الفقر ليس حتمية بل هو نتاج نموذج النمو والسياسات العمومية المتبعة
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
إن نشر المندوبية السامية للتخطيط للمذكرة الإخبارية المتعلقة بتطور مستوى معيشة السكان على ضوء نتائج البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر لسنة 2022، لم يحمل مفاجآت كبيرة : الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون ثراء. وبقدر ما ينبغي تسجيل بنوع من الارتياح الحذر انخفاض ما يسمى بالفقر « المتعدد الأبعاد »، بقدر ما يتعين أن نستخلص من هذه المذكرة الأولية، والتي سيتبعها قريباً نشر نتائج مفصلة، الاستنتاجات التالية: زيادة في « الفقر المدقع » والهشاشة خاصة بين سنتي 2019 و2022، والذي ترجمته سقوط 3 ملايين شخص إضافي في الفقر والهشاشة، وتفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية.
هكذا، يقدر متوسط الإنفاق للفرد وفقاً للدراسة الاستقصائية في السنة 20685 درهم، و83713 درهم لكل أسرة. وكأي متوسط إحصائي، يخفي بالضرورة الفوارق بين الأسر، وبين المناطق الريفية والحضرية، وبين الجهات. ودون الدخول في هذه « المتاهة »، ينبغي الإشارة إلى أن هذه النفقات يتم استيعابها بنسبة 40٪ (38.2٪) تقريبًا من طرف المواد الغذائية الأساسية، يليها السكن والطاقة (25٪) والرعاية الصحية (5.9٪)… وبطبيعة الحال، تختلف بنية الميزانية هذه باختلاف مستوى عيش الأسر. فعلى سبيل المثال، تنفق أفقر الأسر نصف ميزانيتها على الغذاء، مقارنة بنسبة 30% فقط بالنسبة لأغنى الأسر. وتتسع هذه الهوة طبعا بخصوص النفقات الأخرى. ولدى الأسر الفقيرة موارد قليلة لتخصيصها للتعليم والثقافة والعلاج. في المتوسط، انخفضت حصة الميزانية المخصصة لـ « الثقافة والترفيه » من 1.9٪ في سنة 2014 إلى 0.5٪ فقط في سنة 2022، أو 109 درهما للفرد، أي ما يعادل 9 دراهم شهريًا. مع العلم أنه متوسط وطني يدمج الأغنياء والفقراء. لذا نتفهم انهيار المستوى الثقافي للسكان وإغلاق دور السينما والمسارح واستبدالها بالمقاهي، كفضاء وحيد في للترفيه للشباب! هذا « الفقر الثقافي » يسائل بشكل جدي السلطات العمومية والسياسة الثقافية المتبعة في بلادنا.
وعلاوة على ذلك، تكشف هذه الدراسة عن تحسن في مستوى معيشة السكان بمعدل سنوي قدره 1.1% بين سنتي 2014 و2002. إلا أن هذا التحسن، مهما كان محتشما، لا يظهر على مستوى معدلات الفقر المطلق والنسبي (الهشاشة). وفي حين أن « الفقر المدقع » قد اختفى فعليا، وهو أمر يستحق الترحيب، فإن الفقر المطلق والهشاشة لا يزالان قائمين ويظهران بعض « الصمود ». ينبغي التذكير بأن عتبة الفقر المطلق محددة بـ 1.9 دولار للفرد في اليوم بتكافؤ القدرة الشرائية (PPA) وأن عتبة الهشاشة محددة بـ 1.5 ضعف العتبة الأولى، أي 2.85 دولار. على هذا الأساس، ودون مناقشة جدوى هذه العتبات، انتقل معدل الفقر المطلق من 4.8٪ في سنة 2014 إلى 1.7٪ في سنة 2019 قبل أن يرتفع إلى 3.9٪ في سنة 2022. وارتفع عدد الفقراء من 324 ألف إلى 1,42 مليون نسمة. كما نرى، فإن أزمة كوفيد19 والتضخم وآثار الجفاف قد قضت فعليًا على التقدم المحرز خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2019. ويتضح هذا الاتجاه أكثر بخصوص الهشاشة. حيث ارتفع معدل الهشاشة خلال التواريخ الثلاثة على التوالي من 12.5٪ إلى 7.3٪ و12.9٪. وبذلك، تم تدمير كل التقدم المحرز بين سنتي 2014 و2019 أيضا. إذ ارتفع عدد الأفراد في وضعية الهشاشة من 2.6 مليون في سنة 2019 إلى 4.75 مليون في سنة 2022، بزيادة قدرها 82٪ في ثلاث سنوات. في المجموع، سقط 3 ملايين شخص في براثن الفقر. وعلى هذا المستوى، الحكومة الحالية مدعوة للعمل بجدية وننتظربترقب كبير ماذا ستقوم به.
العمل الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، يقدم للحكومة المسالك التي يجب اتباعها. نحن نعلم الآن أن الفقر المطلق هو في الغالب ظاهرة قروية، وعلى العكس من ذلك، فإن الهشاشة هي في الغالب ظاهرة حضرية. ونعلم أيضا أن الفقر لا يوزع « بطريقة منصفة » على مختلف المناطق. كما ينبغي إيلاء اهتمام خاص للمناطق المهملة والمهجورة التي تأتي في صدارتها جهة درعة تافيلالت، وبني ملال خنيفرة، وفاس مكناس. ولذلك يجب علينا تحيين خريطة الفقر والعمل وفقا لذلك من خلال تدابير ملموسة عن طريق تنشيط صندوق إعادة التأهيل وصندوق التضامن بين الجهات كما هو منصوص عليه في القانون الخاص بالجهات. ينبغي أن يكون المغرب في ملك جميع المغاربة، وهو ما يقتضي توزيع ثرواته توزيعا عادلا. كما يتعين تعزيز تدابير « جبر » هذه الأضرار بسياسات عمومية ملائمة وبإصلاحات تقطع نهائيا مع الخيارات الطبقية السارية. كان لدى المندوبية السامية للتخطيط الفضل في قول ذلك بوضوح لمن أراد استيعابه: « لم يؤثر النمو الاقتصادي بشكل كافٍ على الحد من الفقر النقدي ». والسبب بسيط: ثمار النمو تم السطو عليها بصفة تعسفيه ودون أدنى مبرر، مما أدى إلى إفقار هذا الشعب المكافح. وتضيف مذكرة المندوبية بكل وضوح: »إن النمو الاقتصادي بنسبة 1٪، والذي لا يولد عدم المساواة، سيؤدي إلى انخفاض سنوي في معدل الفقر بنسبة 2.6٪ على المستوى الوطني، و3.6٪ في المناطق الحضرية و2.3٪ في المناطق القروية ».
الأمر لا يشكل لغزا، إن القضاء على الفقر ممكن ويتطلب الأمر الارادة فقط والاقتناع سياسيا والجرأة على إزالة « الميكروبات من الفاكهة ». وهذا ليس بالمطلب الكبير. (ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة).
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: مستوى معیشة فی سنة سنة 2022
إقرأ أيضاً:
هل الأكل على جنابة يورث الفقر؟.. الإفتاء تحسم الجدل
هل الأكل على جنابة يورث الفقر؟ سؤال يكثر حوله الجدل بين عموم الناس، فيذهب البعض إلى أنه لا يجوز تناول الطعام على جنابة وأنها من مورثات الفقر، وحرام شرعًا، بينما يرى البعض الآخر أنها لا حرج منها، فما هو حكم الشرع في هذه الحالة؟.
وفي إطار الإجابة عن هذا السؤال، أكد الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن الجنابة لها محظورات محددة مرتبطة بالعبادات مثل قراءة القرآن، وكذلك مس المصحف وأداء الصلاة، مشيرا إلى أن الشرع لا يوجد به ما يُقال بأن الأكل على جنابة يورث الفقر.
واستشهد أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، بما روى عن الصحابي الجليل أبى هريرة رضى الله عنه أنه لقيني رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبًا هريرة قال قلت إني كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة فقال سبحان الله إن المسلم لا ينجس.
حكم تأخير الاغتسال من الجنابةقالت لجنة الفتاوى الإلكترونية بدار الإفتاء، إن الحديث الذي ورد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ» أخرجه أبو داود والنسائي في "سننيهما، المقصود بالجُنُب فيه هو من يتهاون في أمر الغسل.
وأوضحت أن الجنب الذي يتهاون في أمر الغسل ويتخذ تركه هذه العادة بحيث يؤخر الصلاة عن وقتها؛ قال العلامة السندي في "حاشيته على سنن النسائي" قَوْله: (لَا تدخل الْمَلَائِكَة) حملت على مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيره، وَحمل الْجنب على من يتهاون بِالْغسْلِ ويتخذ تَركه عَادَة لَا من يُؤَخر الِاغْتِسَال إِلَى حُضُور الصَّلَاة.
ونبهت على أن تأخير الغسل من الجنابة بحيث يترتب عليه تأخير الصلاة عن وقتها حرام شرعًا، وينبغي على المسلم الإسراع بالغسل من الجنابة حتى لا يؤدي عدم اغتساله إلى نفور ملائكة الرحمة والبركة من المكان الذي يكون فيه.
قال الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الغُسْل من الجنابة فرض؛ وكان مِن سُنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يفعله بطريقة معينة ينبغي لنا أن نتعلَّمها، وهى كما روى مسلم عَنْ عائشة "رضى الله عنها"، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
وبين أن الترتيب النبوي لعملية الغُسل من الجنابة هو : فأولًا غسل اليدين، ثم ثانيًا غسل الفرج، ثم ثالثًا الوضوء دون غسل الرجلين، ثم رابعًا إدخال الماء بالأصابع في أصول الشعر، ثم خامسًا صبُّ ثلاث غُرَفٍ من الماء على الرأس، ثم سادسًا صبُّ الماء على الجسد كله.
وتابع : يُفَضَّل في غسل الجسد أن يغسل الجانب الأيمن أولًا ثم يتبعه بالأيسر؛ وذلك لما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلاَثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ". ثم سابعًا وأخيرًا غسل الرجلين.