مشروع علمي جديد لانقاذ الفصائل المهددة بالانقراض
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
سان فرانسيسكو "د.ب.أ": في حالات الولادة المبكرة، عندما تخرج أجنة أسماك القرش الصغيرة إلى الحياة قبل انقضاء فترة الحمل الطبيعية، تمثل المياه المالحة في البحار والمحيطات خطورة على أجسامها الضئيلة، حيث لا تستطيع في هذه المرحلة السنية ضبط مستويات الملح في دمائها وكثيرا ما تنفق في غضون ساعات قليلة. وفي إطار محاولات الحفاظ على القروش والأحياء البحرية بشكل عام، توصل فريق بحثي من مؤسسة تشوراومي للأبحاث البحرية في مدينة أوكيناوا اليابانية إلى حل لهذه المشكلة، ألا وهو بناء أرحام صناعية لمحاكاة رحم سمكة القرش الحقيقية.
وفي إطار دراسة نشرتها الدورية العلمية Frontiers in Fish Science المتخصصة في أبحاث الحياة البحرية والاسماك، وجد الباحثون أن الارحام الصناعية يمكنها الحفاظ على حياة أجنة أسماك القرش من فصيلة "مولر لانتيرن" لفترة تصل إلى عام كامل، علما بأن فترة الحمل الطبيعية لهذه الفصيلة تصل إلى 18 شهرا. ويأمل الباحثون أن تساعد هذه التقنية العلمية في الحفاظ على حياة أسماك القرش الوليدة وزيادة أعداد القروش على مستوى العالم، ولاسيما الأنواع المهددة بالانقراض.
وتتكون الارحام الصناعية من أحواض مائية صغيرة مخصصة لإعاشة القروش الصغيرة، حيث يتم تغذية تلك الأحواض بسوائل معقمة بالأشعة فوق البنفسجية في محاولة لتقليد السوائل الطبيعية التي توجد داخل أرحام الأسماك مع تنقيتها من أي شوائب وتزويدها بالأكسجين بشكل مستمر. وتجمع مؤسسة تشوراومي الأجنة من الصيادين المحليين الذين كثيرا ما يصطادون أسماك قرش في مرحلة الحمل من فصيلة مولر لانتيرن ويتبرعون بتلك الاسماك إلى المركز. ومن حسن حظ أجنة هذه الفصيلة أنها تتغذى من خلال أكياس خارجية وبالتالي يمكنها أن تبقى على قيد الحياة لفترة قصيرة بعد نفوق أمهاتها.
وبالرغم من ذلك، تواجه مهمة فريق الدراسة العديد من التحديات، من بينها نوعية السوائل داخل الأرحام الصناعية، وكيفية اجتياز القروش الصغيرة ما يعرف باسم مرحلة الفطام، وتأهيلها لدخول البيئة الطبيعية بعد اكتمال نموها، حيث شهدت المرحلة الاولى من التجارب نفوق الأجنة التي عاشت في الأرحام الصناعية لمدة خمسة أشهر بعد فترة قصيرة من تعرضها للماء المالح.
وفي المراحل التالية من التجارب، توصل الباحثون إلى ضرورة زيادة نسبة الملوحة تدريجيا في أحواض الارحام الصناعية، على غرار ما يحدث خلال فترة الحمل الطبيعية لهذه القروش، حيث عادة ما يتم غمر الرحم بالمياه المالحة تدريجيا أثناء الحمل. وعلى الرغم من ذلك، خسر الفريق البحثي كثير من الأجنة أثناء التجارب جراء تعقيدات متنوعة، مثل زيادة ملوحة المياه بشكل مفاجئ أو مشكلات في تغذية الأحواض بالأكسجين أو حدوث تلوث بكتيري غير متوقع. ويقول رئيس فريق الدراسة تاكيتيرو توميتا الباحث المتخصص في الأحياء البحرية من مركز تشوراومي: "إنها بالطبع مسألة محزنة، ولكن الأمر المهم هو تعلم كيفية علاج هذه المشكلات".
وشرع توميتا وزملاؤه مؤخرا في التعامل مع أجنة أصغر سنا لا تتجاوز أعمارها ستين إلى ثمانين يوما. وأثناء التجارب، لم تظل على قيد الحياة سوى ثلاثة من بين 33 سمكة. وبعد خروجها من الارحام الصناعية، كان يتم تغذية القروش الصغيرة بوجبات من سمك الماكريل، علما بأن هذه القروش الآن أصبحت بالغة وتعيش في مركز تشوراومي ولا يمكن التمييز بينها وبين القروش التي خرجت للحياة بشكل طبيعي.
ويأمل توميتا أن يتم ترجمة هذه النجاحات العلمية في صورة مناهج علمية لإنقاذ أعداد أكبر من القروش البحرية. ويقول في تصريحات للموقع الإلكتروني "هاكاي" المتخصص في الأبحاث البحرية: "لا يمكننا في المركز اختيار فصائل القروش التي نتلقاها، ونظرا لأن أنظمة الانجاب والتكاثر تختلف من فصيلة لآخرى، فإننا نرغب من تطوير أرحام صناعية أكثر عمومية، لأن النظام الحالي الذي نجحنا في ابتكاره لا يصلح سوى لنصف فصائل أسماك القرش "الولودية" ويقصد بها الفصائل التي تنمو فيها الاجنة داخل أرحام الأمهات قبل أن تخرج للحياة وهي مكتملة النمو.
ومن جانبها تقول ميجان إيليس خبيرة القروش البحرية التي تشارك في مشروع علمي مماثل في أستراليا إن هناك تحديات كثيرة تواجه مشروعات الأرحام الصناعية للقروش البحرية، حيث وجدت خلال تجارب إعاشة أجنة من نوعية القروش الرمادية، وهي فصيلة مهددة بالانقراض تعيش في شرق أستراليا، أن أجنة القروش تتغذى على بعضها البعض داخل الأحواض، حيث لم ينجح الفريق العلمي في إنقاذ سوى قرشين فقط من بين أربعين جنينا تم إخضاعها للتجربة. وترى أن هناك صعوبات تواجه إعاشة بعض الأنواع مثل القرش الابيض، حيث أن هذه الفصيلة تتطلب أنواعا معينة من المغذيات وهي في طور الأجنة، حيث تتغذى على سائل يشبه اللبن يتم إفرازه على جدران الرحم داخل جسم الأم. وتوضح إيليس أن "طبيعية البيئة وسوائل الرحم الخاصة بهذه الفصيلة على سبيل المثال لها خصوصية معينة، وبالتالي لا أعرف إذا ما كنا سوف نستطيع بناء أرحام صناعية تلاءم جميع الفصائل".
وخلال المرحلة المقبلة، يهدف توميتا وفريقه البحثي إلى إعاشة أجنة قروش خلال مرحلة حمل كاملة على مدار 18 شهرا، ويريد أن يجعل منظومة الأرحام الصناعية متكاملة على نحو يتيح مراقبتها على مدار فترة أطول للأغراض البحثية. ويقول: "إنها مهمة شاقة تستغرق فترات طويلة بدون عطلات نهاية أسبوع... ولكننا دائما نقول إن هذه القروش هي مثل أطفالنا، وتحتاج قدرا كبيرا من الرعاية".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أسماک القرش
إقرأ أيضاً:
"تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان"... إصدار علمي يُوثِّق مسيرة قرون من التبادل الحضاري والدبلوماسي
◄ دراسة أكاديمية مُعمقة بدعم من كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين
◄ أكثر من عشر سنوات من البحث العلمي توثق الموانئ والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين
◄ الكتاب يتناول التجارة البحرية والنفوذ الأوروبي والسياسة الدولية من العصور الوسطى حتى العصر الحديث
الرؤية- مدرين المكتومية
صدر للكاتب الصيني وانغ شياوفو أستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين كتاب "تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان" في جزئه الأول، في حين صدر الجزء الثاني من الكتاب للمؤلف لي آنشان، وقد طبع الجزءان بدعم من كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين.
وصدر الجزءان عن مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة، وتولى ترجمة الكتابين كل من فوتشيمينغ (أمين) ورحاب محمود صبح وعلاء ممدوح عاكف ولو بي تشون، وهو عبارة عن ترجمة عربية كاملة لدراسة علمية محكمة استمرت لأكثر من 10 سنوات، قام بها نخبة من الخبراء الصينيين حول تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان.
ويقع الجزء الأول من الكتاب في 592 صفحة من القطع المتوسط، بينما يأتي الجزء الثاني في 595 صفحة، وتضمن الجزءان 9 أبواب، واحتوى كل باب عنوانا منفصلا يضم عددًا من الفصول المختلفة. واشتمل الكتاب على مقدمة تناولت محور النقل على طريق الحرير البحري، أبرزت موقع عُمان الجغرافي وحركة الملاحة البحرية، إلى جانب الرياح التجارية والتبادلات على طول ساحل المحيط الهندي، والطريق التقليدي من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شمال غرب الهند، وبعض الادبيات ذات الصله بموضوع واهداف الكتاب.
وحمل الباب الأول من الكتاب عنوان "طريق التوابل والحرير.. التبادلات المبكرة بين عُمان والصين"، وضم الفصل الأول منه المنتجات العُمانية التي دخلت إلى الصين في الفترات الأولى، مع التركيز على اللبان وسلاحف منقار الصقر والشعب المرجانية، إلى جانب اللؤلؤ. أما الفصل الثاني؛ فركَّز على المواد الخارجية التي انتقلت إلى الصين عبر عُمان، وتضمَّن استعراض بيضة الطائر الكبير، وسكان لي شوان الذين يجيدون الحيل السحرية، إضافة إلى الزجاج والزمرد وعطور سوخه، والعنبر.
علاقات دبلوماسية
الباب الثاني حمل عنوان "ربط طرق الحرير البرية والبحرية لإقامة علاقات دبلوماسية بين عُمان والصين"؛ حيث تناولت فصول الباب، وصول تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية، طريق عُمان المبكر إلى الصين، وطريق الحرير ومحور الربط البري والبحري- تي يو، وجانينغ المبعوث إلى داتشن، وإرسال عُمان مبعوثين إلى الصين لإقامة علاقات دبلوماسية معها.
وفي الباب الثالث نقرأ عنوان "تطور التجار البحريين في عُمان خلال العصور الوسطى"، وتطرق إلى أن التجار في الصين في العصور الوسطى هم تجار عُمانيون، وتجار بحر أزد عُمان الهيئة الرئيسية لتجار فارس، وأعراف عُمان العريقة في الإبحار وممارسة الأعمال التجارية، وتقنية بناء السفن المتقدمة في عُمان. كما ركز هذا الباب على أن العُمانيين أول من اكتشفوا أصول الرياح التجارية، والاتصال بين عُمان وتقنيات الملاحة الصينية، وأن العُمانيين أول من استخدموا ملاحة المنارة، إلى جانب تحوُّل التجار البحريين العُمانيين إلى التجار الملكيين في بلاد فارس الساسانية.
أما الفصل الرابع فحمل عنوان "شبكة التجارة العُمانية واتصال بلاد فارس في العصور الوسطى بالصين"؛ حيث تطرقت فصوله إلى الحديث عن أصل المُنتجات الفارسية وحرفها، والخصائص الجغرافية والثقافية لمنطقة إنتاج الديباج الفارسي، ومشكلة استيراد بروكار "الملك هو" أو تقليده، وأصل الفضيات الفارسية وصناعتها، إلى جانب تطرقه لمصادر منتجات الحرير الصيني ومواقعها، وذهاب العُمانيين إلى الصين للتبادل في العصور الوسطى. وركز هذا الفصل على طريق (جيبين- شواندو- بيشان) والطريق إلى الملح و"عبور هوجيانغ" والمرور عبر تيان تشو إلى جنوب غرب الصين، وأصل الحرير الصيني وطريق جوجيانغ إلى الغرب، اختتم الفصل بخصائص العُمانيين في أنشطة الصين في العصور الوسطى.
التوسُّع الأوروبي
أما الجزء الثاني من الكتاب الذي بدأ بالباب الخامس المعنون "التوسع الأوروبي في المحيط الهندي (1500- 1840)"، فقد تناول فرصة البرتغال الوحيدة لفهم طريق الشحن في المحيط الهندي، كما ركز على فتح إسبانيا وانتشار الثقافة العربية، وتحول الاهتمام من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، وسمات الملاحين البرتغاليين، كما تناول ايضا صعود الهولنديين، وناقش القناة التجارية بين أوروبا والشرق وخصائص الاقتصاد الهولندي وشركة الهند الشرقية الهولندية. وناقش الفصل مسألة بريطانيا باعتبارها القوة البحرية؛ حيث تناولت صعود البريطانيين إلى القمة وجوهر التجارة بين أوروبا وآسيا. كما تناول النتائج المباشرة للتوسع الآوروبي في آسيا، حيث بداية الاستعمار في الصين والغزو الأوروبي لعُمان.
في حين تطرق الباب السادس إلى "المصير المماثل في ظل القوى الدولية (1840-1940)؛ حيث استعرضت فصوله قضايا الصين وانهيار أسرة تشينغ، والتجارة بين أوروبا والصين ونهاية حرب الأفيون، كما تناول أيضًا صعود القوة البحرية وسقوطها. كما سلط الضوء على عُمان وصعود القوة البحرية وسقوطها، مركزًا على تاريخ الملاحة والتجارة والغزو البرتغالي لعُمان، ومقاومة العُمانيين وتعافيهم، والعلاقة بين عُمان والمملكة المتحدة، إلى جانب التواصل بين الصين وعُمان. وأبرز الكتاب التواصل بين الصين وعُمان في عهد أسرة مينغ (1500- 1600) والتبادلات في الفترة بين أسرة تشينغ وجمهورية الصين (1700- 1949).
أما الفصل السابع، فحمل عنوان "السياسة الدولية والعلاقات الصينية العربية (1949-1978)؛ حيث تناول أزمة قناة السويس وتراجع دور بريطانيا، وركز على أسباب الفشل البريطاني ومنطلقاته التاريخية، كما ركز على الموارد البترولية ولعبة الدول الكبرى، كمعاهدة بغداد وأثرها، والتعاون الآسيوي والافريقي ووحدة الدول المُصدِّرة للنفط، وعُمان في السياسة الدولية، والعدوان الاستعماري والانتفاضة ضد بريطانيا. واستعرض كذلك العلاقات الصينية العربية في السياسة الدولية، والعلاقة بين الصين والدول العربية، ودعم الصين لمصر، إضافة إلى العلاقات الودية بين الصين والدول العربية، والعلاقة بين الصين وعُمان.
العلاقات الدبلوماسية
أما الباب الثامن فقد حمل عنوان "المصالحة وإقامة العلاقات الدبلوماسية والسعي إلى أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالاختلافات (1978- 2018)"، وقد ركَّز خلاله على البيئة السياسية الخليجية ورد الفعل العُماني، وتناول الباب مضيق هرمز، والثورة الإيرانية، والوضع في الخليج العربي، والعلاقة بين عُمان واليمن الجنوبي. كما تطرق إلى أوضاع البلدان العربية والتوسع السوفييتي ونوايا الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وناقش مسألة "عُمان وصراع القوى العظمى من أجل الهيمنة"، كما تحدث عن سياسة عُمان الخارجية، وأكد أنها سياسة مستقلة وذات توازن واضح، وتعمل على تعزيز التعاون الوثيق مع الدول العربية والخليجية، إضافة إلى إقامة علاقات ودية بين الصين وسلطنة عُمان، وإنشاء آلية تعاون شامل، مع إبراز الأسس المتينة للتعاون الاقتصادي بين الصين وعُمان، والتوسع الشامل في التعاون الاستراتيجي.
أما الباب التاسع، فقد جاء بعنوان "طريق الحرير والعلاقات بين الصين وعُمان" وناقش فيه التعاون بين الصين وسلطنة عُمان، والعلاقات الدولية والاحتياجات المتبادلة، كما تناول طريق الحرير الجديد، والصينيون في الخارج ودورهم في تعزيز التعاون بين الصين وعُمان.
ويمكن القول إن هذين الكتابين يمثلان مرجعًا بالغ الأهمية للباحثين والمتخصصين في الشأن العُماني الصيني، والعلاقات الصينية العربية بشكل عام؛ حيث يُقدِّم رؤية توثيقية قائمة على مجريات التاريخ وأحداثه التي لا تقبل الشك، وعرضها بكل أمانة علمية دون انحياز أو مُغالاة في الشرح والوصف.