إن نشر المندوبية السامية للتخطيط للمذكرة الإخبارية المتعلقة بتطور مستوى معيشة السكان على ضوء نتائج البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر لسنة 2022، لم يحمل مفاجآت كبيرة : الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون ثراء. وبقدر ما ينبغي تسجيل بنوع من الارتياح الحذر انخفاض ما يسمى بالفقر « المتعدد الأبعاد »، بقدر ما يتعين أن نستخلص من هذه المذكرة الأولية، والتي سيتبعها قريباً نشر نتائج مفصلة، ​​الاستنتاجات التالية: زيادة في « الفقر المدقع » والهشاشة خاصة بين سنتي 2019 و2022، والذي ترجمته سقوط 3 ملايين شخص إضافي في الفقر والهشاشة، وتفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية.

حيث تستهلك أغنى 10% من الأسر، 16 مرة أكثر من أفقر 10% من الأسر. وعلى المستوى الجهوي، نلاحظ أنه في جهة درعة تافيلالت، يعاني واحد من بين كل أربعة أشخاص من الهشاشة، ويعيش واحد من بين كل سبعة أشخاص في فقر مدقع. وأخيرا، لا تزال المواد الغذائية الأساسية تهيمن على سلة الأسر المعيشية، مما يعكس الطبيعة البدائية والأولية لمستوى معيشة غالبية المغاربة. دعونا نرى كل هذا بالتفصيل.

هكذا، يقدر متوسط الإنفاق للفرد وفقاً للدراسة الاستقصائية في السنة 20685 درهم، و83713 درهم لكل أسرة. وكأي  متوسط إحصائي، يخفي بالضرورة الفوارق بين الأسر، وبين المناطق الريفية والحضرية، وبين الجهات. ودون الدخول في هذه « المتاهة »، ينبغي الإشارة إلى أن هذه النفقات يتم استيعابها بنسبة 40٪ (38.2٪) تقريبًا من طرف المواد الغذائية الأساسية، يليها السكن والطاقة (25٪) والرعاية الصحية (5.9٪)… وبطبيعة الحال، تختلف بنية الميزانية هذه باختلاف مستوى عيش الأسر. فعلى سبيل المثال، تنفق أفقر الأسر نصف ميزانيتها على الغذاء، مقارنة بنسبة 30% فقط بالنسبة لأغنى الأسر. وتتسع هذه الهوة طبعا بخصوص النفقات الأخرى. ولدى الأسر الفقيرة موارد قليلة لتخصيصها للتعليم والثقافة والعلاج. في المتوسط، انخفضت حصة الميزانية المخصصة لـ « الثقافة والترفيه » من 1.9٪ في سنة 2014 إلى 0.5٪ فقط في سنة 2022، أو 109 درهما للفرد، أي ما يعادل 9 دراهم شهريًا. مع العلم أنه متوسط وطني يدمج الأغنياء والفقراء. لذا نتفهم انهيار المستوى الثقافي للسكان وإغلاق دور السينما والمسارح واستبدالها بالمقاهي، كفضاء وحيد في للترفيه للشباب! هذا « الفقر الثقافي » يسائل بشكل جدي السلطات العمومية والسياسة الثقافية المتبعة في بلادنا.

وعلاوة على ذلك، تكشف هذه الدراسة عن تحسن في مستوى معيشة السكان بمعدل سنوي قدره 1.1% بين سنتي 2014 و2002. إلا أن  هذا التحسن، مهما كان محتشما،  لا يظهر على مستوى معدلات الفقر المطلق والنسبي (الهشاشة). وفي حين أن « الفقر المدقع » قد اختفى فعليا، وهو أمر يستحق الترحيب، فإن الفقر المطلق والهشاشة لا يزالان قائمين ويظهران بعض « الصمود ». ينبغي التذكير بأن عتبة الفقر المطلق محددة بـ 1.9 دولار للفرد في اليوم بتكافؤ القدرة الشرائية (PPA) وأن عتبة الهشاشة محددة بـ 1.5 ضعف العتبة الأولى، أي 2.85 دولار. على هذا الأساس، ودون مناقشة جدوى هذه العتبات، انتقل معدل الفقر المطلق من 4.8٪ في سنة 2014 إلى 1.7٪ في سنة 2019 قبل أن يرتفع إلى 3.9٪ في سنة 2022. وارتفع عدد الفقراء من 324 ألف إلى 1,42 مليون نسمة. كما نرى، فإن أزمة كوفيد19 والتضخم وآثار الجفاف قد قضت فعليًا على التقدم المحرز خلال الفترة  الممتدة ما بين 2014 و2019. ويتضح هذا الاتجاه أكثر بخصوص الهشاشة. حيث ارتفع معدل الهشاشة خلال التواريخ الثلاثة على التوالي من 12.5٪ إلى 7.3٪ و12.9٪. وبذلك، تم تدمير كل التقدم المحرز بين سنتي 2014 و2019 أيضا. إذ ارتفع عدد الأفراد في وضعية الهشاشة من 2.6 مليون في سنة 2019 إلى 4.75 مليون في سنة 2022، بزيادة قدرها 82٪ في ثلاث سنوات. في المجموع، سقط 3 ملايين شخص في براثن الفقر. وعلى هذا المستوى، الحكومة الحالية مدعوة للعمل بجدية وننتظربترقب كبير ماذا ستقوم به.

العمل الذي أنجزته  المندوبية السامية للتخطيط، يقدم للحكومة المسالك التي يجب اتباعها. نحن نعلم الآن أن الفقر المطلق هو في الغالب ظاهرة قروية،  وعلى العكس من ذلك، فإن الهشاشة هي في الغالب ظاهرة حضرية. ونعلم أيضا أن الفقر لا يوزع « بطريقة منصفة » على مختلف المناطق. كما ينبغي  إيلاء اهتمام خاص للمناطق المهملة والمهجورة التي تأتي في صدارتها جهة درعة تافيلالت، وبني ملال خنيفرة، وفاس مكناس. ولذلك يجب علينا تحيين خريطة الفقر والعمل وفقا لذلك من خلال تدابير ملموسة عن طريق تنشيط صندوق إعادة التأهيل وصندوق التضامن بين الجهات كما هو منصوص عليه في القانون الخاص بالجهات. ينبغي أن يكون المغرب في ملك جميع  المغاربة، وهو ما يقتضي  توزيع ثرواته توزيعا عادلا. كما يتعين  تعزيز تدابير « جبر » هذه الأضرار بسياسات عمومية ملائمة وبإصلاحات تقطع نهائيا مع الخيارات الطبقية السارية. كان لدى المندوبية السامية للتخطيط الفضل في قول ذلك بوضوح لمن أراد استيعابه: « لم يؤثر النمو الاقتصادي بشكل كافٍ على الحد من الفقر النقدي ». والسبب بسيط: ثمار النمو تم السطو عليها بصفة تعسفيه ودون أدنى مبرر،  مما أدى إلى  إفقار هذا الشعب المكافح. وتضيف مذكرة المندوبية بكل وضوح: »إن النمو الاقتصادي بنسبة 1٪، والذي لا يولد عدم المساواة، سيؤدي إلى انخفاض سنوي في معدل الفقر بنسبة 2.6٪ على المستوى الوطني، و3.6٪ في المناطق الحضرية و2.3٪ في المناطق القروية ».

الأمر لا يشكل لغزا، إن القضاء على الفقر ممكن ويتطلب الأمر الارادة فقط والاقتناع سياسيا والجرأة على إزالة « الميكروبات  من الفاكهة ». وهذا ليس بالمطلب الكبير. (ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة).

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: مستوى معیشة فی سنة سنة 2022

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: نتطلع إلى بصمة بريكس في مساندة الاقتصادات الناشئة


أكد أحمد كجوك وزير المالية، أنه من المهم أن تتبنى دول مجموعة «البريكس» مع كل الأطراف دفع جهود ضمان استدامة الديون للدول الناشئة، موضحًا أنه من المهم والضروري أيضًا دفع أدوات التمويل المتنوعة وأهمها مبادرات مبادلة الديون لكل الدول الناشئة.

قال الوزير، فى الجلسة الخاصة بمناقشة القضايا المالية باجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول «البريكس» بالبرازيل، إننا نتطلع إلى بصمة واضحة لـ «البريكس» فى مساندة الاقتصادات الناشئة في مواجهة التحديات العالمية، لافتًا إلى أن الإجراءات الأحادية تضعف الثقة في النظام الاقتصادي العالمي وتعوق التمويل التنموي.

أضاف أن تيسير وصول الدول النامية إلى تمويلات مناسبة وعادلة للمناخ بات ضرورة عاجلة، مشيرًا إلى أننا ملتزمون بدعم تطوير نظام ضريبي دولي أكثر عدالة عبر اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية.

أكد أن الإصلاحات الاقتصادية في مصر، نموذج لتعزيز المرونة وتحقيق النمو الشامل والمستدام، قائلاً: «أوضحنا نجاح الاقتصاد المصرى فى تحقيق معدلات نمو مرتفعة بسبب النمو القوى للقطاع الخاص وعودة تدفقات الاستثمارات الخاصة للنمو بقوة، وقد نجحنا فى دفع جهود الانضباط المالى من خلال التسهيلات الضريبية مما أدى لنمو الإيرادات الضريبية بنحو ٣٥٪ دون فرض أعباء جديدة». 

أوضح أننا لدينا فرص كبيرة للتعاون فى مجالات الزراعة والتصنيع والصحة من أجل الأمن الغذائي والصحي للجنوب العالمي، لافتًا إلى أهمية إيجاد آليات تمويل مبتكرة من خلال منصة الاستثمار الجديدة بالبريكس لتسريع مشروعات البنية التحتية.

طباعة شارك وزير المالية أحمد كجوك استدامة الديون الدول الناشئة البريكس

مقالات مشابهة

  • وزير المالية: نتطلع إلى بصمة بريكس في مساندة الاقتصادات الناشئة
  • خريف ظفار عالم السياحة المحلية
  • الصبيحي يكتب .. الضمان في مواجهة الخطر الاجتماعي
  • “المجموعات ذات الهشاشة العالية”.. ختام المرحلة الرابعة لتوزيع المساعدات الإنسانية للأسر بالفاشر
  • في يوم عاشوراء.. هذا العمل يقيك الفقر وضيق الرزق فهل تعرفه؟
  • العراق يواجه الفقر المائي رغم الزيادة التركية الطارئة
  • ارتفاع مستوى الفقر في أوكرانيا ليصل إلى 25.2%
  • «الشارقة للمواشي» يستكمل تقييم الرقابة الغذائية
  • ائتلاف دولة القانون: نعبر عن رفضنا المطلق لأي تحرك لتغيير محافظ بغداد
  • وزير الإعلام: الهوية البصرية الجديدة لم تكن نتاج مؤسسة واحدة بل ثمرة عمل جماعي شارك فيه أبناء سوريا داخل الوطن وخارجه ممن اجتمعوا ليسهموا في بناء الدولة