كتب- محمد سامي

خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد اليوم عقب الاجتماع الثاني للحكومة بتشكيلها الجديد، أجاب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء على عدد من الأسئلة التي طرحت من جانب الصحفيين حول عدد من الأمور والقضايا التي تشغل الرأي العام المصري.

وحول السؤال الذي طرح بخصوص إصدار قانون المحليات، وتوقيت إجراء الانتخابات المحلية، أكد رئيس الوزراء أن الحكومة تعهدت خلال برنامجها بالإسراع في استصدار القانون، وحسم كيفية إجراء انتخابات المجالس المحلية، وهو ما يتم العمل عليه خلال الفترة القادمة بمجرد إقرار برنامج الحكومة من جانب مجلس النواب.

وعن تعاون مصر مع دول حوض النيل، وخطة الدولة للتعامل مع أزمة المياه، أوضح رئيس الوزراء أن حصة مصر الثابتة من مياه نهر النيل تقدر بـ 55.5 مليار م3، وأنه يوجد مياه جوفية، إلى جانب عمليات التدوير التي تتم لمياه الصرف الزراعي، لإعادة استغلالها مرة أخري، فضلا عن مشروعات تحلية مياه البحر، قائلا:" كل ذلك يجعل مواردنا المائية تتجاوز الـ 85 مليار م3"، مؤكداً: هناك تحد في توفير احتياجاتنا من المياه، وأن هذه الاحتياجات تزيد بشكل كبير كلما يزيد عدد السكان، مجدداً الإشارة إلى أوجه التعاون مع دول حوض النيل لتنفيذ المزيد من المشروعات التي تحقق الفائدة لمختلف الدول، قائلا:" نحن لسنا ضد أي مشروع تنموي يتم إقامته في أي دولة، وهذه ثوابت الدولة المصرية، ولكن لابد أن يتم ذلك بما لا يؤثر، ولا يضر بحصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل، وهذا هو الشيء الأهم"، مؤكداً أن الدولة المصرية لديها خطط واضحة وتنفيذية لمشروعات تعاون مع العديد من دول حوض النيل، وذلك سعياً لتعظيم الاستفادة من الموارد المائية، إلى جانب دعم هذه الدول اقتصاديا بصفة عامة، وهذا هو توجه الدولة المصرية، الذي يرتكز على الدخول في مشروعات تنموية مع دول حوض النيل تحقق الفائدة للبلدين، مجدداً أن هذا يُعد جزءا من ثوابت حماية الأمن القومي المصري، والحفاظ على كل قطرة مياه من حق مصر في مياه نهر النيل.

ورداً على سؤال يتعلق بالاستراتيجية الوطنية للصناعة، وما إذا كان سيتم إجراء تغيير في هذه الاستراتيجية أو تحديثها أو وضع استراتيجية جديدة في ضوء التحديات والمعوقات الحالية، أوضح رئيس الوزراء أنه سيتم العمل بهذه الاستراتيجية حيث أنها وضعت بالتعاون مع خبراء من عدد من المؤسسات الدولية، لافتا إلى أنه تم تكليف الجهات المعنية بالحكومة، وعلى رأسها نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، بالبدء في وضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ خلال الفترة القادمة.

وحول أزمة نقص الدواء، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن احتياجات وزارة الصحة من الدواء والمستلزمات الطبية، يقدر متوسطه العام بحوالي 250 مليون دولار شهرياً، موضحاً أنه وقت حدوث أزمة العملة الأجنبية والصعوبات التي واجهتها الدولة في هذا الصدد، وضماناً لحدوث استقرار كامل، وتأمين لحجم الإنتاج، كان لابد من وجود احتياطيات من المواد الخام والأدوية في حدود الـ 7 أشهر، ونتيجة لأزمة العملة تراجع حجم الاحتياطي، لافتا إلى أنه سعيا لاستقرار أسعار الدواء كان يتم تدبير العملة الأجنبية من جانب الدولة لمختلف مصانع الدواء بالسعر الرسمي للعملة، على الرغم من وجود سوق موازية بأسعار أكبر من السعر الرسمي، مؤكدا: نفذت الدولة ذلك حفاظا منها على سعر الدواء.

ونوه رئيس الوزراء إلى أنه مع حل أزمة العملة، بدأت عمليات الإنتاج بمصانع الأدوية، ولكن كان يتم ذلك مع وجود مشكلة، وهي مشكلة السعر، لأنه كان يتم تسعير الدواء على أساس سعر العملة الأجنبية بـ 30 جنيها أو 31 جنيها للدولار مقابل الجنيه، واليوم سعر الدولار الرسمي في حدود 48 جنيها، وهو ما يحقق خسائر مباشرة لمختلف المصانع والشركات، وعدم قدرتها على الإنتاج بهذه الأسعار، لافتا إلى ما تم من مناقشات ومفاوضات على مدار الفترة الماضية للوصول إلى توافق يضمن عدم زيادة الأسعار بصورة كبيرة على المواطنين، وعدم تكبد الشركات لمزيد من الخسائر.

وفى ذات السياق، أشار رئيس الوزراء إلى ما يحدث من توازن في هذا الصدد، من خلال قيام الشركات بإنتاج مجموعة من الأدوية الرئيسية التي تخص صحة المواطنين، مثل الأدوية الخاصة بمرضى السكر والضغط، وبعض الأدوية الخاصة بالأورام، مضيفاً: في نفس الوقت تقوم الشركات بإنتاج بعض المنتجات الأخرى كالمكملات الغذائية وما يخص أدوات التجميل، منوها إلى أنه تم الاتفاق على أن تكون الزيادة في أسعار الأدوية الرئيسية زيادة معقولة، على أن يتم تعويض جزء من الخسارة من خلال بيع المنتجات الأخرى، التي من الممكن أن تكون غير ضرورية بشكل كبير للمواطنين.

ونوه رئيس الوزراء إلى ما تم عقده من اجتماعات ولقاءات في هذا الصدد مع مسئولي غرف صناعة الأدوية، ومجالس التصدير، للوصول إلى نقطة توازن فيما يتعلق بملف الدواء، لافتا إلى أنه تم إقرار خطة بالتعاون والتنسيق مع الغرفة والمجالس تتعلق بمجموعة من الأدوية يصل عددها إلى نحو 3000 صنف من الدواء تمثل 90% من حجم التداول بالسوق المصرية، مشيرا إلى ما يتم العمل عليه بالتعاون مع نائب رئيس الوزراء ورئيس هيئة الدواء، للانتهاء من هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن، خلال الاشهر الثلاثة القادمة، وبدء عودة الأدوية الرئيسية لنفس معدلات انتاجها بالكامل خلال هذه المدة، قائلا:" نسعى للتغلب على مشكلة الدواء خلال الثلاثة شهور القادمة".

وحول مصطلح "استغلال أصول الدولة غير المستغلة" وانتشار بعض الشائعات بشأن بيع أصول هامة وما هي خطة الدولة لاستغلال الأصول غير المستغلة، أشار رئيس الوزراء إلى أنه سبق أن تم الإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، كما تم الإعلان عن برنامج الطروحات، مؤكدا أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ ما تم الإعلان عنه ، لافتا إلى أن مصطلح استغلال أصول الدولة غير المستغلة لا يعني بيعها، فالدولة تقوم بعمل اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص لإعادة تشغيل المصانع أو الهناجر المتوقفة عن العمل دون بيعها، لأن القطاع الخاص يمتلك إمكانات أفضل، بما يسهم في تعظيم استفادة الدولة من هذه الأصول المعطلة وغير المستغلة، وخلق مزيد من فرص العمل للمواطنين وتحقيق عائد للدولة من تلك الأصول، مكررا التأكيد على أن استغلال أصول الدولة لا يعني بيعها ولكن يعني الاستفادة من تلك الأصول المهدرة التي لا تدر أي عائد للدولة بل أحيانا تحمل الدولة تكلفة نتيجة لعدم تشغيلها، موضحا أن ذلك يمكن أن يتم من خلال عدة آليات مثل عقود الايجار لفترة زمنية معينة، أو الدخول في شراكة مع القطاع الخاص بنسبة طبقا لقيمة هذه الأصول، مشددا على أنه من غير المقبول أن يكون لدينا أصول بمئات المليارات ولا تدر عائدا للدولة، كما أكد أن مسئولية الحكومة الجديدة هي العمل على الاستفادة من تلك الأصول بما يحقق مصلحة الدولة ومصلحة المواطن المصري، قائلا: "كلما تمكنت الحكومة من توفير موارد إضافية سيتم ضخ هذه الموارد في المشروعات الخدمية التي يحتاجها المواطن" .

وعن وجود بعض التحفظات من قبل البعض بمجلس النواب حول برنامج الحكومة بشأن عدم وجود جدول زمني محدد لبعض الإجراءات الخاصة بالبرنامج؛ قال رئيس الوزراء: من حق أعضاء مجلس النواب القبول أو الرفض لبرنامج الحكومة، وذلك أمر معتاد وصحي في أي دولة، وأوضح مدبولي أنه واجه تساؤلًا مفاده "لماذا تم وضع البرنامج لمدة 3 سنوات فقط"، وفي إجابته عن هذا التساؤل، أشار إلى أنه في ضوء حالة عدم اليقين والمستجدات العالمية اليومية التي تؤثر على الدولة، فكان من المنطقي أن يتم وضع برنامج يكفل للحكومة القدرة على تنفيذه، موضحًا أن فترة الـ 3 سنوات تمثل نصف الفترة الرئاسية، وبالتالي فما تم وضعه داخل البرنامج سوف تلتزم الحكومة بتنفيذه على مدار 3 سنوات.

واستطرد: السنة الأولى موجودة في خطة الموازنة 2024/2025، وباقي البرنامج كله سيتم تنفيذه على مدار العامين التاليين. وبالتالي أؤكد لحضراتكم أن ما جرى وضعه في البرنامج، ستكون الحكومة ملتزمة بتنفيذه على مدار الثلاث سنوات بصورة مبدئية.

وبالنسبة للتساؤل عن شكل العلاقة الحالي والتطورات مع صندوق النقد الدولي وتأجيل اجتماع مجلس الإدارة؛ أفاد رئيس مجلس الوزراء بأن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي جيدة جدًا، موضحًا أن المراجعة من قبل الصندوق قد تمت، وتم تحديد اجتماع مجلس الإدارة يوم 29 يوليو -لعرض الموضوع الخاص بمصر- بعد تأجيله من يوم 10 يوليو الجاري، مؤكدًا أنها إجراءات داخل الصندوق.

وأضاف: هناك تواصل كامل مع قيادة صندوق النقد الدولي، وقد تمت مكالمة هاتفية بيني وبين مديرة الصندوق عقب تشكيل الحكومة الجديدة؛ حيث هنأتني بتشكيل الحكومة، كما أكدت استمرار دعم الصندوق لمصر في الفترة القادمة بصورة كبيرة. وبالتالي فالأمور مستقرة.

ورداً على تساؤل عن نصيب المحافظات من جهود دعم ملف الصناعة، وجذب المزيد من الاستثمارات في إطار استراتيجية الدولة لتحقيق التنمية الصناعية، أكد رئيس الوزراء أنه تم وضع خطة لكل محافظة، تستهدف تعظيم الاستفادة من المقومات والمزايا النسبية الموجودة بتلك المحافظات، قائلا:" هناك محافظات لديها خصوصية في بعض الأنشطة والصناعات، حيث سيتم العمل على تعظيم الاستفادة من هذه الصناعات، وزيادة حجم الإنتاجية منها"، ضارباً المثال بمحافظة دمياط، وأنها تتميز بصناعة الأثاث، هذا إلى جانب تميز محافظات الدلتا بالصناعات الغذائية، ومحافظات الصعيد التي تتميز بالعديد من الأنشطة الأخرى، موضحا أنه سيتم ترجمة ذلك إلى خطط تنفيذية تتضمن مشروعات متكاملة، يتم اقامتها بالمشاركة مع القطاع الخاص.

ونوه رئيس الوزراء إلى أنه على مدار فترات طويلة كان يصل حجم الاستثمار المباشر لمصر إلى نحو 12 مليار دولار سنويا، قائلا: "بخلاف السنة الحالية، التي تُعد سنة استثنائية بوجود صفقة رأس الحكمة، وجعلت الأرقام غير مسبوقة"، مضيفاً: للوصول لتحقيق حجم نمو بمقدار 6% أو 7% سنويا بصورة متواصلة، فإنه لابد من وجود استثمارات اجنبية مباشرة تتضاعف لتتجاوز الـ 22 مليار دولار سنويا، مؤكداً في هذا الصدد على أهمية ملف الصناعة ودعمه وتطويره.

وفى هذا السياق، أشار رئيس الوزراء إلى أن المستثمر الخارجي يشيد بالقوانين المصرية والحوافز الجيدة التي لا توجد في دول أخري، ولكن يطلب الوضوح فيما يتعلق بالسياسات المالية والضريبية، وملف الرسوم، مؤكداً في هذا الصدد أن ذلك هو شغل الحكومة الشاغل خلال الفترة القليلة المقبلة، وصولا للإعلان عن هذه السياسات، تشجيعاً للاستثمار الأجنبي المباشر، قائلا:" مصر سوق كبيرة، ولديها فرص كثيرة للنجاح، وكل ما يهم المستثمر استقرار الأوضاع وتحقيق الأرباح التي تم بناء الدراسات عليها، هذا إلى جانب الاطمئنان على سياسات الدولة لمدي بعيد".

وعن إجراءات الدولة لتوفير مناخ جاذب للاستثمارات الداخلية والخارجية، قال رئيس الوزراء: بالفعل قمنا خلال الفترة الماضية بعمل عدد من القوانين الخاصة بتشجيع الصناعات مثل الهيدروجين الأخضر وصناعات السيارات، كما تم إنشاء مجالس متخصصة لها لتكون معنية بهذا الموضوع.

وتابع: سبق أن تحدثنا في المجموعة الوزارية للتنمية الصناعية، وتحدثنا اليوم أيضًا عما يلزم لتسهيل وتيسير الإجراءات على أرض الواقع بما يجعل مصر بالفعل جاذبة للاستثمار، ففيما يخص موضوع الأراضي فهي مهمة كونها جزءا من الأصول ودورنا هو تعظيم الاستفادة الاقتصادية منها من خلال عقد الشراكات، وتحقيق أعلي عائد مستدام للدولة المصرية.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: على سبيل المثال في صفقة رأس الحكمة لم نتوقف عند مجرد استلام مبلغ الصفقة، ولكن لنا نسبة محددة من أرباح المشروع تستمر على مدي طويل، وهو ما يعظم الاستفادة من الأصول، ويبقي الأهم، وهو الوضوح الشديد مع المستثمرين فيما يخص كافة إجراءات الدولة، ولا يفاجأ المستثمر بوجود جهة جديدة تفرض رسوما جديدة، أو تأخر الموافقات المطلوبة للمشروعات الاستثمارية.

وأضاف رئيس الوزراء: ولهذا كنا نهتم بألا يتم طرح أراض إلا وهي مرفقة ولها سعر واضح، ولذلك أصدرنا قرارات تضم تسعيرا واضحا لكل الأراضي الصناعية بالدولة.

وتابع: لذلك عملنا على هذا الملف بهدف أن تكون الأمور واضحة لصالح المستثمر المحلي والأجنبي، ويهمنا رفع مستوى رضا المستثمر المحلي وزيادة ثقته في الحكومة، وسيكون داعما ومشجعا لكل الاستثمارات الخارجية والمستثمرين الأجانب.

وفيما يخص تساؤلا عن مدى إمكانية تحقيق الحكومة الرضاء الشعبي في مسألة ضبط الأسعار من خلال تعديل القوانين أو تغييرها، خاصةً بعد الحصول على ثقة البرلمان التي تضع مسؤوليات كبيرة أمام الحكومة؛ أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن ضبط الأسعار لا يمكن تحقيقه من خلال القوانين فحسب، حيث يُعزى الأمر إلى توازن السوق بين العرض والطلب، فإذا كان الطلب أكثر من العرض ستزيد الأسعار مهما كانت من قوانين؛ فتلك هي آليات السوق التي يعمل وفقا لها العالم كله.

وأضاف: الدولة تتدخل وتشتري أحيانًا بعض السلع لضخها في السوق، مؤكدًا أنه طالما لم يوجد توازن بين العرض والطلب سنكون معرضين لأزمة زيادة الأسعار، قائلا:" يرجع تجاوز الأزمة منذ شهر مارس الماضي إلى حدوث توازن كامل في هذا الشأن".

وتابع مدبولي: أثناء اجتماعي مع لجنة ضبط الأسعار أمس بحضور رئيس اتحاد الغرف التجارية ورئيس غرفة الصناعات الغذائية، تم التأكيد على عدم وجود أي مشكلة في المواد الخام أو مستلزمات الإنتاج، بل على العكس أصبح هناك وفرة، تجعل بدورها الشركات تتنافس فيما بينها للتسويق لمنتجاتها، ومن ثم إطلاق عروض وخفض الأسعار. وهذا ما أكدنا عليه، بأن تستمر هذه النوعية من المبادرات خلال الفترة القادمة.

ولفت رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تضع مستهدفا بأن تضمن ثبات الأسعار خلال الفترة القادمة لأن ذلك هو أكثر ما يهم المواطن، منوهًا إلى أن بعض الأسعار بالفعل أخذت اتجاها هبوطيا، ولكن تظل بعض المشكلات الموسمية - التي لا تتعلق بالأزمة وتستمر لبضعة أيام قبل تجاوزها؛ مثل تلك التي تتعلق بموجات الحرارة.

واختتم في هذا الصدد: أهم شيء هو "وفرة الإنتاج"، وهذا ما نعمل على تحقيقه بالفعل.

وفيما يتعلق بملف الدين، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، أنه لا توجد دولة بلا ديون، حيث أن أعتى الاقتصادات وأغناها لديها ديون، فالولايات المتحدة الأمريكية على سيبل المثال، وهي اكبر اقتصاد بالعالم، يُقدر الدين الخارجي لها بتريليونات، معتبراً أن الأهم أن يكون للدولة رؤية دائمة للسيطرة على الدين ليظل في المعدلات الطبيعية له.

وأضاف رئيس الوزراء: أن الدولة المصرية كانت في منطقة آمنة فيما يتعلق بالدين، وذلك قبل الأزمات التي حدثت، نتيجة صدمات خارجية، بداية من أزمة فيروس كورونا، مؤكداً أنه لولا هذه الأزمات لكان الاقتصاد المصري ـ فيما يخص الدين تحديداً ـ في معدلات لم تشهدها الدولة المصرية، حيث ان خطواتنا كانت ثابتة وواضحة، إلا ان ما حدث كان حجما متعاقبا من الصدمات لم يشهد العالم مثيلاً له، ومازالت تداعياته مستمرة.

ولفت رئيس الوزراء إلى أن أحد السيناريوهات التي تدرسها الحكومة لهذا العام، هو افتراض استمرار الأزمة الراهنة في المنطقة وتداعياتها على قناة السويس، فكيف حينها سيمكننا استيعاب ذلك حتى لا يزيد من عجز الموازنة بتأثر ايرادات القناة.

وأكد مدبولي أن الظروف الداخلية يمكن التعامل معها، ولكن تظل المشكلة في الصدمات الخارجية التي تتعاقب علينا كل يوم، وتمثلُ تحديا للدولة المصرية كما تمثل تحديا للدول الأخرى، ولكن موضوع الدين هو همنا الوحيد، والسعي لأن ينخفض الدين الإجمالي للدولة والعودة للمعدلات الآمنة.

وخلال حديثه عما يتم تنفيذه من مشروعات كباري على وجه الخصوص، أشار الدكتور مصطفى مدبولي، إلى أن جانباً كبيراً من الطلبات المقدمة من أعضاء مجلس النواب، يتمثل في حل مشكلات الخدمات، مثل الصرف الصحي والمياه، وخاصة في القرى، وكذلك انشاء كباري لحل مشكلة التكدس في المدن والقرى.

ودعا رئيس الوزراء الحضور إلى تخيل شكل القاهرة إذا لم يكن حجم المحاور والطرق الذي تم تنفيذه قد تحقق، وتتيح الحركة بسهولة ويسر، وكذا حجم الكباري المُنفذ، مذكراً بما حدث وهو رئيس لهيئة التخطيط العمراني حيث قال البنك الدولي والجايكا في دراسة لهما انه بحلول عام 2022 ستتحول القاهرة الى "جراج كبير" ولن تتجاوز سرعة السيارات 7 الى 8 كيلومترات في الساعة، ونتيجة لذلك ستصل خسائر مصر من حرق الوقود واستهلاك السيارات الى ما يتجاوز 15 مليار دولار سنوياً، ونحن كدولة كان من الصعب تحمل ذلك.

ولفت رئيس الوزراء إلى أنه قبل تنفيذ شبكة الطرق الحالية كان الزمن المستغرق للتحرك من مدينة إلى أخري في شرق وغرب القاهرة قد يصل إلى 3 ساعات، واليوم لا يستغرق سوى ساعة واحدة، وكان الوضع بدون شبكة الطرق سيفرض تحمل تكلفة كبيرة، بخلاف ضياع وقت المصريين ومصالحهم، وبخلاف التلوث.

وأشار مدبولي إلى أن الدولة في احتياج شديد لبناء بنية أساسية لها، وهذا مطلب المواطنين، وأعضاء مجلس النواب يعبرون عن الشعب، لافتا إلى أنه عند غرق معدية في النيل، ويموت بها أبناء مصر، أو سقوط سيارة من معدية، تكون النتيجة مطالبة بإقامة كوبري لتجنب هذه الحوادث، ومصر دولة كبيرة، وتحتاج الكثير لكي نكون مطمئنين انه أصبح لدينا شبكة آمنة من الطرق تقل عليها الحوادث، ولا نشعر بالتقصير للتأخر في تنفيذ هذه المشروعات.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن اجتماع المجلس القومي للسكان أمس شهد استعراض مؤشرات للزيادة السكانية في مصر على مدار السنوات الماضية، لافتاً إلى ان المعدلات انخفضت بشكل جيد، ولكن مازال لدينا طريق طويل في هذا الشأن، موضحاً أننا كنا نزيد بمقدار 2.5 مليون نسمة كل سنة، حيث زادت مصر خلال 10 سنوات بمقدار 25 مليون مواطن، وهم يحتاجون إلى كل أنواع الخدمات؛ بما فيها شبكات الطرق.

واستطرد: أعرض، من خلال ذلك، على حضراتكم حجم التحدي الذي يواجه هذه الدولة، وأي حكومة أيا كانت يتمحور همها حول تحقيق رضا المواطن، وبالتالي تحسين الخدمات التي يحتاجها المواطنون؛ مثل شبكة الطرق والمياه والصرف الصحي والاتصالات. وهذا هو دور الحكومة.

وتابع رئيس الوزراء: إذا كانت الدولة قد اتُهمت في وقت ما بالتقاعس عن تنفيذ البنية التحتية التي يحلم بها المواطنون، فاليوم نحن نلبي هذه الاحتياجات الأساسية.

وساق مدبولي مثالاً بمشروع الإسكان، وقال: بالعودة إلى أفلام السبعينيات والثمانينيات، نجد أنه لم يكن أحد يحلم بإيجاد غرفة ولم يتمكن الشباب بشكل كبير من الزواج. وعلى العكس من ذلك اليوم، نشهد توافر الوحدات السكنية. وبذلك فالدولة المصرية في احتياج للاستمرار في تنفيذ مشروعات تخص حياة المواطن، وبالتالي فكل هذه النوعية من المشروعات تحتاجها الدولة.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: محاولة اغتيال ترامب أحمد شوبير شهد سعيد الطقس أسعار الذهب أحمد رفعت سعر الدولار هدير عبدالرازق حكومة مدبولي التصالح في مخالفات البناء معبر رفح سعر الفائدة فانتازي الحرب في السودان الدكتور مصطفى مدبولي مؤتمر رئيس الوزراء بيع أصول الدولة الرأي العام المصري قانون المحليات أشار رئیس الوزراء إلى الدکتور مصطفى مدبولی رئیس الوزراء إلى أنه خلال الفترة القادمة رئیس الوزراء إلى أن تعظیم الاستفادة رئیس الوزراء أن الدولة المصریة لافتا إلى أنه دول حوض النیل القطاع الخاص الاستفادة من غیر المستغلة لافتا إلى أن فی هذا الصدد أصول الدولة مجلس النواب فیما یتعلق یتم العمل فیما یخص إلى جانب على مدار ا إلى أن من خلال تم وضع أن یتم على أن أنه تم عدد من إلى ما

إقرأ أيضاً:

ما هي الشبكات التي تحكم كوكبنا حقا؟

مقدمة الترجمة

يرصد إيان بريمر الأستاذ المساعد للشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا الاختلال الكبير في توازن القوى بين الدول القومية والشركات الكبرى في عالم اليوم. ويرى الكاتب، في مقاله المنشور بمجلة "فورين أفيرز" أنه على مدار 400 عام من عمر نظام ويستفاليا الذي رسخ سيادة الدول على أراضيها وشؤونها الداخلية كان من الممكن وصف بنية النظام العالمي بأنها "أحادية القطب"، أو "ثنائية القطب"، أو "متعددة الأقطاب"، اعتمادا على كيفية توزيع القوة بين الدول.

لكن العالم اليوم دخل في لحظة "قطبية تكنولوجية"، وهو مصطلح استخدمه الكاتب للإشارة إلى نظام ناشئ تتنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى في النفوذ الجيوسياسي متحولة إلى فواعل جيوسياسية قوية، تمارس شكلًا من أشكال السيادة ليس فقط في الفضاء الرقمي، بل في العالم المادي بصورة تتناقض جذريا مع مبدأ سيادة الدول.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كندا لترامب وأوكرانيا لبوتين وتايوان لشي.. ملامح النظام العالمي الجديدlist 2 of 2الحرب العالمية الثانية والصراع الدموي الذي يشكل العالم إلى اليومend of list نص الترجمة

في فبراير/شباط 2022، ومع تقدم القوات الروسية نحو كييف في الأيام الأولى للحرب، واجهت الحكومة الأوكرانية ثغرة أمنية حرجة: فمع تعرض شبكات الإنترنت والاتصالات للهجوم، كانت قواتها وقادتها على وشك السقوط في الظلام.

وقتها تدخل إيلون ماسك، الزعيم الفعلي لشركات تيسلا وسبيس إكس، وإكس (تويتر سابقا) وإكس إيه آي، ونيورالينك وفي غضون أيام قليلة نشرت سبيس إكس آلافًا من محطات ستارلينك في أوكرانيا وقامت بتنشيط خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في البلاد مجانا. ومع نجاحه في إبقاء أوكرانيا متصلة بشبكة الإنترنت، تحول ماسك إلى بطل من وجهة نظر كييف وحلفائها الغربيين.

أسهمت أقمار ستارينك الصناعية في جعل أوكرانيا متصلة بالإنترنت على إثر تعرض شبكات الإنترنت الخاصة بها للهجوم (الأناضول)

لكن المبادرة الشخصية للملياردير الأميركي واعتماد كييف البالغ عليها ثبت أنهما محفوفان بالأخطار، فبعد أشهر، طلبت أوكرانيا من سبيس إكس توسيع نطاق تغطية ستارلينك إلى شبه جزيرة القرم "المحتلة من روسيا"، لتمكين هجوم بغواصة مسيّرة أرادت كييف شنه ضد الأصول البحرية الروسية.

إعلان

رفض ماسك الطلب الأوكراني وقال إنه يشعر بالقلق من أن يؤدي هذا إلى تصعيد كبير في الحرب، وحتى "توسلات" البنتاغون نيابة عن أوكرانيا فشلت في إقناعه. لقد أحبط مواطن فرد غير منتخب وبدون موقع مسؤولية رسمي، بصورة أحادية تماما، عملية عسكرية في منطقة حرب نشطة، كاشفا عن حقيقة مفادها أن الحكومات أصبحت لا تملك سيطرة تذكر على القرارات الحاسمة التي تؤثر في مواطنيها وأمنها القومي.

كان هذا إعلانا عمليا عمّا يمكن أن نطلق عليه "القطبية التكنولوجية" (Techonopolarity) إذ إن أباطرة التكنولوجيا لا يقودون فقط عائدات سوق الأسهم، بل يسيطرون أيضا على جوانب المجتمع المدني والسياسة والشؤون الدولية التي كانت تقليديًّا حكرا على الدول القومية. على مدار العقد الماضي، تسبب صعود هؤلاء الأفراد والشركات التي يسيطرون عليها في تغيير هوية النظام العالمي الذي هيمنت عليه الدول القومية منذ أن رسخت معاهدة وستفاليا هذه الكيانات (الدول) باعتبارها اللبنات الأساسية للجغرافيا السياسية قبل ما يقرب من 400 عام.

طوال الجزء الأكبر من ذلك الوقت، كان من الممكن وصف بنية هذا النظام بأنها أحادية القطب، أو ثنائية القطب، أو متعددة الأقطاب، اعتمادا على كيفية توزيع القوة بين الدول، لكن العالم دخل قبل وقت قريب في لحظة "قطبية تكنولوجية"، وهو مصطلح استخدمتُه سابقا في مجلة "فورين أفيرز" عام 2021 لوصف نظام ناشئ تتنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى في النفوذ الجيوسياسي.

وبشكل فعلي، تحولت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى فواعل جيوسياسية قوية، تمارس شكلًا من أشكال السيادة على الفضاء الرقمي، وحتى على العالم المادي، بصورة تتناقض مع سيادة الدول.

في عام 2021، بدا أن قوة هذه الشركات في طريقها نحو المزيد من النمو، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية كان هذا هو ما حدث بالفعل. لقد زعَمْتُ -وقتها- أن الحكومات لن تستسلم في هذه المواجهة دون قتال، ومنذ ذلك الحين، خاضت صراعا مريرا من أجل السيطرة على الفضاء الرقمي. لكن توازن القوى بين شركات التكنولوجيا والدول تغير بطرق مفاجئة والمفارقة أن نتيجة هذه المنافسة لا تتوافق مع أي من السيناريوهات التي تصورتها في الأصل.

فلا هي أفرزت نظاما رقميا تنتزع فيه شركات التكنولوجيا السيطرة على الفضاء الرقمي من الدولة، ولا حربا باردة تكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين أعادت من خلالها الحكومات تأكيد سلطتها على المجال الرقمي، وبالقطع لم تنتج أيضا عالما "قطبيا تكنولوجيا" خالصا، تفسح فيه الدول "الوستفالية" المجال كليًّا لنظام جديد تقوده شركات التكنولوجيا.

وبدلا من أن نشهد انتصارا خالصا للشركات على الدول أو العكس، يتجه المستقبل إلى نظام هجين أكثر انقساما، حيث تتنافس الولايات المتحدة -التي تميل نحو "القطبية التكنولوجية" وتكتسب فيها شركات التقنية الخاصة نفوذا متزايدا في تشكيل السياسة الوطنية- والصين الخاضعة لهيمنة الدولة التي نجحت في فرض سيطرتها على الفضاء الرقمي.

إعلان

وبين هذين النموذجين، تتعرض بقية العالم لضغوط تدفعها إلى الانحياز على مضض إلى أحد القطبين، ولكن مع عدم تقديم النموذجين إلا القليل فيما يتصل بالمساءلة الديمقراطية والحريات الفردية، يبقى الاختيار أقل وضوحا. ومع اندماج قوة التكنولوجيا وقوة الدولة في كل مكان، لم يعد السؤال هو ما إذا كانت شركات التكنولوجيا سوف تنافس الدول في النفوذ الجيوسياسي؛ بل ما إذا كانت المجتمعات المفتوحة سوف تكون قادرة على النجاة في مواجهة ذلك التحدي غير المسبوق.

صعود "القطبية التكنولوجية"

في أواخر عام 2021، كانت صناعة التكنولوجيا في أوج ازدهارها، وكانت الشركات التي تسيطر على منصات التكنولوجيا الكبرى في ذروة قوتها. لقد وعد مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ بإنشاء عالم افتراضي "ميتافيرس" منفصل كليًّا عن العالم الحقيقي ومجرد من القيود الحكومية، وبدأت العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم تنتشر، مبشرة ببديل لا مركزي لسلطة الحكومات على الأنظمة المالية وأنظمة الدفع.

في غضون ذلك أجبرت جائحة "كوفيد-19" الناس على قضاء المزيد من الوقت على الإنترنت، مما عزز نفوذ التكنولوجيا حيث أصبحت المنصات الرقمية ضرورية للعمل والتعليم والترفيه والتواصل بين الناس.

عوالم "الميتافيرس" تُخطط لخلق عالم افتراضي يحاكي العالم المادي (بيكسابي)

أدت هذه الفترة إلى تسريع اعتماد الأدوات الرقمية وجعلت شركات التكنولوجيا أكثر مركزية في الحياة الخاصة والاجتماعية والاقتصادية والمدنية. ومع تزايد اعتماد العالم على الاتصال الرقمي، كانت القرارات المتخذة في غرف اجتماعات مجالس إدارة الشركات الكبرى، حول المنتجات التي يجب إطلاقها، وكيفية عمل الخوارزميات، والقواعد واللوائح التي يجب فرضها؛ تحدد الكثير مما يشاهده ويسمعه مليارات البشر، وتشكل طبيعة الفرص التي تتاح أمامهم، بل إنها تعيد صياغة أنماط تفكيرهم حقيقة لا مجازا.

إعلان

كان العالم يتحول جذريا بصورة جنونية، حيث لم تعد شركات التكنولوجيا الكبرى تمارس السيادة فقط على حدائقها المسورة الافتراضية، بل وسعت نفوذها إلى المجال المادي بعدما أصبحت منتجاتها وخدماتها أشبه ببنية تحتية أساسية عالمية. لقد شكلت مراكز البيانات، وأنظمة الحوسبة السحابية، وشبكات الأقمار الصناعية، وأشباه الموصلات، وأدوات الأمن السيبراني بشكل متزايد أساسًا لعمل الاقتصادات الوطنية، والجيوش، والحكومات.

ظهرت تجليات هذا التحول بصورة كاملة خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. ولو لم تقم الشركات الأميركية مثل سبيس إكس، ومايكروسوفت، وبالانتير بالتصدي لمهمة الدفاع عن أوكرانيا عبر تمكين الاتصالات، وصد الهجمات الإلكترونية، وتحليل المعلومات الاستخبارية، وتزويد الطائرات المسيّرة بالمعلومات؛ لكانت روسيا قد عطلت البلاد تماما، وقطعت رؤوس هيكلها القيادي، واستولت على العاصمة. وباختصار، كان ذلك يعني خسارة أوكرانيا للحرب خلال أيام معدودة.

لم يمض وقت طويل قبل أن تدرك الحكومات أن ما يقدمه خبراء التكنولوجيا يمكنهم بسهولة أن يمنعوه. وكشف تصرف ستارلينك في القرم (المشار إليه) وقبله نقص الإمدادات في عصر الوباء عن الهشاشة الناجمة عن الاعتماد على عدد قليل من الشركات المهيمنة على الخدمات والإمدادات الرئيسية، إذ إن أيّ فشل وحيد أو قرار فردي يتخذه الرئيس التنفيذي، يمكن أن تكون له عواقب كارثية.

في مواجهة هذه الأخطار، بادرت الدول إلى الرد. في عام 2022، استهدفت موجة من التشريعات والإجراءات التنظيمية شركات التكنولوجيا الكبرى بشأن قضايا مثل القوة السوقية (الاحتكار)، والتحكم في المحتوى، وحماية المستخدمين، وخصوصية البيانات. من جانبه، أقر الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، وهما من أكثر الجهود طموحا لتقييد قوة شركات التكنولوجيا، كما تقدمت الولايات المتحدة بقضايا مكافحة الاحتكار وعززت جهود الرقابة في الكونغرس، وقواعد الخصوصية على مستوى الولايات.

إعلان

وحَذَت الهند وجنوب أفريقيا ودول أخرى حذوها، في حين اتخذت بعض دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والبرازيل ودول أخرى إجراءات أكثر صرامة ضد المنصات الكبرى.

غير أن هذه الإجراءات لم تفعل الكثير لتقويض سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على الفضاء الرقمي، حيث استمرت هذه الشركات -وليس الحكومات- في العمل كمهندسين وفاعلين وحاكمين مطلقين في هذا الفضاء. وأكثر من ذلك، تعمقت قوة شركات التكنولوجيا الكبرى في أواخر عام 2022 مع ظهور نماذج اللغة الكبيرة والانفجار اللاحق للذكاء الاصطناعي، وهي التكنولوجيا الرائدة التي رسخت تقدم شركات التكنولوجيا على الدول القومية.

يتطلب تطوير ونشر أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة قوة حاسوبية هائلة، ومصادر بيانات واسعة، ومواهب هندسية متخصصة، وهي موارد تتركز في عدد قليل من الشركات. تحدد هذه الكيانات وحدها وتفهم (معظم) ما يمكن لنماذجها أن تفعله، وكيف، وأين، ومن قبل من يتم استخدامها.

وحتى لو تمكنت الهيئات التنظيمية من تصميم أنظمة حوكمة مناسبة لاحتواء التكنولوجيا بصورتها الحالية، فإن وتيرة التقدم الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تتجاوز قدرات تلك الأنظمة بسرعة كبيرة. ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي وزيادة مركزيته في المنافسة الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية، فإن الشركات التقنية التي تتحكم فيه سوف تكتسب نفوذا جيوسياسيا أكبر من أي وقت مضى.

انتقام الدولة القومية

غير أنه ومع توسع نفوذ شركات التكنولوجيا، عادت الجغرافيا السياسية التقليدية لتفرض نفسها بقوة. لقد تضافرت عوامل مثل الحمائية المتزايدة التي يغذيها الرد الشعبوي على العولمة، مع الاندفاع نحو الأمن الاقتصادي في أعقاب الوباء الذي عززته صدمة غزو روسيا لأوكرانيا، فضلا عن تكثيف التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، تضافرت لتحطم الوهم القائل بوجود نظام بيئي عالمي للتكنولوجيا.

إعلان

في واشنطن، بدأت الجهود الرامية إلى الحد من التطور التكنولوجي للصين بفرض ضوابط على الصادرات والاستثمارات في مجموعة ضيقة من التقنيات المتقدمة الحساسة إستراتيجيا وهو النهج الذي صاغته إدارة بايدن تحت شعار "ساحة صغيرة وسياج مرتفع". لكن الحملة سرعان ما تمددت لتشمل مجموعة دائمة التوسع من السلع والخدمات التي يمكن اعتبارها ذات استخدام مزدوج.

وحتى البيانات العادية أصبحت تشكل مصدر قلق للأمن القومي، وكذلك التطبيقات والأجهزة التي تولدها. لقد تم جر كل شيء، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى المركبات الكهربائية إلى أجهزة تتبع اللياقة البدنية، إلى دوامة "إزالة الأخطار"، حيث سارع صناع السياسات في الولايات المتحدة إلى الحد من وصول الصين إلى أي شيء يمكن أن يمنح بكين ميزة في المنافسة التكنولوجية. وأصبحت المصالح الاقتصادية والأمنية غير قابلة لتمييز بعضها عن بعض، في حين أصبح الانفصال التكنولوجي الكامل عن الصين هو الحكمة السائدة في أروقة صناعة القرار في واشنطن.

وفي الوقت نفسه، عادت السياسة الصناعية إلى الواجهة مع قيام الحكومات الغربية (وبخاصة أميركا) بضخ مليارات الدولارات في برامج لدعم بناء القدرات الإستراتيجية الداخلية. لكن هذه "الجزرات" كانت مصحوبة بالكثير من "العصيّ"، فإما البناء في الداخل والخروج من الصين أو المخاطرة بخسارة سخاء الحكومة الأميركية. ومع فرض واشنطن قيودًا على أشباه الموصلات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتشديد بكين قبضتها على معادنها الحيوية، تفككت سلاسل التوريد وتباطأت تدفقات البيانات عبر الحدود.

أدى تفكك العولمة الرقمية والمادية منذ ذلك الحين إلى تقويض نموذج الأعمال العالمي الذي تبنته شركات مثل أبل وتيسلا، اعتمدت على الأسواق المفتوحة وسلاسل التوريد المتكاملة لتعظيم أرباحها العالمية. وحتى قبل عودة ترامب إلى منصبه، بدأ العديد من هذه الشركات في نقل أعماله من الصين إلى "دول صديقة" مثل الهند والمكسيك وفيتنام للتحوط ضد الأخطار الجيوسياسية المتزايدة.

إعلان

غير أن ترامب قرر فرض رسوم جمركية ضخمة من شأنها أن تؤثر في الحلفاء والخصوم على حد السواء (علقت الرسوم بشكل مؤقت لمدة 90 يوما). وقد أشارت هذه الخطوة إلى تراجع واشنطن عن العولمة ووجهت ضربة للنموذج الاقتصادي المعولم. في المقابل، وجدت ما تسمى بالشركات الوطنية الرائدة، مثل مايكروسوفت وبالانتير، نفسها في حقبة ذهبية حيث أصبحت قادرة على الاستفادة من تحالفها الطويل الأمد مع الحكومة الأميركية لتحقيق النجاح في بيئة ما بعد العولمة المتصدعة.

ورغم أن الارتداد إلى سلطة الدولة بهذه الصورة في واشنطن كان أكثر إثارة للدهشة، فإنه كان أقل اكتمالا بكثير من التحول الذي شهدته بكين. ومنذ عام 2020، عندما شن الحزب الشيوعي الصيني حملة على الرئيس التنفيذي لشركة علي بابا جاك ما، الذي اعتقد المسؤولون أنه أصبح قويا ومستقلا أكثر مما ينبغي، أعادت بكين فرض سيطرتها الكاملة على قطاع التكنولوجيا المحلي.

واليوم، حتى أكبر شركات التكنولوجيا في الصين -بغض النظر عن هيكل ملكيتها الرسمي- تخدم رغبات الرئيس شي جين بينغ، في حين أُجيب أخيرا بشكل حاسم عن سؤال من يتحكم في مستقبل الصين الرقمي وهو: الدولة بلا منازع.

المنافسة بين الصين وأميركا تحتدم للهمينة على التقنيات العالمية. (شترستوك) اللفياثان الجديد

في الغرب، لا تزال الإجابة عن هذا السؤال موضع نزاع، ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الأمر لا يقتصر فقط على السيطرة على الفضاء الرقمي؛ بل يتوسع إلى السيطرة على الدولة نفسها. لقد كانت هناك دائما مجموعة من رواد وادي السيليكون مثل ماسك، وزوكربيرغ، وبيتر ثيل، ومارك أندريسن ممن رأوا في التكنولوجيا ليس مجرد فرصة للأعمال، بل قوة ثورية قادرة على تحرير المجتمع من حدود الحكومة، وتجاوز الدولة في النهاية.

كان هؤلاء "الطوباويون التكنولوجيون"، كما عرّفتهم في عام 2021، متشككين في السياسة و"نظروا إلى مستقبل يتم فيه استبدال نموذج الدولة القومية الذي هيمن على الجغرافيا السياسية منذ القرن السابع عشر لصالح نموذج مختلف تماما".

لكن في السنوات الأخيرة، بدأ بعض هؤلاء الأشخاص في الجنوح نحو "الاستبداد التكنولوجي"، حيث لم يعودوا راضين بمجرد تجاوز الدولة، بل يسعون الآن إلى الاستيلاء عليها وإعادة استخدام السلطة العامة لتعزيز طموحاتهم الخاصة. كان هذا التحول في البداية مدفوعا برغبة في ضمان القواعد التنظيمية المواتية، والإعفاءات الضريبية، وتأمين العقود العامة، لكنه بدأ يكشف عن أخطار متزايدة في ظل التوازن المتغير للقوة التكنولوجية في زمن متخم بالصراع الجيوسياسي.

إعلان

وعلى النقيض من المنصات الرقمية السابقة، التي ازدهرت في ظل الحد الأدنى من التدخل الحكومي، فإن معظم التقنيات الرائدة اليوم مثل الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة، والحوسبة الكمومية تتطلب دعما حكوميا ضمنيا أو صريحا لتوسيع نطاقها.

ومع تزايد أهمية هذه المجالات في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والارتباط المتزايد بين الأمن القومي والفضاء الرقمي، تحولت السيطرة على هذا الفضاء إلى ضرورة إستراتيجية، مما جعل الرؤية التكنولوجية "الطوباوية" التقليدية أقل قابلية للتطبيق وصعد في المقابل بنموذج البطل التكنولوجي الوطني ليصبح أكثر جاذبية. وفي ضوء ذلك ارتفعت الحوافز للاستيلاء على الدولة بالتوازي مع ارتفاع قيمة الغنائم التي يمكن جنيها كثمرة لهذا الاستيلاء.

ولكن بالنسبة لبعض الناس، لم يعد الاستيلاء على الدولة خيارا عمليا فحسب، بل أصبح توجهًا أيديولوجيًّا أيضا. لقد تبنى العديد من الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا، وأبرزهم إيلون ماسك وبيتر ثيل، رؤية عالمية معادية للديمقراطية وأصبحوا يرون أن الحكم الأميركي (والنظام الجمهوري بشكل عام) عاطب لدرجة لا يمكن إصلاحها، وأن التعددية فيه، وضوابطه وتوازناته، عيوب وقيود وليست ميزات. تريد هذه الشخصيات أن تُدار الحكومة الأميركية مثل الشركات الناشئة، مع وجود "رئيس تنفيذي وطني" غير منتخب يتمتع بسلطة واسعة باسم "التقدم التكنولوجي".

من وجهة نظر هؤلاء، يتعين أن تنتقل السيطرة على الدولة -والمستقبل- إلى النخب التكنولوجية التي نصبت نفسها بنفسها، وهي وحدها قادرة على قيادة البلاد في خضم عصر من "التغيير الهائل". أعلن ثيل في وقت مبكر من عام 2009 أنه لم يعد يعتقد أن "الحرية والديمقراطية متوافقتان"، وفي عام 2023، دعا ماسك إلى استحداث "سولا العصر الحديث"، في إشارة إلى الدكتاتور الروماني لوسيوس كورنيليوس سولا الذي يُنسب إلى حكمه انهيار الجمهورية.

إعلان

ورغم أنه ربما كان يمزح في ذلك الوقت، فإن ماسك في الواقع أمضى الأشهر الماضية في محاولة الاستيلاء على زمام الأمور في الحكومة الأميركية مستخدما رافعته المالية. لقد أنفق ماسك وحده ما يقرب من 300 مليون دولار للمساعدة في انتخاب ترامب والكونغرس الجمهوري عام 2024 دون ذكر تكلفة إعادة تشكيل "إكس" إلى منصة تواصل اجتماعي مؤيدة لترامب. وفي المقابل، كافأ الرئيس الأكثر تعاملا بمبدأ الصفقات في تاريخ أميركا أغنى رجل في العالم بنفوذ لا مثيل له في أقوى دولة على وجه الأرض.

لقد سبق أن أظهر ترامب ميولا واضحا إلى "رأسمالية المحسوبية" ولكن في ولايته الثانية، لم يتم تمكين أقطاب التكنولوجيا من تشكيل السياسات فحسب، بل مُنحوا عمليا صلاحية تعيين (أو إقالة) الجهات التنظيمية التي تُشرف عليهم وكتابة (أو محو) القواعد التي تنظم عملهم.

منذ تعيينه مسؤولًا عما يسمى وزارة كفاءة الحكومة ومنحه "الوصول الجذري" إلى أنظمة الحكومة الفدرالية، قام ماسك بفصل عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، ونصب موالين له في عشرات الوكالات، وخفض التمويل المخصص للعديد من الوكالات من الكونغرس، كما استولى على كميات هائلة من البيانات السرية التي تخص ملايين الأميركيين.

إيلون ماسك أثناء إلقائه كلمة في ولاية ويسكونسن، في 30 مارس/آذار 2025. حيث كان إيلون ماسك (الذي ترك المنصب مؤخرا)، يعمل بوصفه مستشارا للرئيس دونالد ترامب ويشرف على حملة تقودها وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) لخفض الإنفاق الحكومي. (الفرنسية)

في غضون ذلك، احتفظ ماسك والعديد من حلفائه من ذوي السلطة التقنية في مختلف أنحاء الحكومة بأدوارهم في القطاع الخاص على الرغم من شبهات تضارب المصالح.

ويسيطر هؤلاء التقنيون الآن على الموظفين الفدراليين ويرسمون السياسات الفدرالية ويتحكمون في عملية وضع القواعد وإنفاذ اللوائح، والمشتريات، والضرائب، والإعانات، بما يؤثر ليس فقط في شركاتهم، بل في شركات منافسيهم أيضا. وقدر تقرير صدر مؤخرا عن مجلس الشيوخ المكاسب المالية التي قد يحصل عليها ماسك من هذا الترتيب بنحو 2.37 مليار دولار، فضلا عن القيمة المحتملة للعقود العامة والمزايا التنافسية التي قد يفتحها له نفوذه الجديد.

إعلان

هناك تقارير بالفعل تفيد بأن وزارة الكفاءة الحكومية تعمل على جمع وتوحيد مصادر البيانات الحكومية الحساسة مثل الملفات الضريبية، وقواعد بيانات الهجرة، وسجلات الضمان الاجتماعي، والمعلومات الصحية، تحت ذريعة الكشف عن "الهدر والاحتيال والإساءة" في الإنفاق الفدرالي وتعزيز كفاءة الحكومة من خلال دمج تلك البيانات مع أدوات الذكاء الاصطناعي. ولكن في غياب جدار حماية قانوني واضح بين الدور العام الذي يؤديه ماسك وبين مصالحه الخاصة فلن تكون هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت هذه البيانات تستخدم بشكل سليم أم لا.

يمكن على سبيل المثال أن يشرع إيلون ماسك في تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركته إكس إيه آي بهذه البيانات، وساعتها لن يكون بمقدور أحد أن يعرف ما إذا كانت المخرجات سوف تخدم الصالح العام أم مصلحته الخاصة.

ومن الممكن أن تولد هذه البيانات مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية للاقتصاد الأميركي، مما يدفع بلدانًا أخرى إلى حذو الخُطا نفسها، ويمنح ماسك عمليا أفضلية حاسمة في السباق نحو بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي الفائقة الذكاء التي لا يستطيع أي منافس أن يضاهيها، وتمكين أشكال جديدة من تصنيف المستهلكين واستهداف السلوك، فضلا عن تعزيز قبضته على الأسواق والمنصات.

وتتجاوز الآثار المترتبة على ذلك مراكمة الثروة وإثراء الذات. وبمجرد وضعها في مكان مناسب، فإن نفس البنية التحتية الخوارزمية التي توفر الميزة الاقتصادية من الممكن أن تُسلَّح لتحقيق السيطرة السياسية. هناك شكاوى بالفعل من أن وزارة الكفاءة الحكومية تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد المشاعر المعادية لماسك وترامب بين موظفي الخدمة المدنية، وقد استقال مسؤولون في مصلحة الضرائب بسبب خطط إدارة ترامب لاستخدام بيانات الضرائب لتتبع المهاجرين.

وعلى عكس ما قد يتبادر إلى الذهن، لا يقتصر الخطر الناجم عن تلك الممارسات على كونه نسخة أميركية طبق الأصل من نظام المراقبة الذي يديره الحزب الشيوعي الصيني، الذي يهدف في المقام الأول إلى تأمين قبضة الحزب على السلطة، بل إن ما قد ينتجه ماسك هو شيء أكثر اتساعا: شبكة مراقبة لا مركزية تعمل بالخوارزميات وتستغل سلطة الدولة، ولكنها مشبعة بحوافز السوق، ومبنية لتعزيز المصالح التجارية والسياسية لأرباب التكنولوجيا المختارين.

إعلان

ولكي نكون واضحين، فإن قبضة شركات التكنولوجيا الكبرى على واشنطن قد لا تكون دائمة. وقد أشار ماسك إلى أن وزارة الكفاءة الحكومية مبادرة محدودة الوقت، ولمّح بالفعل إلى خطط للتخلي عن منصبه الحكومي وسط انخفاض شعبيته العامة والردود العنيفة المتزايدة من المستهلكين ضد شركاته. كما نددت شخصيات بارزة في الجناح الشعبوي من ائتلاف ترامب، مثل ستيف بانون، بماسك وزملائه باعتبارهم "إقطاعيين تكنولوجيين" عالميين عازمين على تحويل الأميركيين إلى "عبيد رقميين".

ومن الجدير بالذكر أن تحالف اليمين التكنولوجي مع ترامب كان دائمًا تحالف مصالح، وليس تحالفا أيديولوجيا، والدليل على ذلك أن سياسات الإدارة حتى الآن فيما يتعلق بالتجارة والهجرة وتمويل العلوم تتعارض في كثير من الأحيان مع المبادئ "التسريعية" (التسريعيون هم الداعمون لتمكين التكنولوجيا من كافة مفاصل الاقتصاد والسياسة دون قيود) التي يتبناها هؤلاء التقنيون مما يعني أن الشراكة بين الطرفين يمكن أن تنهار في أي وقت.

ولكن في الوقت الحاضر، أصبحت عملية الاستيلاء على الدولة من قبل أباطرة التكنولوجيا أمرا واقعا، وجرى بالفعل قلب نموذج البطل الوطني: فبينما كانت الدولة في السابق توجه شركات التكنولوجيا لخدمة المصلحة العامة، أصبحت السياسة أكثر خضوعا للأهداف الخاصة لعمالقة التكنولوجيا. ولسوء الحظ، حتى لو لم يستمر هذا الوضع، فإن الضرر الناجم عنه سوف يستمر.

ففي غضون بضعة أشهر فقط، تسببت وزارة الكفاءة الحكومية في تفريغ قدرات الوكالات الحكومية إلى درجة أنه بعد اختفائها، سوف تظل شركات التكنولوجيا الخاصة ضرورية لملء الفراغ.

المستقبل الهجين

في عام 2021، طَرحتُ ثلاثة مسارات محتملة لمستقبلنا الرقمي: "فإما أن نعيش في عالم تزداد فيه تجزئة الإنترنت وإخضاعه للسيطرة، وتخدم فيه شركات التكنولوجيا مصالح وأهداف الدول التي تعمل فيها، وإما أن تنتزع شركات التكنولوجيا الكبرى السيطرة على الفضاء الرقمي من الحكومات، محررةً نفسها من الحدود الوطنية، وفارضة نفسها قوة عالمية حقيقية. وفي السيناريو الأكثر تطرفا، من الممكن أن ينتهي عصر هيمنة الدولة، لتحل محله نخبة تقنية تتولى مسؤولية توفير المنافع والخدمات العامة التي كانت الحكومات توفرها".

إعلان

بيد أن العالم الرقمي اليوم يبدو أنه يتجه إلى مستقبل "هجين" ينقسم إلى مجالين منفصلين للنفوذ الرقمي. في أحد القطبين تقبع الولايات المتحدة الأكثر "قطبية تكنولوجية" بلا لبس حيث تمارس حفنة من شركات التكنولوجيا والقادة التكنولوجيين الهيمنة الرقمية، ويسيطرون على البنية الأساسية الحيوية، ويمارسون نفوذا مباشرا على السياسة الخارجية والداخلية للبلاد. ويمكن لهذه الشركات والأفراد الذين يديرونها التلاعب بالبيئة المعلوماتية العالمية، وزعزعة استقرار الحكومات الأجنبية، وإعادة تشكيل النتائج الجيوسياسية.

وما يجعل هذا النفوذ أكثر قوة الآن هو أن هذه الجهات الفاعلة تتمتع بدعم ضمني (وأحيانًا صريح) من الدولة الأميركية. وقد أصبحت الحكومات الأجنبية أكثر ترددا في اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا الأميركية ليس فقط بسبب نفوذها الرقمي والاقتصادي، بل أيضا لأن فعل ذلك يخاطر بإثارة ردود عنيفة من واشنطن.

في الواقع، تتمتع الكيانات المدعومة سياسيا من شركات التكنولوجيا الكبرى بميزة الإفلات من العقاب الجيوسياسي: فهي محمية من قبل الدولة ولكنها غير مسؤولة أمامها. وينبغي لهذا الاندماج بين القوة العامة والخاصة أن يسمح للشركات الأميركية بدفع البلدان الأخرى إلى تبني منتجاتها ومنصاتها ومعاييرها.

في القطب الآخر تقع الصين ونموذجها الرأسمالي للدولة، حيث يظل أبطال التكنولوجيا خاضعين كليًّا لسيطرة الحزب الشيوعي. ورغم أن النهج الحكومي الذي تنتهجه بكين ربما يضحي ببعض إمكانات الابتكار والحيوية الاقتصادية على المدى الطويل فإنه يضمن أن تظل التقنيات الإستراتيجية متماشية مع الأولويات الوطنية. وتُظهِر الاختراقات الصينية الأخيرة، من أحدث نماذج التفكير بالذكاء الاصطناعي من شركة "ديب سيك" (DeepSeek) إلى مجموعة شرائح "كلاود ماتريكس 384" (CloudMatrix 384) من شركة هواوي، أن نموذج الصين، على الرغم من هذه القيود السياسية وضوابط التصدير الأميركية، لا يزال يتمتع بقدرة تنافسية عالية.

إعلان

بين هذين القطبين تقع أوروبا، التي كانت تعتبر في وقت ما ثقلا موازنا محتملا لقوة شركات التكنولوجيا الكبرى. لدى الاتحاد الأوروبي عدد قليل من شركات التكنولوجيا المحلية العملاقة، وهو غارق حتى أذنيه في فخ النمو الهيكلي ومشاكل الإنتاجية. ونتيجة لهذا، فإن قدرته على ترجمة طموحاته التنظيمية إلى سيادة رقمية تظل محدودة. وتواجه بروكسل ضغوطا متزايدة لتخفيف القيود التنظيمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على الشركات الأميركية، وربما تتردد حتى في فرض ضرائب على صادرات الخدمات الرقمية الأميركية ردا على رسوم ترامب الجمركية.

وفي الوقت نفسه، تتعرض الجهود القليلة الباقية في مجال حوكمة التكنولوجيا التي تقودها الدول للحصار، حيث يقوضها أباطرة التكنولوجيا الأميركيون مثل ماسك ويخنقها فراغ القيادة العالمي. ومع تعمق التفتت الجيوسياسي والجيواقتصادي والجيوتكنولوجي، تتآكل الضوابط المفروضة على أقطاب التكنولوجيا بسرعة، مما يترك "القطبية التكنولوجية" تنمو دون رادع.

غير أن نتيجة ذلك لن تكون "قطبية تكنولوجية" كاملة تسود العالم، ولكن المزيد من "القطبية التكنولوجية" في الولايات المتحدة، تقابلها كتلة رقمية خاضعة بشكل صارم لسيطرة الدولة في الصين. ولن يكون أمام أغلب الاقتصادات الصناعية المتقدمة من خيار سوى التوافق مع النموذج الأميركي، في حين ستجد أغلب بلدان الجنوب العالمي النموذج الصيني أكثر جاذبية.

ورغم اختلافاتهما الأيديولوجية، فإن النموذجين الأميركي والصيني يتقاربان في الوظيفة. إن أحدهما مدفوع بمنطق السوق، والآخر بالضرورات السياسية، ولكن كلًّا منهما يعطي الأولوية للكفاءة على المساءلة، وللسيطرة على التوافق، وللتوسع على حساب الحقوق الفردية. وفي عالم تنتقل فيه السلطة إلى أولئك الذين يسيطرون على الفضاء الرقمي، تصبح قضية ما إذا كانت السلطة واقعة في أيدٍ عامة أو خاصة أقل أهمية بالمقارنة مع مدى مركزية هذه السلطة وتغولها.

إعلان

وهنا تظهر المفارقة الكبرى في عصر "القطبية التكنولوجية" وهي أنه بدلًا من أن تساهم في تمكين الأفراد وتعزيز الديمقراطية كما كان يأمل رواد الإنترنت الأوائل، فإن التكنولوجيا تعمل بدلًا من ذلك على تمكين أشكال أكثر فعالية من السيطرة المركزية المفرطة وغير المسؤولة. ولربما يؤدي الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الرائدة إلى جعل الأنظمة السياسية المغلقة أكثر استقرارا من الأنظمة المفتوحة، حيث تصبح الشفافية والتعددية والضوابط والتوازنات وغيرها من السمات الديمقراطية الأساسية أعباء وقيودا غير مقبولة في عصر التغيير الهائل.

وسواء وقعت في أيدي الحكومات أو الشركات، يعد تركيز قوة التكنولوجيا بأخطار هائلة على الديمقراطية والحريات الفردية. في عام 2021، كتبت أن "كسوف الدول القومية على أيدي شركات التكنولوجيا ليس أمرًا حتميًّا"، لكن المؤكد اليوم أن "كسوف الديمقراطية" على أيدي أباطرة التقنية الكبار بدأ بالفعل.

_______

هذا المقال مترجم عن فورين أفيرز ولا يعبر بالضرورة عن الموقف التحريري لشبكة الجزيرة

مقالات مشابهة

  • الحكومة: "بداية جديدة" لبناء الإنسان استفادت منها 5.3 مليون مواطن ضمن جهود تعزيز العدالة الاجتماعية
  • قبل عرضه .. التفاصيل الكاملة لمسلسل فات الميعاد
  • الراعي في افتتاح سينودس الاساقفة: نحن هنا لنصل إلى الحقيقة الكاملة التي تحرّرنا وتوحّدنا وتطلقنا
  • تعرف على قائمة أفلام صيف 2025.. التفاصيل الكاملة
  • رئيس الوزراء العراقي يطمئن على الحجاج وخطة مرورية شاملة خلال عطلة عيد الأضحى
  • جبريل إبراهيم يضع أمام رئيس الوزراء كامل إدريس مخاوف تشكيل الحكومة
  • تحرير 143 مخالفة للمحال التي لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق
  • ما هي الشبكات التي تحكم كوكبنا حقا؟
  • تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها
  • بالإنفوجراف.. أبرز أنشطة رئيس الوزراء في أسبوع.. 250 ألف فرصة عمل يوفرها جريان