نواصل الحلقة الثالثة من حكاية محمد حافظ رجب التى فاقت خيال المبدعين وتفوقت على شطحات الشعراء بما تحمله من أحداث لم تخطر على قلب بشر.
بعد رفض رجب الرد على سؤال محفوظ بدأت الحرب المعلنة فمنع نشر أى قصة له فى العدد الخاص للقصة القصيرة فى مجلة الهلال التى يرأس تحريرها الأستاذ رجاء النقاش -وقتذاك-، وعندما سأله رجب عن سبب المنع, قال «النقاش» طلب منى مجموعة من القصاصين هم (محمد البساطى وإبراهيم منصور ومحمد إبراهيم مبروك ويحيى الطاهر عبد الله) عدم وجودك معهم وأنا استجبت لضغوطهم.
كما منعت قصصه من النشر فى صفحة الأدب بجريدة المساء التى يشرف عليها عبد الفتاح الجمل وكانت آخر قصة نشرت له فى المساء بعنوان (موت جلد بائع جلد الساعات) وتأثر بهذا الاسم محمد إبراهيم مبروك فكتب قصته الشهيرة «نصف صمت صوت طائر».
وهكذا اسودت الدنيا فى وجه رجب خاصة وأن هذا الزمن الأدبى كان زمن القصة القصيرة. ولكن هناك من وقفوا مع تجربة رجب تاريخيًا مثل الأستاذ يحيى حقى رئيس تحرير مجلة المجلة، والأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله رئيس تحرير مجلة القصة.
أسئلة يجب أن تطرح الآن بعد رحيل الكاتب العظيم المهضوم حقه.. من الذى رفض طلب رجب التفرغ للكتابة؟، ومن الذى أعطى الأمر إلى الأستاذة سنية قراعة،، ومن الذى كتب التقارير ضده من المثقفين فى اللجنة؟ لقد غضب الراحل العظيم وكتب قصته الشهيرة بعنوان «ماذا قالت الرؤوس الصلعاء حين اجتمعت» وغضب يوسف السباعى عليه وتابعه يوسف الشارونى مساعد (السباعى)، فرض عليه المجلس الأعلى للثقافة شبه حصار فلم يكن يسانده هناك إلا الشاعر فوزى العنتيل، ترى ماذا تفعل حين يكون عملك هو الجحيم؟ فكر رجب أن يعمل صحفياً فذهب إلى أخبار اليوم فطلبوا منه أن يجرى لقاء صحفياً مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم، وبالصدفة السعيدة كان الحكيم فى زيارة للمجلس الأعلى للثقافة بالزمالك، جالساً فى حديقة المجلس ممدداً ساقيه لتتعرض لأشعة الشمس، فاقترب منه رجب، وقال له صباح الخير يا أستاذ أنا محمد حافظ رجب، أريد أن أجرى معك لقاء لصحيفة الأخبار، فنظر له «الحكيم» وقال له أنت يا محمد أديب ولست صحفياً. قال محمد «أريد أن أترك الأدب وأن أعمل بالصحافة», فرد «الحكيم» الصحفيون كلاب صيد صيدهم لغيرهم لا تعمل فى هذه المهنة أبدا.
ويحكى شقيقه السيد حافظ واقعة حدثت بين رجب ولويس عوض.
أرسل رجب رسالة طويلة إلى محمد حسنين هيكل، شارحًا فيها رؤيته للعالم وللأدب وللفكر طالبًا تعيينه فى جريدة الأهرام، وكان الأهرام يقع فى المبنى القديم وليس الحالى فاتصلوا به من جريدة الأهرام وطلبوا حضوره لمقابلة لويس عوض، فذهبت معه، تركنا لويس عوض أربع ساعات فى مكتبه ننتظر المقابلة، وفى النهاية اعتذر السكرتير عن المقابلة ولم يتم تعيينه فى الأهرام، وحين غضب رجب من اضطهاده فى الأرشيف، اعتصم فى المجلس وقام ليؤذن الظهر تحت شجرة بصوت عالٍ وقام بالصلاة، ومن هنا أعلن رجب طلاقه وكفره باليسار، وأعلن يوسف السباعى ويوسف الشارونى أن الرجل قد أصابته حالة نفسية خطيرة ولابد من إيداعه إحدى المصحات النفسية وكانت التجربة الأولى لدخوله فيها.
ظلت قصص رجب تهز كيانات الكتابة التقليدية والواقعية الاشتراكية، وبدأ الجميع يتغير، فقام نجيب محفوظ مثلاً بتغيير أسلوبه فى رواية «ثرثرة فوق النيل» وكذلك معظم الكتاب، ولكن ماذا فعل أصحابه الذين خانوه؟
إبراهيم أصلان مثلاً الذى كان يكتب له رسائل كل أسبوع من الإسكندرية كل رسالة حوالى 16 صفحة، غير كل كتاباته وأسلوبه وكان يسخر من رجب من خلفه.
ماذا فعل إبراهيم منصور عندما هاجم رجب علانية؟
هذا ما سنعرفه فى المقال القادم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ندى خانه الجميع 3 صلاح صيام
إقرأ أيضاً:
قتل اثنين أخطر من قتل ٥٠ ألفا!
ما هذا العالم المنافق الذى نعيش فيه؟!
وما هذه الغابة التى صار الأقوى يأكل فيها الضعيف بكل قسوة؟!
إذا كان قتل اثنين من موظفى السفارة الأمريكية فى واشنطن يوم الأربعاء الماضى عملا إرهابيا ومعاديا للسامية ولليهود، ولا بد من اتخاذ إجراءات متعددة لمنع تكراره، فما هو المفترض أن يحدث حينما تقوم دولة ــ تسمى نفسها ديمقراطية وأخلاقية ــ بقتل أكثر من ٥٠ ألف فلسطينى، وإصابة أكثر من ١٠٠ ألف شخص آخرين وتشريد نحو ٢ مليون شخص، وتحويل المكان الذى يعيشون فيه إلى مكان غير قابل للحياة؟!
مواطن أمريكى لم يستطع أن يتحمل رؤية المزيد من جرائم الإبادة الجماعية فى غزة، فقتل اثنين من موظفى السفارة الإسرائيلية ثم سلّم نفسه بكل هدوء، وقامت الدنيا ولم تقعد، وتحرك غالبية المسئولين الأمريكيين ، وتحدث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن بشاعة الحادث، وأدانت دول كثيرة الحادث.
ليس خطأً أن تدين أى دولة فى العالم عمليات الاغتيال، والتى يفترض أن ندين كل هذا النوع من الأعمال لكن بشرط بسيط أن يكون موقفها أخلاقيا فى الحالات المماثلة، فإذا كانت هذه الدول قد أدانت قتل الموظفين الإسرائيليين، فما الذى يمكن أن تفعله إزاء جرائم الإبادة الإسرائيلية فى قطاع غزة؟!
هذا الحادث وحوادث أخرى مماثلة يؤكد لنا معنى شديد الخطورة وهو أن إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية ترى أن قتل اثنين من الإسرائيليين أهم وأخطر من قتل وإصابة ١٥٠ ألف فلسطينى وتشريد معظم سكانه، وهدم القطاع على رءوس ساكنيه.
وربما هذا المعنى هو الذى يفسر لنا سر عدم اكتراث إسرائيل بكل هذا العدد من الضحايا. فلو كانت إسرائيل تنظر لهم باعتبارهم بشرا متساوين ولهم حقوق إنسانية، لما ارتكبت كل هذه الجرائم.
ومن يتابع الجدل الدائر حاليا فى إسرائيل بشأن المجازر والمذابح المروعة فى غزة سوف يفهم هذا المعنى أكثر.
يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين ـ وهو الحزب المؤلف من تحالف بين حزب العمل القديم وحزب ميرتس اليسارى - أطلق تصريحا مهما خلاصته أن إسرائيل تقتل الأطفال فى غزة كهواية، وأن أى دولة عاقلة لا تتسلى بقتل الأطفال الرضع، وبالتالى فإن إسرائيل فى طريقها لتصبح دولة منبوذة على غرار ما حدث لجنوب إفريقيا العنصرية سابقا، وأن القتل وتهجير السكان يجب أن يتوقف».
تصريحات غولان أثارت الفزع فى المشهد السياسى الإسرائيلى، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصفها بأنها «منحطة ودليل على انحلال أخلاقى، وأن غولان الذى شبّه إسرائيل من قبل بالنازيين بلغ الآن دركا جديدا.
وحينما وقعت عملية مقتل الإسرائيليين الاثنين فى واشنطن فإن نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر اعتبر تصريحات غولان وأمثاله وقودا فى زيادة مشاعر العداء للسامية.
فى نفس التوقيت فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود أولمرت، قال إن ما تقوم به إسرائيل فى قطاع غزة يقترب من كونه إبادة جماعية.
هذا ملخص لحالة الجدل فى إسرائيل هذه الأيام.
أقلية ضئيلة جدا ترى الصورة الصحيحة، وهى أن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية، وأغلبية ساحقة تدعم نتنياهو وحكومة التطرف ترى عكس ذلك، وكان أبرز دليل عليها هو قول وزير المال سموتريتش مؤخرا، كما سوينا رفح بالأرض سنسوى كل غزة بالأرض، نحن لا ندمر البيوت لأننا نستمتع بذلك، بل لأن كل بيت هو نفق وسموتريتش نفسه قال أيضا لا تقلقوا، نحن نعمل بأقصى قوتنا فى غزة وفى الطريق لتدمير حماس فإننا ندمر ما بقى من القطاع».
وقبله وبعده فإن العديد من المسئولين الإسرائيليين يقولون: «يجب قتل كل طفل فلسطينى أو حتى رضيع لأن الجميع سواء».
حكومة نتنياهو اضطرت تحت ضغوط أوروبية وتلميحات أمريكية خجولة أن تهدئ من الاندفاع قليلا، ليس اعترافا بخطورة ما تفعله، بل وحسبما جاء فى افتتاحية صحيفة «هاآرتس» يوم الخميس الماضى، كحملة علاقات عامة، بل إن نتنياهو شرح لأنصاره الصورة بقوله: «نشأت مشكلة لأننا نقترب من الخط الأحمر» أى مشاهد المجاعة. وعلى حد تعبير «هاآرتس» فإن الخط الأحمر قد تم تجاوزه منذ زمن طويل، والدليل أن نتنياهو نفسه وفى نفس التوقيت وعد أنصاره بإكمال السيطرة على غزة، والمشكلة فى نظر نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وأمثالهم ليست فى القتل والتدمير بل فى ضرورة شن حملة علاقات عامة حتى تهدئ عاصفة الانتقادات ضد إسرائيل وبعدها تعود آلة القتل للعمل فى النور بأقصى طاقتها.
(الشروق المصرية)