لا أقوى على فك لغز الرجل الذي سأربط به حياتي
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
تحية إكرام وشكر كبير لكل القائمين على الركن الذي أعتبره متنفسي وراحتي، وحتى أعثر على ذلك.
قررت مراسلتكم اليوم علني أعثر بحول الله عل نبراس يساعدني في اتخاذ أهم قرار في حياتي. فانا سيدتي متخوفة جدا من مستقبلي بسبب غموض الشخص الذي سيكون شريك حياتي.
سيدتي أنا فتاة نشأت على الصراحة والشفافية، وأحب دوما التعامل بهذه المبادئ حتى يفهمني الغير، وأفهمهم.
أجل هو على خلق ودين، والكل يشهد له بالسيرة الحسنة، لكن الغموض جلي في تعاملاته خاصة معي.
فمنذ أن تقدم لخطبتي لأكثر من سبعة أشهر لم أتمكن من الغوص في أفكاره ولم يتيح لي الفرصة لأفهم شخصيته.
لا أكاد اعرف عليه أدنى الأمور، وحديثنا كله يقتصر في عبارات السلام والتوديع. حاولت أن أفتح معه مجالات للعديد من المواضيع التي تخصنا لكننا نعود دوما إلى نقطة الصفر.
سيدتي إن هذا الحال يقلقني كثيراً على مستقبلي معه، ويجعلني متخوفة من الاصطدام مع شخصية لا أستطيع التعايش معها. من جهة فكرت في فسخ الخطبة، لكن أخلاقة وتربيته تجعلني متردد. فماذا أفعل انصحوني؟
هدى من بومرداس
الرد:تحية أجمل لك حبيبتي، وكل الاحترام لحكمتك ورجاحة عقلك، حقاً هذه الصفة تثير الأعصاب وتجعل الإنسان تائه لا يدري ما العمل. لكن تأكدي أنه ما من مشكل إلا وله حل فلا تتهورين في قراراتك. ولا تفعلين شيء قد تندمين عليه لاحقا. لأن أول ما يجب أن تضعه الفتاة نصب عينيها حين تختار شريك حياتها أخلاق ودين من تقدم لها. وبما أن خطيبك تتوفر فيه هذه الأمور فتأكدي أن الحل موجود.
عزيزتي، تعاملي مع غموض خطيبك بذكاء، وأول ما أنصحك به هو تقبل هذه الصفة والتعامل معها ببرودة أعصاب. حتى لا تتغلغل إليك الأفكار السلبية التي قد تفسد ما بينكما. أعلم أن فترة الخطوبة من أحمل اللحظات التي قد يمر بها الشريكان لأنها تتيح لهمه الفرص لمعرفة بعضهما أكثر وأكثر. ولتكن صراحتك وشفافيتك في الحديث مفتاح شخصيته.
ولتبادري أنت بالحديث ويجب أن تكوني ذكية في اختيار تلك المواضيع التي تخصك لتشعريه بالأمان. وبالتالي تجعله يسترسل هو الآخر في الحديث والتكلم في نفس المواضيع. هذا سيمكنك من فهم بعض جانب شخصيته.
وإياك ثم إياك أن تتعاملي معه عزيزتي بأسلوب الاستجواب، لان هذا سيجعله يشك في أمرك. ويزيد في التحفظ معك، فأنا أعتقد أن المسألة تحتاج القليل من الوقت والكثير من الصبر.
وتأكدي أن الحياة بعد الزواج مختلفة كثيرا، فربما هذا ليس غموض بل مجرد تحفظ ليبقي على الاحترام قائم بينكما في هذه الفترة. فلا تتعجلي في أحكامك، والوقت كفيل بأن يريح بالك، موفقة ونتمنى أن تتواصلي بنا مرة أخرى.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.