عربي21:
2025-10-13@20:56:42 GMT

وزارة الأرنب المحظوظ

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

(1)

أعجبتني قصة على صفحات السوشال ميديا عن دب عاطل قدم أوراقه للحصول على وظيفة "أرنب مستكشف أنفاق"، ولما تمخض الفأر في مصر وأعلن الدكتور مدبولي تشكيل وزارته الثانية، عادت القصة بقوة إلى ذاكرتي، برغم أنني كنت قد نسيت تفاصيلها، وبعد قليل من البحث وجدت القصة منشورة (باللغتين العربية والإنجليزية) في صفحات عربية فقط، بدون أي معلومة عن المؤلف، فقط توجد إشارة في بعض المنشورات إلى أنها منقولة من الأدب التشيكي.

.

أنفقت أسبوعا كاملا للبحث عن أصل القصة ومؤلفها والتحقق من المصدر، ولم أجد أي معلومة عن الأصل الأدبي، ولا أي أثر للقصة في اللغة التشيكية، وأرجح الاحتمالات التي توصلت إليها أنها ترجمة عربية لإحدى حلقات الكارتون المنتجة في التشيك تحت عنوان "الدب والأرنب"!

(2)

أسبوع من البحث المجهد لكي أعرف حقيقة ما أكتب عنه، وأحيانا أتعب في البحث عن معلومة لكي لا أكتب عنها، المهم أنني أبذل الجهد لكي أتحقق، ولما تأخر إعلان التشكيل الوزاري خطر في بالي أن الدولة ومؤسساتها الأمنية والبيروقراطية تعلمت فضيلة التحري عن الأسماء المرشحة لتولي الوظائف العمومية، وهي فضيلة تحتاج إلى جهد ووقت، لكي تكون النتائج موثوقة، لذلك لم أنزعج من تأخير التشكيل، فأنا ممن ينتظرون السلامة من التأني، على طريقة المثل الانجليزي "سلولي بت شورلي" (وئيدا.. لكن أكيدا)..

كعادتنا بعد كل تغيير وزاري ننتقد ونسخر ونختلف في تقييم من خرج ومن دخل، لكن هذه المرة زاد على الحديث المكرر والمألوف، مهزلة أخرى تتعلق بتقارير التحري وتدقيق معلومات المرشحين، وخاصة ما أثير حول وزير التعليم الجديد الذي نال السخرية الأكبر بسبب تهافت التعريف الرسمي المنشور عنه من جانب الحكومة، ثم بسبب أزمة الشهادة الجامعية
كعادتنا بعد كل تغيير وزاري ننتقد ونسخر ونختلف في تقييم من خرج ومن دخل، لكن هذه المرة زاد على الحديث المكرر والمألوف، مهزلة أخرى تتعلق بتقارير التحري وتدقيق معلومات المرشحين، وخاصة ما أثير حول وزير التعليم الجديد الذي نال السخرية الأكبر بسبب تهافت التعريف الرسمي المنشور عنه من جانب الحكومة، ثم بسبب أزمة الشهادة الجامعية ودرجة الدكتوراة التي تم التشكيك فيها، لأنها صادرة من جامعة غير موثوقة "تبيع" الدرجات العلمية (عن بعد) بدون دراسة ولا أبحاث ولا حتى وجود واقعي للجامعة، حيث أثبت المجتهدون في الإعلام الشعبي أن الجامعة بلا مقر، وعنوانها المنشور يخص مبنى لتأجير المكاتب، كنوع من التحايل القانوني لاستيفاء أوراق الترخيص الشكلي، وتوصيل البضاعة المغشوشة للزبائن الراغبين..

(3)

تذكرت وقائع سابقة لوزراء؛ أحدهم كان وزيرا شهيرا للتعليم في مصر، ثبت بعد توليه الوزارة أنه لم يحصل على الثانوية العامة وقام بتزوير شهاداته الجامعية وما بعدها، وسألت نفسي بدهشة: هل هي مصادفة أن تتكرر مثل هذه الفضائح في وزارة التعليم دون سواها؟ أم أن التزوير يتكرر في كل المجالات، ولا نعرف نحن إلا القليل المفضوح الذي يتم كشفه بسبب ثغرة ما، أو بسبب زيادة جرعة الاستهبال من نوع: سافر أمريكا وعنده 13 سنة وأمه بنت وزير الدفاع الذي حقق نصر أكتوبر، وسابقة أعماله تتلخص في إدارته للمدرسة الخاصة التي أسستها الست الوالدة؟!

(4)

ارتباط وزارة التعليم بفضائح علمية وأخلاقية من هذا النوع ساعدني على تذكر محاضرة شهيرة ألقاها عالم الفيزياء الأمريكي الشهير "ريتشارد فاينمان" في افتتاح معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1974 تحت عنوان "علم عبادة البضائع.. ملاحظات حول العلم الزائف وخداع النفس"..

كان فاينمان قد حصل على جائزة نوبل وصار مشهورا جدا، لكنه حكى في المحاضرة عن تجربة حدثت عام 1937 قبل تخرجه بعامين تقريبا، وأثرت في مسيرته العلمية كلها، والتجربة التي كان يكرر الحديث عنها في مؤتمرات ومحاضرات كثيرة تخص باحثا مجهولا اسمه "يونج" كان مشغولا بإجراء تجربة لتعليم الفئران، وكان لديه ممر طويل يحتوي على أبواب في الجانبين، فاستخدمه كمتاهة وشرع في تدريب الفئران على الدخول من الباب الثالث للحصول على الطعام، ولما وضع الطعام بعد أول محاولة فوجئ بأن الفئران اتجهت مباشرة لمكان الطعام دون أن تمر بالباب الثالث..

سأل يونج نفسه: كيف عرفت الفئران مكان الطعام مباشرة؟ ليس من المعقول أن تتعلم الفئران بهذه السرعة، وتشكك في شكل الأبواب فأعاد طلاءها جميعا بلون موحد وهيئة متماثلة، لكن الفئران نجحت أيضا في الوصول إلى الطعام. اعتقد يونج أن الفئران ربما كانت تشم رائحة الطعام، فاستخدم مواد كيميائية لتغيير الرائحة، لكن الفئران نجحت أيضا في الوصول مباشرة إلى مكان الطعام.

تشكك يونج في أن الفئران قد تستطيع التعرف على مكان الطعام من خلال توزيع الضوء والظلال وترتيب الأشياء في المختبر، لذلك قام بتغطية الممر بقماش موحد، لكن الفئران عرفت المكان الصحيح، فاكتشف أخيرا أنها تستطيع معرفة طريقها من خلال أرضية الممر، فنثر الرمال على الأرضية وعالج كل الاختلافات التي تجعل الفئران تعرف مكان الطعام، وأخيرا نجح في إجبار الفئران على تعلم الدخول من الباب الثالث، من غير أن تصل إلى الهدف بطرق احتيالية قد تحقق النتائج المطلوبة بوسائل احتيالية وليس بالتعلم.

يقول فاينمان إن التعليم والعلم الحقيقي يحتاج إلى دقة وإبداع وصرامة في المعايير، والمؤسف أن يونج هذا قد تم إسقاطه وتجاهله، ولم يتم ذكره بعد ذلك، برغم تأثيره الكبير في التجارب اللاحقة التي تواصلت بكثافة وادعاء في موضوع تعليم الفئران والدراسات من هذا النوع..

تعلمت من العالم المغمور المنسي أهم درس في تحقيق شرط "سلامة العلم" و"ضوابط التعليم"، والاستعداد الدائم لاعتراف العالم بأنه مخطئ إذا ثبت ذلك، لكنني اليوم أقابل الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون عن الأطباق الطائرة المجهولة، والتنجيم، والروحانيات، والتوقعات، وأنواع جديدة من الوعي الزائف، وهذا ليس علما دقيقا، لكنه تخمينات وخيالات
لقد تعلمت من العالم المغمور المنسي أهم درس في تحقيق شرط "سلامة العلم" و"ضوابط التعليم"، والاستعداد الدائم لاعتراف العالم بأنه مخطئ إذا ثبت ذلك، لكنني اليوم أقابل الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون عن الأطباق الطائرة المجهولة، والتنجيم، والروحانيات، والتوقعات، وأنواع جديدة من الوعي الزائف، وهذا ليس علما دقيقا، لكنه تخمينات وخيالات تحتاج إلى تحذير وتحقيق حتى لا نخدع بها الناس ونخدع أنفسنا في زمن عبادة السلع والبضائع.

(5)

أعود إلى نص القصة الرمزية التي ارتبطت في ذاكرتي بالوزارة " الجديدة/ القديمة"، وأثق أنكم قادرون على استخلاص العبرة بدون شرح:

في إحدى الغابات العجيبة تم الإعلان عن وظيفة شاغرة:

"مطلوب أرنب مستكشف أنفاق"..

تقدم للوظيفة دب عاطل، وتم قبول أوراقه وتعيينه.

بعد فترة لاحظ الدب أن في الغابة أرنبا يعمل بوظيفة "دب ممهد طرق"، ويحصل ذلك الأرنب المحظوظ على راتب ومكافآت وحوافز أعلى منه بكثير!

تقدم الدب بشكوى إلى مدير الغابة، وتم تحويِل الشكوى إلى لجنة من النمور، وحددت اللجنة موعد جلسة يحضرها كل من الدب والأرنب ومعهما المستندات المطلوبة، وبعد فحص الوثائق والشهادات المقدمة، استقر يقين "لجنة النمور" على أن الأرنب دب، والدب أرنب، وبعد الفحص والمداولة قررت اللجنة بقاء الحال على ما هو عليه وعدم إجراء أي تغيير، لأن الوثائق والشهادات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الأرنب دب، والدب أرنب!

لم يعترض الدب على قرار اللجنة، وعندما عاتبه بعض الحالمين بالإصلاح: لماذا لم تعترض؟ قال لهم الدب: كيف أعترض على قرار "لجنة النمور" وهي أصلا مجموعة من الحمير، كل أوراقهم تقول إنهم نمور؟!

* * *

انتهت القصة ولم تنته المهزلة، فالغابة كلها مزورة وليست شهادة الأرنب المحظوظ!

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر التزوير مصر الفساد تزوير وزراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مکان الطعام

إقرأ أيضاً:

وفاة طفلة صغيرة في غزة بسبب نقص المستلزمات الطبية الأساسية

كشفت وزارة الصحة في قطاع غزة، عن الانهيار الشبه كامل في للقطاع جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 24 شهرا، حيث أكد المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور منير البرش أن المنشآت الصحية والمستشفيات تعرّضت لتدمير واسع ما تسبب في نقص حاد بالأدوية والمعدات الطبية الحيوية. 

5 سجون إسرائيلية تستعد للإفراج عن 1750 من المعتقلين الفلسطينيينإصابة شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في الخليل.. واعتقال 6 آخرين

وقال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة في تصريحات تلفزيونية أن طفلة صغيرة توفيت اليوم بسبب عدم توفر المستلزمات الطبية الأساسية لإنقاذ حياتها.

وأوضح البرش أن قطاع غزة في حاجة ماسة إلى قوافل إمداد طبية مستمرة ودخول أطباء متخصصين لمعالجة الجرحى والمصابين، إلى جانب ضرورة توفير مياه الشرب وإدخال مولدات كهربائية للمستشفيات التي تعاني من انقطاع الكهرباء المتكرر.

وأشار إلى أن الوضع الإنساني كارثي ، موضحًا أن عدد المفقودين في القطاع بلغ نحو 10 آلاف شخص حتى الآن، فيما لا تزال العديد من الجثث تحت ركام المنازل التي دمّرها الاحتلال.

مؤامرة.. غضب وانتفاضه لأنصار ترامب بعد خسارته جائزة نوبل للسلامانتقادات لأوباما بسبب "ازدواجية اللغة" في بيانه حول غزة.. لماذا؟

وطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإدخال المساعدات والمستلزمات الطبية ودعم طواقم الدفاع المدني في البحث عن الذخائر غير المنفجرة ورفع الأنقاض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

طباعة شارك صحة غزة وفاة طفلة صغيرة المستلزمات الطبية الأساسية وزارة الصحة في قطاع غزة العدوان الإسرائيلي الدكتور منير البرش وزارة الصحة

مقالات مشابهة

  • قرار عاجل بشأن طلاب نظامي الخدمات والعمال بمدارس التعليم الفني
  • اتفاقية ابتعاث بين "التعليم العالي" وصندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية
  • قرارات عاجلة من التعليم بشأن التقييمات والاختبارات الشهرية وأعمال السنة
  • 1000 جنيه.. «التعليم» تحدد ضوابط صرف حافر المعلمين 2025 والفئات المعفاة
  • ماذا قررت التعليم لسد عجز المعلمين في المدارس؟.. تفاصيل عاجلة الآن
  • بجوائز تصل لـ 2500 جنيه.. التعليم تنظم المسابقة الثقافية الدينية الكبرى
  • قرار عاجل من «التعليم» بشأن ربط تسليم الكتب المدرسية بسداد المصروفات الدراسية
  • قرار عاجل من التعليم يطبق بجميع مدارس التربية الخاصة
  • «التعليم» تحدد موعد صرف حافز التدريس للمعلمين والفئات المستفيدة
  • وفاة طفلة صغيرة في غزة بسبب نقص المستلزمات الطبية الأساسية