم تعد مكانا صالحا للحياة، وخاصة بالنسبة للشباب الذين يتعرضون اليوم لضغوط أمنية ومعيشية في آن واحد، بسبب إلزامية الخدمة العسكرية وضعف سوق العمل، وقلة الواردات المالية والافتقار لأساسيات الحياة".

وأضاف "اتفقت مع أحد المهربين الذين يديرون شبكة منظمة للتهريب في الساحل السوري عبر خدمة الواتساب، وهي وسيلة الاتصال الوحيدة التي كانت بيننا، وطلب أجرا مرتفعا لكنه وافق في النهاية على مبلغ 5 آلاف دولار.. كان القارب يضم نحو 20 شابا، أعتقد أن معظمهم هربوا من أداء الخدمة العسكرية، بينما كان الآخرون يبحثون عن مستقبل كريم خارج بلادهم".

ونفى زاهر علمه بوجود علاقة تربط شبكات التهريب المحلية بمتنفذين داخل سلطة الأسد، لكنه وصف انطلاق المركب من ساحل مدينة طرطوس بالمريح، نظرا لعدم وجود إجراءات نقل قاسية كالتي حدثه عنها بعض أقربائه ممن عبروا إلى اليونان من سواحل تركيا الغربية.

واستقبلت قبرص عشرات القوارب التي تحمل على متنها مئات اللاجئين السوريين، خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، بحسب مصدر حكومي قبرصي.

وقالت مسؤولة السياسات في المركز الأوروبي لإدارة التنمية أماندا بيسونج "سيجد الناس دائما طريقة للتحرك، وعندما يتم حظر جميع الطرق المعروفة يظهر طريق آخر في مكان ما وتزداد الأعداد مرة أخرى، ومع كل هذه الإجراءات فإنك تدفع الناس إلى استخدام طرق أكثر خطورة".

تعدد المنافذ وشبكات منظمة

وتشير دراسة أعدها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، إلى ان السوريين اتبعوا طرقا محددة للهروب من بلادهم، طلبا للملجأ الآمن في الخارج. وتطلّب ذلك منهم السفر من مناطق سكنهم إلى الحدود مع تركيا ولبنان والأردن والعراق.

وتذكر الدراسة أن الحاجة إلى تجنب نقاط التفتيش دفعتهم لطلب المساعدة من مجموعات البدو السورية من أجل تسهيل رحلتهم، حيث كان يجري نقلهم في شاحنات عبر الصحراء من قرية بدوية لأخرى. ومع تغير خطوط المعارك تزداد المخاطر على السائقين والركاب، ويستغل المرشدون الذين يقدمون معلومات عن طرق الهجرة غير النظامية الأكثر أمنا هذه الحالة، لطلب المزيد من الأموال.

وتستدل الدراسة على أن تجار البشر أصبحوا أكثر قوة وثراء بعد إنشائهم شبكات منظمة ومعقدة تضم في جميع الحالات تقريبا أعضاء من تركيا والبلدان الأصلية للأشخاص المتاجر بهم، وعددا من المسهلين ممن يقومون بنقل الضحايا ويعملون كوسطاء، وبعضهم أصحاب فنادق. وقد تعرفوا على الإطار القانوني من أجل إمكانية تجنب الملاحقة القضائية.

واعتبرت الدراسة الطرق القانونية التقييدية لدخول الاتحاد الأوروبي من العوامل التي زادت من سوء أحوال اللاجئين السوريين وعرضتهم للاتجار، فضلا عن تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان على يد مهربي البشر.

وعوضا عن منح اللاجئين حقوقهم وتوفير التوطين لهم، قامت دول الاتحاد بتطبيق المزيد من الإجراءات التقييدية لحماية حدودها، والمفارقة، يملك اللاجئون السوريون الحق في طلب الاعتراف بهم كلاجئين وفقا لاتفاقيات الاتحاد الأوروبي ولكن لا يحق لهم دخول دوله بشكل نظامي.

القبض على مهرب للاجئين بعد اقترابه من الشواطئ اليونانية (غيتي)

من جهة أخرى، نقلت مؤسسة شاتام هاوس البحثية البريطانية معلومات ميدانية تكشف وجود عشرات المعابر غير القانونية بين سوريا ولبنان، تهيمن عليها شبكات تهريب محلية، وأبرز طرق التهريب الرئيسية تلك التي تجري عبر مسالك في ريف حمص، وتتميز بسهولة عبورها بواسطة "الحافلات أو السيارات، وأحيانا الدراجات النارية".

ولاحظ التحقيق الذي أجرته المؤسسة، أنه كثيرا ما تغض قوات الأمن والقوات العسكرية التابعة للنظام السوري وكذلك حزب الله، الطرف عن هذا النوع من التهريب، ويرضون بالرسوم التي يدفعها لهم المهربون، إذ تتراوح التكلفة بين 100 و150 دولارا للشخص، بينما تدفع العائلات رسوما أقل من ذلك.

وتؤكد المؤسسة "إمكانية تهريب أي شخص عبر الحدود إذا دفع السعر المناسب، بصرف النظر عن مدى معارضته للنظام السوري أو حزب الله أو عن الجريمة التي ربما يكون ارتكبها".

أما بالنسبة للأردن، فقد عزز من انتشار قواته على الحدود مع سوريا في إطار مكافحته لعمليات تهريب المخدرات، وتراجع تهريب السوريين إلى أراضيه على نحو واضح، بخلاف فترة السنوات الخمس الأولى من الصراع، حيث شهدت حدوده تدفقات هائلة هربت من القصف العشوائي الذي تعرضت له مدينة درعا وريفها على يد قوات الأسد.

وبخلاف حركة اللجوء التي تشهدها مناطق أخرى، تعتبر الحدود العراقية الأكثر هدوءا، نظرا لاعتبارها منطقة عمليات عسكرية، وتتقاسم السيطرة عليها قوات 4 جهات (الحكم الذاتي والأميركيون وجيش النظام وفصائل محلية).

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاتحاد الأوروبی مدینة طرطوس إلى أوروبا

إقرأ أيضاً:

هذه قصة الموقوفين السوريين في لبنان.. فهل تستعيدهم دمشق؟

يتحرّك ملف الموقوفين السوريين في لبنان ببطء ثقيل، تحكمه تراكمات سياسية وأمنية وقضائية تعود إلى أكثر من عقد، حين عبر آلاف السوريين الحدود إلى لبنان في خضم الحرب التي اشتعلت في بلادهم. بعضهم لجأ، وبعضهم قاتل، وبعضهم وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع نظام دمشق، ليتحول عدد كبير منهم لاحقًا إلى موقوفين في السجون اللبنانية، إما بتهم جنائية، أو بتهم الانتماء إلى مجموعات مسلحة، أو فقط لمجرد أنهم عبّروا عن موقف سياسي مناهض لحكم بشار الأسد في ذروة الأزمة.واليوم، ومع تغيّر التموضعات الإقليمية وانفتاح بعض العواصم على دمشق، يعود هذا الملف ليُطرح من جديد، ليس فقط كقضية قانونية وإنسانية، بل كورقة سياسية ترتبط بمستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية، وبشكل النظام السوري بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب.
 
تصنيف الموقوفين: ثلاثة ملفات مختلفة الأبعاد
وفق مصدر قضائي متابع، تواصل معه "لبنان24"، يمكن تقسيم الموقوفين السوريين إلى ثلاث فئات رئيسية:
- معارضون سابقون: وهم الموقوفون الذين اعتُقلوا خلال السنوات الماضية بسبب انخراطهم في فصائل معارضة للنظام السوري السابق، أبرزها "الجيش السوري الحر"، و"هيئة تحرير الشام"، أو حتى لمجرد التعبير عن معارضة سياسية لنظام الأسد. هؤلاء لا يُصنّفون كإرهابيين، ولم تثبت بحقهم أية جرائم داخل لبنان، لكنهم ظلوا موقوفين لأسباب أمنية أو إدارية. هذا الملف يُعتبر الأكثر حساسية، نظرًا لطبيعته السياسية، وعدد هؤلاء يُقدّر بالمئات.
- عناصر جهادية: تشمل هذه الفئة الموقوفين بتهم الانتماء إلى تنظيمات مصنّفة إرهابية مثل "داعش"، وغالبيتهم خضعوا لتوقيفات طويلة وإجراءات تحقيق ومحاكمة، وإن ببطء شديد.
- مجرمون جنائيون: وهم الأفراد الذين ارتكبوا جرائم داخل الأراضي اللبنانية، ويُعاملون وفق القانون العام اللبناني، كأي موقوف أجنبي.
إلا أن عدم الفصل الحاسم بين الفئات، والتأخير في البت في ملفات المعارضين تحديدًا، يُبقي العديد منهم في سجون مكتظة دون أحكام واضحة أو محاكمات مكتملة، وهذا ما يزعج حاليا النظام الجديد الذي أكّد خلال أكثر من مناسبة أن هذا الملف، وخاصة ملف الموقوفين السياسيين يجب أن يبت به في أسرع وقت ممكن.
 
 
الاتفاقيات القضائية بين لبنان وسوريا: ورقة مراجعة لا تزال مفتوحة
على المستوى القانوني، يعتمد لبنان في تعاونه القضائي مع دمشق على اتفاقيات ثنائية وُقّعت في مراحل سابقة، تحديدًا في ظل النظام السابق في سوريا، وتتضمن بنودًا واضحة حول تبادل وتسليم الموقوفين والمحكومين، بالإضافة إلى التنسيق القضائي في القضايا الأمنية.
في هذا السياق، يقول المصدر القضائي لـ"لبنان24" أنّ "هذه الاتفاقيات اليوم تخضع لمراجعة غير معلنة من الجانب اللبناني، ليس بسبب مضمونها القانوني، بل بسبب تبدّل السياق السياسي.. فلبنان لم يتأكد بعد ما إذا كانت السلطة الجديدة في سوريا ـ والتي تسعى إلى إعادة تأهيل نفسها دوليًا ـ ما زالت تلتزم بهذه الاتفاقيات، أو ترغب في تعديلها بما يتلاءم مع أولوياتها الجديدة".
ففي خضم الضبابية التي تكتنف ملف الموقوفين السوريين في لبنان، برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات صامتة، لكنها لافتة، صادرة عن أوساط القرار في دمشق، تُوحي بأن الحكم السوري الجديد بات ينظر إلى جزء من هؤلاء المعارضين، المعتقلين منذ سنوات في سجون لبنانية، كملف قابل للطيّ، بل ويُفضَّل أن يُقفل "اليوم قبل الغد". لكنّ اللافت في مضمون هذه الإشارات أنها لا تنطلق من منطق أمني أو قضائي بحت، بل تحمل بُعدًا سياسيًا خالصًا، ما يدلّ على أن الملف لم يعد قضية ثنائية تقنية، بل دخل لعبة التفاوض السياسي الأوسع بين بيروت ودمشق. أما على الضفة اللبنانية، فتُقرأ هذه الإشارات كجزء من مقايضة سياسية صامتة: القبول بتسليم بعض المعارضين للسوريين في مقابل تمرير قانون عفو عام داخلي تطالب به قوى لبنانية تسعى إلى إغلاق ملفات محكومين ومطلوبين محليين.
 
سجن رومية... اكتظاظ بلا عدالة
على الأرض، يُشكّل سجن رومية المركزي نموذجًا صارخًا عن التدهور المزمن في البنية التحتية للمؤسسات العقابية في لبنان. فالسجن، الذي صُمّم ليستوعب عددًا محدودًا من النزلاء، بات يضيق بأضعاف قدرته الاستيعابية، حيث يضم اليوم آلاف السجناء، من بينهم مئات الموقوفين السوريين، معظمهم محتجزون منذ سنوات من دون محاكمات مكتملة، أو حتى توجيه تهم واضحة. هذا الواقع لا يُمثّل فقط أزمة قضائية، بل انفجارًا إنسانيًا مكبوتًا يهدد بانعكاسات خطيرة على السلم الاجتماعي وعلى صورة لبنان أمام المنظمات الحقوقية الدولية.
ظروف الاحتجاز في رومية توصف بأنها تحت الحد الأدنى للمعايير الإنسانية: غرف مكتظة، انعدام الخصوصية، ضعف الخدمات الصحية، انتشار الأوبئة، وافتقار كامل للبنية التحتية النفسية والاجتماعية التي تراعي أوضاع المحتجزين، خاصة أولئك الذين لا يُصنّفون كإرهابيين، بل كانوا مجرد معارضين سياسيين فروا من بلدهم في لحظة دموية من تاريخه.
من هنا يرى المصدر القضائي أنّه ورغم الوعود المتكررة من الجهات الرسمية بتسريع المحاكمات و"تنظيف الملفات"، إلا أن الواقع القضائي لا يعكس هذا التوجّه. الإجراءات بطيئة للغاية، والتأخير يُعزى إلى أسباب "تقنية"، مثل نقص الكوادر القضائية أو بطء العمل الإداري. إلا انّ السبب الجوهري هو غياب قرار سياسي حاسم بشأن كيفية تصنيف هؤلاء الموقوفين، وما إذا كانوا سيُحاكمون في لبنان، أو يُسلَّمون إلى النظام السوري، أو يُخلى سبيل من لم تثبت بحقهم أية تهم جدية.
وتشير المعلومات القضائية المتقاطعة إلى أن أكثر من 630 موقوفًا سوريًا يمكن تسليمهم إلى السلطات السورية "غدًا صباحًا" في حال استُكملت ملفاتهم الإدارية، وتم الاتفاق السياسي ـ القضائي النهائي بين بيروت ودمشق. لكن هذا الاتفاق لا يزال عالقًا بين حسابات المرحلة السابقة ومخاوف المرحلة المقبلة، خصوصًا أن العديد من هؤلاء المعتقلين يُصنّفون كمعارضين للنظام السوري السابق، بينما يعتبرهم الحكم الجديد في دمشق أفرادًا يمكن "استيعابهم"، بل ويطالب باستردادهم ضمن إطار تفاهمات سياسية وأمنية أشمل.
وسط هذا المشهد، يقف لبنان أمام تحدٍ ثلاثي الأبعاد: أزمة سجون متفجرة، مآزق قانونية غير محسومة، وضغوط إنسانية متصاعدة. ما لم تُبادر الدولة إلى حسم هذا الملف بمقاربة شاملة وشفافة، فإن الكلفة لن تكون أمنية أو سياسية فقط، بل أخلاقية أيضًا، حسب المصدر القضائي. المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة وزير الخارجية السوري: اتفقت مع رئيس وزراء لبنان على خطوات عملية لإنهاء معاناة السوريين الموقوفين في لبنان Lebanon 24 وزير الخارجية السوري: اتفقت مع رئيس وزراء لبنان على خطوات عملية لإنهاء معاناة السوريين الموقوفين في لبنان 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام: بحثت في سوريا ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية Lebanon 24 سلام: بحثت في سوريا ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 عون الى مصر للقاء السيسي.. وسوريا تطالب بحل ملف السوريين الموقوفين في لبنان Lebanon 24 عون الى مصر للقاء السيسي.. وسوريا تطالب بحل ملف السوريين الموقوفين في لبنان 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 مصادر حكومية لبنانية للحدث: مسألة الموقوفين السوريين في سجون لبنان سيتم البت فيها من خلال لجان وزارية Lebanon 24 مصادر حكومية لبنانية للحدث: مسألة الموقوفين السوريين في سجون لبنان سيتم البت فيها من خلال لجان وزارية 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 تابع قد يعجبك أيضاً هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ Lebanon 24 هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ 02:00 | 2025-05-31 31/05/2025 02:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات Lebanon 24 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات 02:15 | 2025-05-31 31/05/2025 02:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي Lebanon 24 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي 02:06 | 2025-05-31 31/05/2025 02:06:21 Lebanon 24 Lebanon 24 تباين داخل "التيار" Lebanon 24 تباين داخل "التيار" 01:45 | 2025-05-31 31/05/2025 01:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تواصل بين "الكتائب والقوات" Lebanon 24 تواصل بين "الكتائب والقوات" 01:30 | 2025-05-31 31/05/2025 01:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) Lebanon 24 بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) 03:00 | 2025-05-30 30/05/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور... نادين الراسي: "هيدي آخر أعياد مع ولادي كارل ومارسيل" Lebanon 24 بالصور... نادين الراسي: "هيدي آخر أعياد مع ولادي كارل ومارسيل" 10:15 | 2025-05-30 30/05/2025 10:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 نقل فنان فجر اليوم إلى المستشفى... ما فعله بنفسه مروّع! Lebanon 24 نقل فنان فجر اليوم إلى المستشفى... ما فعله بنفسه مروّع! 07:14 | 2025-05-30 30/05/2025 07:14:48 Lebanon 24 Lebanon 24 أصبحت "ام عمر".. صورة جديدة لإبن الإعلامية نبيلة عواد تعرفوا إليه Lebanon 24 أصبحت "ام عمر".. صورة جديدة لإبن الإعلامية نبيلة عواد تعرفوا إليه 03:00 | 2025-05-30 30/05/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بـ "توب" من الشبك.. إليسا تستمتع بوقتها في إيطاليا وتنفي كل الشائعات (صور) Lebanon 24 بـ "توب" من الشبك.. إليسا تستمتع بوقتها في إيطاليا وتنفي كل الشائعات (صور) 04:00 | 2025-05-30 30/05/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب جاد حكيم - Jad Hakim أيضاً في لبنان 02:00 | 2025-05-31 هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ 02:15 | 2025-05-31 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات 02:06 | 2025-05-31 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي 01:45 | 2025-05-31 تباين داخل "التيار" 01:30 | 2025-05-31 تواصل بين "الكتائب والقوات" 01:15 | 2025-05-31 الاولوية للشهادات والمعايير فيديو رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) Lebanon 24 رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) 01:50 | 2025-05-31 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) 01:45 | 2025-05-30 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) 03:41 | 2025-05-28 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • 72% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يخططون للعودة
  • ثلث اللاجئين السوريين في الأردن يتطلعون للعودة
  • تحديات لبنان أمام تقدم سوريا في الانفتاح الدولي
  • حرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 375 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر
  • بمشاركة سوريا… بدء أعمال الاجتماع الوزاري الإقليمي للتعليم حول عودة اللاجئين السوريين في الدوحة
  • زيدان يرفض عرضًا بقيمة 100 مليون يورو من دوري روشن
  • حادثة عند الحدود مع سوريا.. رصاصات تصيب منزلاً والجيش يتحرّك
  • إحباط تهريب 200 كيلوجرام من نبات القات المخدر في جازان وعسير
  • الجميّل من بودابست: آن الأوان لإعادة اللاجئين السوريين بعد زوال نظام الأسد
  • هذه قصة الموقوفين السوريين في لبنان.. فهل تستعيدهم دمشق؟