التطبيع بين أنقرة ودمشق.. مسار محفوف بالألغام والأثمان
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
بالنظر إلى طبيعة الملفات الشائكة والخلافية بين أنقرة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن تكون عملية التطبيع بين الجانبين "سهلة" كما يرى خبراء، ورغم أن التصريحات الرسمية الأخيرة كسرت جزءا من الجمود في العلاقة قد يختلف المشهد بصورته المعلنة عند الغوص بالتفاصيل.
أولى تلك التفاصيل سلطت الضوء عليها صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إذ تحدثت، الأربعاء، عن وجود اتصالات مستمرة بين دمشق وموسكو وعواصم عربية من أجل أن "يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا".
الصحيفة اعتبرت أن ما سبق "ليس شروطا مسبقة"، وقالت إنها "قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات"، على رأسها "دعم المجموعات الإرهابية والمقصود بها وتعريفها".
وتقدم تركيا دعما لآلاف المقاتلين في شمال سوريا، وهؤلاء يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري"، وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.
في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين". وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.
ولا يبدو أن الجانب التركي مستعد حتى الآن لتصنيف حلفائه على الأرض كـ"إرهابيين"، وهي النقطة التي أثارتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، دون أن تحدد جهة مسلحة دون غيرها.
ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع نظام الأسد في عداء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، تختلف طريقة التعاطي والنظر عند كل طرف عن الآخر.
وتنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكري مرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وفي واشنطن وعواصم أوروبية أخرى.
أما نظام الأسد فقد صنّف "العمال الكردستاني" في ثمانينات القرن الماضي على أنه منظمة "إرهابية". لكنه لم يتخذ ذات الإجراء مع "قسد"، وتباينت تصريحاته ضدها خلال السنوات الماضية ما بين وصف أعضائها بـ"العملاء" من جهة وبـ"الخونة" من جهة أخرى.
كما أن الكثير من التقارير الإعلامية وعدة أوراق لمراكز أبحاث محلية وغربية كشفت على مدى سنوات ماضية خيوطا اقتصادية وخدمية تربط كل من النظام و"قسد".
واتضح شكل خيوط أخرى على العلن بعد عام 2019 عندما أبرم الطرفان (النظام وقسد) عدة تفاهمات بخصوص الانتشار العسكري على الأرض، مما فتح بابا لعناصر قوات الأسد للدخول إلى شمال شرق سوريا برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، والذين تمركزا في قواعد بعد ذلك، أبرزها في مطار القامشلي.
"مسار معقد وطويل"بالنسبة لتركيا وكما يقول الصحفي والباحث التركي، ليفنت كمال لا يوجد إمكانية من جانبها للتطبيع مع النظام السوري في الوقت الحالي.
ويوضح أن بلاده تركز على قضيتين رئيسيتين: حزب "العمال الكردستاني" واللاجئين، لكن في هاتين القضيتين، يتعارض موقف النظام السوري وشروطه مع أنقرة، وفقا لكمال.
وتشير أنقرة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بعودة اللاجئين، لكن النظام السوري كان قد عرقل تطبيقه منذ سنوات، ويواصل التهرب من خطواته حتى الآن.
ومن ناحية أخرى، فإن أكبر حليف لتركيا في الحرب ضد "العمال الكردستاني" هو المعارضة السورية، والتي يريد النظام أن يتم تصنيفها على أنها "إرهابية".
ويعتقد الباحث كمال أن تصنيف تركيا للمسلحين المعارضين في الشمال "أمر مستحيل". ويردف بالقول: "بل إن من المستحيل إقناع المعارضة السورية بالانضمام إلى النظام في عملية مشتركة دون إعلانهم إرهابيين".
ويرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن "عملية التطبيع مسار معقد وطويل"، وأن الطرفين يدركان حقيقة ذلك بطبيعة الحال.
وما يجري الآن بحسب حديث الباحث لموقع "الحرة" "محاولة لخلق هامش تتحرك من خلاله الدبلوماسية لكسر الجمود في مسار المفاوضات ومحاولة التوصل إلى بعض التفاهمات".
علوش يشير إلى أنه "لا ينبغي الإفراط في الرهان على الفرص الجديدة الناشئة". ومع ذلك، "لا ينبغي أيضا التقليل من أهمية الحوافز والمزايا التي يتطلع لها إردوغان والأسد من وراء التوصل إلى تفاهمات في بعض القضايا المهمة لكليهما"، وفقا لقوله.
"رغبة مشتركة تحركها ضغوط"ويقيم في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، وتضغط أحزاب من المعارضة لإعادتهم إلى البلاد، من منطلق وصفها بأنهم يشكلون "مشكلة وطنية".
وتمثل أحداث الاعتداء على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري التركية آخر فصول تلك الضغوط من جهة وحملات التحريض ضدهم من جهة أخرى.
ولم يبد النظام السوري أي بادرة لإعادة اللاجئين، سواء الموجودين في تركيا أو في دول الجوار وأخرى أوروبية.
ويشترط بحسب تصريحات مسؤوليه رفع العقوبات الغربية عنه والبدء بعملية إعادة الإعمار قبل مناقشة أي خطوة لعملية العودة.
إضافة إلى ذلك ما تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا "ليست آمنة لعودة اللاجئين".
وتقول منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية إن النظام السوري لا يريد عودتهم، وإن عملية تهجيرهم لم تكن على هامش الأعمال العسكرية في معظمها، بل بشكل ممنهج.
ويعتقد الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة معقدة وشائكة"، ويقول إن "المفخخات فيها متعددة، سواء محلية أو سورية أو تركية أو تلك المرتبطة بمؤثرات اللاعبين على الأرض السورية".
ومن بين اللاعبين إيران وروسيا، إذ يريدان التطبيع "ضمن حدود المكاسب".
وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي يراها توفيق "العنوان الأهم في مسألة تعطيل مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة أو الدفع به، رغم أن الفرضية الأخيرة مستبعدة".
وعلى نحو خاص يعتقد الكاتب أنه "من الواضح أن هناك رغبة مشتركة للمضي بمسار التطبيع، ناتجة عن ضغوط يتعرض لها كل من الجانب التركي والسوري".
وفيما يتعلق بتركيا يعتبر أن تلك الضغوط تتمثل بـ"مطرقة اللجوء السوري والوجود المسلح لفصائل المعارضة في شمال سوريا وملف إدلب وتحرير الشام".
وتتوسع دائرتها أيضا لتصل إلى مسألة "فشل الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة قبل شهرين، من أجل التوصل لتفاهمات".
وأورد توفيق أحاديث أن "الولايات المتحدة طرحت فكرة على أنقرة، بأنها مستعدة بأن تعمل على إخراج حزب العمال وقياداته من شرق الفرات، وتقوم بتوليف قسد كفصيل سوري، لكن الأتراك رفضوا الأمر"، وعادوا إلى تحفيز مسار التطبيع مع الأسد عبر الجانب الروسي.
"عملية قراءة نوايا"ويعيش في شمال سوريا 6 ملايين نسمة، وهم المركز الرئيسي للمعارضة، وتم نفيهم جميعا وبشكل تقريبي من قبل النظام بطريقة أو بأخرى.
وبالتالي لا يمكن لأنقرة أن تقنعهم بالعودة إلى النظام السوري، بحسب الصحفي التركي كمال. ومن الواضح أن أنقرة تدرك موقف النظام بدقة، ولكن في بعض الأحيان يتعين عليها الحفاظ على بعض الخطاب الدبلوماسي لدفع المحاورين إلى العمل، وفقا لقوله.
ويضيف أن أنقرة تعلم أيضا أن "أيدي النظام مقيدة فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني والمسلحين الإيرانيين".
ويمكن وضع التصريحات التركية الأخيرة وأبرزها تلك التي وردت على لسان إردوغان ضمن "عملية قراءة للنوايا"، كما يتابع الصحفي التركي.
ويقول: "أنقرة عبّرت عن موقفها السياسي بأن سوريا مصانة وحدة أراضيها، خالية من أمراء الحرب والمنظمات الإرهابية والميليشيات الإيرانية، ويستطيع السوريون ضحايا الحرب العودة إليها بحرية وأمان، وتجري فيها انتخابات ديمقراطية وعمليات سياسية".
ويعتبر أن "هذا الموقف يعني بالفعل التفكيك السياسي للنظام بطريقة أو بأخرى"، وأن "أنقرة ليست منفتحة على خيارات أخرى".
"مليء بالألغام"وأظهرت التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن حقبة جديدة يمكن أن تبدأ على صعيد عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.
وكانت تلك العملية قد بدأت نهاية عام 2022، لكنها توقفت العام الماضي، بسبب إصرار الأسد على شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل أي عملية حوار.
لكن الأسد نفسه تراجع قليلا إلى الوراء خلال الأيام الماضية. وبعد لقائه مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، أعلن أنه "منفتح على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".
ويوضح الباحث علوش أن "دمشق بدأت تتعاطى بواقعية أكبر في مقاربة الحوار مع أنقرة من خلال تخفيف شروطها، خصوصا فيما يتعلق بملف الوجود العسكري التركي، لأنها تدرك أن تركيا ليست بوارد التخلي عن هذا الوجود قبل تحقيق أهدافها ومصالحها".
كما أن "دمشق غير مستعدة ولا قادرة حتى على ملء فراغ الانسحاب التركي من شمال سوريا في الوقت الراهن".
ولذلك يقول الباحث إن "مبدأ المساومات سيهيمن على العملية التفاوضية بين الطرفين"، وإن "فرص نجاحها تتوقف على مدى استعداد كل طرف لتقديم ما يحتاجه الآخر منه".
وترعى موسكو مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ بدايته، وانضمت إليها إيران في وقت لاحق، وتتجه الأنظار الآن إلى العراق كلاعب رابع.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة العراقية بغداد في الأيام المقبلة اجتماعا تركيا-سوريا، كأولى خطوات وساطتها في هذا الأمر.
ووفقا لحديث الكاتب عبد الحميد توفيق تعمل روسيا على "خارطة طريق دون إعلان" للمضي بعملية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري.
وتقف وراء ذلك 3 أهداف حسب قوله: الأول: التقرب من تركيا ودفع الولايات المتحدة الأميركية للشعور بالقلق.
ويذهب الثاني باتجاه إرسال رسالة واضحة لجعل تركيا مركزا لضخ الغاز الروسي باتجاه أوروبا.
وتحاول موسكو إعطاء رسالة للأتراك إنهم في حال استجابوا لما تريده موسكو في سوريا "ستعمل الأخيرة على توليف حالة سياسية مع كييف عبر أنقرة"، كما يضيف الكاتب المقيم في دمشق توفيق.
ويعتقد أن "روسيا لها مصالح من ذلك، وتريد توسيع دائرتها في سوريا، لكي تنتقل من ظاهرة الوجود العسكري إلى النتائج السياسية".
ما المتوقع على خط دمشق-أنقرة؟بعد حادثة الاعتداءات في قيصري وما تبعها من الغضب الذي خيّم على مشهد الشمال السوري قال إردوغان إن هناك فائدة كبيرة في فتح القبضات المشدودة في السياسة الخارجية، وكذلك الداخلية. وأكد بالقول: "ولن نمتنع عن الاجتماع مع أي كان، كما كان الحال في الماضي".
لكنه في المقابل أضاف: "عند القيام بذلك، سنأخذ مصالح تركيا في الاعتبار في المقام الأول، لكننا لن نسمح لأي شخص يثق بنا، أو يلجأ إلينا، أو يعمل معنا، أن يكون ضحية في هذه العملية.. تركيا ليست ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها".
ويعتقد الباحث علوش أن "تركيا لن تتخلى عن حضورها العسكري والإداري ولا عن علاقتها بالبيئة السورية الحاضنة لها في الأفق المنظور، لأن هذا الحضور والعلاقة يشكلان ركيزة أساسية في سياستها السورية".
وحتى في الوقت الذي تتركز فيه أولوياتها على تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية "لا تزال أنقرة تتعاطى مع حل الصراع السوري على أنه حاجة وليس خيارا"، وفق قوله.
علوش يوضح أن "مسألة تعريف التنظيمات الإرهابية إحدى الإشكاليات المهمة".
ويقول: "علينا أن ندرك أن طريق التطبيع مليء بالألغام، لكن إذا توفرت الإرادة السياسية لدى أنقرة ودمشق للقفز على هذه الألغام، يمكن لهما الاتفاق على المبادئ العريضة لعملية التطبيع".
ويضيف أيضا أن "هناك مصلحة مشتركة للطرفين في تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية"، وأن "الأسد يبحث عن الأثمان الكبيرة التي يريد الحصول عليها من تركيا مقابل منحها ما تحتاجه في ملف أمن الحدود".
ويبدو أن دمشق تمكنت من إدارة ورقة "قسد" و"حزب العمال" مع الأتراك "بمهارة" على حد وصف الكاتب عبد الحميد توفيق.
وتم ذلك من جانبها "بحيث لم تواجه بقسد وتفرط بها ولم تصطدم معها، ولا تزال ترتبط معها بخيوط اقتصادية وتبادل عملة ونفط".
ومنذ أسبوع أرسلت "قسد" للنظام السوري مئات الشاحنات المحملة بالنفط، في مقابل طلبها من النظام ضخ العملية السورية المحلية، لأنها شحّت في مناطقها، كما يقول الكاتب.
ويرى أن "الخيوط المذكورة جميعها أدارتها دمشق بمهارة، بصرف النظر عن التقييم".
وفيما يتعلق بمسألة "توصيف وتعريف الإرهاب" يستبعد توفيق أن يكون ذلك معلنا من كلا الطرفين (أنقرة، دمشق)، لكنه يقول إنه "العمل وفق ذلك سيجري، باعتباره نقطة التقارب".
و"إذا ما تم الاتفاق على التخلص من العبئين الخطيرين سواء (قسد أو فصائل المعارضة)"، يعتقد الكاتب أن "مسار التطبيع سيكون جاريا، دون أن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، حيث ستكون العوائق كبيرة وطويلة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: العمال الکردستانی الولایات المتحدة عملیة التطبیع النظام السوری فی شمال سوریا مسار التطبیع التطبیع بین بین أنقرة بین دمشق على أنه من جهة
إقرأ أيضاً:
هل يمرر البرلمان الليبي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؟
طرابلس/أنقرة – بعد أن ظلت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقّعة بين ليبيا وتركيا معلّقة لما يقرُب من 6 سنوات، يُعاد اليوم فتح هذا الملف الذي تعتبره اليونان تعديا على نطاقها البحري، وسط تحركات أوروبية لكبح أي خطوة ليبية نحو التثبيت القانوني للاتفاق.
وأكد عضو مجلس النواب الليبي عبد المنعم العرفي، للجزيرة نت، أن البرلمان يتجه للمصادقة على الاتفاقية في أقرب جلسة، مبينا أن من أبرز النقاط المراد تعديلها هي بند يمنح تركيا حق الموافقة المسبقة قبل تعاقد ليبيا مع شركات دولية كبرى.
يُذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الليبي السابق فائز السراج وقّعا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في إسطنبول، مذكرة تفاهم حول تحديد مجالات الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.
ووفقا للمذكرة، "قررت تركيا والحكومة الليبية العمل على تحديد المجالات البحرية في البحر المتوسط بشكل منصف وعادل، والتي تمارسان فيها كافة حقوق السيادة، مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الظروف ذات الصلة".
من جانبها، أشارت النائبة في البرلمان الليبي ربيعة بوراص إلى ضغوطٍ أوروبية تمارس بوضوح لثني المجلس عن المضي نحو المصادقة، مؤكدة للجزيرة نت أن اللجنة الفنية لا تزال تراجع نصوص الاتفاقية، وتعمل على إعداد بروتوكول تنفيذي بالتنسيق مع الجانبين المصري والتركي.
وأرجع عضو مجلس النواب صالح إفحيمة، في حديث للجزيرة نت، أسباب الرفض الأوروبي إلى اعتبارات سياسية واقتصادية لدول بعينها لا يمكن فصلها عن المشهد الجيوسياسي في شرق المتوسط.
أما النائب علي الصول فقال للجزيرة نت إن البرلمان سيمرر الاتفاقية إذ كانت تخدم المصلحة الوطنية الليبية أولا، وتراعي المصالح الإقليمية دون أن تُخضع القرار الليبي لأي توازنات مفروضة أو ضغوط دولية.
بدوره، أشار الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في السياسات الخارجية المقارنة أحمد العبود إلى خوض ليبيا -قبل 2011- ثماني جولات تفاوضية مع اليونان، وأكثر من 11 جولة مع تركيا دون التوصل إلى اتفاق، بناءً على تقدير دبلوماسي رأت فيه أن توقيع أي تفاهم آنذاك لا يخدم المصلحة الوطنية.
إعلانوأضاف للجزيرة نت أن مجلس النواب كان قد رفض مذكرتي التفاهم الموقعتين بين حكومة الوفاق وتركيا عام 2019، لكنه يرى الآن أن مذكرة ترسيم الحدود تمنح ليبيا ومصر امتدادا أوسع في مناطقها الاقتصادية الخالصة، مستندة إلى مبدأ قانون أعالي البحار الذي يعتبر اليابسة هي الأساس في الترسيم، رغم عدم توقيع أنقرة عليه.
ووفق العبود، فإن التفاوض مع اليونان لا يصب في صالح ليبيا، مرجعا السبب لاعتمادها على الجزر كمرجعية قانونية في الترسيم، مما قد يقتطع أجزاء واسعة من المياه الليبية لصالحها.
ونبّه إلى أن المصادقة على الاتفاقية قد تفتح الباب أمام التزامات إستراتيجية، لا سيما إذا بدأت عمليات التنقيب الفعلي عن الغاز والنفط، قائلا إن أنقرة قادرة على حماية مصالحها الاقتصادية، "في حين تُقيّد ليبيا بحظر التسليح وضعف في البنية الدفاعية".
محور خلافبدوره، أوضح النائب إفحيمة أن الاتفاقية كانت ولا تزال محور خلاف بين حكومتي طرابلس وبنغازي، مما انعكس سلبا على موقف ليبيا أمام مختلف القضايا الدولية، وفي حال رفض البرلمان الاتفاقية ستنتهي حالة الاستقطاب ويُعاد رسم مسار التوافق الموحد بشأن قضايا السياسة الخارجية.
وبرأي الباحث الأكاديمي في الدراسات الإستراتيجية والسياسية محمد مطيريد، فإن اتفاقية 2019 جاءت في سياق تثبيت نفوذ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لكن تبدّل المعادلات الإقليمية والتقارب المتنامي بين أنقرة وسلطات شرق ليبيا جعلا البرلمان أقرب إلى المصادقة بالنظر إلى ما تتيحه الاتفاقية من مكاسب إستراتيجية واقتصادية للدولة الليبية.
ويرجّح، للجزيرة نت، أن البرلمان قد يُعارض تمريرها إذا أصر الجانب التركي على الصيغة الحالية دون التعديلات المطلوبة.
من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية مسعود السلامي، للجزيرة نت، أن توجه البرلمان نحو المصادقة على الاتفاقية يعود إلى 3 عوامل:
حماية الثروات البحرية الليبية من التوسع اليوناني. التقارب التركي مع شرق البلاد الذي عزز مناخ الثقة وأعاد ترتيب الأولويات. التفاهم التركي-المصري الذي خفّف تحفظات القاهرة.من جانبها، سارعت أنقرة إلى تأكيد تمسكها بالاتفاق ورفضها الانتقادات الأوروبية، بعدما جدد الاتحاد الأوروبي، في ختام قمته التي عُقدت ببروكسل نهاية الأسبوع الماضي، رفضه له مؤكدا أنه "انتهاك للحقوق السيادية لليونان وقبرص ولا يتوافق مع قانون البحار".
وأوضحت وزارة الخارجية التركية أن مذكرة التفاهم الموقعة بين أردوغان والسراج تتوافق تماما مع القانون الدولي، مشددة على أن أنقرة لن تسمح بانتهاك حقوقها ومصالحها المشروعة.
وقال المتحدث باسم الخارجية أونجو كيتشالي، في بيان رسمي، إن النتائج التي اعتُمدت في القمة الأوروبية الأخيرة تعكس استمرار اليونان وإدارة جنوب قبرص اليونانية في محاولاتهما فرض مطالب "متطرفة ومخالفة للقانون الدولي ومبدأ العدالة، على الاتحاد الأوروبي".
موقف سياسيووصف كيتشالي الموقف الأوروبي بأنه متحيز وذو دوافع سياسية، معتبرا أن إثارة قضية حساسة ذات أبعاد قانونية وفنية مثل ترسيم الحدود البحرية في هذا السياق لا يخدم السلام والاستقرار الإقليميين.
إعلانوأضاف البيان "ينبغي على الاتحاد دعوة جميع أعضائه إلى الالتزام بالقانون الدولي بدلا من تبني ادعاءات لا أساس لها من الصحة القانونية"، مؤكدا أن تركيا ستواصل الدفاع بحزم عن حقوقها بشرق المتوسط في إطار القانون الدولي.
وكان الجانبان التركي والليبي قد وسّعا نطاق المذكرة الأولى في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، من خلال توقيع مذكرة تفاهم جديدة تمنح أنقرة حقوقا إضافية للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الليبية وداخل الأراضي الليبية. وأثارت هذه الخطوة اعتراضات شديدة من جانب اليونان، التي وصفت المذكرتين بأنهما "باطلتان".
وشرعت تركيا في ترجمة اتفاقها البحري مع ليبيا إلى خطوات عملية، ففي 25 يونيو/حزيران الماضي وقّعت شركة النفط التركية مذكرة تفاهم مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لإجراء مسوحات زلزالية مشتركة ضمن المناطق البحرية المشمولة بالاتفاق.
أثارت هذه التطورات غضب أثينا والاتحاد الأوروبي، غير أن أنقرة قابلت هذه الضغوط بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية مع ليبيا. ففي اليوم التالي للقمة الأوروبية، استقبل وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار نظيره الليبي في إسطنبول، حيث ناقشا فرص التعاون في استكشاف النفط والغاز.
وأكد بيرقدار "قدرة البلدين على الاستفادة من خبراتهما من خلال تعاون ملموس يعود بالنفع المتبادل"، في إشارة إلى مضي أنقرة وطرابلس قدما في مشاريع التنقيب المشتركة.
يرى المحلل السياسي عمر أفشار أن المصادقة المحتملة من البرلمان الليبي تمثل مكسبا إستراتيجيا كبيرا لأنقرة، إذ ستمنح الاتفاق ثقلا سياسيا وقانونيا داخل ليبيا وعلى المستوى الدولي، وتساعد في إفشال ما تعتبره تركيا محاولات لعزلها عن معادلات الطاقة في شرق المتوسط.
وقال للجزيرة نت إن هذه الخطوة قد تستخدم كورقة ضغط دبلوماسية ضد المواقف الأوروبية الرافضة. لكنه حذر من أن التطور قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الاتحاد الأوروبي. وأكد أن أنقرة ستسعى إلى استثمار هذا المكسب مع إدارة تداعياته لتجنب مواجهة مفتوحة في شرق المتوسط.